تحفل العديد من الديانات والثقافات المتنوعة بطقوس وشعائر دينية عديدة ، ويحتل الصوم فيها مكانة كبيرة ، إذ يقوم الصيام في الديانة الاسلامية على الامتناع عن تناول الطعام والشراب ونبذ القبيح من الأعمال والأقوال والابتعاد عن الشهوات ، كذلك يقوم الصيام في الديانة المسيحية على تقليل وجبات الطعام في اليوم فضلا عن توزيعه على الفقراء ، بينما يُعد يوم التوبة في الديانة اليهودية أهم أيام الصيام لديها حيث يصوم اليهود فيه 25 ساعة مع الكثير من الصلوات والادعية ، فضلا عن ذلك يصوم الهندوس بدرجة مشابهة جدا على الديانات السابقة ، إذ يأكل الهندوس قبل شروق الشمس ويمتنعون عن الأكل الى غروبها ، ويسمح لهم بشرب السوائل مع القيام بالتطهر والدعاء والتقرب الى الاله ومساعدة المحتاج ونشر السلام ؛ لذا تشدد وتؤكد هذه الديانات على أهمية الصوم ووجوب تأديته والقيام به ، وذلك من منطلق ان الصوم يمارس أثرا كبيرا على نفس الانسان وتهذيب غرائز وشهواته كحب المال والانانية والحسد والكره والعدوانية ، وليس ذلك فقط بل أن للصوم فائدة كبيرة لجسم الإنسان ، إذ وجدت الدراسة التتبعية التي أجراها العالم Oda Birchinge على أكثر من 7000 صائما يعانون من مشكلات صحية ، إن الصيام لأكثر من شهر يجعل الجسم يتخلص من السموم ويعطيه الفرصة لتجديد قواه وخلاياه ، كذلك يساعد على الشفاء من روماتيزم المفاصل والعضلات، ويخفف من مشكلات الدورة الدموية، والأمراض الجلدية، والحساسية، ومشكلات الجهاز التنفسي، والعين.
– الصوم بوصفه علاجا نفسيا :
أنتبه المختصون في الطب وعلم النفس في الآونة الاخيرة الى أثر الصوم على علاج الاضطرابات النفسية ، إذ أظهرت أولى الدراسات التي اجريت في معهد موسكو في الطب النفسي على يد العالم Yuri Nikolayev عام 1972 على عينة من المرضى المصابين بالفصام (الشيزوفرينيا) ، بأن المصابين تحسنت حالتهم بعد صيامهم لأكثر من اربعة اسابيع ، إذ اصبح المرضى قادرين على اداء بعض الانشطة الحياتية المهمة بعد أن كانوا عاجزين عنها ، وارجع الطبيب Yuri Nikolayev سبب ذلك -على وفق رايه- بأن الصوم جدد الخلايا العصبية ، وحسن من تدفق الدم الى مناطق الدماغ لدى المصابين مما ادى الى تحسن أداء عملياتهم العقلية.
كذلك بينت دراسة Michaelson et,2003 التي اجريت على المصابين باضطرابات النوم (كالآرق ، وصعوبة النوم ، والتقلب في الفراش) بأن حالة المصابين تحسنت بعد 8 أيام فقط ، كما وجدت دراسة Michaelson et,2009 التي أجريت على مصابين بالاكتئاب ، أن الصيام خفف من اعراض الاكتئاب (مثل : الافكار السوداوية ، والحزن ، والشعور بالضيق ، والبكاء ، والشعور بالفشل) لدى 80% من المصابين بعد أسبوع واحد من بداية الصيام .
فضلا عن ذلك اشارت بعض الدراسات الى أن الصيام مفيد في التخفيف من الصداع النصفي وتهدئة الألم ، إذ يرفع الصوم من مستوى السيروتونين في الدماغ ويخفف من وجع الصداع ، كذلك اشارت نتائج دراسة اخرى ان الصيام يساعد المسنين على مقاومة مرض الزهايمر ويحسن من مستوى أدائهم العقلي.
– ما المقصود بالصيام الروحي؟ Spiritual Fasting :
إن الصيام الروحي يختلف كثيرا عن امتناع الشخص لتناول الطعام والشراب أو أدخال شيء ما الى جوف معدته ، إذ ان الصيام الروحي عبارة عن تركيز الفرد على القيام بالأعمال الخيرة والطيبة والابتعاد عن شهوات الذات وملذاتها السيئة ، والذي يتم من خلال توجيه الذات وحثها نحو الايثار وقول الحقيقة ومساعدة الاخرين والتضحية براحة البال والمال في سبيل اسعاد الاخرين ، لذا فان الصيام الروحي عملية تطهيرية لما يصدر عن الذات من افكار سيئة وشريرة لا تنسجم مع الطبيعة الخيرة للانسان او عادات المجتمع وقيمه العليا .
وهذا ما اشار اليه الدكتور Laura De Giorgio بقوله ان الصيام الروحي من ارقى العمليات النفسية الروحية لأنها تحفز الفرد نحو تنقية ذاته من الاثام والوقوع في الخطايا ، وهو يختلف عن الصيام البيولوجي لأن الصيام الروحي يصل بالانسان الى اعلى درجات السمو النفسي الذي يجد فيه الانسان معنى ساميا للحياة ووسيلة لتحقيق الذات والشعور بالقيم العليا في هذه الحياة ، وبهذا فان الصيام الروحي وفقا للعالم Ron Lagerquist عملية روحية مهمة لكل فرد ، إذ ان هذه العملية تساعدنا على حماية انفسنا من اندفاعاتنا الغريزية وحب الشهوات الزائلة وتجعلنا نحب ذاتنا ونرى شخصيتنا على حقيقتها ، فالصيام الروحي يجبرنا على مواجهة الفوضى التي نعيشها ، ويخفف عنا الشعور بالاكتئاب والألم الداخلي والانانية وحب الذات، كذلك يجعلنا نعيش بهدوء وسلام ، ونتخلص بواسطته من ادماننا على بعض الاشياء كإدمان السجائر والاكل وهوس شراء الملابس ومشاهدة الافلام الاباحية ، ونصبح افراد جدد نختلف عما كنا عليه في السابق .
– ستة عادات للقيام بالصيام الروحي :
إن القيام بعملية الصوم الروحي ليست بالسهلة بل تحتاج الى اتباع بعض النصائح والسلوكيات الروحية ، وهذه السلوكيات هي :
1. الالتزام الديني والروحي بتعليمات الله ، وذلك من خلال اللجوء اليه وأداء العبادات الدينية والاوامر الالهية كالصلاة والصوم ومساعدة اليتيم والمحتاج والفقير والغريب والعطف على الصغير وكبار السن والابتعاد عن القيام بعاداتنا اليومية السيئة مثل قول النميمة والكذب والانانية والتحدث بالسوء وازعاج الاخرين وعدم الاحساس بحاجاتهم وراحتهم .
2. توبيخ الذات : يتمثل في توجيه اللوم والنقد للذات عند فعل القبيح ، والرغبة الكبيرة في عدم تكرار هذا الفعل وبذل اقصى الطاقات نحو فعل الخير .
3. التفكير الايجابي : يتم من خلال تحفيز الذات على تذكر النتائج الجيدة والمنافع التي تعود علينا اذا قمنا بالافعال الطيبة لنا وللاخرين ، مقابل تجنب النتائج السيئة والاثام والخطايا وعدم رضا الله الذي قد نحصل عليه اذا قمنا بالافعال السيئة.
4. السيطرة على عواطفنا وانفعالاتنا : تعد الانفعالات الناجمة عن الشهوات أقوى عدو تواجهه الذات ، إذ ان لبعض الانفعالات نتائج تدميرية وخطرة مثل الغضب والشهوة والكراهية ، لذا يجب السيطرة عليها والتحكم فيها ، وتتم هذه السيطرة من خلال تركيزنا نحو مقاومة اشباع الشهوات وتوجيه انتباهنا نحو مواضيع اخرى محببة مثل اللجوء الى الطقوس الدينية أو كتابة شيء معين او رسم صورة او القيام باعمال مفيدة في البيت.
5. التغلب على أنانية الهوية الاجتماعية من خلال مشاركة مشاعر الحب والانتماء مع ابناء الاقليات والمذاهب والطوائف الدينية الاخرى وذلك في ضوء مشاركتهم أعيادهم واحزانهم ومساعدتهم وحمياتهم في ظروف الشدة .
6. التطوع في الاعمال الخيرية والمشاركة في النشاطات الايجابية والهادفة نحو تطوير الذات والمجتمع مثل مساعدة الايتام والفقراء وكبار السن وحملات التوعية الصحية والمدنية كالنظافة ورفض التحرش والتعصب ضد الاقليات .
وبذلك فأن الالتزام بهذه الخطوات سيسهل عليك الطريق نحو القيام بالصيام الروحي ، ومقاومة الاغراءات المادية وتطهير نفسك من شوائب الدنيا ومتعها ، وستشعر بعدها بالراحة والرضا عن عن الذات ، والشعور بطاقة نفسية وبدنية كبيرة نحو الانجاز والعمل .
سيكولوجية الصيام الروحي : المفهوم ، العلاج ، العادات مصدر المقالة
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :