محاور المقال :
– ما هو الوعي التمردي ؟.
– مستويات الوعي التمردي العراقي.
– الوعي التمردي المدني والديني في الشخصية العراقية.
-هل تراجع الوعي التمردي لدى العراقيين؟
بعد انقطاع وعزوف العديد من المواطنين العراقيين في المشاركة بالتظاهرات والاحتجاجات التي بدأت منذ شهر تموز 2015 ظهرت مشاهد وتناقضات عديدة في ساحة الوعي العراقي نحو ارادة التغيير ، فمن جهة يطمح العراقيون نحو تغيير ظروفهم ووضعهم الحالي الى ما هو احسن وافضل الى انفسهم ومستقبلهم الاجتماعي والسياسي ، ومن جهة ثانية اظهر العراقيون انسحاب تدريجي من المشاركة في التظاهرات ضد ما يعانونه من ظلم وفساد ، إذ بعد ما تجمع الملايين من العراقيين في بغداد والمحافظات تراجعت اعداد المشاركين في التظاهرات بدرجة كبيرة وواضحة ، وهذا ما يدعونا الى طرح العديد من التساؤلات حول ما تمتلكه الشخصية العراقية من وعي ثوري وتمردي يدفعها نحو الاصرار والتحدي والكفاح في تغيير وضعها الحالي؟ ، وماهية الظروف والعوامل التي قهرت ارادة العديد من الناس؟ وجعلتهم ينسحبون من المشاركة في قضيتهم المجتمعية ونضالهم في كسر الظلم والقهر؟! .
((ما هو الوعي التمردي؟))
تتحدد هوية اي مجتمع بما يمتلكه افراده من مستويات مختلفة من الوعي والنضج الاجتماعي والسياسي تجاه الاحداث والقضايا التي يتفاعلون معها ويواجهونها بصورة مشتركة ومستمرة ، إذ وفقا لهذا النوع من الوعي تتحدد مدركات افراد المجتمع ودافعيتهم ومستوى نشاطهم نحو التغيير وردع المظالم وسوء الاحوال التي اصابتهم ؛ وهذا ما يطلق عليه علماء النفس بالوعي التمردي ، الذي هو عبارة عن حركة اجتماعية تهدف الى رد الظلم الذي شعر به الافراد تجاه المؤسسات والانظمة التي تحكمهم وتنظمهم . ويظهر هذا الوعي نتيجة شعور الناس بالسخط وعدم الرضا عن الوضع الذي هم فيه ، مما يدفعهم الى تنظيم انفسهم على شكل جماعات أو حركة اجتماعية تهدف الى تغيير وضعهم وتحقيق مصالحهم المشتركة ؛ ورغم ذلك فان هذه الحركة مرهونة بمجموعة من العوامل مثل درجة استياء الافراد ، وتلاقي مصالحهم معا ، وتقارب وجهات نظرهم واتفاقهم حول ما لحق بهم من ظلم وعدوان ، وبذلك تحفز هذه العوامل الناس لأن يصبحوا حركة واحدة ويتوجهوا نحو تحقيق اهدافهم واسترجاع حقوقهم من مغتصبيها .
((مستويات الوعي التمردي العراقي))
رغم أهمية وجود العوامل السابقة في ظهور الوعي التمردي لدى الجماهير ضد مظاهر الظلم والفساد إلا أن الوعي التمردي ليس وليد اللحظة الراهنة بل يظهر نتيجة مراحل متدرجة من الاستياء وشعور الناس بالغضب والحرمان ؛ وتشير الدراسات النفسية وملاحظاتنا تجاه الوعي التمردي في الشخصية العراقية ان التظاهرات التي شهدها المجتمع العراقي ظهر على مستويات متسلسلة ، اول هذه المستويات ظهر بشكل واضح (عبر مدة طويلة من الزمن الصدامي) بعد سقوط بغداد ودخول قوات التحالف الى العراق عام 2004 ، فبعد أن فرح العراقيون في التخلص من نظام صدام حسين واجهوا وضعا مختلفا عما كانوا يتوقعونه من فرص وازدهار وأمان ، إذ تعرض العراقيون لمشكلات لم يكّن بعضها ظاهرا او موجودة بصورة تمامة في الساحة العراقية أبان النظام السابق كالتعصب المذهبي والقتل على الهوية والمحاصصة السياسية والاتجار بالدين ..الخ ، هذا الامر قاد العراقيون نحو ظهور المستوى الثاني ما بين عام 2006-2010 ، ويتحدد بـ(الشعور بالاستياء والتعبير عنه الى العلن) وهنا يجب القول بعد ان كان العراقيون يخافون من التعبير عن سخطهم تجاه نظام صدام حسين اصبح لديهم -بعد سقوط بغداد- حرية مفتوحة في التعبير عن رايهم ، إذ اصبح العراقيون يتشاركون ويتناقلون ألمهم ومعاناتهم وبؤسهم بصورة علنية الى بعضهم البعض وهذا من شأنه ان يولد المزيد من الاحتقان والاحتجاج لديهم ، ورغم ذلك فان التمرد والاحتجاج هنا لفظي فقط من دون ان يأخذ اي مسار عملي ، لذا كان الوعي التمردي في الشخصية العراقية محبوسا في داخلها ولم ينظم كحركة ثورية تهدف الى التغيير ، أما بعد هذه المرحلة التاريخية عاش العراقيون حقبة صراع مذهبي مرير بين السنة والشيعة ، ودخلوا في مرحلة فساد عارمة اصبحت فيها الرشوة والمحسوبية سلوكا اجتماعيا مقبولا في كافة مرافق الدولة ، كما نهبت فيها حقوق المواطنين مقابل ارتفاع ارصدة المفسدين والمنتفعين من الاموال والثروات لدرجة اصبح فيها بعض الاشخاص يتحكمون في مقدرات وارواح اكثر من 30 مليونا مواطنا عراقيا ، وبهذا دخل الوعي العراقي الى مرحلة التمرد العملي ، الذي ظهر على شكل احتجاجات ومسيرات تنادي ضد الطائفية والفساد ، ورغم ذلك فان هذه الاحتجاجات ( بين عام 2010 الى 2014) كانت ذا وتيره متقطعة تظهر لمدة محدودة من الزمن ومن ثم تخمد ، وسبب ذلك ان هذه التظاهرات كان يقودها التيار اليساري والمدني في العراق ، الذي لا يحظى بشعبية واسعة كالتيار الاسلامي المحافظ ، فلم يكن لرجال الدين (السياسيين خاصة) اي دور فاعل وكبير في تلك التظاهرات آنذاك لأنها تمثل تهديدا ضد مصالحهم .
((الوعي التمردي المدني والديني في الشخصية العراقية))
في عام 2014 اصبح الوضع السياسي والاجتماعي في العراقي متأزم جدا ، إذ ظهر في هذا التاريخ تنافس عدائي شديد بين القوى السياسية (التحالف الوطني –القائمة العراقية – القوى الكردية) في العراق بشأن من سيتولى حكم البلد ، واثارت رغبة نوري المالكي في تولي الحكم للمرة الثالثة بعد فشله وتمرد الكيان السني والكردي عليه جدلا وغضبا كبيرا لدى السياسيين والناس في الشارع العراقي ، فضلا عن ذلك احتل داعش بسبب الفساد وهشاشة المؤسسة العسكرية العراقية مناطق واسعة من العراق ، مما اصبح المواطن العراقي على درجة عالية من الغليان والخوف في الوقت نفسه ، لذلك كان لابد له من النهوض واسترجاع حقوقه وتغيير وضعه السياسي الراهن ، لذا بدا العقل الجمعي العراقي يعزز ويمد جذوره الاجتماعية من أجل البقاء والتوحد والتماسك من جديد في سبيل الشعور بالأمن والوقوف ضد رموز الفساد وضياع المليارات من الدولارات في ارصدة قادتها وفشل مشاريعهم الحكومية ، لذا بدأ الوعي التمردي العراقي يأخذ مسارات خطيرة وجدية في قلب المعادلة السياسية من جديد ، وكان ذلك بتشجيع ودعم المرجعيات الدينية (التي كانت ساكتة نوعا ما في تقديم الدعم للتظاهرات التي خرجت في وقت سابق ضد حكومة نوري المالكي بحجة ان الوقت غير مناسب لذلك ) نحو تأسيس الحكومة المدنية ولتظاهرات تموز 2015 ، التي اعطت الطابع العراقي منحى معرفي جديد يختلف عن السابق في التحرك ضد الظلم والفساد ، إذ خرج على أثر ذلك الملايين من العراقيين يرددون شعارات الرفض والفساد ضد رموز السلطة الفاسدة ، وبهذا الصدد يمكن الاستنتاج ان الوعي التمردي في العراق مرهون بمجموعة من القوى ، أهمها الدرجة التي وصل اليها وعي المواطن العراقي ومستوى تفكيره بضرورة التغيير ، ونفوذ القوى الدينية وهيمنتها على العقلية العراقية (لأن الملايين من العراقيين لم يشاركوا في التظاهرات لولا تشجيع المرجعية الدينية لهم) ، والخوف من تراكم الفساد وبلعه بعض المتنفذين من السياسيين لمؤسسات الدولة ومقدراتها من الاموال والثروات .
((هل تراجع الوعي التمردي لدى العراقيين؟))
ان المتتبع لحركة التظاهرات في نهاية الاسابيع الماضية يجد ان اعداد المتظاهرين قد انخفض الى درجة كبيرة ، لدرجة تراجع فيها الوعي التمردي لدى الناس من المستوى العملي (الثوري) الى المستوى اللفظي (الشكوى والاعتراض فقط) ، ولهذا الامر وفق الملاحظة الميدانية اسباب كثيرة ، منها مماطلة رئيس الوزراء حيدر العبادي في تطبيق اصلاحاته بصورة واقعية ، وشعور الناس بعدم الجدوى من التظاهر نتيجة تأخر الاصلاحات ( فهم لم يروا بأعينهم محاكمة اية فاسدين من الرؤوس الكبار في الدولة ) فضلا عن انشغال الناس بالاحداث الاخيرة كفيضانات بغداد ، والمناسبات الدينية ، والاشغال المتعمد للناس بمسألة الرواتب والسلم الوظيفي ، والشعور بالعجز والخيبة ، لذلك بدأ الكيان التمردي العراقي يضعف من جديد رغم الحاجة الفعلية اليه ، ولكن هذا لا يعني ان تقهقر الوعي التمردي في الشخصية العراقية الى المستوى السابق (اللفظي) دليل على الاستسلام لان مستويات الوعي التمردي تحكمها حركة المد والجزر مادام المواطن يشعر بالظلم والاستياء ، فمن الممكن ان يتقدم المستوى التمردي من جديد بقوة في الايام القادمة حالما تزول المسببات ، لتثبت لنا الشخصية العراقية مدى جدتها ووعيها الثوري في تغيير وضعها الراهن .
مسيرة الوعي التمردي في الشخصية العراقية من عام 2004 الى 2015 – علي عبد الرحيم صالح مصدر المقالة
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :
مسيرة الوعي التمردي في الشخصية العراقية من عام 2004 الى 2015 – علي عبد الرحيم صالح