من هو المريض النفسي ؟
المريض النفسي هو كل من يعاني أو يعاني من حوله من آثار المشاكل التي تصيبه في سلوكه أو وجدانه أو أفكاره. وهذا التعريف قد يشملنا جميعاً بحال من الأحوال، ولكن يجب أن نظهر عدة نقاط حتى يستقر بنا هذا التعريف إلى حقيقة المرض النفسي:-
أولاً: هناك فرق بين الأعراض النفسية و الأمراض النفسية: مثلاً كلنا نصاب بالحزن أو الكآبة من موقف ما مثل الفشل في اختبار ولكن هذا يختلف عن اضطراب مرض الاكتئاب الجسيم. حيث إن عرض واحد مثل الكآبة قد يصيب الإنسان العادي، ولكن هذا لا يتحول إلى اضطراب اكتئاب جسيم إلا باجتماع أعراض أخرى مثل عدم الإحساس ببهجة الحياة وفقدان الطاقة على العمل وقلة التركيز والإحساس بالذنب وعدم القيمة وتمني الموت وربما بعض الأعراض الجسمانية مثل الصداع.
ثانياً: مدة المعاناة من الأمراض النفسية: المعاناة من الأمراض النفسية هي أساس المرض النفسي ولكن كما قلنا كلنا شعرنا بالحزن و الكآبةوكذلك قد نكون شعرنا ببعض الأعراض الأخرى التي تم ذكرها سابقاً، لكن هل هذه الأعراض استمرت وقتٍ كاف للتشخيص، مثلاً الاكتئابيجب أن تستمر هذه الأعراض أسبوعين على الأقل. فليس كل حزن اكتئاب.
ثالثاً: القدرة على التكيف مع الحياة: المرض النفسي مكون من عدة أعراض لمدة طويلة تؤدي في النهاية لصعوبة التكيف مع الحياة مثل الاندماج في العمل والمبادرة الاجتماعية والتفاعل اليومي ومواجهة تحديات الحياة. فمثلاً كلنا نحزن على عزيز فقدناه ولكننا نذهب للعمل أو نذهب لإتمام مراسم الدفن والعزاء وإجراءات الوراثة.
من هو الفرد السليم نفسيا؟
سؤال يجب أن نفرضه ونجاوب عليه لأنه يعطينا الكثير من التجاوب مع ضعف المريض وكذلك لتفهم سلامة وصحة المرضى. فليس كلالمريض النفسي غير طبيعي أو غير مقبول، فالمريض النفسي قد يعاني من قلق أو توتر من موضوع محدد ولكنه في التعامل مع المواضيع الأخرى قد يكون هو الأكثر حكمة وشجاعة.الفرد السليم نفسياً، هو الذي لديه القدرة على العيش بدون خوف أو ذنب أو قلق وأن يتحمل المسئولية عن أفعاله. هو الذي لديه التبصر بنفسه وبقدراته العاجزة. هو الفرد القادر على التحكم في عالمه الداخلي والخارجي. هو الفرد القادر على التكيف. هو الشخص الراضي عن أفكاره وسلوكه ووجدانه ويتوافق هذا مع ثقافته ومجتمه وروحانياته.
بالطبع إن تعريف الفرد السليم نفسياً لا ينطبق على أحد الأشخاص طول الوقت. فالفرد السليم نفسياً هو سليم بعض الوقت ويعاني بعض الوقت. والمريض النفسي هو من يعاني معظم الوقت فيجب أن نتفهم معاناته وكذلك يجب أن نتفهم وجهة نظره وأفكاره ونقبله حيث إنه في أوقات رغم معاناته تكون له آراؤه أو أفعاله التي تفيده وتفيدنا.
أسباب الأمراض والاضطرابات النفسية:
إن التقدم الطبي في الأمراض النفسية ظهر في العقدين الأخيرين بشدة مما جعل الفهم الطبي والعلمي للأمراض النفسية يوازي ما يحدث في فروع الأمراض العضوية الأخرى. والحقيقة إن البحث والتقدم الطبي في مجال الطب النفسي انتقل من مجرد وصف دقيق للأعراض وتقسيم للإضطرابات النفسية إلى مرحلة أبعد من هذا وهي البحث في الأسباب الحقيقية للمرض النفسي و ذلك بعد البحث في وظائف المخ التي لها علاقة بالأفكار والوجدان والسلوك. حتى إن تصوير وظائف المخ الحديث يكشف الكثير عن المعاملات بين المراكز المختلفة في المخ وسيطرتها على السلوك والوجدان والأفكار الإنسانية. وهكذا نجد أن المخ هو العضو المسئول عن تنظيم السلوكيات والوجدان والأفكار بمختلف أشكالها وأي اضطراب فيه يسبب اضطراب بهذا التنظيم و ينتج عنه أعراض نفسية.والتأثير الحادث على المخ(و هو العضو المسئول عن انتظام صحتنا النفسية) قد يحدث لأسباب عدة وهي:-
أولاً: اضطراب ناتج من خلل وظيفي بخلايا مراكز المخ المسئولة عن الأفكار أو الوجدان أو السلوك. وقد ثبت أن تغير أو نقص أو زيادة بعض المواد الكيماوية بالمخ هي سبب من أسباب الاضطرابات النفسية، فنجد مثلاً أن زيادة الدوبامين أو السيروتونين له علاقة بأعراض مرض الفصام والذهان. وأن نقص مادة السيروتونين والدوبامين والنورادرينالين له علاقة باضطرابات الاكتئاب والقلق والمخاوف.
ثانياً: اضطراب ناتج من خلل بالتوصيلات العصبية لمراكز المخ المسئولة عن الأفكار أو الوجدان والسلوك. وهذا له دور في تفسير اضطرابات مثل اضطراب الفصام واضطراب التوحد وفرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال.
ثالثاً: تأثر خلايا المخ بإصابات أو خلل وظيفي حادث في أعضاء أخرى بالجسم الإنساني. فمثلاً نجد أن بعض الأشخاص لديهم مشاكل بالقلب أو الدورة الدموية تكون لهم بعض الجلطات التي قد تصيب القلب أو تصيب المخ أيضاً. وعند حدوث هذا بالمخ يحدث اضطراب وظيفي حسب مكان الجلطة وتأثيرها على خلايا المخ ما يسبب أحد الاضطرابات النفسية. كذلك قد يحدث خلل بخلايا المخ ويشتمل هذا على اضطراب في الإيقاع الكهربي الطبيعي الموجود بالمخ مما يسبب اضطرابات نفسية لها صلة بالبؤر الصرعية والنشاط الكهربي بالمخ. وقد يعاني كثير من المرض المزمنين لأمراض السكري والروماتيزم والروماتويد والذئبة الحمراء واضطراب الغدة الدرقية والنخامية من اضطرابات نفسية نتيجة لتداخل أثر هذه الأمراض على خلايا المخ مما يؤدي إلى اضطراب الاكتئاب الجسيم والاضطراب الوجداني ثنائي القطب والفصام والذهان.
رابعاً: تأثير المواقف الضاغطة على تكون المرض النفسي.
لقد تم دراسة الضغوط الحياتية وتأثيرها على المرض النفسي مثل الضغوط الاجتماعية من انفصال أو طلاق أو فقد ان عزيز أو الضغوط الاقتصادية أو الضغوط الدراسية وغيرهم. والحقيقة إن هذه الضغوط تتحول وتترجم في المخ إلى تأثيرات كيميائية من ارتفاع الكورتيزون وبعض المواد الكيميائية مثل النورادرينالين والسيروتونين وقد يحدث خلل للمراكز التي تتحكم في تكيف الإنسان نتيجة لتكرار الضغوط وأيضاً نتيجة لتكوين كل فرد. حيث إننا لسنا جميعاً لنا القدرة على التكيف بنفس الدرجة. وعند هذا قد يحدث وتتسبب بعض الأمراض النفسيةنتيجة للضغوط الحياتية وتأثيرها الكيميائي على المخ. كما أن الترجمة النفسية لما يحدث حولنا وتقبلنا له مع الضغوط الحياتية هو تغير كيميائي وتفاعل كيميائي مع خلايا المخ يمكن معرفة أسبابه واختلافاته. وهكذا فإن المرض النفسي أصبحت أسراره أكثر معروفة عن ذي قبل وفي السنوات المقبلة ستكشف الأبحاث عن مزيد من أسراره وأسباب المرض النفسي. الذي أصبح مثل أي مرض له أسباب عضوية بالمخ ويمكن علاجها.
هل المرض النفسي معدي؟
إن الأمراض والاضطرابات النفسية لها أسباب كثيرة كما ذكرنا، ولكن انتقال المرض عن طريق العدوى أو الفيروسات والبكتريا غير وارد لأن أسباب المرض في الأصل ليست لها أصول فيروسية أو بكتيرية. وربما كان المقصود من بعض السائلين عن هل المرض النفسي يؤثر في الآخر حتى يكن لديه مرض نفسي والحقيقة أن هذا لا يحدث بالنسبة للاضطرابات النفسية من اكتئاب و قلق. ولكن من المعتاد أن نعرف أن المشاعر وليس الأمراض مثل أعراض ومشاعر الإحباط أو الكآبة أو البجهة تنقل للآخرين وهذا ما يسمى بالتفاعل الإنساني والتعاطف وليس العدوى. فمثلاً عند ابتسامك لشخص ما قد يبتسم أو أنك قد تشعر بالحزن لحزن صديقك وهذا كله في مجال التفاعل الإنساني الطبيعي ولا يعد عدوى مرضية. وهناك أحد الإضطرابات النفسية التي تسمى بالاضطراب الذهاني المشترك لإثنين أو أكثر في هذه الحالات قد يتخيل أحد الأشخاص مواقف غير موجودة وغير صحيحة ويؤمن به أو يصدقه أحد المخالطين له. وهذه ليست عدوى ولكن تأثير شخص على آخر. وعند معالجة الشخص المريض وإبعاد الآخر عنه يتكشف للشخصين الأسباب الحقيقية للأمور.
هل للوراثة دور في الأمراض النفسية؟
وما هو حجمها الحقيقي؟ الحقيقة أن الاضطرابات النفسية مثل الأمراض العصبية والباطنية الأخرى (السكري- ارتفاع ضغط الدم- وغيره) لها مسببات وراثية. ولكن الذي يجب ذكره في هذا المجال الآتي:-
أولاً: العامل الوراثي في الأمراض النفسية ليست حتمياً. أي أن المريض النفسي لا يمكن أن نثبت أنه سيورث مرضه بالتأكيد لأولاده. بل إن احتمال التوريث موجود.
ثانياً: يزيد احتمالات الإصابة بالأمراض النفسية عند زواج الأقارب المرضى أو المرضى.
ثالثاً: المرض النفسي الموروث يصيب الأبناء بصورة قد تكون أكبر في بعض الأمراض.
رابعاً: نسب الإصابة بالمرض النفسي، لا تزال ثابتة في المجتمعات رغم الجزء الوراثي في الاضطرابات النفسية. بغض النظر أن هذه المجتمعات تزوج أبناؤها للأقارب أو هي مجتمعات أكثر حرية. مما يدل على أن الجزء الوراثي في المرض يمكن تجنبه وهو غير حتمي.
نسمع في كثير من الأحيان أن الأمراض النفسية في زيادة وأن نسبة الإصابة بها ازدادت ما حقيقة هذا؟
الاضطرابات النفسية موجودة بالطبع في كل المجتمعات وربما تزيد أو تنقص ولكنها دائماً في حدود نسب انتشار متشابهة. مما يدل على أن الأبعاد الثقافية والروحية والاقتصادية والاجتماعية ليس لها دور وحيد في الإصابة بالمرض. ولكن بالطبع يكون لها دور أكيد في تكوين أعراض المرض فبالطبع اكتئاب السيدات يختلف في أعراضه عن اكتئاب الرجال. واختلالات (ضلالات) المثقف المصاب بالفصام قد تكون مختلفة عن إختلالات (ضلالات) الشخص غير المتعلم المصاب بالفصام. بمعنى أن اكتئاب السيدات يظهر أكثر في شكل شكاوى من صداع وقولون عصبي وعسر هضم مع الكآبة وعدم البهجة أما في الرجال فهو عدم تركيز وإحساس بالضآلة مع الكآبة وعدم البهجة.
الاضطرابات النفسية لم تزداد ولكن الوعي بها ازداد. كما أن الخدمة والتقدم العلمي الحادث في الطب النفسي دفع الكثير للتخلص من معاناتهم عن طريق الطبيب النفسي. هذا كله قد يصور للبعض الزيادة في المعاناة من المرض النفسي والحقيقة هي زيادة المساعدة عن طريق الطب النفسي. دائماً ما يكون هناك نسب ومؤشرات مختلفة للاضطرابات النفسية، المؤشر الأول يعطي فكرة عن مدى انتشاراضطراب نفسي الآن، والآخر يعطي فكرة عن مدى انتشار هذا الاضطراب طوال حياة الفرد. أي أن الفرد قد يصاب في فترة من فترات حياته فقط. والحقيقة أن الزيادة في النسب تكون بالطبع أكثر عندما يتم حسابها في مدى انتشار المرض في المجتمعات طوال حياة الفرد وهذا ما يخلط الفهم على البعض وكأنه زيادة في انتشار المرض.
أهم نسب انتشار المرض النفسي هي: –
- الفصام 0.5 – 1 %
- الاكتئاب الجسيم 5 – 10%
- الاضطراب الوجداني 0.4 – 1.6%
- الهلع 1.5%
- القلق العام 3-5 %
- الوسواس القهري 2 – 3%
- المخاوف الاجتماعية 2.5 – 10%
- المخاوف الخاصة 5 – 10%
حقيقة العنف لدى المرضى النفسيين:
الغضب هو أحد المشاعر الإنسانية التي قد يتولد فيها العنف. والعنف له أسباب لدى الأفراد الغير مرضي، والمشكلة كلها أن العنف يمكن تفسيره لدى الشخص العادي بأشياء مثل الإحساس بالظلم أو الزهق أو الاندفاعية أو تعاطي المخدرات أو السلوك المعيب من سرقة أو نهب أو حتى عنف بسبب مشاعر الحب. ولكن المرضى النفسيين يتم تصنيف غضبهم أو عفنهم أنه مرض بلا سبب وهذا غير صحيح. والحقيقة أن عنف الأسوياء أكبر وأكثر شراً فإننا لم نسمع أن أحد المرضى الذهانيين قد أعلن حرباً أو ألقى قنبلة ذرية. العنف قد يظهر على المريض العقلي في حالة ما إذا كانت هناك هلاوس أو اختلالات (ضلالات) تدفعه أو تأمره بهذا، كذلك في الاكتئاب أو الهوس للتخلص من الحياة. وعند تفهم المرضى النفسيين ومتابعتهم لطبيعتهم يصعب حدوث أي مشاكل عنيفة. فالمهم هو العلاج والمتابعة وتفهم المريض أما الخوف منه وحجزه للأبد بمستشفى بدعوى الخوف من عنف لم يحدث فهو أمر غير عادل وعنيف.
ما هي حقيقة العلاج النفسي هل هي علاجات أم مجرد مهدئات؟
المرض النفسي هو اضطراب عضوي بالمخ ويظهر هذا في شكل أعراض نفسية وسلوكية أو في المشاعر أو الأفكار. وعلاجها يكون بأدوية تزيل الاضطراب الحادث في مراكز المخ المسئولة عن هذا. والأدوية المستخدمة ليست مهدئات أو منومات بل هي أدوية علاجية لها أكبر الأثر في العلاج واختفاء الأعراض التي يعاني منها المريض.
هل جلسات العلاج الكهربي عقاب للمرضى وما هو استخدامها؟
العلاج بالصدمات الكهربية هو علاج لبعض الاضطرابات النفسية وهو علاج مفيد وناجح. وكما قلنا الأمراض النفسية لها أعراض وأسباب وعلاج. وعلاج الصدمات الكهربية هي علاج حقيقي وليس عقاب وقد اختلط على الناس بسبب ظهورها في الإعلام والأفلام السينمائية على هذا الشكل دون تحقيق علمي. وجلسات الصدمات الكهربية حالياً يتم إعطاؤها تحت تخدير كامل للمرضى التي يحتاجونها فقط حسب التشخيص المناسب. والتشخيصات التي تستلزم علاج بالصدمات الكهربية هي:
- الاكتئاب الجسيم.
- الحالات الحادة من الفصام والاضطراب الوجداني والذهان.