الزي الموحد ظاهرة حضارية ينبغي الحفاظ عليها
يعد الطالب احد المكونات الاساسية في العملية التعليمية بمختلف مراحلها وتخصصاتها وهو الهدف الاساس الذي تسعى المؤسسات التربوية الى بناءه واعداده بصورة فاعلة وكفوءة من خلال تزويده بالمعارف والمعلومات في شتى مجالات الحياة بالاضافة الى سعيها المستمر من اجل بناء شخصيته العملية والمهارية والنفسية وتكوين الاتجاهات الايجابية لديه نحو مختلف القضايا والمعتقدات السائدة في المجتمع واستيعابها والتفاعل معها بصورة تمكنه من ان يكون مواطنا صالحا مساهما مع ابناء المجتمع الاخرين في بناء بلده والارتقاء به ليكون بلدا متطورا يساهم في مسيرة الحضارة الانسانية لخدمة البشرية بصورة فاعلة .
ويكتسب الطالب الجامعي أهمية خاصة في هذا المجال سواء من حيث تأثيره الاجتماعي والمعرفي كونه في مرحلة عمرية وعقلية ونفسية ممكن عندها ان يؤثر في المجتمع والمحيط الذي يعيش فيه ويتعامل معه بدرجة اكبر مما هو عليه في المراحل الدراسية الادنى من المرحلة الجامعية . وهو ايضا عماد البناء المستقبلي للبلد والامل المرجو في تحقيق تطلعات ابناء المجتمع نحو التطور والرقي واللحاق بمصاف الدول المتقدمة .
ونتيجة لهذا اكتسبت عملية التعامل مع الطالب الجامعي من قبل ادارات المؤسسات التعليمية الجامعية والتدريسيين فيها وكذلك من قبل المختصين والمشرفين على الشأن الجامعي والمخططين لبناءه والارتقاء به أهمية كبيرة واصبحت تحتاج الى الكثير من المفردات التفصيلية التي تمكنها من التعامل مع شخصية الطالب الجامعي واستيعابها وتوجيهها نحو النجاح والتفوق واكتساب المعلومات وبناء شخصيته في جميع النواحي لتخلق منه انسانا متكاملا ومتزنا ومواطنا قادرا على التغيير .
ومن الامور الاساسية في الحياة الجامعية هو ارتداء الطلبة للزي الموحد ولكلا الجنسين وهذا تقليد جامعي اساس عملت الجامعات والمعاهد التقنية على حث الطلبة ومطالبتهم بالالتزام به منذ نشأتها لانه يعد احد التقاليد الجامعية الاساسية التي لايمكن الاستغناء عنها او اهمالها . وهو يمثل ارتداء الطلبة لالوان محددة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يتم تعميمها على جميع المؤسسات الجامعية دون استثناء في ضوء رؤية واهداف محددة تسعى الجامعات من اجل الالتزام بها وتحقيقها .
لقد تعرضت عملية تطبيق الزي الموحد على طلبة الجامعات الى وجهات نظر مختلفة واراء متعددة ومتناقضة بين مؤيد ومتحمس لها وبين معارض ومقاوم لتطبيقها وهذا أمر طبيعي لان جميع القضايا هناك من يؤيدها وهناك من يعارضها لان نظرة الناس مختلفة ومتفاوته لها في ضوء درجة تأثيرها عليه . وهذه حالة ايجابية تمثل حرية الفكر والمعتقد لدى الانسان بما يراه مناسبا وصحيحا من وجهة نظره .
وفي السنوات الاخيرة اصبح هناك تساهلا كبيرا في تطبيق نظام الزي الموحد في الحياة الجامعية من خلال السماح للطلبة بأرتداء الملابس بعدد اكبر من الالوان عما كانت عليه في السابق تحدد من قبل الوزارة . وهذا منح الطلبة حرية اكبر وتنوعا اكثر في ارتداء الملابس داخل الحرم الجامعي . وبذلك تناقصت كثيرا عملية تقييد حرية الطلبة كما يعتقدها البعض منهم وتم منحهم فرضا اضافية لارتداء مختلف الملابس قد تؤدي بمرور الوقت الى التهاون في تطبيقه وبالتالي قد ينقرض تدريجيا وبدون قرار من الحياة الجامعية نتيجة التنوع الكبير والمتسارع في انواع الملابس وتصاميمها المختلفة .
اننا نرى من وجهة نظرنا التي يشاركنا فيها الكثير وكذلك الفكرة الاساسية من تطبيق نظام الزي الموحد على طلبة الجامعات ان للزي الموحد العديد من الجوانب الايجابية التي نتوخاها من تطبيقه والتي تعود بالفائدة على المؤسسة الجامعية والمجتمع والطلبة انفسهم حتى وان كانت غير واضحة المعالم في المدى المنظور ولكنها من وجهة نظر استراتيجية سوف تشكل عاملا ايجابيا في عملية البناء الاجتماعي بشكلها الصحيح التي تؤدي بالتالي الى بناء المجتمع.
ومن هذه الجوانب يبرز الجانب الاقتصادي من تطبيق نظام الزي الموحد وهو يمثل الهدف المباشر والواضح للعيان نتيجة تطبيقه حيث يهدف الزي الموحد الى المساواة بين الطلبة الاغنياء والطلبة الفقراء لعدم قدرة الفقراء على شراء الملابس المتنوعة بكلفتها الكبيرة ومجاراة الاغنياء في هذا المجال وهذا بالنتيجة سوف يؤدي الى شعور من لايستطيع الشراء بحالة من النقص والتوتر وعدم الارتياح قد تؤثر عليه بدرجة كبيرة وتكون عاملا سلبيا وعائقا امامه يمنعه من مواصلة الدراسة او استيعاب المعلومات العلمية التي تلقى في المحاضرات داخل الجامعة . وخاصة وان الطالب الجامعي يكون في مرحلة عمرية تمثل مرحة الشباب التي تكون سريعة التأثر بالمشكلات النفسية التي تواجهه والتي قد تؤدي الى نشوء شخصية معقدة تسود عليها الكآبة والانطوائية لاحساسها بالنقص امام الاخرين . مما قد يؤدي به الى القيام بسلوك منحرف لاسمح الله من اجل الحصول على المال وشراء الملابس المتنوعة . لذلك فأن تطبيق نظام الزي الموحد سوف يقضي على هذه الظاهرة او يحد منها بدرجة كبيرة مما يجعلها غير منظورة امام الاخرين .
والجانب الاساس الاخر الذي نهدف الى تحقيقه من خلال تطبيق نظام الزي الموحد هو خلق ثقافة الانتماء لدى الطالب الجامعي للمؤسسة الجامعية التي يدرس فيها وهذا موضوع مهم ينبغي الالتفات اليه وتعزيزه لدى الطلبة الجامعيين . حيث ان دخول الطالب الى المؤسسة الجامعية وهو يرتدي الزي الموحد يجعله يشعر في اعماقه بأنه جزء لايتجزء من هذه المؤسسة التي هو فيها لانه سوف يرى جميع اقرانه الطلبة يرتدون زيا واحدا ذو الوان متشابهه وهذا سوف يؤدي به الى الشعور التلقائي بأهمية المكان الذي هو بداخله ودوره الكبير في بناء المجتمع حيث انه قد قام بالتهيئة والاستعداد الذهني المسبق لدخول المؤسسة الجامعية وبالتالي سوف تكون لديه الدافعية المسبقة للتعلم واستيعاب المعلومات التي سوف تلقى عليه خلال المحاضرات . كما أن ارتداء الطالب للزي الموحد سوف يجعله يشعر بالمسؤولية تجاه المؤسسة الجامعية وهذا يدفعه تلقائيا وبصورة لاشعورية الى الاهتمام بالمحافظة على موجوداتها من الاجهزة والمعدات وجميع المرافق والاثاث والكتب لانه يعتبرها ملكا له يشارك فيه زملائه الطلبة . لان بطبيعة الانسان سعيه الى الحفاظ على كل شيء يشعر بانه جزء منه وينتمي اليه بصورة فاعلة .
والجانب الاخر الذي نهدف الى تحقيقه من خلال تطبيق نظام الزي الموحد هو المحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعية الاصيلة ومباديء الدين الاسلامي القويمة واحترامها والاعتزاز بها . حيث ان ارتداء الزي الموحد يمنح الطالب الجامعي مظهرا لائقا يتميز بالتوازن والرزانة ويجعله مميزا ومعروفا من قبل الاخرين كونه طالبا جامعيا . لان ملابس الزي الموحد تتميز بالهدوء والحشمة والمظهر اللائق بعيدا عن الالوان الصارخة والازياء الغريبة التي تنتجها مصانع الغرب والتي لاتنتمي الى ثقافتنا وعاداتنا الاجتماعية وديننا بأي صلة بل انها تعمل على تشويه صورة الشاب المسلم الواعي الذي نأمل ان يكون مشروعا مستقبليا ناضجا ومتكاملا من اجل بناء بلده والحفاظ على وحدته واعلاء شأنه بين البلدان والتمسك بمباديء الدين الاسلامي والمحافظة عليها وتعزيزها والعمل على نشرها بين الاخرين من خلال صورة الجامعي الذي يمثل قدوه حسنة ونموذجا يقتدى به من قبل الاخرين وبذلك سوف يكون مصدر اشعاع علمي وفكري وثقافي وديني في مجتمعه وبالتالي من خلال مجتمعه سوف يكون مؤثرا في المجتمعات الاخرى وهاديا لها نحو الفضيلة والالتزام والصلاح .
على طلبتنا الاعزاء والمختصين بالشأن التربوي ان يقتنعوا بأن نظام الزي الموحد أوجد اساسا لاعلاء شأن الطالب الجامعي وتمييزه على الاخرين وفرض احترامه وتقديره عليهم وليس نظاما لتقييد حريتهم الشخصية او مصادرتها وعليهم ان يقتنعوا بأن الحرم الجامعي هو مكان لتلقي العلم والمعرفة وباء شخصية الطالب الثقافية والاجتماعية والعملية والنفسية وليس مكانا لعرض الازياء الغريبة والشاذة والتي تنافي الذوق العام والتباهي بها امام الاخرين . وأن يكونوا هم الذين يطالبون بتطبيق نظام الزي الموحد قبل غيرهم بقناعة وايمان راسخ بأهميته ودوره في اظهار شخصية الطالب الجامعي بمظهر لائق يفتخر ويتباهى به ويحترمه الجميع .
اننا نأمل من طلبتنا الاعزاء وثمرات جهودنا التي ننتظر ان تنضج لتساهم في بناء بلدنا العزيز ان يكونوا عراقيين ومسلمين في الفكر والتصرف والاخلاق قبل اي شيء اخر . نتمنى منهم ان يفتخروا ويعتزوا ببلدهم العراق الذي كان مهدا للحضارات العظيمة ومهبط الانبياء وحاضن مراقد ائمة اهل البيت عليهم السلام وعظماء الاسلام .وان يفتخروا باسلامهم ونبيهم وأئمتهم ويعملوا بنهجهم الذي اختطوه لنا لكي ننال رضاء الله سبحانه وتعالى . وأن يبتعدوا عن المظاهر البراقة والجوفاء لحضارة الغرب وقشورها والتي سوف تكبل وتقيد طاقاتنا نحو الابداع والتطور والرقي وان ينقلوا منها مايفيدنا في تطوير بلدنا علميا وتكنولوجيا وثقافيا .
عليهم ان ينظروا الى الزي الموحد كظاهرة حضارية رائعة ينبغي الاستمرار بها وتعزيزها والحفاظ عليها واشاعة ثقافتها بين الطلبة والعاملين في الشأن التربوي وبيان فوائدها على المدى القريب والاستراتيجي كونها وجدت من اجلهم ولاعلاء شأنهم وتقديرهم بين الاخرين
الدكتور موفق عبدالعزيز الحسناوي
هيئة التعليم التقني – المعهد التقني في الناصرية – جمهورية العراق