جميعنا مسافرون عبر الزمن ، فنحن اثناء حياتنا اليومية نسترجع ذكريات الماضي ، ونواجه الحاضر ، وننطلق نحو الحصول على مكافآت المستقبل ، ولكن هل من السهولة ان نعود بحياتنا نحو الخلف؟ ، او نصنع مستقبلا مليئا بالحياة والسعادة بينما نعيش الحاضر؟ إن هذا الامر مرهون بنظرتنا للزمن ، إذ قد نميل نحو التعلق بسجن الماضي أو العيش في لحظات الحاضر او نوجه انظارنا نحو طموحات المستقبل ، وبين هذا وذاك يؤثر كل بعد زمني على نجاحتنا التعليمية والمهنية ، ومدى شعورنا بالصحة والسعادة بشكل عام .
إن هذا ما وجده عالم النفس فيليب زيمباردو من جامعة ستانفورد بشأن نظريته حول ابعاد الزمن ، فبعد بحث دام اكثر من عشرة سنوات ، استنتج زيمباردو ان اتجاهاتنا نحو الزمن تعد المفتاح الرئيسي للتعرف على سمات الشخص مثل التفاؤل او الالفة او التشاؤم ..وغيرها ، كذلك وجد ان منظورات الزمن تؤثر على احكامنا وقراراتنا وتصرفاتنا بدرجة كبيرة ، ووصى زيمباردو بان منظور زمن المستقبل يمكن ان يساعد الطلبة على الدراسة والحصول على تقديرات دراسية مرتفعة.
وعلى الرغم من اعتقاد الباحثين بان منظور الزمن يمكن تعلمه في مرحلة الطفولة إلا ان الثقافة يمكن ان يكون لها أثرا في التوجه نحو منظور زمني معين اكثر من المنظورات الاخرى ، فعلى سبيل المثال يميل الافراد في المجتمعات التي تؤكد على استقلالية الفرد (مثل امريكا الشمالية والدول الاوربية) الى التركيز على المستقبل في حين يميل الافراد في المجتمعات التي تشجع على الارتباط الاجتماعي (مثل الشرق الاوسط وامريكا الجنوبية) الى التركيز على الماضي ، كذلك وجد الباحثون ان للحالة الاقتصادية او مستوى الرفاهية لدى الافراد اثرا على التوجه الزمني ، إذ ان الافراد الذين يعيشون في بيئات فقيرة يميلون الى العيش في الحاضر اكثر من المستقبل في حين يتوجه الافراد الذين يعيشون في بيئات مرفهه نحو المستقبل .
وقد يتساءل البعض هل يمكن ان نغير ابعادنا الزمنية بدل من الانطواء على احداها من دون الاخرى؟؟ ، وللإجابة على ذلك يقول زيمباردو : اننا يمكن ان نتعلم بشكل مثالي تغيير انتباهنا بسهولة بين الماضي والحاضر والمستقبل ، وان نكيف عقولنا بصورة واعية في أي موقف نواجهه ، فإذا تعلمنا كيف نغير وجهة نظرنا نحو الزمن وفق هذه المواقف فأن ذلك سيسمح لنا بأن نعيش حياتنا بشكل كامل وممتع ، فأنت يمكنك ان تسترخي في المساء وتستمتع بكأس من الشراب (في الحاضر) أو تتذكر بعض الاحداث الجميلة التي وقعت منذ زمن قديم مع احد اصدقاءك (في الماضي) ، ورغم ذلك فان تعلم مهارة تكييف ابعاد الزمن وفق المواقف المواجهة تحتاج الى جهود كبيرة من اجل اتقانها .
– ما هو نمطك الزمني ؟
وضع زيمباردو خمسة ابعاد زمنية يمكن ان تحدد شخصية الفرد وسلوكه ، وهذه الابعاد هي:
1. الماضي السلبي : يتمثل في توجيه انتباه الفرد نحو الخبرات السلبية التي حدثت في الماضي ، إذ ما تزال لبعض الخبرات الماضية قوة كبيرة في اثارة ازعاج الافراد وقلقهم ، مما يؤدي الى شعورهم بالمرارة والاسف .
2. الماضي الايجابي : يتمثل في حنين الفرد الى خبرات الماضي الطيبة ، والبقاء متعلق بها بدرجة كبيرة ، وغالبا ما تدور هذه الخبرات حول امتلاك الفرد للعلاقات السعيدة ، لذا تشكل هذه الخبرات دعما للفرد بدلا من اعاقة حياته .
3. الحاضر الممتع : يتمثل بتوجه الفرد المندفع نحو الحصول على اللذة والخبرات الممتعة ، ورفض تأجيل الاشياء التي تجلب له الشعور بالراحة الى وقت اخر من اجل الحصول على مكاسب كبيرة ، ورغم ذلك فان هذا النمط محبوب من قبل الافراد ولكنه يتبع اسلوب حياة غير صحي ولا يكترث للمخاطر التي يمكن ان يقع بها .
4. الحاضر الحتمي : يتمثل بشعور الفرد بأنه مقيد في الزمن الحاضر ، وان ليس لديه القدرة على التحكم والتأثير فيه ، لذا يكون اتجاهه نحو المستقبل والحياة يائسا ومتشائما، مما يؤدي الى شعوره بالاكتئاب والقلق .
5. التركيز على المستقبل : يتسم الفرد هنا بالطموح والتوجه نحو تحقيق الاهداف ومقاومة المغريات في سبيل انجاز الواجبات ، وان عرقلة او تأخر الفرد عن تحقيق اهدافه ومشاريعه المستقبلية تجعله يشعر بالانزعاج وزيادة التحدي والاصرار ، ورغم مميزات هذا البعد إلا انها تأتي على حساب العلاقات الاجتماعية للفرد وشعوره بالراحة.
إن جميع الابعاد الزمنية السابقة تركت أثارا هامة في حياتنا فيما مضى ، إذ من المحتمل ان يكون هناك بعد زمني واحد او اكثر توجهنا نحوه بدرجة كبيرة ، ولكن تبقى عملية التحكم بهذه الابعاد وتطويرها على نحو مرن أكثر اهمية من معرفتها فقط .
– كيف نستعمل منظور الزمن بفاعلية كبيرة :
إن الهدف من التعرف على منظور الزمن ان نكون اكثر دراية باحتياجاتنا النفسية وقيمنا الشخصية ، إذ يأتي تحقيق التوازن والإيجابية في ضوء الاستعمال الجيد للماضي، والعثور على الطرق الصحية للاستمتاع بالحاضر، ورسم الخطط لتحسين ذاتنا وحياتنا المستقبلية .
على سبيل المثال ، يمكننا تحويل الشعور بالندم حول بعض الاخطاء التي حدثت في الماضي الى خبرات ايجابية ، وذلك عن طريق توظيف هذه المشاعر المؤلمة لتغذية دوافعنا نحو عدم تكرار هذه الاخطاء ، وان نشغل انفسنا ببعض المكافآت والانشطة التي تحول انتباهنا عن مشاعر الندم مثل مشاهدة التلفزيون والاستمتاع ببعض النكت وزيارة الاصدقاء ، مما يؤدي الى شعورنا بالمتعة ، وخلق الذكريات السعيدة ، والاعتقاد بإمكانية السيطرة على انفسنا وتغيير المستقبل نحو الاحسن وتجنب المشاعر السلبية مثل الحيرة والشك ، وبهذا نستنتج ان للزمن اثرا كبيرا على افكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا ، وان نهتم به من الآن اكثر من أي وقت مضى .
الابعاد الخمسة لمنظور الزمن : (دراسة في الشخصية) جين كولنكوود مصدر المقالة
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :
الابعاد الخمسة لمنظور الزمن : (دراسة في الشخصية) جين كولنكوود