ما ان يحصل تفجير في بغداد او في مدن المحافظات حتى يسارع هواة (الفيسبوك) الى التقاط اكثر المشاهد دموية ونشرها في مواقعهم عليه.وتتباين الدوافع ،فمنهم من يريد الحصول على اكبر عدد ممكن من التعليقات والاعجابات،ومنهم من يريد ادانة القوى الأمنية المسؤولة عن حياة الناس،ومنهم من يوظفها لأغراض سياسية.الا ان الدافع المشترك هو تعاطفهم الانساني مع ما يصيب اخوتهم من فجائع من غير ان يدركوا تداعيات مشاهد تلك الصور الفجائعية على الحالة النفسية للعراقيين.وما يزيد في تراجيديا تلك الفجائع ان الآخرين ينظمون عنها اشعارا شعبية لتتحول الى مآتم حسينية.
ان تعاطفنا هذا مشروع لاسيما بيننا نحن العراقيين المعروفين بمشاركتنا الوجدانية وانفعالاتنا الصادقة حتى في حالات الوفيات العادية،فكيف اذا كانت بحجم هذه الفجائع.وادانتنا ايضا مشروعة للمسؤولين عن حياة الناس،الا ان اشاعة تلك الفجائع عبر وسائل التواصل الاجتماعي،والتباري في نشر اكثر الصور دموية،مصحوبة بأوجع ما في الشعر الشعبي من وجع،لها تأثيرات سلبية هي بالضد تماما من تعاطفهم الانساني النبيل.
فلدى متابعتنا لأحداث الأربعاء الدامي(10 ايار) تبين ان الذين نشروا تلك الصور قدموا خدمة اعلامية كبيرة لداعش،لأن هذه الصور وثقت من موقع الحدث وبشكل مباشر ما يؤكد قيامها بتلك التفجيرات،وعمل خبراؤها المتخصصون في سيكولوجيا الشائعة على توظيفها بما يعزز قولها ان داعش ما تزال قوية وانها قادرة على ان تصل الى اي مكان في العراق..لتوصل العراقي في النهاية الى التشكيك بقدرة الجيش والقوات المسلحة على مواجهة داعش..وتلك احدى اهم وسائل الحرب النفسية التي تمارسها داعش وكانت السبب الرئيس في سقوط مدن عراقية بعد احتلالها الموصل الحدباء.
وسيكولوجيا ايضا،فان مشاهدة هذه الصور وما يكتب حولها من تعليقات تثير حالة الجزع واليأس من اصلاح الحال..اليكم نماذج من التعليقات التي كتبت عن تلك الصور في الفيسبوك:
” تعبنا والله من هذا اليأس”
“بعد ما يفيد الحجي ،ولا اكو كلام يعبر عن هذه الحالة،ولا مخرج من هذا النفق المظلم والمخيف”.
“انا وعائلتي نتمنى ان نموت معا كما ماتت عائلة صديقي (..) في تفجير مدينة الصدر”.
“بلد ينزف..فواجع بلا نهاية..هذا حالنا ويبدو انه لن يتغير”
“يرعبني ألم يفتك بنا الواحد تلو الآخر”
“وصلنا الى الحد الذي نتمنى فيه الموت..جماعيا!”.
واذا اضفت لها ما ينشر من تعازي مصاغة بأوجع ما في مفردات الشعر الشعبي العراقي..فان وظيفتها السيكولوجية تكون:استهداف روح التحدي،واشاعة كره الحياة والوطن..وتمني الموت جماعيا في مشهد فجائعي..وهذا ما تريده قوى الارهاب والتخلف والفاسدين من السياسيين..بايصال الناس الى التيئيس والاستسلام لهم،واقتناع العراقيين باستحالة التغيير.
نعم ،ان حزننا واحد،ووجعنا واحد،وتعاطفنا مشترك،ولكن يجب ان يكون حزننا تحريضيا ،يثير فينا دافع التحدي بوجه من يتمنى موتنا،وان نكون فيه صادحين بشعر محمود درويش ومظفر النواب ولوركا،لا بمفردات مازوشية حب اللطم والنواح..التي تمنح الفرصة لقتلة الحياة بفواجع اوجع..فبتلك الروح وحدها سيأتي يوم تزدهي به مواقعكم في الفيسبوك بصور الحب والحياة الملونة..التي يعشقها العراقيون.
سيكولوجيا..فواجع الفيسبوك! أ.د.قاسم حسين صالح مصدر المقالة
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :