بلاغة القرآن في الربع الأول من سورة البقرة
◄ ما الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن؟
كلمة قرآن هي في الأصل في اللغة مصدر الفعل قرأ مثل غفران وعدوان. (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {18} القيامة) ثم استعملت علماً للكتاب الذي أُنزل على الرسول
أما الكتاب فهي من الكتابة وأحياناً يسمى كتاباً لأن الكتاب متعلق بالخط، وأحياناً يطلق عليه الكتاب وإن لم يُخطّ
الكتاب لم يُنزّل مكتوباً وإنما أُنزل مقروءاً ولكنه كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن ينزّل على رسول الله.
هذا من ناحية اللغة أما من ناحية الإستعمال فيلاحظ أنه يستعمل عندما يبدأ بالكتاب يكون يتردد في السورة ذكر الكتاب أكثر بكثير مما يتردد ذكر القرآن أو قد لا تذكر كلمة القرآن مطلقاً في السورة. أما عندما يبدأ بالقرآن يتردد في السورة ذكر كلمة القرآن أكثر الكتاب أو قد لا يرد ذكر الكتاب مطلقاً في السورة وإذا اجتمع القرآن والكتاب فيكونان يترددان في السورة بشكل متساو تقريباً ونأخذ بعض الأمثلة:
في سورة البقرة بدأ بالكتاب (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2}) وذكر الكتاب في السورة 47 مرة والقرآن مرة واحدة في آية الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ).
في سورة آل عمران بدأ السورة بالكتاب (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ {3}) وورد الكتاب 33 مرة في السورة ولم ترد كلمة القرآن ولا مرة في السورة كلها.
في سورة طه: بدأ السورة بالقرآن (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)وورد القرآن فيها3 مرات والكتاب مرة واحدة
في سورة ق بدأ بالقرآن (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1}) وورد 3 مرات في السورة بينما ورد الكتاب مرة واحدة.
في سورة ص تساوى ذكر القرآن والكتاب.
في سورة الحجر بدأ (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب مرتين.
في سورة النمل بدأ (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب أربع مرات.
◄ ما دلالة استخدام إسم الإشارة (ذلك) في الآية (ذَلِكَ الْكِتَابُ) بدل إسم الإشارة هذا؟
هنا إشارة إلى علوه وبعد رتبته وبعده عن الريب وأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يؤتى بمثله.
فإن قال قائل: الله يقول (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء)فلماذا قال (هذا) ؟ عندما قال يهدي للتي هي أقوم يجب أن يكون قريباً حتى نهتدي به لكن لما قال ذلك الكتاب هو عالي بعيد لا يستطاع أن يؤتى بمثله. ثم إنه لم يذكر القرآن إلا بـ (هذا) ولم يقل (ذلك) لأن القرآن من القراءة وأنت تقرأ القريب.
حتى في كلمة الكتاب لما يقول أنزلنا يقول كتاباً (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ (92) الأنعام).
(ذلك الكتاب لا ريب فيه) والريب أدنى درجات الشك والشك أقوى من الريب والريب كأنه أول درجات الشك. هذا الكتاب بذاته يخلو من أي ذرة من ذرات الشك فإذن هو يخلو من الريب.
◄ لم قال(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ولم يقل آمنوا بالغيب مع أن إيمان المتقين بالغيب مؤكد في الآية ؟
قال تعالى يؤمنون بصيغة المضارع لأن الإيمان منا مستمر متجدد لا يطرأ عليه شك ولا ريبة.
◄ ما الغرض البلاغي من ضمير الفصل (هم)في قوله(وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) البقرة) ؟
التوكيد والقصر بمعنى ليس هناك مفلح غيرهم حصر ومؤكد.
◄ لماذا ورد (السمع) مفرد و(الأبصار ثم القلوب) بالجمع في قوله (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) البقرة) ؟
الأصل أن الآيات تلقى إلقاء على الناس والسمع يستقبل الصوت فقط لا يستقبل شيئاً آخر فالسمع يتعامل مع شيء واحد وهو الصوت اللغوي أما البصر يتعامل مع أشياء كثيرة والقلب يتعامل مع أشياء كثيرة أكثر فالذي يتعامل مع الكثير استعمل له الجمع والذي يتعامل مع الواحد استعمل له المفرد (السمع).
مثال: مجموعة من الناس وألقي عليهم آية من الآيات، هم كلهم ستدخل في آذانهم فإذن المستقبل في السمع واحد لكن لما استقبلوه كلٌ سيفكر فيه بطريقة خاصة وليس بصورة واحدة، فهذا يقتضي إفراد السمع وجمع القلوب. لما ينظر فيما حوله كلٌ ينظر من زاويته فكلٌ يرى حسب وجهة نظره.
عند تلاوة الآية(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ) لو أردنا أن نقف عند التلاوة نقف على سمعهم ثم نقرأ وعلى أبصارهم غشاوة. فختم على الإثنين القلب والسمع: لارتباط الموضوع، لأن موضوع التفكر يكون عن طريق السماع فلما أغلقوا قلوبهم لم يعد هناك فائدة للسمع فختم على الاثنين بختمين وليس بختم واحد لأن القلب شيء والسمع شيء آخر. (وعلى أبصارهم غشاوة) هذه جملة جديدة وليست معطوفة لأن البصر يحتاج لتغطية أما السمع فيحتاج إلى ختم لأنه ليس هناك شيء يغطيه.
◄ (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (البقرة) الضمير(هم) جمع (ومن يقول) مفرد فما دلالة الجمع بين الصيغتين؟
أكثر الكلام عند العرب إذا بدأوا بـ (من) حتى لو كان جمعاً (من) لها لفظ ولها معنى، لفظها المفرد المذكر ومعناها يختلف، يبدأ بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى فيما بعد
(وما هم بمؤمنين جمع)، وكان الأصل أن يقول(وما آمنوا) ليطابق قوله(من يقول آمنا) ولكنه عدل عن الاسم إلى الفعل لإخراج ذواتهم من عداد المؤمنين وأكده بالباء للمبالغة في نفي الإيمان عنهم
◄ ما الفرق بين (وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) (وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)) البقرة)؟
الفعل المضارع يدل على الحاضر أو الاستقبال فاستعملوا (ما) لنفي الحاضر يقولون: زيد ما ينظم الشعر أي الآن . وإذا أرادوا المستقبل استعملوا (لا) قالوا: لا ينظم الشعر أي ليس شاعرا.
في مسألة يشعرون فى القرآن استعمل مرة (وما يشعرون) ومرة (لا يشعرون) معنى ذلك أنه يريد أن ينفي عنهم الإحساس والشعور الآن وفي المستقبل
◄ما الفرق بين (لا يشعرون) و(لا يعلمون)؟
استعمل (لا يشعرون) لأن الإفساد ظاهر يناسبه الشعور الذي فيه معنى الإحساس. لكن لما تكلم على القضايا القلبية المعنوية ما قال لا يشعرون لأن الإيمان ليس شعوراً ظاهراً وإنما هو علم باطن فقال (لا يعلمون)
◄ما الفرق بين (خلا بعضهم إلى بعض(الآية76) و (خلوا إلى شياطينهم(الآية14)فى سورة البقرة؟
في قوله تعالى (وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴿76﴾ البقرة) أي شياطين مع بعض أو الكفار مع بعض
أما قوله (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ﴿14﴾ البقرة) أي خلوا إلى رؤسائهم وإلى قادتهم.
◄ (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) البقرة) لِمَ قال يعمهون ولم يقل يعمون؟
(العمى) فقد البصر وذهاب نور العين أما (العَمَه) فهو الخطأ في الرأي … والمنافقون لم يفقدوا بصرهم وإنما فقدوا المنطق السليم فهم في طغيانهم يعمهون.
◄لماذا جاءت الَضلالة بالهدى ولم تأتى الهدى بالضلالة ؟ في الآية (اشتروا الضلالة بالهدى)
هناك قاعدة تقول أن الباء تكون مع المتروك وهؤلاء قد تركوا الهدى وتمسكوا بالضلالة
◄ما الفرق بين الفسق والضلالة؟
الضلال والفسق هما نقيض الهداية لكن الفرق بين الفسق والضلال أن الضلال قد يكون عن غير قصد وعن غير علم… أما الفسق فهو بعد المعرفة وبعد التبليغ
◄لماذا ذهب بنورهم وليس بنارهم؟ في قوله تعالى (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (17) البقرة)
النار فيها إشراق وإحراق فذهب الله بما فيها من الإشراق وهو النور وأبقى ما فيها من الإحراق وهو النارية
وتأمل كيف قال (بنورهم) ولم يقل (بضوئهم) لأن الضوء زيادة في النور فلو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل
وتأمل كيف قال (ذهب الله بنورهم) فوحد النور.. ثم قال (وتركهم في ظلمات) فجمعها… فإن الحق واحد هو صراط الله المستقيم بخلاف طرق الباطل فإنها متعددة ومتشعبة فجمع سبل الباطل ووحد سبيل الحق
◄ ما الفارق بين (أذهب نورهم) و (ذهب بنورهم) ؟
لو قال أذهب الله نورهم كأنها تعني أن النور الذي ذهب قد يعود. أما (ذهب الله بنورهم) كأن الله تعالى اصطحب نورهم بعيداً عنهم وما اصطحبه الله لا أحد يملك أن يعيده. أي أن هؤلاء المنافقين انتهى أمرهم.
◄لماذا اختلاف الخاتمة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (آية18) و(فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (آية171) ؟
في الآية الأولى قال تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) نزلت في المنافقين الذين رأوا الإيمان وسمعوا كلام رسول الله، عُرِض عليهم الإيمان ثم انتكسوا بعد ذلك، يعني تحولوا من الإيمان إلى الضلال، لم يستفيدوا مما سمعوه وكأنهم لم يشهدوه. (فهم لا يرجعون) لا مجال لهم للرجوع إلى الدين، أي أنهم لا يرجعون إلى النور الذي فقدوه لأنهم نافقوا وطُبِع على قلوبهم والعياذ بالله فلا مجال للرجوع إلى الإيمان فيناسبه (لا يرجعون).
وفي الآية الثانية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)) هؤلاء وهم يُلقى عليهم كلام الله سبحانه وتعالى كمثل مجموعة أغنام عند راعي يصيح فيها وهذه الأغنام تسمع أصواتاً لكنها لا تستطيع أن تعقلها، لا تفهم. فكأن هؤلاء الكفار وهم يستمعون إلى كلام الله سبحانه وتعالى كالأغنام لا يعقلون كلام الله سبحانه وتعالى ولا يستعملون عقولهم في إدراكه فحكم على أبائهم أنهم لا يعقلون قال (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً) وكما أن آباءهم لا يعقلون هم أيضاً لا يعقلون، فالمناسب أن تختم الآية الثانية (لا يعقلون)