حقوق المتعلم عند الإمام زين العابدين مقال : م.م. ضحى حسين فليح الخفاجي

حقوق المتعلم عند الإمام زين العابدين (u)

 

أعداد: م.م. ضحى حسين فليح الخفاجي

طرائق تدريس الاجتماعيات

قسم العلوم التربوية والنفسية

 

قَال الإمام زين العابدين (u):

(وأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالعِلْمِ فَأَنْ تَعْلَــمَ أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَكَ لَهُمْ فِيمَـــــــا آتاكَ مِنَ الْعِلْمِ وَولاّكَ مِنْ خَزَائن الْحِكْمَةِ، فَــــــــــإنْ أَحْسَنْتَ فِيمَــــــا ولاّكَ اللهُ مِنْ ذلِكَ وَقُمْتَ بهِ لَهُمْ مَقَامَ الخَـــــازِنِ الشَّفِيقِ النَّـــــــاصِحِ لِمَـــولاهُ فِي عَبيدِهِ، الصَّــــــابرِ الْمُحْتَسِب الَّذِي إذَا رأَى ذا حَـــــاجَةٍ أَخرَجَ لَهُ مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدَيهِ كُنْتَ رَاشِدًا، وَكُنْتَ لـــــــــــــِذَلِكَ آمِلاً مُعْتَقِدًا وَإلاّ كُنْتَ لَهُ خَائِنًا وَلِخَلقِهِ ظَالِمًا وَلِسَلْبهِ وَعِزِّهِ مُتَعَرِّضًا).

ان الإسلام حث على العلم ودعا إليه وأمر بطلبه ولو كان في أبعد البلاد وأقصاها فالعلم هبة إلهية ونعمة شرَّف الله تعالى بها الإنسان على باقي المخلوقات وقد رفع الله المؤمنين والمتعلمين درجات قال تعالى في سورة المجادلة/11: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )

ان نشر العلم أمر ضروري وواجب على المعلمين وذلك حتى يقضى على الجهل وتمنع البدع وقد أوجب الله تعالى على العلم زكاة، وزكاته نشره فعن أمير المؤمنين (u) قال: « ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا » و انطلاقاً من حرص الاِسلام على انسياب حركة العلم، وعدم وضع العقبات أمام تقدمه وانتشاره، ولان الإسلام أراد للإنسان أن ينعم بالحياة، ويعرف ما له وما عليه؛ ليكون في حالة انسجام وتوادّ مع أفراد جنسه، و أن يعيش موفورَ الكرامة، ولا يتعرض إليه أحد بسوء أو بظلم لذا فان مدرسة أهل البيت عليهم السلام تناولت حقوق المتعلم بشيء من التفصيل واتضح ذلك في رسالة الحقوق التي تعد من جلائل الرسائل في أنواع الحقوق، التي يذكر فيها الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهما السلام) خمسين حقّاً منها حقوق الله سبحانه على الإنسان، وحقوق نفس الإنسان عليه، وحقوق أعضائه، ثمّ يذكر حقوق الأفعال، 000وحقوق الرعية التي منها حق الرعية بالعلم.

فقد أشار الأمام زين العابدين (u) الى حق المتعلمين على المعلم فطلب من المعلم أن يضع نصب عينه حقوقا للمتعلّمين، لإن للمتعلم على من يُعلمه مجموعة من الحقوق واجب عليه أن يستوفيها وأن ينهض بها بصدق وكفاءة حتى يؤدي التعليم رسالته الخالدة والمعلمون مسؤولون عن رعايته، فإن الله تعالى فيما رزقهم من العلم والحكمة، قد جعلهم خزنة عليهم، فإن بذلوه إلى المتعلمين وادوا واجبهم تجاه المتعلمين وتجنبوا الاساءة في تقديمه فقد قاموا بواجبهم وأدوا رسالتهم، وإلا كانوا ظالمين، والعاقبة خسران العلم وسوء المصير.

فما هي هذه الحقوق التي تقع على عاتق المعلمين؟ أو ما هي الواجبات التي ينبغي ألا يغفلها المعلم وهو يؤدي تكليفه؟

يجدر بالمعلمين أن يراعوا استعداد الطلبة ومستواهم الفكري، فيتدرجوا به في مراقي العلم حسب طاقتهم ومؤهلاتهم الفكرية، فلا يطلعونهم على ما يسمو على أفهامهم، وتقصر عنه مداركهم مراعين في ذلك اتجاه الطلبة ورغبتهم فيما يختاروا من العلوم، حيث لا يحسن قسرهم على علم لا يرغبوا فيه، ولا يميلوا اليه.

والمعلم في كونه مؤتمنا على أمانة عظيمة يجب أن يؤديها لمستحقها بأفضل طريقة، لذا فيسعى إلى ترصين علمه، واختيار أفضل السُّبل لإيصال مادته العلمية، ولا يُنفّر طلبته بسوء عشرته بل يجب أن يستشعروا من أساتذتهم اللطف والاشفاق، فيعاملون معاملة الأبناء، ويتفادون جهدهم عن احتقارهم واضطهادهم، لأن ذلك يحدث ردّ فعل سيّئ فيهم، يوشك أن ينفرهم من تحصيل العلم لذلك كان من الحكمة في تهذيب الطلبة وتشجيعهم على الدرس، مكافأة المحسن بالمدح والثناء، وزجر المقصر منهم بالتأنيب والتقريع، الذي لا يجرح العاطفة ويهدر الكرامة.

ولينشأ الطلبة نشأة مثالية، ويكونوا نموذجاً رائعاً في الاستقامة والصلاح فيحق لهم على اساتذتهم أن يتعاهدوهم بالتوجيه والنصح والارشاد، في المجالات العلمية وآداب الاخلاق والسيرة والسلوك، وألزم النصائح وأجدرها بالأتباع، أن يعلم الطلبة أنه يجب أن تكون غايتهم من طلب العلم هي تزكية النفس، وتهذيب الضمير، والتوصل الى شرف طاعة اللّه تعالى ورضاه وكسب السعادة الأبدية الخالدة فان لم يستهدف الطالب تلك الغايات السامية، كان علمه مادياً هزيل الغاية، ولم يستثمره استثماراً واعياً.

ان التعليم يتطلب من المعلم ان يكون صابرا محتسبا فيصبر على تصرفات طلبته وعلى تعليمهم وتربيتهم التي قد لا تظهر آثارها بسرعة والصبر على إعطاءهم الفرصة للتغيير وتحسين سلوكهم 0000

وامام هذا الجهد ليحتسب المعلم أجره على الله تعالى فهذا أغنى له في الدنيا والآخرة ولم يغفل الامام (u) ان المتعلم قد تمنعه الحاجة المادية من التعلم بسبب الكلفة فاذا استطاع المعلم تامين حاجته من الاموال فهذا امر جيد.