ميثاق مناحي العيساوي
باحث في قسم الدراسات الدولية/ مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
تشرين الأول – أكتوبر 2016
مع اقتراب أول مناظرة رئاسية في الولايات المتحدة، أورد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مجموعة من الاقتباسات من المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” والمرشح الجمهوري “دونالد ترامب”، إلى جانب مواقف حزبيهما حول القضايا الرئيسية الخاصة بسياسة الشرق الأوسط. وقد كان بالفعل الشرق الأوسط محور الصراع التنافسي بين الطرفين، إذ أن هناك رأي مختلف لكل مرشح عن الآخر في ما يخص قضايا الشرق الأوسط، لاسيما ما يتعلق في سوريا والاتفاق النووي الإيراني ورعاة الإرهاب وعملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية وكذلك مايتعلق بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية وتنظيم “داعش” والاسباب الجوهرية التي ادت إلى ظهوره، والحركات الجهادية (المتطرفة).
سوريا بين هيلاري وترامب
تقول المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” بخصوص سوريا “علينا أن ندعم عملية وقف إطلاق النار في سوريا ونحافظ عليها. ويجب علينا أيضاً أن نعمل مع شركائنا في التحالف ومع قوات المعارضة على الأرض بهدف إنشاء مناطق آمنة حيث يمكن للسوريين البقاء في بلدهم بدلاً من الهروب نحو أوروبا“. ولا تزال كلينتون تدعم عملية فرض منطقة حظر جوي لإنشاء ملاذات آمنة لأولئك السوريين البائسين الذين يفرون من الأسد ومن تنظيم “داعش” ليتمكنوا من اللجوء إلى مكان آمن”.
أما ترامبفيرى بأنه لو تم التخلص من الأسد ومن هذه الحكومة (حكومة الأسد)، من ذا الذي سيتولى الحكم بعد ذلك؟ الأسد سيء وفق ما يراه ترامب، وربما يكون هؤلاء الأشخاص (أي الثوار السوريين المدعومين من الولايات المتحدة) أسوأ منه. ويقول في ذلك “كنت أود أن أبقى خارج الأزمة السورية ولم أكن أحارب بهذه الشدة … ضد الأسد لأنني أعتقد أن الأمر عبارة عن مسألة كاملة… فالآن أصبحت إيران وروسيا إلى جانب الأسد. ويفترض بنا محاربة كليهما. وفي الوقت نفسه، يفترض بنا محاربة تنظيم “داعش ” الذي يحارب الأسد“. ويجب علينا التخلص من تنظيم “داعش” قبل أن نتخلص من الأسد… كيف نقاتلهما في الوقت نفسه بينما يقاتلان بعضهما البعض؟ أعتقد أن تنظيم “داعش” يشكل تهديداً أكثر أهمية بكثير بالنسبة لنا من ذلك الذي يطرحه الأسد في الوقت الراهن. يبدو أنه ومع اختلاف وجهات النظر بشأن الملف السوري بين المرشحين، إلا أن وجهة النظر التي يطرحها المرشح الجمهوري أكثر واقعية من وجهة النظر التي تطرحها المرشحة الديمقراطية؛ لأن الملف السوري معقد وشائك وهناك تدّاخل في الملفات بشكل عام (تداخل إقليمي ودولي، فضلاً عن التعقيد الداخلي)، ولا يمكن حل تلك الملفات إلا بتفكيكها، ولهذا يدعو ترامب إلى محاربة “داعش” قبل الأسد ومعرفة مرحلة مابعد الأسد قبل الإطاحة بالأسد، ومن ثم التفكير بشكل أكثر صرامة. ولهذا فأن وجهة نظر ترامب ربما تكون وجهة نظر “تفكيكية”، فلا يمكن الوصول إلى نتيجة في ظل هذا التعقيد المحيط بالأزمة السورية حتى وأن تمت الإطاحة بالأسد وحكومته.
الاتفاق النووي الإيراني والرعاية الإيرانية للإرهاب
بهذا الشأن ترى كلنتون “إن من دون التوصل الى اتفاق، ستتقلص فترة تجاوز إيران للعتبة النووية … إلى بضعة أشهر، ومن خلال التوصل إلى اتفاق، ستمتد هذه الفترة إلى عام واحد، مما يعني أنه إذا خالفت إيران الشروط، سندرك ذلك وسيكون لدينا الوقت للرد بشكل حاسم“ و “سأكون حازمة في التعامل مع عدم الامتثال الإيراني. وهذا يعني أنني سأفرض العقوبات حتى على الانتهاكات الصغيرة … ولن أتردد في القيام بعمل عسكري إذا ما حاولت إيران الحصول على سلاح نووي” و “يجب أن يكون إنفاذ هذه الصفقة قوياً، ورصدها قوياً، وعواقب انتهاكاتها واضحة، كما يجب أن توضع استراتيجية أوسع لمواجهة العدوان الإيراني في المنطقة”.
أما المرشح الجمهوري فله رأي آخر بهذا الشأن. إذ يرى بأن من أولوياته الأولى ” العمل على تفكيك الاتفاق الكارثي مع إيران… فهذه الصفقة كارثية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والشرق الأوسط بأسره“. يمكنهم احترام الشروط والحصول مع ذلك على القنبلة، ببساطة عبر جعل الوقت ينفد، وبالتأكيد سيُبقون على مبلغ (150 مليار دولار). ويصف ترامب الاتفاق مع إيران بـ “أسوأ الصفقات التي عقدتها الولايات المتحدة على الإطلاق، إنها كارثية”.
وجهات النظر هنا (مايتعلق بالاتفاق النووي) هي سابقة حتى على مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، وهي امتداد لها مع تزايد التنافس الانتخابي، لاسيما فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي من الصفقة. وهذا الآراء هي عاكسة لوجهات نظر الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، فضلا عن وجهة نظر الإدارة الأمريكية. وعلى ما يبدو بأن الآراء التي يطرحها المرشح الجمهوري، قد تنذر بتصعيد أمني وعسكري وتزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة؛ لأن نسف الاتفاق النووي سيترتب عليه تداعيات أمنية وسياسية كثيرة “دولية وإقليمية”، لاسيما مع حالة التوافق الأمريكي الأوروبي بشأن الاتفاق، فضلا عن التوافق الروسي مع الاطراف الدولية والإقليمية بهذا الاتفاق. وقد تكون الآراء التي طرحتها المرشحة الديمقراطية أكثر واقعية وعقلانية بنفس الوقت؛ لأنها تتماشى مع حالة التوافقات الدولية على الرغم من وجود عدم رضا للمواقف الإقليمية، لاسيما مع الشروط التي أملت على طهران بخصوص هذا الاتفاق وادراكها حجم المسؤولية في حالة الاخلال بأحد بنوده.
أما بشأن إيران كدولة راعية للإرهاب ترى كلينتون بأنها ستبني تحالفاً (ولم توضح كلينتون طبيعية هذا التحالف هل هو تحالف إقليمي أم دولي؟)، لمواجهة وكلاء إيران في المنطقة، ولاسيما “حزب الله”. وهذا يعني -حسب قول كلينتون-“فرض القواعد التي تحظر نقل الأسلحة إلى الحزب وتعزيزها، والبحث عن سبل جديدة لتضييق الخناق على تمويله، والضغط على شركائنا لمعاملته بناءً على ما هو عليه في الواقع، أي تنظيم إرهابي“. لكن ومع ذلك لم تقطع كلينتون الطريق أمام طهران في مد العلاقات بين البلدين مستقبلاً في حال احترمت طهران بنود الاتفاق النووي وطبيعة العلاقات الدولية والإقليمية.
أما ترامبفقد تعهد بتفكيك الشبكة الإرهابية الإيرانية تماما – حسب تعبيره، معتبراً إيران بانها غرست الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم… بما في ذلك نصف الكرة الأرضية الغربي على مقربة كبيرة منّا. هذا الخطاب يذكرنا بخطاب الإدارة الأمريكية السابقة في عهد جورج بوش الأبن، عندما كان يصف إيران بإنها محور الشر. لكن ربما يكون هذا الوصف “وصف ترامب” مبالغاً فيه لأن منابع وارتباطات الشبكات الإرهابية مصدرها ليس إيران وإنما دول إقليمية معروفة تتهما الولايات المتحدة اليوم بأحداث 11/سبتمبر. (نعم) قد تكون إيران راعية للمليشيات الشيعية المرتبطة بها وكذلك حلفائها في المنطقة. وهذا لا يخفي عن الجميع، إلا أن التوزيع الشبكي للإرهاب ومصادر تمويله ليس إيرانياً، وكذلك المليشيات او الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران هي ليست كتلك التنظيمات الإرهابية التي عرفتها المنطقة بفكر متطرف وأساليب إرهابية قذرة كـ (داعش والقاعدة وبوكو حرام) وغيرها من التنظيمات الإرهابية. أن هذا الخطاب يؤشر كذلك على حالة التصعيد وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مستقبلاً حتى بعد زوال “داعش” وأخواتها من سوريا والعراق؛ لأن المسألة أكبر من ذلك والملفات متشابكة.
السلام الإسرائيلي الفلسطيني
ما يتعلق بالسلام الفلسطيني – الإسرائيلي وطبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فقد ربطت كلنتون مصير السلام بإرادة الطرفين التي يتم التوصل لها عن طريق المفاوضات؛ لكونها الحل الوحيد لإقامة دولتين آمنتين، وذلك لأن من شأن المصالح المتقاربة لإسرائيل والدول العربية الرئيسية أن تجعل من الممكن تعزيز التقدم المحرز بشأن القضية الإسرائيلية الفلسطينية. أما ترامبفإنه يرى بأن الأمر” مرتبط بالرغبة الإسرائيلية وبما إذا كانت إسرائيل تريد التوصل إلى اتفاق أم لا، وما إذا كانت مستعدة للتضحية ببعض الأشياء أم لا“.
وبشأن العلاقة بين إسرائيل وأميركا، تقول كلينتون “كرئيسة للبلاد، سألتزم التزاماً تاماً بضمان حفاظ إسرائيل على تفوقها العسكري النوعي. إذ يجب على الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بتكنولوجيا الدفاع الأكثر تطوراً لتتمكن من ردع أي تهديد ووقفه“. أما ترامب فقد قال “عندما أصبحْ رئيساً، ومنذ أول يوم لي في السلطة، ستنتهي أيام معاملة إسرائيل وكأنها مواطن من الدرجة الثانية“. وهذا يؤشر على حجم التأثير اليهودي وإسرائيل على مواقع صنع واتخاذ القرار وحجم ماكينتها الإعلامية والسياسية ودور إسرائيل المحوري في السياسة الأمريكية (الداخلية والخارجية). وهذا بالتأكيد يؤشر على الصراع الدائم في المنطقة وتغيب الحلول المستمرة ويجعل طهران تتذرع بالقوة السياسية والعسكرية التي تمتلكها مقارنة بالأسلحة المتطورة والقوة السياسية والعسكرية التي تتمتع بها (تل أبيب). وبالتالي فهناك بالتأكيد سيكون سباق تسلح إقليمي في المنطقة، لاسيما في ظل الانفلات السياسي في المنطقة وحالة عدم الاستقرار.
تنظيم “داعش” وأسباب ظهوره
وما يتعلق بردود الولايات المتحدة على تنظيم “داعش”، تقول كلينتون “لا يمكننا احتواء تنظيم “داعش” يجب علينا هزيمته… علينا تكثيف الحملة الجوية لقوات التحالف ضد مقاتلي التنظيم وقادته وبنيته التحتية، وزيادة الدعم للقوات العربية والكردية المحلية في بذل الجهود على الأرض ولقوات التحالف لحماية المدنيين، واتباع استراتيجية دبلوماسية ترمي إلى التوصل إلى حلول سياسية للحرب الأهلية في سوريا والانقسام الطائفي في العراق“. وهي نفس الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية وبنفس المنهجية، وكثير ما اثارت هذه الاستراتيجية الشكوك على مدار السنتين السابقتين بالرغم من تظافر الجهود الدولية والإقليمية للقضاء على داعش وتجفيف منابعه ومصادر تمويله. أما دونالد ترامب فقد تعهد بالقضاء على التنظيم بقوله “لديّ رسالة بسيطة لـ [تنظيم «الدولة الإسلامية»]. أيامه باتت معدودة، لن أقول لهم كيف وأين ستنتهي هذه الأيام. يجب علينا، كدولة، أن نكون [أكثر تحفظاً] لتصعب القدرة على التنبؤ بأعمالنا“. هذا التعهد ربما يكون مجرد دعاية انتخابية وقد يتبخر في حال وصول ترامب لرئاسة البيت الأبيض.
أسباب ظهوره
ربطت المرشحة الديمقراطية سبب ظهور تنظيم “داعش” بالأزمة السورية وبالرئيس السوري “بشار الأسد” بقولها “إن الأسد هو السبب في هذه الفوضى التي نعاني منها، وفي سيطرة تنظيم “داعش” على الأراضي التي تقع تحت حكمه”. أما ترامبفقد ربط ظهور “داعش” بقرار الإطاحة بالقذافي والنوايا في أسقاط الأسد بقوله ” إن قرار الإطاحة بنظام الحكم في ليبيا، ثم الضغط لإسقاط النظام في سوريا … في ظل غياب الخطط للمرحلة التي ستلي ذلك، جميعها عوامل أتاحت لـ تنظيم “داعش” المساحة اللازمة للتوسع والنمو“. وهذا دليل على أن بشار الأسد ربما يبقى رئيسا لسوريا في حالة فوز ترامب. وإن كلام ترامب يؤشر على الفشل السياسي للإدارة الأمريكية الحالية، متهما بعدم التخطيط لما بعد الأسد كما هو الحال في ليبيا بعد القذافي واليمن بعد صالح.
ومع تعدد ملفات المنطقة وتشابكها الإقليمي والدولي سواء فيما يتعلق بالأزمة السورية وتهديدات تنظيم “داعش” للمنطقة أو تهديد الفكر الأصولي (المتطرف) بشكل عام، وكذلك حالة الصراع الطائفي أو صراع النفوذ الطائفي بين إيران والسعودية الذي يغذي حالة عدم الاستقرار في المنطقة، لاسيما في العراق واليمن ولبنان، فضلاً عن تغذيته للأزمة السورية، لابد أن يكون صانع القرار العراقي ذو مقدرة سياسية ودبلوماسية عالية على تكيف الوضع الداخلي العراقي وعلاقاته الخارجية بعيداً عن هذه الملفات، وذلك من خلال الحيادية السياسية سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي وعدم التدخل بهذه الملفات إلا بما يخص المصلحة العراق كدولة بعيداً عن الصراعات السياسية والطائفية والانتماءات لهذا الطرف أو ذاك؛ لأن مرحلة مابعد “داعش” أو مابعد تحرير الموصل تتطلب تظافر الجهود الداخلية مع الجهود الدولية الداعمة للحكومة وخلق أرضية مناسبة للتعايش السلمي والعمل على أرجاع النازحين وتعمير الأراضي، لاسيما مع حالة التهديد الامني المستمر وصعوبة الوضع المالي والاقتصادي للدولة العراقية.
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :
الشرق الأوسط محور التنافس الانتخابي الأمريكي بين كلنتون وترامب