الفلسفة الذكورية وأثرها على النحو
م.د محمد سلام مظهر
جامعة كربلاء، كلية التربية للعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية
لعلنا نجاور الصواب إذا قلنا إن المجتمع العربي مجتمع ذكوري بامتياز منذ زمن الجاهلية وبدأ بالتغيير شيئا فشيئا وفقا للتطورات التي حصلت في العصر العباسي ولا سيما أيام الترجمة، وأصبح أكثر تطورا بعد انبثاق الثورة الصناعية في أوربا؛ فالفلسفة الذكورية أثرت في تكوين تربية المجتمع ورسمت ملامحه وعاداته وتقاليده وكل مفاصل حياته حتى العلوم، ومن خلال بحثنا وقراءتنا للغة العربية وعلومها وجدنا هذه الفلسفة قد تسللت إلى عقول علمائها ومثقفيها ولا سيما النحو العربي؛ فنجد الفلسفة الذكورية راسخةً في تثبيت قواعد النحو، قال سيبويه: “واعلم أن المذكّر أخف عليهم من المؤنث لأن المذكر أول وهو أشدّ تمكنا وإنما يخرج التأنيث من التذكير ألا ترى أن الشيء يقع على كلّ ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكرٌ هو أو أنثى”() ولسنا الآن بصدد محاكمة سيبويه على نصه الفلسفي الكلامي الذي يعود إلى رواية أن حواء خُلقت من ضلع آدم، وبدأ بعده النحويون يكتبون القواعد وفقا لهذه الفلسفة، فمثلا نرى ابن عقيل يضع شروطا قاسية لجمع المذكر السالم ويحاول ألّا يُدخل أي كلمة فيها شيء للأناث، منها:
في الجامد: “أن يكون علما، لمذكر، عاقل، خاليا من تاء التأنيث، ومن التركيب”()
ومن خلال تحليل ابن عقيل نراه يمنع جمع طلحة أو حمزة جمعا مذكرا سالما كون فيه تاء التأنيث على الرغم من أن الاسم علم لمذكر عاقل خالٍ من التركيب إلا أن مشكلتهم فيه تاء شكلية تدل التأنيث وهو في الواقع مذكر، وكذلك في الصفة يمنعون جمع كلمة علّامة (علّامون) ومشكلتهم في التاء أيضا.
والأدهى من ذلك نجدهم في الصفة يمنعون مما يستوي فيه المذكر والمؤنث مثل جريح وصبور فلا يجوز عندهم أن نقول جريحون وصبورون؛ لأن هذا اللفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث فنقول: (رجل صبور وامرأة صبور، ورجل جريح وامرأة جريح) فالعنفوان في فلسفتهم الذكورية يمنعهم من إدخال أيّة كلمة فيها أيّة دلالة على التأنيث أو الجماد في جمع المذكر السالم، وإذا وُجدت كلمة لا تناسب قاعدتهم الذكورية جعلوها ملحقة بجمع المذكر السالم مثل(سنة، سنون) و(عالَم، عالمون)، بينما نجد جمع المؤنث السالم لا يتشددون في شروطه بل يجعلون فيه المذكر الحيوانات والجمادات جمعَ مؤنث سالم فلا مشكلة في جمعهم بهذا الجمع مثل: (حمزة، حمزات) و(زُرافَة، زَرافات)، (جماد، جمادات) وهلمّ جرا.
وبعد التطور الذي دخل للمجتمع العربي نجد أن الكوفيين قد خالفوا كثيرا من قواعد البصريين الراسخة ومنها السماح لكلمتي (حمزة وطلحة) بجمعهما جمع مذكر سالم() لتكون أكثر مطابقة للواقع وبعدًا للمغالطات المنطقية التي يحكمها العقل والواقع…
وبهذا نحتاج إلى إعادة صياغة لبعض قواعد النحو على الدرب الذي سار عليه الميسرون للنحو العربي…