في ذكرى وفاة الرسول الاعظم

لم يكن حول النبي (صلَّى الله عليه وآله) في اللحظات الأخيرة إلاّ علي بن أبي طالب وبنو هاشم ونساؤه. وقد علم الناس بوفاته (صلَّى الله عليه وآله) من الضجيج والصراخ الذي علا من بيت الرسول (صلَّى الله عليه وآله) حزناً على فراق الحبيب، وخفقت القلوب هلعة لرحيل أشرف خلق الله. وانتشر خبر الوفاة في المدينة انتشار النار في الهشيم ودخل الناس في حزن وذهول رغم أنه (صلَّى الله عليه وآله) كان قد مهّد لذلك ونعى نفسه الشريفة عدّة مرات وأوصى الأمة بما يلزمها من طاعة وليّها وخليفته من بعده علي ابن أبي طالب. لقد كانت وفاته صدمة عنيفة هزّت وجدان المسلمين، فهاجت المدينة بسكانها وازدادت حيرة المجتمعين حول دار الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أمام كلمة عمر بن الخطاب التي قالها وهو يهدد بالسيف: إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد مات، إنه والله ما مات ولكنّه قد ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران (3).

ورغم أ نّه لا تشابه بين غياب موسى (عليه السلام) ووفاة النبي محمد (صلَّى الله عليه وآله)،

لكن مواقف عمر التالية لعلّها تكشف النقاب عن إصراره على هذه المقارنة.

نعم، لم يهدأ عمر حتى قدم أبو بكر من السنح ودخل إلى بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فكشف عن وجه النبي (صلَّى الله عليه وآله) وخرج مسرعاً وقال: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت وتلا قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وهنا هدأت فورة عمر وزعم أنه لم يلتفت إلى وجود مثل هذه الآية في القرآن الكريم (4).

وأسرع أبو بكر وعمر بن الخطاب مع بعض أصحابهما إلى سقيفة بني ساعدة بعد أن عرفا أنّ اجتماعاً طارئاً قد حصل في السقيفة فيما يخصّ الخلافة بعد وفاة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). متناسين نصبُ عليّ بن أبي طالب وكذا بيعتهم إيّاه بالخلافة وغير مدركين أنّ تصرفهم هذا يعدّ استخفافاً بحرمة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وجسده المسجّى.

وأمّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل بيته فقد انشغلوا بتجهيز الرسول (صلَّى الله عليه وآله) ودفنه فقد غسّله عليّ من دون أن ينزع قميصه وأعانه على ذلك العباس بن عبد المطلب ابنه والفضل وكان يقول: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً وميّتاً (5).

ثم وضعوا جسد الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على سرير وقال علي (عليه السلام): إن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون. وأوّل من صلى على النبي (صلَّى الله عليه وآله) علي (عليه السلام) وبنو هاشم ثم صلّت الأنصار من بعدهم (6).

ووقف علي (عليه السلام) بحيال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنّا نشهد أن قد بلّغ ما اُنزل إليه ونصح لأُمته وجاهد في سبيل الله حتى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتّبع ما أنزل الله إليه وثبّتنا بعده واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين، حتى صلّى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان (8).

وحفر قبر للنبي (صلَّى الله عليه وآله) في الحجرة التي توفي فيها. وحين أراد علي (عليه السلام) أن ينزله في القبر نادت الأنصار من خلف الجدار: يا علي نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظّ من مواراة رسول الله. فقال (عليه السلام): ليدخل أوس بن خولي، وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف.

ونزل عليّ (عليه السلام) إلى القبر فكشف عن وجه رسول الله ووضع خدّه على التراب، ثم أهال عليه التراب.

ولم يحضر دفن النبي (صلَّى الله عليه وآله) والصلاة عليه أحد من الصحابة الذين ذهبوا إلى السقيفة.

فسلامٌ عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.

المصدر/اعلام الهداية  ج4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطبقات الكبرى: 2 / 263.

(2) نهج البلاغة: خطبة 197.

(3) الكامل في التأريخ: 2 / 323، الطبقات الكبرى: 2 / 266، السيرة النبوية لزيني دحلان: 2 / 306.

(4) الطبقات الكبرى: 2 / القسم الثاني: 53 ـ 56.

(5) السيرة النبوية لابن كثير: 4 / 518.

(6) الإرشاد: 1 / 187 واعيان الشيعة: 1 / 295.

(8) الطبقات الكبرى: 2 / 291.