تاريخ الإمبراطورية الرومانية
تاريخ الامبراطوريه الرومانيه
مقدمة: مدينة روما قلب العالم الروماني القديم وهي مدينة تميزت عن غيرها من المدن بمميزات خاصة مكنتها من حكم العالم القديم منذ أكثر من ألف وثمانمائة عام مضت حيث كانت جميع الأراضي التي تتاخم البحر الأبيض المتوسط وكثير غيرها من المناطق تنعم في ظل الحكومة الرومانية الموحدة بالسلام وسيادة القانون والنظام والرخاء. طبيعة جغرافية إيطاليا القديمة:
تتكون إيطاليا من قسمين أو إقليمين كبيرين رئيسين يختلفان اختلافا بيناً فيما بينهما:
أولاَ: يشمل الإقليم الجزء الشمالي من إيطاليا حيث تمتد سلسلة جبال الألب والتي يخترقها نهر الراين والرون وهذا الجزء من إيطاليا هو عبارة عن سهل فسيح تطوقه جبال الألب على هيئة هلال منتظم يمتد من البحر الإدرياتكي قرب تريسا حتى البحر المتوسط قرب نيس على الريفييرا الفرنسية حيث تنفرج جبال الألب عن ممر يسهل عن طريقه بلوغ شمال إيطاليا وفي الطرف الشرقي لجبال الألب يوجد ممر على ارتفاع حوالي 450م وكان طبيعياً أن يترتب على وجود هذه الممرات أن جبال الألب لم تكن حاجزاًمانعاً في وجه الهجرات القادمة من داخل القارة ، ويقدر اتساع الإقليم الشمالي من الشرق إلى الغرب بحوالي500كم ومن الشمال بحوالي خمس ذلك. ومن أهم مظاهر سطح إيطاليا وادي نهر البو ويعد هذا النهر من أهم وأعظم أنهار إيطاليا كافة ويشغل أكثر أنحاء السهل ، وينبع نهر البو من جبال الألب وبعد أن تغذيه روافد كثيرة يصب في البحر الإدرياتيكي في الشرق وقد تكون هذا السهل في الشرق من رواسب طمية حملتها مياه وروافد النهر وقد أدت غزارةالأمطار على مدار العام وبالإضافة إلى خصوبة التربة إلى ازدهار الزراعة فيها ، كذالك توجد به عدة براكين في إقليم أتروريا ولاتيوم وكمبانيا ومما يجدر بالذكر أن تربة الأقاليم الثلاثة هي أجود أنواع التربة وأخصب الأراضي الزراعية الإيطالية ونظرا لطبيعة السواحل الإيطالية القليلة التعاريجتندر فيها الموانئ الطبيعية. ثانياً: الإقليم الجنوبي أو شبة الجزيرة الإيطالية ويكون هذا الإقليم الجزءالجنوبي من إيطاليا ويتكون من شبة جزيرة تقع بين البحر التيراني في الغرب والبحرالإدرياتيكي في الشرق وتحف الشواطئ بالإقليم على طول امتداده وتشقه كذلك سلسلة جبال الابنين ، كذالك توجد في بعض مناطق الشاطئ الغربي والجزر المجاورة عدة براكين بعضها خامد وبعضها لا يزال يمارس نشاطه وبالرغم من نتائج ثورات البراكين المدمرة وقت حدوثها فإن نتائجها في المدى الطويل كانت مفيدة جدا وذالك أن ما قذفته من حمم ساعد على تكوين تربة جيدة صالحة لزارعة الكروم. ثالثاً :جزيرة صقلية وهي الجزيرة الوحيدة التي قامت بدور هام في التاريخ الروماني وهذا يتضح بوجه خاص في أثناء الصراع بين روما وقرطاجنة ولا يفصل صقلية عن جنوب إيطاليا سوى مضيق ميسنا.
أهمية موقع روما
موقع روما المتميز وسط شبه الجزيرة الإيطالية عند مكان يسهل فيه عبور نهر التيبر وعلى بعد مسيرة يوم من الشاطئ الغربي وبذلك كانت في مأمن من قراصنة البحر مما أكسبها ميزة كبرى عن مدن الشمال والجنوب وبعدما سيطرت روما على شبه الجزيرة الإيطالية تحسنت مواصلاتها الداخلية بفضل شبكة الطرق العامة التي أنشأتها لربط أجزاء البلاد المختلفة بعضها ببعض.
ويذكر كاري أن إيطاليا لم تكن مؤهلة تأهيلاً كاملاً للدور الذي قامت به في مشوار الحضارة العالمية فأهلها بسطاء وحضارتهم عادية وتقدمها المادي بسيط ، ولم تكن تعرف الكتابة وفنها نسبيا ليس راقيا ولذالك أعتبرالمؤرخون أن نشأة روما حد فاصل بين فترتين حضاريتين ،وقد كان هناك خلاف بين المؤرخين القدماء حول نشأة روما ولكن التاريخ الذي أتفق عليه هو ابريل 753ق.م وبعدذالك أصبحت روما وشعبها صاحبة الإنجاز الأول والأكبر في كل تاريخ إيطاليا القديم ولولاها ما عرف العالم القديم والحديث شيئا عن إيطاليا.
العصور التاريخية في إيطاليا
العصر الحجري القديم العصر الحجري الحديث بدأ في إيطاليا في حوالي عام 5000ق.م. العصر الحجري المعدني. عصرالبرونز. عصر الحديد تميز تاريخ إيطاليا في الشطر الأول من الألف ق.م بظاهرتين: الظاهرةالأولى: المرحلة الباكرة من عصر الحديد والتي بدأ تعند أوائلالألف الأول ق.م واستمرت إلى حوالي 600ق.م وتسمى بوجه عام حضارة فيلانوفا وهو اسم جبانة حديثة عند بولونيا. الظاهرةالثانية :تتمثل بقدوم جماعتين جديدتين إلى إيطاليا وكانت أحداهما تتألف من الأتروسقين وهم الذين جاؤوا في حوالي أوائل القرن8 ق.م واستقرواعلى الشاطئ الغربي شمال التيبر.وكانت الجماعة الأخرى من الإغريق.
سكان روما
كانت روما واحدة من المدن التي قامت في إقليم لاتيوم وهو إقليم يقع في الجانب الغربي من شبة الجزيرة الإيطالية وعرف سكانه باسم اللاتين وكان الرومان جزء من هذا الشعب ويتحدثون لغتهم وهي اللغة اللاتينية واللاتين من لشعوب الإيطالية ، و قد قسم المؤرخون سكان شبة الجزيرة الإيطالية في الفترة المبكرة إلى قسمين رئيسين: القسم الأول: يضم الشعوب الإيطالية في مقدمتها اللاتين بالإضافة إلى بعض الشعوب الأخرى مثل القبائل السمنية القسم الثاني: يضم الشعوب الغير إيطالية ويقصد بها الشعوب الوافدة إلى إيطاليا من مناطق أخرى مثل الإغريق والأتروسكين. أما الإغريق فقد خرجوا من بلادهم في عصر الانتشار والاستيطان في الفترة مابين 750ـ550 ق.م وراحوا يستعمرون مناطق كثيرة من حوض البحر المتوسط وماحوله.
أما الشعب الآخر فهم الأتروسكين سكان إقليم أثروريا وهي المنطقة التي تعرف الآن باسم توسكانيا وقد دار جدل بين الباحثين حول أصل الأتروسكين فمنهم منقول بأنهم من الشعوب الأصيلة وهناك فريق أخر يرى خلاف ذلك وهو أنهم جاؤوا من خارج إيطاليا وذكر هيرودوت أن الأتروسكين جاؤوا من منطقة ليديا في آسيا الصغرى”
روما مدينة التلال السبعة
أنشئت مدينة روما على مجموعة من التلال لذالك عرفت بمدينة التلال السبعة ومن أشهر تلك التلال تلال كابيتول وتل الأفنتين وتل البلاتين وكان نهر التايبر يشكل وسيلة الاتصال بين روما والبحر التيراني وقد هيأ الموقع المتوسط فرصة طيبة لروما كي تتحكم في السواحل الغربية لإيطاليا كذلك فإن موقعها جعل منها محطة اتصال بين شمال إيطاليا وجنوبها.
- ومما يجدر بالملاحظة هنا هو أن روما تسمى مدينة التلال السبعة فإنها لم تشمل التلال السبعةجميعا الواقعة على الضفة الشرقية للنهر إلا فيالشطر الأخير من عصر الجمهورية ، ويذكر الباحثين أن موقع روما نفسها في وسط إيطاليا وإشرافها على نهر التيبر مكنتها من العمل بحرية في كل الاتجاهات وحققت أهدافها التوسعية بفضل إصرارها وطموحاتها الكبيرة وتنفيذها لسياسات ناجحة في علاقاتها مع خصومها حتى دانت لها شبه الجزيرة الإيطالية ويقول د نصحي في هذاالخصوص:”وإذا كان موقع روما في وسط شبة الجزيرة عاملاً بالغ الأهمية في بسط سيادتهاعليها فإن كثرة عدد سكان شبة الجزيرة وموقعها في البحر المتوسط لم يكون أقل أهمية في بسط سيادة روما على عالم هذا البحر ذالك أن روما نجحت في السيطرة على شبه الجزيرة حتى أتاح لها موقعها و وفرة المقاتلين الذين كانوا تحت إمرتها أن تعالج خصومها واحدا بعد الآخر في الأوقات المناسبة لها وأن تبني إمبراطوريتها المتراميةالأطراف .”
وهناك شبه اتفاق على أن روما أنشأت في عام 753ق.م لتكون في الغالب قلعة محصنة للدفاع عن اللاتين ضد عدوان الأتروسكين الذين يعيشون شمال نهرالتيبر وربما لم تكن هذه المدينة إلا نقطة حراسة أمامية في ذالك التاريخ القديم مننشأة روما والتي حكيت حولها الكثير من الأساطير.
الأساطير المحيطة بنشأة روما
الأسطورة الأولى : ذكر د.إبراهيم نصحي في كتابه تاريخ الرومان”منذ أقدم العصور وحتى عام 133ق.م”،الجزء الأول أسبابا أخرى لنشأة روما كبنا ملاك مارس الإله الخامس عند الرومان ولكن أشهر الأساطير تقول بأن إينياس أحد أبطال حرب طروادة بين الإغريق وأهل المدينة حوالي بدايات القرن 12ق.م ، فر هارباً بعد سقوط مدينته وجاب البحار ثم أستقر به المقام على الساحل الإفريقي الشمالي عند نفس المكان الذي قامت عليه فيما بعد مستعمرة قرطاجنة الفينيقية وهناك قابل الملكة ديدو التي أحبته حباً لا مثيل له وصفه الشاعر اللاتيني فرجيل في ملحمته الرائعة الإنيادة ولكنه هجرها فما كان منها إلا أن انتحرت وواصل هو رحلته إلى ساحل إيطاليا ونزل سهل لاتيوم وأخضع القبائل الموجودة به وأسس مدينة Lavinium ثم أسس مدينة فينقيه Alba Longa وبعد مدة ومضي عدة قرون أنشأ أحد أحفاده ويدعى رمولوس مدينة روما قبل القرن 4ق.م.
الأسطورة الثانية : أقر الرومان أسطورة كانت مزيجاً من خيال الرومان والإغريق معاً أنه وقبل نهاية القرن 4ق.م تمخضت عن عدة أساطير رومانية أسطورة فحواها أن الإله مارس إله روما الحارس أنجب سفاحاً من ابنة ملك البالونجا توأمين يدعيان روموس ورمولوس وأن الطفلين ألقيا في نهر التيبر ولكن بفضل العناية الإلهيه قذفت مياه البحر بالطفلين إلى الشاطئ فأخذت ترضعهما ذئبه إلى أن عثر عليهما راعي يدعى فاوستولوس فكلف بتربيتهما عند المكان الذي أنشأت عليه روما فيما بعد وعندما شب رمولوس أنشأ على تل بالاتينوس مستعمرة زود رجالها بزوجات أختطفهن من جماعة السابيني كانت تنزل على تل كويريناليس وأما روموس فإنه حاول أنشاء مستعمرة على تل أفنينوس لكنه لم ينجح في محاولته. الأسطورة الثالثة : وتروي الأسطورة أنه وبعد أن شب روموس ورمولوس وبلغا مبلغا الرجولة أقام رمولوس مستعمرة على تل اللاتين بينما حاول شقيقه روموس إنشاء مستعمرة أخرى على تل الأفنتين لكنه لم ينجح في محاولته، أماالمشكلة التي واجهت رمولوس عند إنشاء المستعمرة هي نقص النساء وفكر في حل للمشكلة وتظاهر بإقامة مهرجان للاحتفال بإنشاء المستعمرة ودعا أفراد قبيلة السابين لحضورالمهرجان ولبى هؤلاء الدعوة وأحضروا معهم زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم وفي أثناءالاحتفال أنقض رمولوس ورفقاؤه على فتيات السابين واستولوا عليهن وبعد عودة السابين إلى بلادهم سيطر عليهم الغضب وأعدوا العدة للانتقام واسترجاع بناتهم وحين أكملوااستعدادهم زحفوا إلى روما لمحاربة رمولوس ورجاله إلا أن السابينيات اللاتي أصبحن زوجات لرومان وقفن بين الطرفين ومنعن قيام حرب بين أزواجهن وآبائهن وبعد ذالك أصبح الرومان والسابين أصدقاء ومن أجل ذالك و تخليد هذه الأسطورة أقام الرومان تمثالاًمن البرونز ونصبوه في ساحة السوق العامة في روما عام296ق.م ويمثل التمثال الذئبة Lupaca-pitolina وهي ترضع طفلين.
أساطير أخرى حول نشأة روما
أدلى الإغريق بدلوهم في مجال الروايات التي ذكرت حول نشأة روما لما لهم من باع طويل في فن ابتكار الروايات الأسطورية فقالوا إن الذي أنشأ مدينة روما إلى البطل الطروادي إينياس الذي فر من طروادة بعد سقوطها وأنه هام على وجهه لفترة طويلة إلى أن حط رحاله في إقليم لاتيوم حيث رحب به الملك وزوجه ابنته وأن روموس ورمولوس هما أحفاد إينياس من الأميرة اللاتينية وقد خلد هذه القصة الشاعر اللاتيني فرجيل في ملحمته الرائعة الإنيادة ،ويتضح من جميع تلك الأساطير التي نسجت حول نشأة روما أنها تتفق على أن رمولوس هو الذي أسس روما ولكنها تختلف حول أصله فالبعض أرجعه لإيطاليا والبعض الآخر إلى اليونان والبعض الآخر إلى طروادة.
وإذا تركنا الأساطير جانبا فإننا نجد أن روما قد أنشئت كمركز دفاعي متقدم عن اللاتين الذين سكنوا لاتيوم ضد الأتروسكين وقد بدأ سكان إقليم لاتيوم تحتك بالشعوب المحيطة به خاصة الإغريق والأتروسكين الذين يرجع إليهم الفضل فيما أحرزه اللاتين منتقدم حضاري وما لبثت القرى أن تحولت إلى مدن تحيط بها الأسوار وتقوم بها المعابدوالقلاع على النظام الأتروسكي وزد سكان إقليم لاتيوم في القرن السادس زيادة كبيرةنظراً لأعمال الري وإقامة الخزانات على النظام الأتروسكي.
خاتمة: و بعد… فإنه لا يزال الظلام يخيم على حقيقة نشأة مدينة روما ولا يزال العلماء يحولون الكشف عن أسرار هذه المدينة الخالدة حيث لا يمكن الاستناد كليةً على الأساطير دون وجود دليل مادي يدعمها كما أن وجود بعض الأدلة دعم بعض الروايات إلى حد ما…وعلى ذالك فإن الكشف عن أسرار هذه المدينة التي حكمت العالم ردحاً من الزمن سيظل هاجساً يشغل المؤرخين والباحثين إلى أجل غير معلوم.