م. د. حسين أحمد السرحان
رئيس قسم الدراسات الدولية / مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
تشرين الأول/ أكتوبر 2016
أقر الكونغرس الامريكي في 28/ايلول الماضي قانون “العدالة ضد رعاة الارهاب” المعروف أختصارا بــ(جاستا) Justice Against Sponsors of Terrorism (JASTA)بعد فيتو الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي سبق وان رفض القانون بدعوة انتهاكه الصارخ لمبادئ القانون الدولي ولما يمكن ان يخلفه من سلبيات على الولايات المتحدة نفسها في علاقاتها الدولية من جانب، وخشية السعودية من ان يكون القانون حائط صد لسلوكياتها في ملفات الصراع في المنطقة من جانب آخر. عليه، ومن خلال طبيعة القانون، مالذي يجعل السعودية متخوفة من تداعيات القانون وماهي مبررات الموقف السعودي هذا؟
يُلاحظ ان المواقف الاميركية الرسمية حول اقرار القانون اعلاه شكلت عاملا مؤثرا في بلورة الموقف السعودي الرافض للقانون والذي يدعوا الكونغرس الاميركي الى تجنب الآثار السلبية للقانون على علاقتها مع الولايات المتحدة.
عند متابعة ردود الفعل من الداخل الامريكي نلاحظ ان موقف البيت الابيض كان سريعا تجاه خطوة الكونغرس في التصويت على القانون ونقض فيتو الرئيس. ففي لقاء للرئيس اوباما على قناة “” CNN الاميركية أكد ” أن المصوتين لصالح قانون جاستا لايعلمون فحواه ولم تكن هناك مناقشة بشأنه مشيرا الى ان اسقاط الفيتو كان خطأ كبيرا قد يتسبب في مقاضاة اميركيين في الجيش حول العالم ويجعلهم عرضة للمساءلة القانونية وهو ما قد يؤثر على الاعمال العسكرية الاميركية في كل مكان”.
كذلك اعرب السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الاغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الاميركي عن مخاوفه بوجود عواقب للقانون المذكور والذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الارهابية بمقاضاة دول أجنبية. وأضاف ماكونيل ان تركيز المشرعين كان منصبا على احتياجات وتعويضات لعائلات ضحايا 11/سبتمبر ولم يأخذوا الوقت الكافي للتفكير في العواقب، وان الجميع كان يدرك من المستفيدين ولكن لم يركز أحد على الجوانب السلبية المحتملة فيما يخص العلاقات الدولية.
وقد اشار تقرير للفايننشال تايمز بشكل اكثر صراحة الى ان التشريع الأمريكي الجديد ربما يكون جزءا من تغير عميق في علاقات السعودية بالغرب بسبب مزاعم ارتباطها بالتشدد الديني، وتصرفها في الحرب باليمن.
وفي ذات السياق اكد عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي، كريس ميرفي، قوله بشأن السعودية وتعاملها في اليمن ” لقد رجوناهم أن يحرصوا في تحديد أهداف الغارات الجوية، وبيّنا لهم ما هي الأهداف التي لا ينبغي أن تُضرب، فلم يستمعوا لنا، والرسالة التي نوجهها لهم اليوم هي أن دعمنا لهم مشروط“. ويضيف ميرفي “هناك ارتباط تناسبي بين الأموال السعودية والوهابية التي تذهب إلى مناطق معينة في العالم ونجاح القائمين على تجنيد الإرهابيين في مهمتهم”.
مخاوف البيت الابيض هذه مع مواقف بعض الساسة الاميركان تجعل من السعودية تشعر بالخشية من ان يطالها مضاعفات هذا القانون على الصعيد السياسي بالدرجة الاولى وتخشى ان يشكل خط صد يقف بوجه سلوكياتها في المنطقة. فالسعودية لازالت متيقنة بأنها حليف قديم للولايات المتحدة الاميركية والغرب وهي شريك اساسي لهما في قضايا الشرق الاوسط الامر الذي منحها اجازة التدخل المباشر وغير المباشر في صراعات المنطقة. كما انها شريك اساسي في عمليات مكافحة الإرهاب، وفي الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” داعش الارهابي.
هذا الموضوع دفع الى موقف سعودي ينم عن الشعور بالخطر الامر الذي دفع الامير محمد بن نايف الى القول ” ان بلادنا مستهدفة وسنحصن أنفسنا ” ولا يُعرف بالضبط ما هي التحصينات التي اشار لها الامير والتي تحضّرها السعودية العربية لحماية اصول رسمية تقدر بـ(750) مليار دولار على شكل سندات واصول اخرى داخل الولايات المتحدة.
كذلك أعربت السعودية وعلى لسان وزير الثقافة والاعلام عادل الطريفي عن امله في اتخاذ الكونغرس الامريكي لخطوات من شأنها تجنب العواقب الوخيمة التي قد تترتب على سن قانون جاستا”. واكد مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين 3 تشرين الاول الجاري ان ” اعتماد قانون جاستا في الولايات المتحدة الامريكية يشكل مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي الدولي الذي تقوم العلاقات الدولية فيه على مبدأ المساواة والحصانة السياسية”.
ومع وجود كثير من الدول متهمة في دعم متشددين في الهجمات ضد الولايات المتحدة، وعدم ذكر اسم المملكة العربية السعودية في القانون، وتأكيد خبراء القانون الدولي والقانون الامريكي على ان الحصول على تعويضات من حكومات اجنبية امر في غاية الصعوبة، ولايوجد دليل حتى الان على ان السعودية كانت تقدم مساعدة للمتشددين. وطمأنة رئيس اللوبي السعودي سلمان الانصاري السعوديين بذلك، الا ان القلق الاساسي اليوم متأت اصلا من السلوك الامريكي المتغير بشكل يبدوا راديكاليا في العلاقة بين البلدين الحليفين والذي اوصل علاقاتهما الى هذا المستوى من الريبة لاسيما في ظل الادارة الديمقراطية الحالية التي باعت كل الارث التأريخي لعلاقات تحالف استراتيجي بسرعة وعلى نحو مفاجئ لفائدة ايران الخصم اللدود للسعودية في المنطقة. وهذا القلق هو العامل الاساس في الموقف السعودي من القانون.
ففي الوقت الذي شعرت فيه السعودية بتعرض علاقتها مع الولايات المتحدة الى صدمة شديدة من الجانب الاميركي في كانون الاول 2015 مع الاتفاق النووي مع ايران وخشية تبدل خارطة التحالفات في المنطقة، فأنها اليوم – ومع قانون جاستا – شعرت بصدمة اخرى بدلالة موقفها من اقرار القانون في الكونغرس . وفحوى هذه الصدمة هو تجدد الخشية من تبلور موقف اميركي يُعيد خارطة التحالفات في المنطقة لصالح ايران الفاعل الاقليمي صاحب الدور الواضح على الارض في بيئات الصراع في الشرق الاوسط (العراق، سوريا، اليمن، لبنان ). لاسيما مع ادراك السعودية لتغُير المواقف الاميركية – الايرانية تجاه بعضها البعض بأتجاه التقارب حتى على الصعيد الاقتصادي بعد رفع العقوبات المفروضة على ايران.
ومع ان السعودية ترى في نفسها – كما اسلفنا – طرف مهم في التحالف الدولي في القضاء على داعش والتنظيمات المتشددة والارهابية الاخرى وتجفيف منابع تمويلها ماديا وفكريا وضمان بئية مناسبة لعدم ظهورها مستقبلا، الا انها تخشى من ان تكون في موضع اتهام بكونها داعمة للتشدد. وبالتالي ربما تشعر (السعودية) ان أقرار قانون (جاستا) في هذه المرحلة – مرحلة تبلور ارادة أميركية وغربية هدفها القضاء على التنظيمات المتشددة والارهابية في العراق وسوريا ـــ يعزز جعلها في زاوية الاتهام في الوقت الذي تعمل فيه جاهدة على ابراز مواقف متكررة على كونها ضد التشدد والتنظيمات المتشددة من جانب، ويقوض جهودها في لعب دور في مكافحة الارهاب في اطار التحالف الدولي ضد داعش.
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :