حساسية الرفض المهني 
د. مروه مهدي كاظم 
 
الرفض جزء لا مفر منه في الحياة المهنية على الرغم أنه يمكن أن يكون تجربة مؤلمة، لكن يمكن أيضا أن يكون بمثابة محفز رائع للتطور، وهو جزء من قصة كل قائد جيد وجزء من نجاحاته والنمو الشخصي له ( wiederkehr, 2015.12 )
ومن المتوقع أن الرفض وكيفية التعامل معه قد يغير مجرى التجربة ومن أشهر قصص النجاحات التي كان للرفض والفشل دور لنجاحاتهم فمثلا فيلم ويليام جلدينج الكلاسيكي ورواية سيد الذباب التي رفضت 20 مرة من قبل الناشرين، وكذلك رفضت أوبرا وينفري من وظيفتها كمراسلة اخبارية لانها كانت غير صالحة للاخبار التلفزيونية ” وتم التخلي عن “والت دزني من اول وظيفة له  للرسوم المتحركة لانه يفتقر إلى الخيال وليست لديه افكار جيدة(Weisman, 2015.p.2)
ويرتبط مفهوم حساسية الرفض المهني بما يسمى متلازمة الاعداد للفشل Set-Up-To-Fail Syndrome حيث تبدأ هذه المتلازمة بشكل عرضي غير ضار، مثلاً عدم التزام الموظف بالعمل اوعدم تحقيق الهدف أو أعطاء تقريراً سيئا، حيث يكون الدافع وراء هذا الاداء الضعيف من قبل الموظف غامضاً لدى اللآخرون في العمل، وبالأخرى القادة أو المشرفين وبالتالي سيثير الشك والقلق من قبل المشرف، وبذلك يتم أعطاء الوقت والانتباه والتركيز على الموظف للتأكد من أن المهام تعمل وتنفذ بالمسار الصحيح، وهنا سيفسر المرؤوسون ذلك التركيز بأنة أنعدام الثقة والأطمئنان في عملهم، وبالتالي بدلا من بذل الجهد المميز يبدأ الموظف بالشك في قدراتهم وتفكيرهم وفقدان الدافع والشعور بالأرتباك في الكثير من الاحيان (1. 2021 ,Grant).
 
يرى دنيس (2021 Dennis) الى ان هذا التداخل يحدث مثلا كرفض زميل الدعوة لتناول الغداء، فعلى الرغم من أنه يحدث في إطار تنظيمي وأن الرافض هو الزميل، حيث هنا لا ينطوي على رفض منتج أو خدمة أو جهد متعلق بالعمل، فمن الممكن أن الدفع وراء رفض دعوة الزميل تكون الأسباب شخصية، وهذا يعني أن الرفض الاجتماعي والمهني يستند الى تصورات تهديد العلاقات
(Mendes et al., 2008, p.291)
يرى دنيس (Dennis) أن من المحتمل تحدث حساسية الرفض المهني بسبب كل الميول الجينية والبيئية في محيط الفرد، مما يؤثر سلبا على العلاقات الشخصية، وكذلك المواقف وسلوكيات العمل(Dennis, 2021, p. 33)
 
وقد تختلف حساسية الرفض المهني أو تتداخل مع الرفض الاجتماعي؛ اذ أن الرفض
الاجتماعي هو استبعاد مباشر لفرد ما من العلاقات الاجتماعية، وذلك من خلال تجاهله أو السخرية منه أو إغاظة الفرد الآخر، إما حساسية الرفض هي ميل الأفراد لتجنب الرفض الاجتماعي من خلال ردود أفعالهم المبالغ بها لتفسير المواقف الغامضة للآخرين كونها رفض مقصود على الرغم احياناً قد لا يكون هناك رفض صريح و مباشر من الآخرين ( Doweney & Feldman 1996.P. 1328)
حيث أكد ايدوك وآخرون 2015 ,.Ayduk et al) ان الرفض والاستبعاد ينتهكان أساس الدافع البشري للقبول والانتماء لذلك قد يكون هنالك اختلافات من حيث طريقة التعامل مع الأزمات والصعوبات المتمثلة بحساسية الرفض في العمل فأحيانا قد يعرض الأفراد شريطاً دفاعياً لمواجهة هذه الأزمات، وأن هنالك ادلة تثبت ان التعامل مع الصعوبات والأزمات المتعلقة بأمن العلاقات وهوية الفرد تكون بواسطة مخططات تكيفية استراتيجية لدى الأفراد، بحيث يوظفون استراتيجيات مواجهة هذه الصعوبات وهي (۱) استراتيجيات مواجهة علنية التعبير اللفظي والمتمثلة باستراتيجية الترويج للذات) (۲) استراتيجيات سرية (الانسحاب، والتجنب والمتمثلة باستراتيجية إسكات الذات)  يميل الأفراد العالين بحساسية الرفض الى الوقاية العالية لتقليل ارتكاب الأخطاء التي تؤدي بهم الى المزيد من الرفض و اللجوء إلى الصمت الذاتي(Ayduk et al., 2015.445-4351)
 
واكد السلامة ، (۲۰۰۳) على ان حساسية المرشد للعلاقات الانسانية امر ضروري، وذلك لان الشخص الذي لا يعرف كيف يتفاعل مع الآخرين هو الذي يكون متأكد ان تعليقاته وملاحظاته، ستكون مزعجة للآخرين او انها لا تجلب لهم السرور والراحة، والذي لا يشعر بالمحبة او الكره بينه
وبين الآخرين، فانه لا يصلح لان يكون مرشدا ناجحا (السلامة، ۲۰۰۳، ص۱۷) 
حيث اكد خان 2019 ,Khan) هنالك أمثلة قليلة ودراسات تصف مدى مشاركة القيم والافكار والمشاعر الى شعور أيجابي في العمل، وكذلك ما يؤدي الى تحقيق أداء جيد ورضى وظيفي؛ اننا نحتاج الى فهم دور العواطف في بيئة العمل، حيث يدعم علماء النفس ايضا فكرة تطوير ثقافة الحب والقبول والتقبل في العمل، وأن تبادل العواطف والمشاعر يؤدي الى علاقات جيدة، على العكس من ذلك يؤدي الغضب و الأحساس بالنبذ والوحدة)(Khan, 2019, p4) 
ومن هذا المنطلق ترى الباحثتين أن حساسية الرفض المهني لدى الطلبة  قد يؤدي الى اظهار صورة مهنية  مغايرة عن مهاراتهم وكفاءتهم. 
في الواقع أن حساسية الرفض المهني هي ميل غير تكيفي ينشأ عن الصعوبات الشخصية أثناء الطفولة ،بما في ذلك الإساءة والتنمر(Downeyوkhouriو1997.Feldman:FeldmanوDOwney.1994).
وبالتالي فإن التاريخ الشخصي للرفض يجعل لأفراد يتوقعون انعدام الأمن في العلاقات ،مما يخلق يقظة متزايدة وردود أفعال أكثر حدة الأحدث الرفض المحتملة .وعلى الرغم من أن حساسية الرفض المهني تتطور أثناء تجارب الحياة المبكرة الا ان اثارها يمكن ان تمتد إلى مرحلة البلوغ وتؤدي إلى المجموعة مئوية من الصعوبات الشخصية .وقد ثبت أن أولئك الذين يعانون من حساسية الرفض العالية يتفاعلون بقلق أو بغضب مع تجارب الرفض ،من بين نتائج ضارة أخرى طويلة الأمد (DOwney وFeldman.1996)
 
 وإن التطلع للحصول على الاعتراف والتحايل على الرفض الناتج من الإحساس بالرفض هي نية اجتماعية حيوية، وأن الخوف من رفض الأقران أو من هم أعلى بالسلم الوظيفي هو تصور سائد وتعد من الأزمات التي تؤثر في العلاقة المستقبلية بينهم، وتؤثر كذلك على منطقة الراحة النفسية والجسدية للأفراد مما يؤدي إلى انخفاض الرفاهية واضطراب الأداء الاجتماعي خاص في مكان العمل( Buhs & Ladd 2001, 551)
 
يذكر لاري (2015) Leary) بان الناس لا يتفاعلون بقوة عندما يشعرون بالرفض الناتجة عن احساسهم بالفشل، بل قد يتأثر سلوكهم بالرغبة بتجنب الرفض حيث ينشئ قدر كبير من حساسية الرفض استجابة لرفض حقيقي أو متوقع اويتذكر او متخيل من قبل الأشخاص، ونظرا لأن القبول من قبل الآخرين ادى الى تحسين اللياقة التطورية، فقد طور البشر آليات بيولوجية نفسية لاخبارهم بالتهديدات التي يتعرضون لها، حيث يؤكد ان بيئة اجدادنا القدماء كان على الفرد تجنب الإقصاء والنبذ باي ثمن ويجب ان يكون متناغما مع الاشارات التي تشير الى ان وضعه الايجابي في أعين الآخرين قد يكون في خطر ؛ لذلك طور البشر آليات بيولوجية نفسية لتعريفهم بتهديدات القبول والرفض، وتوسيط عاطفي للإشارات التي تدل على الرفض والاستبعاد، وتكييف أنظمة تحفيزية للتعامل مع هذه التهديدات (Leary, 2015, p.436) 
حيث تمكن من توجيه التأقلم او ادارة الاستجابات العاطفية حيث يختار الأفراد استجابات ومهارات خاصة بسلوكيات المواجهة لزيادة احتمالية نجاح التكيف الى اقصى حد، وان الدافع لهذا التكيف (1) التقليل من الضغط الناتج عن مستويات عالية من التوتر والإجهاد (ب) إعادة السيطرة على الموقف بما يحقق التخلص من إشارات التهديد  
 

شارك هذا الموضوع: