اختلفت حياة أثرياء المصريين في زمن الفراعنة عن حياة فقرائهم اختلافاً شاسعاً، سواء في الملبس أو المسكن أو التعليم أو الزينة أو المأكل والاحتفالات، بل وصلت حتى إلى الموت والتحنيط وفكرهم حول الخلود في العالم الآخر أو دار الحساب.
من هم الأثرياء في مصر القديمة؟
شرح الدكتور بسام الشماع، عالم المصريات، أن أغنى شخص في مصر القديمة كان هو الملك. ويتضح ذلك من المتعلقات التي وجدوها في المقبرة، فـ”توت عنخ إمِن” (ينطقها المصريون “آمون بدلاً من إمِن”)، الذي مات وعمره 18 أو 19 سنة، وجدوا في مقبرته 5 آلاف قطعة منها فضة وذهب وعاج وخشب، وهذا بخلاف ما كان في قصره.
وأضاف الشماع لرصيف22 أن الثروات في مصر القديمة لا تقاس بمعايير عصرنا فالفضة عندهم كانت أغلى من الذهب، وكان الملوك والوزراء والنبلاء هم الطبقات الأغنى في المجتمع.
وتابع: “هناك دليل على ثراء الشخص وهو التحنيط، فمَن وجد جسده محنطاً في المقابر كان من الأثرياء، لأن التحنيط كان غالي الثمن كما أن المحنطين كانوا يحصلون على أموال كثيرة، غير أن هناك تحنيطاً متوسط التكلفة وكان أيضاً متوسط الإتقان وهو يخص الطبقات المتوسطة”.
طعام الأثرياء
كان أثرياء المصريين في زمن الفراعنة يأكلون “العسل”، بحسب ما أكد الشمّاع، لأنه لم يكن سلعة رخيصة الثمن بل كانت شديدة الغلاء، وكذلك كانوا يأكلون اللحوم (لحم الثور، ولحم البقر، والإوز) وكانوا يأكلونه مشوياً، بالإضافة إلى أكل الفقراء وهو: الخبز، البصل الأخضر الطويل، السمك الذي كان متوفراً بكثرة، الخضروات، الشعير، القمح، الدوم والفول.
وفي ما يخص المشروبات الروحية، شاع بين المصريين شرب البيرة بين الأثرياء والفقراء، بينما خطت برديات تحذّر المصريين من تناولها خوفاً من أفعالهم حين يسكرون.
وقال الشماع إن البيرة في مصر القديمة من ضمن علامات الاستفهام الكبرى: “هل كانت محرمة أم غير محرمة؟ إذ تنص برديات على أنه في يوم الحساب لا بد أن يقول المصري للأرباب: “لا لم يغم على قلبي” وفسرها علماء بأن الإغماء هو السكر”.
أزياء الأثرياء
وبحسب ما يؤكده باحث المصريات محمود مرزوق، فإن النسوة المصريات الثريات كُنّ يرتدين فساتين من الكتان (كان الكتان حينها خامة غالية السعر) لونها أبيض كنوعٍ من التميز الطبقي وكذلك يرتدين ثلاث قطع من الملابس في آن واحد: قطعة شفافة من الداخل وقطعة متوسطة الثقل ثم قطعة أثقل خارجية، هذا بخلاف القلائد والمجوهرات التي كانت حكراً على الطبقات الثرية، وتنوعت تلك القلائد ما بين الأحجار الكريمة ونصف الكريمة، وبشكل أقل الأقراط الذهبية والفضية.
وأضاف مرزووق أن الأثرياء من الرجال كانوا يرتدون عباءة مليئة بالثنيّات بينما الطبقة الفقيرة كانت ترتدي ما يستر عورتها فقط، لكن لم يصل إلينا ما هو الفارق بين الملابس الصيفية والملابس الشتوية عند القدماء المصريين.
وهناك رسومات كثيرة تظهر بعض المصريين وهم يرتدون ما يشبه “التنّورات” بينما نصفهم العلوي عارٍ، ويعتقد مرزوق أن ذلك ربما كان زياً رسمياً يرتدى في المناسبات الرسمية والأعياد.
شاركغرداعتمد الفراعنة زواج التجربة، فيجرب الزوجان الحياة معاً لفترة قبل أن يقررا الزواج في المعبد أو الانفصال
شاركغردالكهنة كانوا أكثر الفئات ثراءً في المجتمع أيام الفراعنة إذ كان على المصريين دفع جزء من أموالهم للمعبد
المنازل
كانت بيوت المصريين الأثرياء في زمن الفراعنة، بحسب ما يؤكد الشماع، منازل واسعة بها حدائق خارجية تكثر فيها الورود.
وأضاف أنه لم يتبق من منازل المصريين في زمن الفراعنة شيء فالمصريون لم يبنوا منازلهم من الغرانيت بل بنوه بالطين اللبن وهو ما أدى إلى اندثار تلك المنازل عبر الزمان عكس المقابر التي اهتم المصريون القدماء ببنائها فبنيت بالغرانيت.
ويرجح الشماع أن يكون سبب ذلك صعوبة الحصول على الغرانيت من أسوان لبعد المسافات وعدم توفر وسائل النقل. بيد أن الباحث محمود مرزوق فسّر فلسفة المصري في هذا الشأن باعتبار أن القدماء كانوا يعتنون بعمارة المقابر بدلاً من عمارة المنازل لاعتقادهم أن من كان له مقبرة مزينة وبها من الخيرات الوفيرة فسوف تبقى معه في العالم الآخر.
وكشف أن هناك بردية رسم عليها بالألوان منزل رجل في زمن الفراعنة، وقد طلي البيت بالأبيض، وبرأيه فإن هذا في حد ذاته “ذكاء هندسي بيئي” لأن اللون الأبيض لا يحتفظ بالحرارة في بيئة شديدة الحرارة صيفاً.
ووصف الشماع المنزل المرسوم قائلاً إن عدد سلالمه كانت قليلة، وهو محمول على قواعد صغيرة أشبه بالعمدان تحمي قاعدة المنزل من فيضان النيل.
وكانت منازل المصريين الأثرياء ذات حدائق غنّاء بالورود وحمّامات السباحة، وفي بعض الأحيان كان المصري يضع في تلك الحمامات أنواع كثيرة من السمك وزهرة اللوتس كنوعٍ من الزينة ولكنه في هذا الوقت لا يكون للسباحة وإنما فقط للعرض والزينة.
التعليم
لم تعرف مصر المدارس بشكلها المعهود فالأثرياء كانوا يجلبون المؤدبين الخاصين إلى المنازل كي يعلموا أبناءهم، بيد أن الفقراء كانوا يتعلمون الحِرف فأبناء المزارعين يتعلمون الفلاحة وأبناء النجارين يتعلمون النجارة وهكذا في باقي المهن الأخرى، والاستثناءات في هذا تكون قليلة لدرجة لا تذكر، بحسب مرزوق.
وأكد أن المصري الفقير كان يحث ابنه أن يتعلم الكتابة فيصير كاتباً ليرافق النبلاء بدلاً من من أن يموت في المعارك كجندي أو يضرب على ظهره كفلاح.
وعن كيفية تحصيل الفقراء للعلم، كشف الدكتور مجدي شاكر، الخبير بوزارة الآثار المصرية، لرصيف22، أن الفقراء كانوا يعلمون أبناءهم في ملحق للمعبد يسمى “بيت الحياة” وهو عبارة عن كتاتيب يتم فيها تعليم أبناء الفقراء القراءة والكتابة حتى يلتحقوا بالطبقة الوسطى، فإما أن يلتحقوا بطبقة الكهنة وكان لهم نفوذ كبير جداً في مصر القديمة، وكانوا في بعض العصور يتحكمون في قرارات الملك، وكان الملك يحاول إرضائهم وإرضاء طبقة رجال الجيش للحفاظ على ملكه، وإما أن يصبح كاتباً، وكان لهم أيضاً مكانة عظيمة.
زواج الأثرياء
وعن طرق الزواج عند الأثرياء في زمن الفراعنة، شرح شاكر أن زواجهم كان يتم في المعبد بحضور أحد الكهنة ويتم بطريقة الإيجاب والقبول مثلما يحدث في المجتمع المصري حالياً بأن تستشار المرأة في الأمر فإن وافقت على العريس المتقدم لها يتم الزواج وإن رفضت يعطل الزواج.
وكان من حق العروس أن تشترط على زوجها أن يجلب لها خادمة من عوام الشعب تخدمها.
وأكد أنه كان هناك أكثر من نوع من زواج الأثرياء في زمن الفراعنة فهناك الزواج التقليدي الذي يتم وفق الإيجاب والقبول و هناك نوع من الزواج يشبه زواج المتعة بأن يحدد الزوج لعروسه مدة معينة للزواج، أو تحديده بخلفة الأولاد فإن أنجبت أولاد يستكمل الزواج وإن لم تنجب الأولاد في مدة محددة يتم تطليقها.
وهناك نوع ثالث من الزواج عند الأثرياء في زمن الفراعنة وهو زواج التجربة مثلما هو مطبق في بعض المجتمعات اليوم بأن يجرب الزوجان الحياة معاً لفترة وجيزة فإن أحبا إكمال الطريق معاُ يتزوجان في المعبد وإن رفضا إكمال الحياة معاً ينفصلان.
حفلات الزواج
وحفلات زواج أثرياء المصريين في زمن الفراعنة كان يتم جزء منها في المعبد وجزء منها في حفلات خارجية، بأن يجلس الرجال في صفوف مقابل النساء، وتمر عليهن خادمات يوزعن الخمور والعصائر على الحضور، وكانت النسوة لا يتحملن الإكثار من شرب الخمور فكان الخدم يضعن عدداً من الأواني أسفل أقدامهن تحسباً لاضطرارهن إلى القيء.
وأضاف شاكر أن النسوة الثريات كن في تلك الحفلات يضعن “قمع الروائح” وكان هذا عبارة عن قمع مليء بالعطور يوضع فوق الرأس فإذا ما تحرك الجسد انسكب العطر فوق الجسد.
وكانت الخادمات اللواتي يخدمن في تلك الحفلات ما بين عمر الرابعة عشر والخامسة عشر وكن يحملن زهوراً ليمنحنها للنسوة الحاضرات.
الموسيقى
وفي تلك الحفلات كانت تعزف الموسيقى وكان الفراعنة يستخدمون آلة الهارب والمزمار والناي والدف وعدداً من الآلات الوترية. وبعد معركة قادش استقدم المصريون عدداً من الآلات الغربية التي قدمت من فارس وأوروبا.
مهن الأثرياء
كان الأثرياء في زمن الفراعنة يمتهنون وظيفتين هامتين فإما أن يكون الثري كاهناً وإما أن يكون قائداً في الجيش، وكانت الوظيفتان من الأهمية بحيث كان يخشاهما الملك، ففي بعض العهود القديمة كان الكهنة وقادة الجيش يعزلون الحاكم ويعينون بدلاً منه.
وأكد شاكر أن الكهنة كانوا أكثر الفئات ثراءً في المجتمع حيث كان لزاماً على المصريين دفع جزء من أموالهم للمعبد وهذه الأموال كان يحصل عليها الكهنة. بينما رجال الجيش كانوا يربحون من غنائم الحروب، وكانت لهم مخصصات مالية من الدولة.
وكانت الطبقة الوسطى تمتهن التعليم والكتابة وكان من بينهم أيضاً صغار ضباط الجيش، بينما كان الفقراء هم المزارعون وعساكر الجيش.
رياضة الأثرياء
يقول شاكر إن أهم رياضة عند الطبقة الثرية كانت رياضة الصيد، وكانت تنقسم إلى نوعين: الصيد البري للغزلان بالقوس في منطقة “بني حسن” (مدينة مصرية موجودة حتى الآن ما بين محافظتي أسيوط والمنيا في جنوب مصر) أو صيد الأسماك من النيل بالشبك أو السنارة وكان النيل حينها سبعة أفرع وليس فرعين فقط، وهناك رسومات توضح أن الزوجات كن يرافقن أزواجهن في رحلات الصيد النيلية.
وهناك أيضاً رياضة المصارعة. وقال شاكر إنها كانت تشبه المصارعة الرومانية، وهناك 250 صورة توضح تلك الرياضات، وذلك كان في الدولة الوسطى.
الحفلات العامة
كانت الحفلات الدينية تتم في المعبد مثل عيد الأوبل، حين كان المصريون يخرجون صنم الإله آمون ويطوفون به فوق مياه النيل من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر (تقدر بحوالي 2 كيلو متر داخل المياه) لتحدث عملية التزاوج وقت فيضان النيل، وكذلك عيد التعامد، وعيد الإله بيتس وهو إله المرح ويساعد السيدات في مرحلة الولادة، وكان المصريون يقدرون عدد الأجانب الذين يحضرون تلك الحفلات من خارج مصر بحوالي 70 ألف شخص.
وأضاف شاكر أن الأغرب في حفلات عيد الإله بيتس كان ارتداء الحضور للأقنعة مثلما نفعل الآن في احتفالات البربارة.
وأكد أنه طالما حصر الاحتفال داخل المعبد فإن الحضور كان حكراً على طبقات النبلاء فقط، لكن لو انتقل الاحتفال للشوارع فإن العامة كان يحق لهم المشاركة فيه