تتميّزُ اللّغة العربيّة بتنوّعِ الأساليب اللغويّة التي تُساهمُ في تطوّر مبنى الكلمات، والجُمل المُستخدَمة في كتابةِ النّصوص النثريّة والشعريّة، وغيرها من أنواع النّصوص الأُخرى، كما تُساعدُ الكاتبَ على اختيارِ الأسلوب المناسب لصياغةِ نصّه بطريقةٍ صحيحةٍ ومُميّزة، ممّا يُساهمُ في تحقيقِ التّأثير المطلوب على القُراءِ؛ إذ كلّما تمَّ ترتيبُ الأفكار بطريقةٍ صحيحة ومُنظمة ساهم ذلك في توصيلها للهدفِ المطلوبِ منها؛
لذلك عندما يتمُّ استخدامُ تنسيقٍ مُتزنٍ ومُرتبٍ للنص المكتوب بالاعتمادِ على أساليب اللّغة العربيّة في التّعبير عن الكلمات عندها ينجحُ النّصُ في توضيح الفكرة الرئيسيّة الخاصّة به، ويُطلقُ على الوسائل والطُّرق المُستخدَمة في الكتابة مُسمّى أساليب البلاغة.[١] علم البلاغة يُعرفُ علم البلاغة لغةً بأنّه مصدرٌ مُشتقٌّ من الجذر الثلاثيّ (بلغ)، ومعناه الفصاحة في القول والكلام أثناء الحديث أو الكتابة.[٢] أما اصطلاحاً فيعرفُ علم البلاغة بأنّه استخدامُ أسلوب الوصف للتّعبير عن الكلمات؛ أيّ أن تكونَ الجُمل اللغويّة مُتناسقةً ومُتوافقة وبعيدة عن التّنافر أو الاختلاف الذي قد يُؤدّي إلى غيابِ المعنى.
ومن التّعريفات الأُخرى لعلم البلاغة أنّه أحد علوم اللّغة العربيّة المُهمّة، والذي يعملُ على إيصالِ الأفكار والمعاني بأفضلِ الطُّرق، مع الحرص على إضافةِ الجماليّات اللغويّة عليها؛ ممّا يُساهمُ في زيادة تأثيرها على القارئ أو المُستمِع.[٣] خصائص علم البلاغة يتميّزُ علم البلاغة بمجموعةٍ من الخصائص، وهي:[٤] تعدُّ البلاغة الطّريقة التي تساعدُ على بناءِ نصٍ لغويّ صحيح بعيدٍ عن الأخطاء. تعتبرُ البلاغةُ وسيلةً من وسائل التّفكير بجماليّة الكلمات الخاصّة بالنصّ. تساعدُ البلاغةُ في اختيار اللّفظ السّليم في المكانِ المناسب له حتّى يستقيم معنى الجُمل. تُساهمُ البلاغة في تقديمِ مجموعةٍ من الأفكار للكاتب حتّى يتمكّن من استخدام بديع الألفاظ، وبيان معاني الكلام بوضوحٍ تام. الأساليب البلاغيّة في اللغة العربيّة
يُقسمُ علمُ البلاغة في اللّغةِ العربيّة إلى ثلاثةِ أنواعٍ من العلوم، أو الأساليب البلاغيّة؛ وهي: علم المعانيّ، وعلم البيان، وعلم البديع، والآتي شرحٌ عن هذه الأساليب: علم المعاني علم المعاني هو العلم الذي يختصّ بالمعاني والتّراكيب، ويدلّ على الاستخدام المناسب للكلمات؛ ليعبّر عن الموقف بأفضل صورة مُمكنة، ولا يَنْظر هذا العلم إلى التّراكيب المُفرَدة أو الجُملِ الجُزئيّة فقط، بل يهتمُّ بدراسةِ النّصِ كاملاً؛ لأنّ التّعبير اللفظيّ يَتَحدّثُ عن حدثٍ مُعيّن؛ فإذا عرف القارئ معاني الكلمات عندها يتمكّنُ من معرفةِ أحوال الألفاظ، والتي تتطابقُ مع صور الكلام المُختلفة، وتساعدُ على معرفة معانيها بطريقةٍ واضحة، ويقسمُ علم المعانيّ إلى مجموعةٍ من الفروع، ومن أهمّها الخبر والإنشاء؛ إذ إنّ الكلام في اللّغة العربيّة إمّا أن يكونَ خبراً، أو إنشاءً، والآتي معلوماتٌ عنهما:[٣] الخبر: هو ما يتمُّ فيه الكلامُ عن جملةٍ ما، ولا يقصدُ به الإشارة إلى مُصطلحِ خبر المُبتدأ، فأغلب الكلمات في اللّغةِ العربيّة تحملُ أخباراً معها، ويستخدمُ أيضاً الخبر لنقلِ الكلام، والذي يدلُّ على صدقِ أو كذب النّاقل أو المُتكلم. الإنشاء: هو الكلامُ الذي يحمل فكرةً واحدة مع تنوّعِ المعانيّ الخاصّة بكلماته، ولا يصحُّ وصف قائله بالصّدق أو الكذب؛ لأنّه يعتمدُ على إنشاء الكلمات بالاعتمادِ على قولِ المتكلم. علم البيان علم البيان هو العلم اللغويّ البلاغيّ الذي يبحثُ عن إيصالِ المعنى الواحد، أو الفكرة بأكثرِ من أسلوب، وأيضاً يُعرفُ علم البيان بأنّه أسلوبٌ لتوضيح دلالةِ الكلمات من خلال فهم معانيها في سياق النّص، ويُقسمُ علم البيان إلى أربعة أقسام، وهي:[٥] التّشبيه: هو إنشاء علاقة تَشابهٍ بين أمرين لِوجود صفاتٍ مُشتركة بينهما؛ أيّ مُشاركةُ كلمةٍ لغيرها في المعنى، وللتشبيه أربعة أركان وهي: المُشبّه، والمُشبّه به، وأداة التّشبيه، ووجه الشّبه. مثال: البنتُ كالزّهرةِ في جمالها، المُشبّه هو البنت، والمُشبّه به هو الزّهرة، وأداة التّشبيه هي الكاف، ووجه الشّبه هو الجمال. وفي حالة التّشبيه يزيد أحد الطّرفين في وجه التّشبيه عن الآخر، ففي الجُملةِ السّابقة تزيد الزّهرة في جمالها عن البنت. للتّشبيه مجموعةٌ من الأنواع وهي: تشبيهٌ تام: هو التّشبيه الذي يحتوي في تركيبه على كلّ أركان التّشبيه، مثل: البنتُ كالزّهرة في جمالها. تشبيهٌ مُؤكّد: هو التّشبيه الذي حُذِف منه أداةُ التّشبيه، مثل: البنت زهرةٌ في جمالها. تشبيهٌ مُجمل: هو التّشبيه الذي حُذِف منه وجه الشّبه، مثل: البنت كالزّهرة. تشبيهٌ بَليغ: هو التّشبيه الذي حُذِف منه أداة التّشبيه ووجه الشّبه، مثال: البنت زهرة. الاستعارة: هي تشبيهٌ حُذِف أحد طرفيه المُشبّه أو المُشبّه به، واللّذان يشترطُ وجودهما لِإتمام التّشبيه، وعند غياب أحدهما تظهر الاستعارة، ومِن أهم أنواعها: الاستعارة المَكنيّة: هي التّركيب الذي حُذِف منه المُشبّه به وذُكِرَ المشبّه، مثال: طار الخبر في المدينة؛ ففي هذه الجملة حُذف المشبّه به، وهو الطّائر الّذي شبّهنا الخبر به. الاستعارة التحقيقيّة: هي التّركيب الذي حُذِف منه المشبّه وكُتبَ المشبّه به، مثال: حارب الأسد بشجاعةٍ في المعركة، ففي هذه الجملة شبّهنا الإنسان بالأسد، ولكن لم يُذكر بل ذُكِرَ المشبّه به وهو الأسد. الكناية: هي الأسلوب الذي يُستخدم عندما اللفظ أو الكتابة معنىً ظاهراً لجملة ولكن يُراد به معنىً آخر، وأيضاً تعرفُ الكنايّة بأنها لفظٌ يرادُ فيه معناه المخفي، من خلال استخدام معنى ظاهرٍ له، والكناية أنواع؛ وهي: كناية عن صفة: هي التّركيبُ الذي يُقصدُ فيه معنىً آخر لصفةٍ ما، مثال: أطلقَ أخي قدميّه للرّيح، فهذه الجُملة لا تعنيّ ربط القدمين بالرّيح؛ بل هي كنايةٌ عن السّرعة في الرّكض. كناية عن موصوف: هي التّركيب الّذي يُستخدمُ فيه موصوفٌ عُرف بصفاته، وذاته، وعمله، مثال: أمةُ الضّاد، والمقصودُ بالمثال هنا وصفُ العرب بأنهم أمةٌ للّغة العربيّة. كناية عن نسبة: هي التّركيب الّذي يحتوي على صفةٍ، ولكنّها تنسب إلى شيءٍ مُتّصل بالموصوف، مثال: الكرمُ في بيتِ سعيد، وهنا تذكرُ الصّفة في الكرم، أمّا البيت فهو النسبة لسعيدٍ بأنّه كريم. علم البديع علم البديع: هو العلم الذي يبحث في تحسين الكلام اللفظي أو المعنويّ، ويقسمُ إلى الفروع الآتية:[٥] الجناس: هو تركيبٌ يحتوي على كلمتين تتشابهان في اللّفظ ولكن تختلفان في المعنى، ويقسمُ إلى نوعين؛ وهما: الجناس التّام: هو اتّفاقُ الألفاظ معاً؛ مثال: قال تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)؛[٦] فالسّاعة والسّاعة تتشابهان تماماً في اللّفظ ولكنْ تختلفان في المعنى. الجناس الناقص: هو وجود نقصٍ في اتفاقِ الألفاظ معاً؛ مثال: قال تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)؛[٧] فكلمتا تقهر وتنهر تتشابهان في اللّفظ ولكن لا تتطابقان تماماً. الطّباق: هو التّركيب الذي يجمع بين متضادّين في المعنى، مثل: يَتسابقُ اللّيل والنّهار. المُقابلة: هو التّركيب الذي يجمع بين أكثرِ من لفظٍ ويقابله أكثر من لفظٍ مُضادٍّ له، مثل: اقرأ اليوم لتستفيد غداً. المراجع ↑ عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، صفحة 2،3. بتصرّف. ↑ “معنى كلمة بلاغة”، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2016. بتصرّف. ^ أ ب محمد العثيمين (1434 هـ)، شرح البلاغة من كتاب قواعد اللغة العربية (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية، صفحة 17، 18، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58. بتصرّف. ↑ سلامة موسى (1945)، البلاغة العصرية واللغة العربية (الطبعة الأولى)، مصر: سلامة موسى للنشر والتوزيع، صفحة 106. بتصرّف. ^ أ ب الخطيب القزويني (2003)، الإيضاحُ في علوم البلاغة (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 163، 164، 212، 241، 242، 243، 255، 257، 259، 262. بتصرّف. ↑ سورة الروم، آية: 55. ↑ سورة الضحى، آية: 5-6.
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: http://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%BA%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9