المطابقة في النحو العربي وتطبيقاتها في القرآن الكريم
هذه بعض الاقتباسات من رسالة في النحو تتحدث عن المطابقة في النحو العربي
متمثلة القرآن الكريم، وسوف أقوم بأخذ بعضا منها . وهي للطالب : فراس عصام شهاب السامرائي
أولاً – المطابقة لغة :
يُقصد بلفظ المطابقة في اللغة ، التماثلُ والتساوي ، جاء في اللسان : ” وتطابقَ الشيئان تساويا ، والمطابقةُ الموافقة ، والتطابقُ الإتفاق ، وطابقتُ بين الشيئين إذا جعلتُهُما على حذوٍ واحدٍ وألزقتُهُما ، وهذا الشيْ وِفقَ هذا ووفاقهُ وطِباقهُ وطابقهُ وطِبقَهُ وطَبِيقَهُ ومُطبقهُ وقالبهُ ، بمعنىً واحدٍ ” ،(1) وجاء في تاج العروس : ” والمطابقةُ الموافقةُ ، وقد طابقهُ مطابقةً وطباقاً ، وقال الراغبُ : المطابقةُ من الأسماء المتضايفة ، وهو أن يجعلَ الشيء فوق آخرٍ بقدرهِ 000 ( و) من المجاز المطابقةُ ( مشي المقيد ) وهو مقاربةُ الخطو ( و) وهو مأخوذٌ من قولهم : المطابقةُ هو (وضع الفرس رجليه موضع يديه) ، وهو اللاحقُ من الخيل ، وكذلك البعيرُ ” .(2)
1- لسان العرب ، 10 / 209-210 ، مادة ( طبق ) .
2- تاج العروس ، 6 / 417 ، فصل ( الطاء مع القاف ) .
ثانياً – المطابقة اصطلاحاً :
على الرغم من أنَّ هذا المصطلح مستعملٌ متداولٌ عند النحاة ، إلا أنني لم أجد له تعريفاً يخصه ، ومن خلال تتبع هذا المصطلح في كتبهم ، نستطيعُ أن نعرف المطابقة بأنها : مجموعة من العناصر اللغوية التي تؤدي وظائف متماثلة أو متشابهة ، أو تدل على معانٍ نحويةٍ ، كالإعراب من رفعٍ ونصبٍ وجرٍ ، وكالعدد من إفرادٍ وتثنيةٍ وجمعٍ ، وكالتعريف والتنكير ، وكالجنس من تذكير وتأنيث ، وكالشخص من تكلمٍ وخطابٍ وغيبةٍ.
وإننا نلاحظُ هذه الظاهرة في المبتدأ والخبر متمثلة في العدد وفي الجنس وفي التعريف والتنكير ، ونلاحظها في الفعل والفاعل ، وتتمثلُ في العدد وفي الجنس ، ونلاحظها أيضاً في التوابع ، وتتمثل في الإعراب وفي التعريف والتنكير ، وتُوجدُ في الضمائر متمثلة في العدد وفي الجنس وفي الشخص ، وهذه هي أهم الجوانب التركيبة التي يظهر فيها هذا المصطلح في النحو العربي .
وكما قلنا إن هذا المصطلح متداولٌ عند النحاة ، فنجدُ – مثلاً- الرضي رحمه اللهُ في شرحه الكافية يقولُ : ” قوله : ( فإن طابقت مفرداً جاز الأمران ) أي إن كانت الصفة المذكورة مطابقة للمرفوع بعدها في الإفراد ، جاز الأمران ، لكونها مبتدأ وما بعدها فاعلها ، ولكونها خبراً عمَّا بعدها ” (1) ، ويقولُ أيضاً عند الحديث عن ضمير الشأن : ” ويُختارُ تأنيث الضمير ؛ لرجوعهِ إلى المؤنثٍ ، أي القصة ، إذا كان في الجملة المفسِّرة مؤنثٌ ؛ لقصد المطابقة ، لا لأن مفسره ذلك المؤنث كقوله تعالى : فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ” . (2)
ويقولُ الدمامينيُّ : “( و) يجبُ ( أن يكون ) هو ، أي الخبر ( طبق المبتدأ ) في التذكير والتأنيث ، والإفراد والتثنية والجمع ، مدة ( ما أمكن ) ذلك ” ، وهذه إشارات صريحة لهذا المصطلح ، ولا ننسَ أن كلام النحاة في عدد من الأبواب النحوية ، وإن لم يذكروا فيه لفظ المطابقة ، فإنَّها مقصودة ضمناً ، وذلك نحو حديثهم في التوابع ، يقولُ سيبويه : ” واعلمْ أن المعرفة لا تُوصفُ إلا بمعرفةٍ ، كما أن النكرة لا تُوصفُ إلا بنكرةٍ ” ، وجاء في كتاب المقتصد : ” والبدلُ يُعربُ بإعرابِ المُبدلِ منهُ ” ، ويقولُ ابنُ هشام : ” وحكمُ المعطوفِ أنَّهُ يتبعُ المعطوفَ عليه في أربعةٍ من عشرة ، وهي واحدٌ من الرفعِ والنصب والجر ، وواحدٍ من التعريفِ والتنكيرِ ، وواحدٍ من الإفرادِ والتثنية والجمعِ ، وواحدٌ من التذكير والتأنيثِ ” .
ولا يخفى أنَّ هذا المصطلحَ متداولٌ عند البلاغيين والمناطقة ، فنجدُ البلاغيين يستعملونه بمعنى الجمع بين المتضادين ، فهم يُعرفون علم البديع بقولهم : ” وهو علمٌ يُعرفُ به وجوه تحسين الكلامِ ” ، ومن هذه الوجوه ” ( المطابقة ، وتسمى الطباق والتضاد أيضاً ، وهي الجمعُ بين المتضادين ، أي معنيين متقابلين في الجملة ) أي يكونُ بينها تقابلٌ ولو في بعض الصور 000 ويكون ذلك الجمعُ ( بلفظين من نوع ) واحدٍ من أنواع الكلمة ، اسمين ، نحو : وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ، أو فعلين ، نحو : يُحْيِي وَيُمِيتُ ، أو حرفين ، نحو : لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ” .
ونجدُ المناطقة يستعملون المصطلح أيضاً ، وذلك في حديثهم عن دلالة الألفاظ ، فيقسمون الدلالة على ثلاثة أقسام : مطابقة ، وتضمن ، والتزام ، يقول الأخضيري في السلم :
“دَلالـةُ اللفظِ على ما وافقه يدعونها دلالة المُطابقــة
وجزئهِ تضمناً ومـــا لَزِمْ فهو التزامٌ إنْ بعقلٍ أُلتِزمْ ” .
ويُعرفُ شارحُ هذا المتن دلالةَ المطابقةِ بقوله : ” هي دلالة اللفظِ على تمام المعنى ، أي اللفظُ مطابقٌ للمعنى تماماً ، مثل وضع لفظ ( زيد ) على جميع أجزاء جسمه ، ومثل لفظ
( بيت ) على جميع جدرانه وسقفه ، ومثل ( إنسان ) على الحيوان الناطق ” .
ينظر ما يلي :
شرح الرضي على الكافية ، 1 / 228 ، وينظر : المصدر نفسه ، 2 / 360 .
شرح الرضي على الكافية ، 2 / 467 ، والآية من ( الحج / 46 ) .
المنهل الصافي ، 1 / 244 ، وينظر : مغني اللبيب ، 509 ، وشرح ابن عقيل ، 1 / 197 .
الكتاب ، 2 / 302 ، وينظر : الأصول ، 2 / 21-32 ، والمقتصد في شرح الإيضاح ، 2 / 900 .
المقتصد في شرح الإيضاح ، 2 / 929 .
شرح شذور الذهب ، 380.
مختصر المعاني ، 265 .
( الكهف / 18 ) .
( البقرة / 258 ) .
( البقرة / 286 ) .
مختصر المعاني ، 265 .
الشرح الواضح المنسق لنظم السلم المرونق ، 12 .
المصدر نفسه ، 12