التاريخ القديم لدولة آشور
ان استخدام اسم دولة آشور للفترة قبل النصف الاخير من الالفية الثانية ق م ينطوي على مفارقة تاريخية؛ ان الدولة الآشورية ( على عكس دولة مدينة آشور) لم تصبح دولة مستقلة لغاية 1400 ق م. وللسهولة فان المصطلح سيستخدم خلال هذا القسم. على عكس جنوب بلاد مابين النهرين او منطقة اواسط الفرات ( ماري)، فان المصادر المكتوبة في الدولة الاشورية لم تبدأ الا في المراحل المتاخرة جدا، قبيل اور الثالثة. ونعني بالدولة الآشورية ( وهي منطقة لا يمكن رسمها جغرافيا بدقة) الاراضي الكائنة على نهر دجلة شمال مجرى النهر خلال المنطقة الجبلية وجبل حمرين الى نقطة شمالي نينوى، اضافة الى المساحة الكائنة بين الزابين الاسفل والاعلى ( وهما رافدان لدجلة في الشمال) والى الشمال من الزاب الاعلى. حدت الدولة الاشورية من الشمال، فيما بعد، دولة اورارتو؛ وجاورها من الشرق والجنوب الشرقي المنطقة المحيطة بنوزي القديمة ( قرب كركوك الحالية)،”آرابجيتيس” (ارابخا) الاغريقية). كانت المدن الرئيسة في هذه المنطقة اوائل الالفية الثانية هي آشور ( 160 ميلا الى الشمال – الشمال الغربي لبغداد الحالية)، العاصمة ( اسمها مرادف لاله المدينة والالوهية الوطنية)؛ نينوى وتع مقابل الموصل الحديثة؛ و اوربيلوم ، والتي سميت فيما بعد ارابيلا ( اربيل الحالية، وتقع على بعد 200 ميلا شمالي بغداد).
كانت الدولة الآشورية تستخدم الكتابة الاكدية منذ البداية، وكانت آشور تحت حكم سلالة اور الثالثة مركز مقاطعة. من المستبعد ان تكون الدولة الآشورية ككل منطقة مؤمنة باستمرار، مادامت اوربيلوم قد ورد ذكر تدميرها مرتين في عهد شولكي و آمارسوينا. ان الآراء المطروحة حول سكان آشور في الالفية الثالثة غير دقيقة. لا يعرف كم من الوقت استوطنت القبائل السامية هناك. كان سكان جنوب بلاد مابين النهرين يسمون الدولة الاشورية ب ” شوبر” بالسومرية وبالاكدية ” سوبارتو”؛ قد يشير هذان الاسمان الى الشعب السوبري المرتبط بالحرانيين. ان “جاسور” والتي عرفت فيما بعد ب “نوزي” كانت تتبع منطقة اللغة الاكدية في حوالي سنة 2200 ولكنها خسرتها الى الحرانيين في الربع الاول من الالفية الثانية. ان اللهجة الآشورية من اللغةالأكدية التي اكتشفت في بداية الالفية الثانية تختلف بدرجة كبيرة عن لهجة بابل. ان هذين الصنفين من اللغة الاكدية استمرت للالفية الاولى.
على عكس ملوك جنوب بلاد مابين النهرين فان حكام آشور نصبوا انفسهم ليس كملوك ولكن جزئيا “اسياكوم” ، وهي مرتبة اكدية توازي اينسي عند السومريين، وجزئيا “روباؤم” او العظيم. لسوء الحظ لا يمكن ضبط توقيت الحكام مع ملوك جنوب بلاد مابين النهرين قبل شمسي اداد الاول ( 1813 – 1781 ق م). فمثلا، لا يعرف متى حصلت رحلة الوشوما الى الجنوب الشرقي، والمسجلة في مخطوطة. تباهي الوشوما بانه حرر الاكديين وابناءهم من الضرائب. في حين يذكر مدن نيبور واور ومواقع اخرى مدرجة في القائمة واقعة في المنطقة شرقي دجلة. ان الحادثة ذاتها قد تكون انها حصلت في حكم اشمة داكان لمنطقة إسن ( 1953 – 1935 ق م ) وبالرغم من انه لا يعرف مدى تطابق كلمات الوشما مع الحقائق. في النصوص البابلية لا توجد اشارات الى التدخل الآشوري. ان مشكلة تحديد التواريخ قد تفاقمت عموما بحقيقة ان الاشوريين، وعلى عكس البابلين، لم يستخدموا صيغ التاريخ التي غالبا ما تحتوي على تفاصيل تاريخية مشوقة؛ وبدلا عن ذلك فان كل سنة خصصت باسم موظف رفيع ( تاريخ مرتبط باسماء). ان حصاد مشاعر التقاليد القديمة تنعكس من خلال حقيقة ان حاكمين من آشور في القرن التاسع عشر اطلقا على نفسيهما اسم سرجون ونارام سن تيمنا بالشخصيتين المشهورتين ابان الحكم الاكدي.
لو تركنا جانبا التقارير القليلة عن مشاريع البناء، فلا تتوفر حاليا اية معلومات عن مدينة آشور وما يحيطها. الا انه يوجد مصدر غير متوقع مادته من المستعمرات التجارية لآشور في الاناضول.
النصوص ترد اساسا من كانش ( حاليا كول تبه، قرب قيصري في تركيا) ومن هاتوسا ( حاليا بوغاز كوي، في تركيا)، الاخيرة كانت عاصمة الحثيين. في القرن التاسع عشر ق م ارتبطت ثلاث اجيال من الاشوريين بتجارة البضائع الحيوية ( وخاصة النسيج والمعادن) بين موطنهم وبلاد الاناضول، ويساهمون كذلك بالتجارة الداخلية المربحة. وكما يعمل معاصروهم في جنوب بلاد مابين النهرين فقد بدأوا اعمالا تجارية خاصة متحملين مسؤوليتهم، وكانوا يعيشون بامان واحيانا يتزاوجون مع سكان الاناضول. لقد منحت الحرية للاشوريون ما داموا يدفعون الضرائب للحكام المحليين.وواضح ان هذه الغزوات من قبل التجار الاشوريين ادت الى زراعة بعض الثقافة من بلاد مابين النهرين في بلاد الاناضول. ولهذا فقد تينى الاناضوليون الكتابة المسمارية واستخدموا اللغة الاشورية. في الوقت الذي اثر هذا النفوذ دون شك في الحثيين الاوائل الذين وصلوا الى الاناضول، فليس من اثر مباشر يمكن العثور عليه من فترة هذه المستعمرات التجارية الى عهد امبراطورية الحثيين. كانت الدولة الاشورية من 1813 ولغاية 1781 تحكم من قبل شمسي اداد الاول، معاصرا لحمورابي وشخصية لا تقل عنه باي حال من الاحوال. كان ابو شمسي اداد،
( عموري الاصل حكما بالاسم) قد حكم قرب ماري. ولما لم يكن الابن من اصل آشوري، فقد ارتقى العرش الاشوري كغريب وبطريقة ملتوية غير مباشرة، بعد ان قضى بعض الوقت منفيا في بابل. كان له ابنين حكما كنائبين للملك في اكالاتوم على دجلة وفي ماري، على التوالي الى ان خلف الكبير “إشمي داغان اباه على العرش. من خلال ارشيف المراسلات في قصر ماري، تمكن الباحثون من الالمام بمعلومات وافية عن حكم شمسي اداد والكثير عن شخصيته. كان لدولة شمسي اداد حدودا معلومة مع دولة بابل في عهد حمورابي. وبعيد وفاة شمسي اداد، انفصلت ماري واعلنت استقلالها تحت حكم سلالة العموريين الذين كانوا يعيشون هناك لعدة اجيال؛ وفي الاخير تمكن حمورابي من احتلال وتدمير ماري. بعد وفاة إشمي داغان فقد التاريخ الاشوري لمدة تقارب من 100 عام.
نشوء الدولة الاشورية
يمكن ان يقال القليل عن شمالي دولة آشور خلال الالفية الثانية ق م. ولكن المعلومات عن العاصمة القديمة، آشور، الواقعة في جنوب القطر، اكثر. قائمة الملوك القديمة تشير الى ان نفس السلالة حكمت آشور باستمرار من حوالي 1600. جميع اسماء الملوك موجودة ولكن القليل غير ذلك معروف عن آشور قبل 1420 . تقريبا جميع الامراء يحملون اسماء اكدية، ويمكن الافتراض ان نطاق نفوذهم كان صغيرا ومحدودا. وبالرغم من ان آشور كانت تتبع مملكة ميتاني لمدة طويلة، فيبدو ان آشور استعادت استقلالا معينا. ولوقوعها بالقرب من الحدود مع بابل فلقد لعبت دورا ضد امبراطورية ميتاني كلما امكنها ذلك. وابرم بوزور-آشور الثالث معاهدة حدودية مع بابل في حدود 1480 كما فعل آشور- بيل – نيشيشو في حوالي 1405 . واستطاع آشور – نادن – آهي (1392 – 1383 ) الحصول حتى على دعم من مصر، التي ارسلت له شحنة من الذهب.
كان آشوراوباليت (1354 – 1318 ) اول تابع الى الملك توشراتا ملك ميتاني بعد 1340 ، وعلى اية حال فقد هاجم توشراتا، من المحتمل سوية مع سوبيلوليوماس الاول ملك الحثيين. وبعد ان انتزع من مملكة ميتاني اجزاءا من شمال شرقي بلاد مابين النهرين، وسمى آشور اوباليت نفسه بعد ذلك ” الملك العظيم” ووضع نفسه اجتماعيا مع ملك مصر على قدم المساواة، مستثيرا نقمة وسخط ملك بابل. كان آشور اوباليت اول من اطلق اسم ” ارض آشور” على دولته، لان الاسم القديم “سوبارتو” كان غالبا ما يستخدم بازدراء في بابل. ولقد امر ان تكتب مخطوطاته القصيرة جزئيا باللهجة البابلية بدلا عن الاشورية، على اعتبار ان هذا الاسلوب كان يعتبر راقيا.
ولقد زوج ابنته من بابلي، وتدخل هناك بصورة فعالة حين اغتال احد نبلاء الكيشيين حفيده. واعتبرته الاجيال اللاحقة حقا المؤسس الحقيقي للامبراطورية الاشورية. ولقد قاتل ابنه انليل نيراري ( 1326 – 1318 ) ضد البابلين ايضا. واستدار آريك دين ايلي ( 1308 – 1297 ) غربا، حيث اصطدم بالقبائل السامية والذين يدعون بمجموعة أخلامو.
وتحققت نجاحات اكبر من قبل أداد نيراري الاول ( 1295 – 1264 ). الذي هزم ملك الكيشين نازيماروتاش، واجبره على التراجع. وهزم بعد ذلك ملوك ميتني، اولا شاتورا الاول، ثم واساشاتا. هذا ما مكنه لبعض الوقت من ضم كل بلاد مابين النهرين كمقاطعة في امبراطوريته، وبالرغم من صراعات لاحقة خسر اجزاء كبيرة الى الحثيين. وفي الشرق كان راضيا عن اسلوب الدفاع عن اراضيه تجاه القبائل الجبلية.
كانت مخطوطات أداد نيراري اوسع من مخطوطات الملوك الذين اعقبوه وكانت مكتوبة باللهجة البابلية. كتب فيها انه يشعر بانه دعي الى تلك الحروب من قبل الالهة، وقد ردد هذه العبارة ملوك آخرين من بعده. وبعد كنية الملك العظيم القديمة اطلق على نفسه “ملك الجميع”. ووسع المعبد والقصر في آشور وطور التحصينات هناك، وخاصة على ضفاف دجلة. وعمل في مشاريع بناء واسعة في المقاطعات.
هاجم ابنه شالمنصر الاول ( شالمانو-آشاريدو؛ 1263 – 1234 ) اورواترو ( وسميت فيما بعد اورارتو) جنوب ارمينيا، والتي ادعت الانفصال. وعلى اية حال فقد وضعه شاتورا الثاني ملك هانيغالبات في موقف صعب حين قطع الماء عن جيشه. وبشجاعة ولدتها حالة الياس استطاع الاشوريون ان يحرروا انفسهم من ذلك الموقف بالقتال. وبعد ذلك قلصوا ماتبقى من مملكة ميتاني وضموه كمقاطعة الى الدولة الآشورية. ادعى الملك انه قلع احدى عيني 14.400 من الاعداء ( كحرب نفسية استخدمت باستمرار مع مرور الزمن). وحاول الحثيون استرداد هانيغالبات ولكن دون نتيجة. وحاربوا متحدين مع البابلين حربا اقتصادية ضد الاشوريين لعدة سنوات. وكان شالمنصر كابيه عظيما في مجال البناء. فقد اسس في موقع استراتيجي عند ملتقى دجلة بنهر الزاب الكبير عاصمة ثانية “كلخ” ( وردت في الانجيل كلح، وحاليا نمرود).
كان ابنه توكولتي نينورتا ( 1233 – 1197 ) والمعروف “نينوس” بالاساطير الاغريقية. كان ملهما لكنه متهورا، استطاع ان يجعل من دولته قوة عظمى. ولقد ازاح الاف الحثيين بالقوة من شرق الاناضول. وقاتل بقسوة خاصة ضد البابلين، ولقد نفى كاشتيليش الرابع الى الدولة الاشورية. ان العلاقة بين الملك وعاصمته بدات بالتردي بصورة سريعة. ولهذا السبب بدأ الملك بناء مدينة جديدة، كار – توكولتي – نينوترا، على الجانب الاخر من نهر دجلة. واخيرا حتى ابناءه ثاروا ضده وفرضوا عليه حصارا في مدينته، وقد اغتيل في النهاية. ان انتصاراته على البابليين قد ارخت بملحمة شعرية ولكن امبراطوريته تفككت بسرعة بعيد وفاته. وتدهورت قوة الدولة الاشورية في حين ارتفعت قوة الدولة البابلية.
لقد عانت الدولة الاشورية من ظلم الحثيين ومماكة ميتاني. ان صراعها وكفاحها من اجل التحرر والحروب المريرة التي تلت كانت سببا في تطورها الى قوة عسكرية. كان الملك في عاصمته آشور، يعتمد على طبقة المواطنين والكهنة، اضافة الى النبلاء الاقطاعيين الذين كانوا يمدوه بقطعات خيالة عربات القتال.
اظهرت الوثائق والرسائل اهمية الدور الذي لعبته الزراعة في تقدم الدولة. كانت الدولة الاشورية على عكس الدولة البابلية، اقل اعتمادا على وسائل الري الصناعي. وكانت تجري عمليات تكاثر وتربية الخيول بكثافة وكانت باقي التوجيهات المفصلة حول تدريبها موجودة. وكانت التجارة من الامور الواضحة الاهمية، كانت المعادن تستورد من الاناضول وارمينيا، والقصدير من شمال غرب ايران والالواح الخشبية من الغرب. ان فتح منافذ وطرق تجارية جديدة كانت غالبا سببا ودافعا لاندلاع حرب.
ان الفن المعماري الاشوري المستمد من مزيج من التاثير البابلي والميتاني، قد نتج عنه اسلوبا متفردا. كانت جدران القصور غالبا مزينة بنقوش ملونة. استمر فن قطع الاختام المأخوذ غالبا عن الميتانيين وبابداع ذاتي. اما المدارس التي كان يتدرب فيها كل الموظفين فقد كانت تدرس باللهجتين البابلية والاشورية للغة الاكدية.
كانت الاعمال الادبية البابلية قد جرى استيعابها في اللغة الاشورية وغالبا اعيدت بشكل آخر. اما التقاليد الحرانية فقد بقيت قوية في المجالين العسكري والسياسي في الوقت الذي اثرت فيه حتى على مفردات اللغة.
الدولة الاشورية بين الاعوام 1200 و 1000 ق م
بعد فترة من الانحدار اعقبت توكولتي نينورتا الاول، عادت الدولة الاشورية الى الاستقرار والقوة تحت حكم آشور دان الاول ( 1179 – 1134 ) و آشور رش إشي،
( 1133 – 1116 ). اجبرت عدة مرات على القتال ضد الدولة البابلية، والتي استطاعت ان تدافع عن نفسها حتى امام هجوم نبوخذنصر الاول . وحسب المخطوطات فان معظم جهود البناء كانت في نينوى بدلا من العاصمة القديمة آشور.
استطاع ابنه تيغلاث بلصر ( توكولتي ابل اشارا 1115 – 1077 ) من الارتقاء بقدرات الدولة الاشورية الى ارتفاعات جديدة. استدار اولا ضد جيش موشكي الكبير الذي دخل الى جنوب ارمينيا من الاناضول ودحره منتصرا عليه نصرا مبينا. وبعد ذلك اجبر دويلات الحرانيين الصغيرة في جنوب ارمينيا على دفع الجزية. وبعد ان تدربوا على الحروب الجبلية وبمساعدة الرواد استطاع الاشوريون من التقدم بعيدا والتوغل في المناطق الجبلية. وكان العدو الرئيس هم الآراميون وهم قبائل رحل من الساميين والذين كانت العديد من دويلاتهم الصغيرة تجتمع ضد الاشوريين. وذهب تيغلاث بلصر الاول الى سوريا وحتى وصل الى البحر المتوسط، حيث ذهب برحلة بحرية. ادت هذه الحملات بعد 1100 الى صراع مع الدولة البابلية. واحتل تيغلاث بلصر شمال الدولة البابلية وتوغل في بابل، دون حسم منتصرا على مردوخ نادين آهي. واهتم الملك داخل بلده بالزراعة وزراعة اشجار الفاكهة وتطور النظام الاداري وطور اساليب
جديدة لتدريب الموظفين.
حكم ثلاثة من ابنائه بعد تيغلاث بلصر، بضمنهم آشور بيل كالا (1074 – 1057 ). وكما عمل ابوه فقد حارب في جنوب ارمينيا وضد الآراميين متخذا البابليين كحلفاء له. وعلى اية حال فانه لم يكن من المستطاع تاخير تفكك الامبراطورية. اما آشورناصربال الاول( 1050 – 1032)، حفيد تيغلاث بلصر، كان مريضا وغير قادر من الدفاع بطريقة صحيحة ضد اعداء الدولة الآشورية. هناك ثلاث شضايا محفوظة من صلواته للالهه عشتار؛ بضمنها صلاة توبة والتي يتساءل فيها عن سبب الضراء والحظ العاثر. مشيرا الى العديد من افعاله الجيدة ومعترفا بذات الوقت بذنبه، طلب منها العفو والصحة. حسب ادعاء الملك فان بعضا من ذنوبه هو اغاله تعليم مواطنيه الخوف من الاله. ولا يعرف بعده بمائة عام الا القليل.
لم تكن الدولة والمجتمع في عهد تيغلاث بلصر تختلف كثيرا عنها في القرن الثالث عشر. فمجموعات القوانين، والمسودات ومراسيم المحكمة يرجع تاريخها الى القرن الرابع عشر ق م. من المرجح معظمها بقيت سارية المفعول. احدى الرقم التي تعرف قوانين الزواج تظهر ان الوضع الاجتماعي للمرأة في الدولة الآشورية كانت اوطأ منها في الدولة البابلية او عند الحثيين. كان يحق للرجل ان يطلق زوجته برغبته متى ما شاء سواء اعطاها مؤخر صداقها او لم يعط. وكان يحق له في حالة الزنى قتلها او ايذاءها. وكان يفرض على المرأة الكثير من القيود خارج بيتها، مثل لبس الخمار. انه ليس من الواضح ان كانت مثل هذه التعليمات تحمل صفة القانون، ولكن يبدو انها كانت تمثل ردود فعل ضد ممارسات تبدو انها مفضلة لدى النساء. هناك عقدي زواج قديمين نوعا ما يمنحان الزوجين حقوقا متساوية للزوجين حتى الطلاق. كانت نساء الملك من الحريم عرضة لعقوبات قاسية، بضمنها الضرب والآذى والقتل بضمنهم من يتولون حمايتهن ورعايتهن. ان قوانين العقوبات كانت في ذلك الوقت اقسى في الدولة الآشورية عنها في الدول الاخرى في الشرق. كانت عقوبة الاعدام من الامور المعروفة. وفي الحالات الاقل كانت العقوبة هي الاشغال الشاقة بعد الجلد. وفي بعض الحلات الخاصة كانت هناك محاكمات بالتعذيب. احد الرقم الذي عالج موضوع حقوق الملكية. التجاوزات على حدود الاراضي المثبته كانت مدعاة لعقوبات قاسية. كان من حق الدائن ان يجبر مدينه للعمل لديه سخرة، ولكن دون ان يكون له الحق ببيعه.
ان اكبر قسم من الادب الاشوري إما اخذ عن البابليين او كتب من قبل الاشوريين بلهجة بابلية، الذين صاغوا اعمالهم حسب نماذج بابلية اصلية. كانت تستخدم اللهجة الآشورية في الوثائق الرسمية، والمحاكم وطقوس المعابد، ومجموعات الوصفات – على سبيل المثال، طرق صناعة العطور. شكل جديد من اشكال الفن مع حكاية مصورة : مسلسلة من الصور محفورة على رخامة مربعة. الصور تظهر مشهدا حربيا او مشهد صيد تبدأ من قمة قطعة الرخام وتستمر حولها الى الاسفل مع كتابات اسفل الصور للتوضيح. هذه والأختام المصقولة القطع تظهر ان الفنون الجميلة في الدولة الآشورية كانت بداية لنقل ما اقتبس عن البابليين. فن العمارة وغيره من الفنون الحرفية تطورت ايضا مثل المعبد المزدوج ذو البرجين ( الزقورة). وقد استخدمت البلاطات الملونة لتزيين الواجهات.
الدولة الآشورية والدولة البابلية من 1000 لغاية 750 ق م
الدولة الآشورية والدولة البابلية لغاية آشورناصربال الثاني
ان اكثر العوامل اهمية في تاريخ بلاد مابين النهرين في القرن العاشر هو التهديد المستمر من قبال الآراميين شبه البدوية. كان ملوك كل من دولة آشور وبابل مضطرين مرة تلو الاخرى من مواجهة وصد غزواتهم. بالرغم من ان الآراميين لم يتمكنوا من الحصول على موطئ قدم في المدن الرئيسة، الا ان هناك مايشير الى وجودهم في المناطق الريفية. نجح آشور دان الثاني (934 – 912 ) من قمع الآراميين وشعب الجبال، وبهذه الطريقة تمكن من جعل حدود الدولة الآشورية مستقرة. ولقد اعاد استخدام اللهجة الآشورية في سجلاته المكتوبة.
ولقد ترك أداد نيراري الثاني ( 911 – 891 ) تفاصيل عن حروبه وجهوده لتحسين الزراعة. قاد ست حملات ضد البابلين واجبر شاماش مودامق (930 – 904) على التنازل عن اراضي كبيرة. ثم اغتيل شاماش مودامق ووقعت معاهدة سلام مع خليفته نبو شوم اوكين (904 – 888) مما أحل حالة السلام لسنوات عديدة. فضل الملك توكولتي نينورتا الثاني (890-884) ابن أداد نيراري الثاني نينوى على آشور. وخاض معارك في جنوب ارمينيا. ولقد تم تخليده بحفر صورته تحت شمس مجنحة على رخام باللونين الازرق والاصفر وفق اسلوب الحثيين الأخير. استمر ابنه آشورناصربال الثاني (883-859) بسياسة الاحتلال والتوسع. وقد ترك سجلا حافلا بحملاته ومعاركه التي كان يشهد لقسوتها. كان يطوق العدو المندحر ويسلخ جلودهم او يقطع رؤوسهم وباعداد كبيرة. كانت اعداد كبيرة من المرحلين وجدت ان العمل لصالح الامبراطورية النامية افضل من اعمال العنف. ومن خلال التغيير النمطي للسكان المواطنين للمناطق المحتلة فقد اصبحت تلك المناطق عديمة الهوية. كانت النتيجة خليط من سكان خانعين اصبح فيه عنصر الآراميين هو الغالب. ان هذا الاجراء وفر القوة العاملة لمختلف الاعمال العامة في مراكز المدن للامبراطورية الآشورية. أعاد آشورناصربال مدينة كلخ التي اسسها شليمنصر الاول، وجعل منها عاصمة له. وبقيت مدينة آشور مركزا لعبادة الاله آشور – والذي باسمه تم خوض كل الحروب. العاصمة الثالثة كانت نينوى.
كان آشورناصربال هو اول من استخدم وحدات الخيالة على نطاق واسع اضافة الى المشاة وقطعات العربات الحربية. وكان اول من استخدم الاذرع الثقيلة المتحركة لدك جدران القلاع عند محاصرتها. بعد ان تحتل القطعات اراض جديدة كان الموظفون من كل فروع الخدمة المدنية يدخلون لان الملك كان لايريد ان يضيع اي وقت في سبيل الحاق الاراضي الجديدة بامبراطوريته. ان سيادة الدولة الآشورية على الدول المجاورة كان مرده الى براعة وحذق الخدمات الحكومية تحت قيادة الوزير كابيلاني إريش. ان حملات آشورناصربال الثاني قادته عموما الى جنوب ارمينيا وبلاد مابين النهرين. بعد سلسلة من الحروب الدامية تمكن من ضم بلاد مابين النهرين الى حدود الفرات. اما حملته ضد سوريا فقد واجهت مقاومة قليلة. ولم تكن هناك حرب واسعة ضد دولة بابل، التي كان لها نفس آلهة دولة آشور تقريبا. استفادت الامبراطورتان من التبادل التجاري والثقافي. هاجم البابليون تحت حكم الملك الفعال نبو ابلا إدينا (887-855) الآراميين في جنوب بلاد مابين النهرين واحتلوا وادي نهر الفرات لحد مصب نهر الخابور.
اضافة الى كونه قاس في الحروب، فقد استطاع آشورناصربال من الهام المعماريين والمهندسين الانشائيين والفنانين والنحاتين الى ارتفاعات لم يتم الوصول اليها من قبل. لقد بنى العديد من ووسع المعابد والقصور في عدة مدن. اكثر الآثار مدعاة للدهشة هو قصره في كلخ، الذي يغطي مساحة 269.000 قدم مربع (25.000 متر مربع).
المئات من قطع بلاطات الحجر الكلسي كانت قد استخدمت في جداريات قاعات الدولة وجناح المعيشة. معظم المناظر كانت على شكل نحت محفور مجسم، كما عثر على جداريات مرسومة بالالوان. معضمها كانت تصور اساطير وحكايات وطقوس الاخصاب، وتصوير الملك مساهمافيها. وصور حرب دموية هدفها اهباط معنويات العدو. كان الآله نينورتا رئيس آلهة كلخ هو اله الحرب والصيد. وقد كان البرج المخصص للاله نينورتا يستخدم ايضا كمرصد فلكي. واصبحت كلخ بعد ذلك المركز الثقافي الرئيس للامبراطورية. ويدعي آشورناصربال انه دعى الى حفل افتتاح قصره 69.574 ضيفا.
الملكان الآشوريان شلمنصر الثالث و شامشي آداد الخامس
شلمنصر الثالث (858-824) هو ابن وخليفة الملك آشورناصربال. كان يضاهي اباه في القسوة والطاقة، وكان اقل واقعية في مشاريعه. كانت مخطوطاته خاصة هي مزيج من الآشورية والبابلية تسجل منجزاته المعتبرة ولكنها لم تخف بعض اخفاقاته. كانت معظم حملاته ضد سوريا. في الوقت الذي استطاع من احتلال شمال سوريا واخضاعها كمقاطعة لامبراطوريته، لم يستطع في الجنوب الا اضعاف دولة دمشق القوية، وبالرغم من عدة حروب معها لم يستطع من اكتساحها. قام في 841 بفرض حصار فاشل على دمشق. وكما اجبر ملك اسرائيل في 841 على دفع الجزية. وحقق شلمنصر نصرا جزئيا في غزوه ل سيلسيا. ونفس الشئ ينطبق على أورارتا في ارمينيا والتي عادت قطعاته منها محملة بالاخشاب واحجار البناء. قام الملك، وبعده القائد دايان آشور بالذهاب الى غرب ايران حيث وجدا دويلات مثل ماناي في شمال غرب ايران و بعيدا الى الجنوب الشرقي الفرس. وصادفا ايضا المديين خلال هذه الحروب. وقد تم جمع الخيول كجزية.
اما في بابل فقد اعتلا العرش مردوخ زاكر شومي الاول بحدود عام 855 . وثار عليه اخوه مردوخ بل أوساتي، وفي عام 851 طلب الملك من شلمنصر المساعدة والعون. وكان من دواعي سرور شلمنصر الاجابة حيث تم القضاء في 850 على مغتصب العرش، واتجه الى جنوب بابل والتي كانت في ذلك الوقت تقريبا تحت هيمنة الآراميين التامة. وهناك التقى ضمن من التقاهم الكلدانيين والذذين ورد ذكرهم لاول مرة في 878 ق م، والذين لعبوا دورا قياديا في التاريخ في الاوقات اللاحقة؛ وجعل شلمنصر منهم توابع له.
وخلال حكمه الطويل بنى المعابد والقصور والقلاع في الدولة الاشورية وباقي عواصم المقاطعات التابعه له. ولقد ابدع فنانيه في عمل التماثيل والرخامات المحفورة. وافضلها المسلة السوداء الشهيرة، والتي تصور ملك اسرائيل يدفع الجزية. كانت الابواب البرونزية من مدينة امغور انليل (بلوات) في الدولة الاشورية عليها صور معاركه وبقية التوابع بصفوف هي اقرب للصور الحية. كانت المئات من قطع العاج المنقوش حفرا قد حملت من الدولة الفينيقية مع العديد من الفنانين الذين عملوا من كلخ فيما بعد مركزا لفن النحت على العاج.
قاد ولي العهد آشور داعين ابلا في آخر اربع سنوات من حكم شلمنصر ثورة ضده. عين الملك ابنه الاصغر شامشي أداد كولي عهد جديد. بعد ان فر الى بابل، استطاع اخيرا شامشي اداد الخامس (823-811) من استعادة الملك بمساعدة مردوخ زاكر شومي الاول تحت ظروف مهينة. استطاع كملك من قيادة حملات ناجحة في جنوب ارمينيا واذربيجان واستدار فيما بعد ضد بابل. لقد ربح العديد من المعارك ضد ملك البابلين مردوخ بلاصو اقبي و بابا آها ادينا ( حوالي 818-12) واندفع خلال الدولة الكلدانية. الا ان بابل بقيت مستقلة.
أداد نيراري الثالث واخلافه
مات شمشي اداد الخامس في حين كان اداد نيراري الثالث (810-783) لايزال صغيرا. تولت امه البابلية سامو رامات الوصاية على العرش حكمت بطاقة عظيمة لغاية 806 . سماها الاغريق “سميراميس” ومجدوها في بانجازات اسطورية، ولكن لا يعرف عنها تاريخيا الا القليل. قاد أداد نيراري فيما بعد عدة حملات ضد المديين وسوريا وفلسطين. وفي 804 وصل الى غزة ولكن اثبتت دمشق بانها لا يمكن اختراقها. وحارب ايضا في بابل وساعد في حفظ الامن في الشمال.
حارب شلمنصر الرابع (783-773) ضد أورارتو وهي في قمة قوتها تحت الملك ارغشتي (780-755 ). ودافع بنجاح عن شرق بلاد مابين النهرين ضد هجمات ارمينيا. ومن جهة اخرى خسر معظم سوريا بعد معركة ضد دمشق في 733 . كان حكم آشور دان الثالث (722-755) محفوفا بالثورات ووباء الطاعون. والقليل يعرف عن حكم آشور نيراري الخامس (754-756).
ان التركيب الاقطاعي للمجتمع في الدولة الاشورية استمر دونما تغيير. الكثير من الاراضي المحتلة كانت قد ضمت لبعضها لتشكل مقاطعات كبيرة. كان حكام هذه المقاطعات يبحثون عن استقلال مهم وخاصة تحت حكم الملوك الضعاف بعد اداد نيراري الثالث. حتى ان بعضهم كتبوا مخطوطاتهم الخاصة. ان تاثير الشعوب المرحلة في مدن آشور خلقت مراكز حضرية كبيرة. ان افرازات الحرب مع التوسع في التجارة ادت الى خلق طبقة من التجار المحترفين. ان الكثافة السكانية في المدن نتج عنه احتكاك بين الطبقات لم يستطع ان يسيطر عليه الا الملوك الاقوياء. بقي العديد من عواصم البلاد المحتلة على اهميتها كعواصم مقاطعات تابعة للامبراطورية. كان هناك الكثير من المباني الجديدة. كانت الحاجة تدعو الى وجود قوة احتلال في هذه المقاطعات، وتوسعت هذه القوة بالتدريج نسبة الى مجموع القوة العسكرية . لا تتوفر معلومات مسجلة عن تدريب الضباط او الشؤون الادارية العسكرية. وتوسعت ايضا الخدمة المدنية، وكان البلاط الملكي هو اكبر مؤسسة ادارية، بالاف العمال والحرفيين في عدة مدن سكنية.
ان الانحطاط الثقافي الذي حصل في حوالي عام 1000 كان قد تم تجاوزه في حكم آشورناصربال الثاني و ششلمنصر الثالث. شهدت الفنون خاصة انبعاثا وولادة كبرى. استمرت الاعمال الادبية تكتب باللغة الآشورية ونادرا ما كانت ذات اهمية كبيرة. لقد تم تطويرالاعمال الادبية التي اقتبست من بابل بكتابات جديدة، بالرغم من امكانية التفريق بين الاعمال المكتوبة بالآشورية عن تلك المكتوبة بالبابلية. اما دينيا فان العبادت والطقوس الرسمية لآشور ونينورتا استمرت في الوقت الذي سارت الامور الدينية لعموم الشعب بطريق منفصل.
لم يبق من التركيبة الاقطاعية في بابل الكثير؛ كانت المقاطعات الكبيرة قد وقعت فريسة في كل مكان تقريبا بيد الاراميين الذين كانوا في البداية قبائل شبه بدوية. ولقد قام رؤوساء عشائرهم وقبائلهم باحتلال مواقع اصحاب الاملاك تدريجيا. فلم يكن بالمقدور بعد ذلك الزراعة بمقياس كبير ماعدا ضواحي المدن الرئية. ان هيمنة مدارس الناسخين البابلية قد تكون هي السبب في حجب الادب الارامي. وعلى اية حال، يبدو ان الاراميين قد تم استيعابهم في الثقافة البابلية. بقيت الشائر الدينية في المدن على حالها. ولقد تحول حال الامبراطورية البابلية الى الفقر تدريجيا ماعدا ربما بعض المدن.
في عام 764، بعد الوباء، كتبت ملحمة ايرا او اسطورة ايرا ( اله الحرب والطاعون) من قبل كابتي ايلاني مردوخ. لقد ابتدع حكاية مبتكرة تختلف كثيرا عن الاساطير القديمة؛ تحوي على حوارات طويلة للالهة الذين يشتركون في اهم اقسام الاسطورة فعلا. هنالك مقطع في الملحمة يدعي فيه الشاعر انه الهام الهي جاءه في حلمه اثناء نومه.
الامبراطورية الاشورية الحديثة (746-609)
لا توجد فترة اخرى في التاريخ الآشوري فيها وفرة مصادر مقارنة بتلك المتوفرة للفترة تقريبا من 745 لغاية 640. اضافة الى العدد الكبير من المخطوطات الملكية، حوالي 2.400 رسالة قد نشرت، معضمها مكسرة الى شضايا. غالبا مايكون مرسلو ومستلمو هذه الرسائل هم الملك والموظفون الحكوميون اصحاب الدرجات العالية. تتضمن ايضا تقارير من وكلاء ملكيين حول القضايا والشؤون الخارجية ورسائل حول امور العبادات. المعاهدات والايحاءات الالهية والطلبات الى اله الشمس حول الشؤون السياسية والصلوات من والى الملوك تحوي على الكثير من المعلومات الاضافية. واخيرا وليس آخرا هي الرسوم واعمال النحت على الجدران، والتي غالبا ما تعطي معلومات تغني عن الكلام.
تيغلاث بلصر الثالث و شلمنصر الخامس
كان انهيار سلطة الدولة الاشورية بعد 780 واضحا؛ فقد خسرت سوريا واراضي اخرى شاسعة الى الشمال. انقلاب عسكري يطيح بالملك آشور نيراري الخامس ليرتقي العرش احد القادة. باسم تيغلاث بلصر الثالث (745-727)، جعل الامبراطورية في اكبر اتساع رقعة. قلص حجم المقاطعات من اجل كسر الاستقلال الجزئي للحكام. كما وقام بابطال مكتسبات الضرائب لمدن مثل آشور وحران من اجل توزيع اثقال الضرائب بالتساوي على سائر المملكة. ولقد تم تطوير التجهيزات والمعدات العسكرية بشكل نوعي. ففي عام 746 ذهب الى بابل لمد يد العون الى نبو ناصر (747-734) في حربه ضد قبائل الآراميين. هزم تيغلاث بلصر الآراميين ثم زار مدن مملكة بابل الكبيرة. هناك حاول تامين دعم الكهنة من خلال دعم مشاريعهم البنائية. واستعادت بابل استقلالها.
اما منجزه التالي فكان تفقد اورارتو. كانت حملاته ضد اذربيجان مصممة لخلق فجوة بين اورارتو والميديين. في 743 ذهب الى سوريا، وهزم هناك جيشا من جيوش اورارتو. ولم تستسلم مدينة آرباد السورية التي كانت متحالفة مع اورارتو بسهولة. تطلب احتلال آرباد من تيغلاث بلصر ثلاث سنوات من الحصار وعندها قتل السكان ودمر المدينة. في 738 تشكل تآلف جديد ضد سوريا تحت قيادة سامعال (مدينة زنجيرلي التركية حاليا) شمال سوريا. وتم دحرها واجبر كل الامراء من دمشق الى شرق الاناضول على دفع الجزية . وحملة اخرى في 735 وهذه المرة باتجاه اورارتو نفسها حيث كانت ناجحة جزئيا. وفي 734 غزا تيغلاث بلصر جنوب سوريا واراضي فلسطين بعيدا الى حدود مصر. حاولت دمشق تشكيل مقاومة ضده محاولة كسب الملك جودا الى جانبها. ولكن الملك جودا طلب العون من تيغلاث يلصر الذي قام بتدميرمملكته في فلسطين في عام 733 واجبر اراض شاسعة على الاستسلام . في عام 732 تقدم باتجاه دمشق محطما المزارع حول المدينة ثم احتل العاصمة، وقتل الملك الذي عين مكانه حاكما. اما الملكة العربية سامسيل في الجنوب فقد اجبرت على دفع الجزية، على ان يسمح لها ياستخدام ميناء غزة، الذي كان بايادي الاشوريين.
لقد ادى وفاة الملك البابلي نبونصر الى حالة فوضى عارمة هناك، فاعلن أوكن زير الآرامي نفسه ملكا. في 731 حاربه تيغلاث بلصر ودحره وحلفاءه، ولكنه لم يؤسر أوكن زير لغاية 729. هذه المرة لم يعين ملكا على بابل لكنه اعتلى العرش نفسه تحت اسم بولو ( ورد اسمه بول في العهد القديم). في اواخر عمره توقف عن الحملات متوجها الى تحسين عاصمته كلخ. بنى قصر شلمنصر الثالث وملاه بالكنوز من غنائم حروبه وزين الجدران بمنحوتات بارزة. وكانت كلها ذات طابع حربي كانما صممت لارهاب المشاهد فهي تعرض الشخوص بشكل مخيف. ان تلك المقاطع الصورية على البلاطات واحيانا مرسومة وجد مثلها في سوريا ايضا في مواقع العديد من عواصم المقاطعات لدولة آشور القديمة.
خلف تيغلاث بلصر ابنه شلمنصر الخامس (726-722)، الذي استمر على سياسة ابيه. وكملك بلاد بابل سمى نفسه اولولاي. تقريبا لاشئ يعرف عن مؤسساته حيث ان خليفته حطم كل مخطوطاته. تذكر العهد القديم انه توجه الى هوشيا ملك اليهود في فلسطين في 724 بعد ان اعلن هوشيا الثورة. من المحتمل انه اغتيل خلال حصاره الطويل لمينة السامرة. واعلن خليفته ان الاله آشور كان قد تخلى عن دعم شلمنصر الخامس لافعاله التي تنم عن عدم احترام.
سرجون الثاني (721-705) و مردوخ آبال إدينا ملوك بابل
يحتمل ان اخا شلمنصر الصغير هو الذي اعتلى العرش الآشوري في 721 . متخذا الاسم القديم شارو كن (سرجون كما ورد في الإنجيل)، ويعني ” الملك الشرعي”، وثق دعم الكهنة له وكذلك طبقة التجار وذلك باعادة الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، وخاصة اعفاء المعابد العظيمة من الضرائب. ان تغير الحكام في الدولة الاشورية قد اثارازمات اخرى في بابل. فقد سيطر على الحكم في بابل عام 721 أمير آرامي من الجنوب، مردوخ آبال ادينا (اسمه في الانجيل مردوخ بالادان)، ولم يتمكن من استعادته لغاية 710 بمساعدة ملك عيلام هومبانيغاش الاول. ان المحاولة الاولى لسرجون لاستعادة بابل فشلت حين هزمته عيلام في 721. وخلال نفس العام كان حصار السامرة المطول قد انتهى. فقد نزحت الطبقات العليا من سكان السامرة واصبحت اراضي فلسطين مقاطعة تابعة للامبراطورية الآشورية. وجرى توطين السوريين والبابليين في السامرة. وفي 720 قمع سرجون ثورة في سوريا كانت قد دعمتها مصر. ثم دحر كل من هنونو في غزة والجيش المصري قرب الحدود المصرية. وفي 717 و 716 حمل على شمال سوريا جاعلا كارجيمش والتي كانت مستقلة لحد الان احدى مقاطعاته. وذهب كذلك الى سيليسيا في محاولة لمنع استمرار انتهاكات الفريغيين تحت حكم الملك ميداس ( بالاشورية: ميتا).
ومن اجل حماية حليفه، دولة ماناي في اذربيجان، جهز سرجون حملة على ايران في 719 واستولى على اجزاء من ميديا كمقاطعات تابعة لامبراطوريته؛ وفي عام 716 بات ان حربا اخرى اصبحت ضرورية. في ذات الوقت كان مشغولا بتجهيز لهجوم رئيس ضد اورارتو. وتحت قيادة ولي عهده سنحاريب، تغلغلت جيوش الوكلاء في اورارتو، والتي كانت مهددة ايضا من الشمال من قبل السيمريائين. العديد من رسائلهم وتقاريرهم قد حفظت. اطول مخطوطة مكتوبة باللغة الآشورية حول مشروع سنوي (430 سطر طويل جدا) تشير الى حملته على اورارتو في 714 . صيغت باسلوب كتقرير اولي الى الاله آشور، موشاة بوصفحيوي لمناظر طبيعية. لابد وان النقاط القوية لاورارتو كانت محصنة بشكل جيد. حاول سرجون تلافيها وذلك بالحركة من خلال مقاطعة ماناي ومهاجمة عاصمة االميدين في الجانب الشرقي من بحيرة اورميا. في هذا الوقت مؤملا ان يفاجئ القطعات الاشورية، قام روسا من اورارتو باغلاق الممر الضيق الذي يمتد بين بحيرة اورميا وجبل ساهاند. ولقد توقع سرجون هذا فقاد مجموعة صغيرة من الخيالة في صولة مفاجئة تطورت الى نصر عظيم للاشوريين. وانهزم روسا ثم مات. واندفع الاشوريون متقدمين ومدمرين كل المدن والتحصينات وحتى اعمال الري لاورارتو. ولكنهم لم يحتلوا توشبا (العاصمة) ولكنهم اخذوا مواضع على المدينة الجبلية موساسير. كان الدمار عظيما. والسنوات التالية شهدت بعض الحملات الصغيرة في ميديا وشرق الاناضول وضد اشدود في فلسطين. كان ميداس ملك فريغيا وبعض المدن في قبرص مستعدة لدفع الجزية.
الان تحرر سرجون لتصفية حساباته مع مردوخ آبال ادينا البابلي. بعد ان تخلى عنه حليفه الملك العيلامي شوتروك ناهونتي الثاني وجد مردوخ ىبال اديني من الافضل ان يفر، اولا الى موطنه الاصلي على الخليج العربي ومن ثم الى عيلام . ولأن الامير الآرامي لم يكن محبوبا من شعبه فقد رحب البابليون بسرجون محررا لهم. ولقد التزم بتحقيق رغبات الكهنة وبنفس الوقت اهان الكرامة الآرامية. لقد اقتنع بالعنوان المتواضع حاكم بابل.
سكن سرجون اولا في كلخ ومن ثم قرر على ايجاد عاصمة جديدة شمال نينوى. وسمى المدينة “دور شروكن” ” مدينة سرجون” (خورسآباد الحالية). وقد بنى قصره على ممر عال في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة.
اما معابد الالهة الرئيسين الاصغر حجما فقد بنيت ضمن مستطيل محاط بجدار خاص. التصميم سمح لسرجون من مراقبة الكهنة افضل من السابق كما بنى مجمعات كبيرة للمعابد. احدى نتائج هذا التصميم هو ان شخص الملك دفع شخص الاله الى الخلفية وبهذا حصل على الاهمية. ورغب ان يكون قصره يشابه امبراطوريته من حيث السعة، فقد خطط سرجون لقصره ابعادا اصبحت معلما. منحوتان صخريان لثورين مجنحين لهما راس رجل يحميان المدخل؛ كانا اكبر من اي شئ سبق. اما الجدران فقد زينت بصفوف طويلة من النحت البارز تظهر صور الحروب والاعمال التعرضية. مقارنة بقطعة الرخام الجيدة التنفيذ للملك البابلي مردوخ أبال ادينا يظهر ان الفنون الجميلة في الدولة الاشورية قد فاقت بكثير ما عند البابليين. لم يكمل سرجون عاصمته، بالرغم من 713 ولغاية 705 ق م عمل عشرات الالاف من العمال ومئات الفنانين في المدينة العظيمة. باستثناء بعض البنايات الساحرة للموظفين العامين، لم ينجز الا القليل من الصروح المتينة في القاطع السكني . في 705 وفي حملة على شمال غرب ايران نصب كمين لسرجون وقتل. وبقيت جثته دون ان تدفن لكي تصبح طعاما للجوارح. اما سنحاريب ابن سرجون والذي تشاجر مع ابيه، كان ميالا للاعتقاد مع الكهنة بان موته كان عقابا من الهة العواصم القديمة التي تركت دونما اكتراث.
سنحاريب (704 – 681 )
سنحاريب ( وبالآشورية: سن آهي اريبا؛ 704 – 681 ) كان مهيئا جدا لاملاء موقعه السيادي. به فازت الدولة الاشورية بحاكم ذكي موهوب بالرغم من كونه كثير التهور. لم يذكر والده، في اي من كتاباته. ترك فجأة المدينة الحديثة دور شاروكن وسكن في آشور لعدة سنوات الى ان جعل من نينوى عاصمة له في عام 701 .
كانت لسنحاريب مصاعب كثيرة مع دولة بابل. عاد مردوخ آبال ادينا مرة أخرى في 703 ليعلن نفسه ملكا بمساعدة عيلام، متجها رأسا ليتحالف مع بقية اعداء الدولة الآشورية. وبعد تسعة اشهر كان قد اجبر على الانسحاب عندما هزم سنحاريب جيش الائتلاف المكون من البابلين والاراميين والعيلاميين. كان ملك بابل “اللعبة” الجديد بيل ابني (702-700) الذي نشأ وترعرع في آشور.
في 702 شن سنحاريب غرة على غرب ايران. في 701 تبعها باشهر حملاته ضد سوريا وفلسطين، من اجل السيطرة على الطريق الرئيس من سوريا الى مصر من اجل التهيؤ لحملة قادمة على مصر ذاتها. عند اقتراب جيش سنحاريب من سيدون عزل حاكمها “لولي” الذي كان معاديا للدولة الآشورية فورا. اما بقية الحلفاء فمنهم من انهزم ومنهم من استسلم. وهزم الجيش المصري في “إلتيكه” في جوده. وحاصر سنحاريب القدس وطلب من ملكها حزقيا التسليم لكنه لم يستجب. وبسبب الصعوبات وتفشي الوباء انسحب سنحاريب بجيشه من فلسطين. عدد الذين ماتوا من الآشوريين ارتفع الى 185.000 . وعلى كل فقد دفع الملك حزقيا الجزية.
انسحب الملك البابلي “بيل ابني” من الاتحاد مع الدولة الاشورية في عام 700 . تحرك سنحاريب بسرعة وهزم بيل ابني وابدله بابن سنحاريب الاكبر، آشور نادين شومي. السنوات القليلة القادمة كانت نوعا ما سنوات سلام. استغل سنحاريب هذا الوقت للتهيؤ لهجوم فاصل ضد عيلام، التي مالبثت تساند الثوار البابلين. قام العيلاميون بقطع وتحصين الطريق البري المؤدي الى عيلام. كان لسنحاريب سفنا بناها في سوريا وفي نينوى. تم تحريك السفن من سوريا على مزلجات من الفرات الى دجلة. مخر الاسطول مع التيار جنوبا ونجح في التحرك في المياه الضحلة للخليج وعلى طول الساحل الجنوبي لعيلام. قام العيلاميون بشن هجوم مقابل على الارض واحتلوا بابل ونصبوا شخصا من اختيارهم على العرش. لم يكن باستطاعة الآشورين شق طريقهم شمالا بالقتال الا في 693 . واخيرا وفي 689 تمكن سنحاريب من الثأر. فقد احتل بابل ودمرها تماما، وهدم المعابد وسواها مع الارض. وحورت قناة آراختو الاروائية من فوق الابنية المخربة والدمار وبقيت المدينة الداخلية غير مسكونة لحوالي ثماني سنوات. حتى ان الكثير من الآشوريين بقوا ناقمين على هذا، معتقدين بان الاله البابلي مردوخ كان قد تأثر بالغ التأثر نتيجة تدمير معبده وازالة آثاره. كان مردوخ معبودا آشوريا ايضا كان العديد منهم يهرعون اليه وقت الحاجة. كانت قد شنت حملة دعاية لاهوتية- سياسية للتوضيح للشعب بان ما قد حدث هو نزولا عند رغبة معظم الالهة. كتبت قصة تذكر بان مردوخ كان قد أسر بسبب خطيئة وأحضر امام القضاء. لم يبق الا جزءا من شرح هذا العمل الادبي غير المتقن. حتى الشعر العظيم لخلق العالم، “انوما اليش” كان قد حور: ابدل اسم الاله مردوخ بالاله آشور. ان طاقات سنحاريب غير المحدودة لم تجلب الفائدة لامبراطوريته، ولربما اضعفتها. يمكن ملاحظة تشبث وعناد هذا الملك في مشاريعه العمرانية؛ فمثلا عندما احتاجت نينوى الى الماء للري، حمل سنحاريب مهندسيه على تحويل مجرى مياه رافد للزاب الاعظم. وكان على القناة عبور وادي جيروان. انشات قناة لسحب الماء تتالف من حوالي مليوني قطعة من حجر الرخام الكلسي لخمس قناطر مدببة ضخمة فوق الجدول في الوادي . ختمت ارضية القناة بسمنت يحوي على المغنيسيوم. لازالت اجزاء من هذه القناة شاخصة الى اليوم الحاضر. كتب سنحاريب عن هذه وغيرها من الانجازات التقنية بتفاصيل دقيقة مع شروحات ومخططات توضيحية.
بنى سنحاريب قصرا فخما في نينوى، مزين بمنحوتات شبه مجسمة بعضها يصور نقل تماثيل ضخمة لثيران خلال الماء واليابسة. العديد من الغرف كانت مزينة بمقاطع مصورة منحوتة نحتا بارزا تحكي قصص الحرب وفعاليات البناء. يمكن ملاحظة التقدم في مجال التنفيذ الفني، وخاصة في رسم الحيوانات والمناظر الطبيعية. ومن ابرزها تصوير المعارك في الآهوار والحياة في المعسكرات والتهجير.
قامت في عام 681 ق م ثورة. واغتيل سنحاريب من قبل احد او كلا ولديه في معبد الاله نينورتا في كلخ. لقد اسيئت معاملة هذا الاله و الاله مردوخ من قبل سنحاريب، فاعتبر الحادث على انه عقوبة ربانية.
أسرحدون ( 680 – 669 )
متجاهلا ادعاء اخوته الكبار، ثبت المجلس الامبراطوري اسرحادون ( آشور – أحا – ادينا ؛ 680 – 669 ) كخليفة لسنحاريب. يصعب تفسير الاختيار بان أسرحادون، على عكس والده، كان لطيفا مع البابليين. يمكن الافتراض ان امه صاحبة الطاقة والمخططة، زاكوتو ( ناقيه)، والتي جاءت من سوريا أو من جوده، قد استخدمت كل نفوذها نيابة عنه لتجاوز قرارات الحزب الوطني للدولة الآشورية. ان النظرية القائلة بانه كان طرفا في التخطيط لاغتيال ابيه بعيدة الاحتمال؛ على كل حال، كان قادرا على استقطاب اخلاص جيش ابيه لصالحه. كان على اخوته الفرار الى اورارتو. كان اسرحادون يذكر كلا من ابيه وجده في كتاباته.
حيث ساد الاعتقاد بان تدمير بابل ماهو الا عقوبة من الاله مردوخ، فقد قام الملك الجديد باصدار الاوامر لاعادة بنائها. واشار الى نفسه فقط بانه حاكم بابل وحصل من خلال سياساته على دعم مدن دولة بابل. كانت القبائل الآرامية في بداية حكمه لا تزال حليفة لعيلام ضده، ولكن الملك العيلامي اورتاكو (675-664) وقع على معاهدة سلام مما حرره للقتال في مناطق أخرى. وفي عام 679 انشأ محمية عسكرية على الحدود المصرية لان مصر كانت في عهد الملك الحبشي تاهاركا تخطط للتدخل في سوريا. لقد اخمد وبصعوبة كبيرة ثورة مشتركة من قطعات من سيدون وتاير ومدن سورية اخرى. كان الوقت قد حان لمهاجمة مصر التي كانت تعاني تحت حكم الاحباش ولم تكن دولة موحدة. كانت محاولة أسرحدون الاولى في 674 – 673 قد فشلت. وعلى اية حال ففي 671 ق م احتلت قطعاته منفيس، العاصمة المصرية. لقد تم تعيين مستشارين آشوريين لمساعدة امراء ال 22 مقاطعة، حيث كانت اولى مهامهم جمع الجزية.
كانت هناك تهديدات بين آونة وأخرى تأتي من منطقة الحدود الجبلية لشرقي الاناضول وايران. قام السيثيون بطرد السميرين في شمال ايران وخلال قوقاسيا محاولين كسب موطئ قدم لهم في سوريا وغرب ايران. قام اسرحدون بالتحالف مع ملك السيثيين “بارتاتوا” بتزويجه احدى بناته. وبعمله هذا فقد حدد حركة السيمريين. وبغض النظر، فانه يمكن ملاحظة سرعة تفكير اسرحدون من خلال تقديمه القرابين وتضرعه ودعائه من اله الشمس. لقد كان لذلك تاثيرا اخف على مملكته منها على اعدائه واتباعه والموظفين الحكوميين. كان على كهنة عشتار طمأنة اسرحدون باستمرار بالدعاء له والقول له بان لا تخف. لم يعرف عن الملوك الذين سبقوه حاجتهم الى مثل هذا التشجيع.
كان اسرحدون يواجه مصاعب كبيرة في وطنه من زمر في القصر. تفى ابنه الكبير مبكرا. وشكك الحزب الوطني بابنه الثاني، شماش شوم اوكن على انه يجامل البابليين؛ ولربما اعتبروه غير مؤهل لتولي العرش الملكي. منح ابنه الثالث، اشوربانيبال العرش في 672 وبقي شماش شوم اوكن وليا للعهد على بابل. لقد سببت هذه الترتيبات الكثير من المعارضة ولقد حذر بعض الموظفين بعيدي النظر من تاثيرات مأساوية. على اية حال فقد أقسم النبلاء والكهنة وقادة المدن على أحقية مثل هذه التعديلات في السلك الملكي؛ حتى زمرة الآمراء كان عليهم القسم للولاء لآشور بانيبال، وكانت هناك عقوبات شديدة على من يحنث.
وكان هناك امر آخر يشغل بال اسرحدون هو تردي صحته. كان يعتبر خسوف القمر بالذات نذير حذر،ولتفادي الاصابة بمرض قاتل خلال هذه الاوقات، فقد عمل على تبديل الملوك المختارين خلال فترات الخسوف الثلاثة التي حدثت خلال حكمه الذي استمر لاثنتي عشرة سنة. كان الملك البديل يموت او يقتل بعد فترة حكم قصيرة. خلال فترة تخليه عن الحكم كان اسرحدون يلقب نفسه ” بالسيد الفلاح”. وبهذا الاسلوب كان يظن انه سيصعب على الالهة التمييز بين الملك الحقيقي والمزيف.
وسع اسرحدون وطور المعابد في كل من آشور وبابل. وشيد قصرا في كلخ، مستخدما الكثير من لوحات الصور لتغلاث بلصر الثالث. الاعمال الباقية ليست بمستوى اعمال خلائفه او اعمال آشور بانيبال. مات اثناء حملة لاخماد ثورة اندلعت في مصر.
آشور بانيبال (668-627) وشماش شوم اوكن (668-648)
على الرغم من ان وفاة ابيه حصلت وهو بعيد عن وطنه، الا ان آشور بانيبال تولى الحكم كما كان مقررا. لربما كان مدينا لحسن حظه لشفاعة جدته “زاكوتو”، التي تمكنت من ملاحظة طاقاته العظيمة. يتحدث عن تعيمع المتكامل منقبل الكهنة وتدريبه على صناعة الدروع اضافة الى الفنون العسكرية. ربما كان الملك الوحيد في دولة آشور ذو خلفية ثقافية. ودرس حين كان وليا للعهد ادارة الامبراطورية الشاسعة. ان الدرجة التي منحتها له الالهة هي درجة الحصاد خلال اولى سنوات حكمه. وكان انتاج السنوات التالية جيدة ايضا. وخلال هذه السنوات الاولى كان ناجحا ايضا في السياسة الخارجية، وكانت علاقته جيدة باخيه في بابل.
في عام 668 قمع تمردا في مصر وطرد الملك تاهاركا، ولكن في 664 جمع تانوت عامون ابن اخت تاهاراكا قوات لثورة جديدة. ذهب آشوربانيبال الى مصر، مطاردا الامير الحبشي بعيدا الى الجنوب. ولقد دفع نصره الحاسم هذا تاير واقسام اخرى من الامبراطورية الى العودة الى دفع الجزية بانتظام. عين آشور بانيبال بسماتك كامير على منطقة سايس المصرية. وفي عام 656 قام بسماتك بالانفصال عن السلطة الاشورية بمساعدة مرتزقه من الكاريين والايونيين مانحا مصر الاستقلال مرة اخرى.
لم يحاول آشوربانيبال معاودة احتلالها. لقد ساعد بسماتك في تمرده الحليف القديم لآشور، كايكز ملك ليديا. وبالمقابل لم تبد آشور اية مساعدة لكايكز حين هوجم من قبل السيمريين. فقد كايكز عرشه وحياته. وقرر ابنه ارديز ان دفع الجزية الى الدولة الاشورية هي اقل قسوة من ان يحتل من السيمريين.
احاقت بجنوب دولة بابل مشاكل مهلكة ، فقد هاجمتها عيلام في 664. وجاء هجوم آخر في 653 ، حيث ارسل آشور بانيبال جيشا كبيرا ألحق بالعيلاميين هزيمة نكراء. وقتل ملكهم مما شجع بعض الولايات العيلامية على الانفصال. لم تعد لعيلام القوة الكافية لاستعادة دورها الفعال في المجالات الدولية. كان لهذا الانتصار نتائج مهمة لبابل. اصبح شاماش شوم اوكن متعبا بسبب اهماله من قبل اخيه الذي فرض سيطرته. لقد شكل شاماش شوم اوكن تحالفا سريا في عام 656 مع الايرانيين، والعيلاميين والاراميين والعرب والمصريين، موجها ضد آشوربانيبال. ربما كان انسحاب العيلامين المندحرين من التحالف هو السبب في الهجوم غير المكتمل الاعداد من قبل شاماش شوم اوكن في نهاية عام 652 دون الانتظار للمساعدة الموعودة من مصر. بعد ان اخذ آشور بانيبال على حين غرة، استطاع من لملمة جيشه. هزم الجيش البابلي واسر شاماش شوم اوكن في مدينته الحصينة بابل. ولم يتمكن حلفاؤه من الصمود امام الآشوريين. وهزمت امدادات العرب المحملة على الجمال. وبقيت مدينة بابل محاصرة لمدة ثلاث سنوات. وسقطت في عام 648 وسط مشاهد مذابح مروعة، ومات شاماش شوم اوكن في قصره المحترق
بعد عام 648 شن الاشوريون عدة هجمات تاديبية على العرب،محفزين بهذا روح الاندفاع والقتال لدى القبائل العربية لسنوات قادمة. كان الهدف الرئيس للاشوريين هو تامين استقرار نهائي لعلاقاتهم مع عيلام. ان رفض دولة عيلام عام 647 تسليم امير آرامي كان سببا في هجمات جديدة تغلغلت معها جيوش الاشوريين عميقا في الاراضي العيلامية. وقد اعقب ذلك الصولة على العاصمة سوسة المحصنة بقوة ربما في عام 646 . دمر الاشوريون خلالها المدينة بضمنها المعابد والقصور. واحتلوا اراض شاسعة. وكالمعتاد فقد تم نفي اصحاب الاراضي والطبقة العليا الى بلاد آشور ومناطق اخرى من الامبراطورية واصبحت عيلام مقاطعة آشورية. وامتدت سلطة الدولة الاشورية الى جنوب شرق ايران. ودفع سيروس الاول الجزية واعطى رهائن الى نينوى. متعشما في تامين الحماية لحدوده مع ميديا. لا يعرف الا القليل عن أواخر سنوات حكم اشوربانيبال.
لقد ترك اشوربانيبال الهاما اكثر ممن اعقبه من الملوك. لم تسجل معاركه دائما بتسلسل زمني ولكنها جمعت كمجموعات حسب الغايات منها. ان عدد معاركه تسجله الذاكرة. احدى اهم مآثره هي تاسيس مكتبة القصر العظيمة في نينوى ( كويونجق الحديثة)، والتي تعتبر اليوم احدى اهم المصادر لدراسة التاريخ القديم لبلاد مابين النهرين . ولقد اشرف الملك نفسه على انشائها. ولقد حفظ اكثر من نسخة من الاعمال المهمة، بعضها كان مخصصا للاستخدام الشخصي للملك. ان اعمال الترتيب قد سحبت تجربة قرون من ادارة تجميع كميات كبيرة من اراشيف المعبد مثل تلك الموجودة في آشور. يتحدث آشوربانيبال في احدى مخطوطاته عن انه صياد متلهف لصيد الحيوانات الكبيرة، وكيف انه حصل على متعتها خلال صراعه مع الاسود المهاجمة. هناك في قصره في نينوى صفوف طويلة من مشاهد الصيد تظهر حذاقة الفنانين في النحت البارز؛ وصل الفن الاشوري بهذه المنحوتات الى قمته. بمسلسلات تحكي عن حروبه وخاصة الحروب التي خاضها في عيلام، تعج المشاهد بالشخوص البشرية. وتلك التي تظهر المعارك ضد القوات العربية على جمالها هي ابدع ما تم تنفيذه.
احدى اسباب بقاء الامبراطورية الاشورية لمدة طويلة هو ممارسة التهجير لاعداد كبيرة من سكان المناطق المحتلة وتوطينهم في اماكن اخرى. لقد منع هذا الاجراء الوطنين من المناطق المحتلة من استعادة قوتهم. وبنفس الاهمية كان تعيين العديد من الموظفين المدنين الاكفاء في الاراضي المحتلة تحت امرة ضباط مدربين. كانت اعلى درجة وظيفية هي “تارتان”، وهي كلمة حرانية. ولقد مثل التارتان الملك ايضا خلال غيابه. المرتبة الاقل كان ملاحظ القصر، وهو حامل الصواع، واداري القصر وحاكم آشور. غالبا ما كان القادة يحتلون مراكز رسمية عالية، وخاصة في المقاطعات. كان عدد موظفي الدولة يقارب ال 100.000 أغلبهم من مواطني المقاطعات المحتلة. ولقد اصبح الاسرى عبيدا ثم اطلق سراحهم.
لم تكن هناك قوانين معروفة للامبراطوريةن بالرغم من ان المستندات تشير الى وجود قواعد وضوابط للعدالة. كان الذين يفسخون العقود عرضة لعقوبات شديدة، وحتى في حالات الاهمية القليلة فان التضحية بابن او اكل رطل من الصوف وشرب كميات كبيرة من الماء بعد ذلك مما يؤدي الى موت مؤلم. كان للمراة مكانة سفلى، ماعدا الملكة وبعض الاميرات.
ولاتتيسر دراسات مفصلة عن الوضع الاقتصادي لتلك المرحلة. اما النبلاء اصحاب الاقطاعيات فقد استمروا على لعب دور مهم، اضافة الى التجار في المدن. ان الزيادة في كميات المعادن الثمينة – والتي كانت تستلم كجزية او تؤخذ كغنائم – لم تشوش الاستقرار الاقتصادي في العديد من المناطق. لقد ادت الرعاية الملكية ورعاية المعابد الى ازدهار الفنون والحرف خلال هذه الفترة. ان سياسة توطين الاراميين وغيرهم من سكان الاراضي المحتلة في الدولة الاشورية قد جلب العديد من الفنانين والحرفيين الموهوبين الى المدن الاشورية، حيث قدموا اساليب وتقنيات جديدة. كان اصحاب الدرجات العليا من الموظفين، والذين غالبا هم من المتنفذين، عملوا على ان تستفيد مراكز المقاطعات كذلك من هذا النمو الاقتصادي والحضاري.
اصبحت حران اهم مدينة في القسم الغربي من الامبراطورية؛ اما مستوطنة حوزيرينا الجاورة ( حاليا سلطان تبه في شمال سوريا)، تم اكتشاف بقايا اثار مكتبة مهمة. عثر على القليل من النصوص الارامية من هذه الفترة؛ ان مناخ بلاد مابين النهرين لا يصلح لتخزين البردي والجلود التي كانت النصوص تكتب عليها. لا تتيسر ادلة على وجود موروث تعليمي بلغات اخرى منطوقة ضمن حدود الامبراطورية الاشورية في ذلك الوقت، ماعدا بعض المناطق الساحلية من سوريا وفلسطين.
الامبراطورية البابلية الجديدة
لم تتم تهدئة الكلدانيين الذين كانوا يقطنون المنطقة الساحلية للخليج الفارسي، من قبل الاشوريين. ففي حوالي 630 اصبح نبوبلاصر ملكا على الكلدانيين. في 626 اخرج الاشوريين بالقوة من اوروك (الوركاء) وتوج نفسه ملكا على بابل. لقد ساهم في الحروب التي كانت تهدف الى تدمير الدولة الاشورية. وبنفس الوقت بدا باعادة تشغيل شبكة القنوات المائية المخربة في المدن البابلية وخاصة في مدينة بابل نفسها. ولقد حارب الملك الاشوري آشور اوباليت الثاني وثم حارب المصريين، قوبلت نجاحاته بسوء الحظ. مات نبوبلاصر في بابل عام 605.
نبوخذنصر الثاني
سمى نبو بلاصر ابنه الكبير بنبوخذنصر تيمنا بالملك الشهير للسلالة الثانية لاسن، ودربه بعناية لتولي العرش وشاركه في تحمل المسؤوليات. فعندما مات الاب في 605 كان نبوخذنصر مع جيشه في سوريا؛ حيث كان قد سحق المصريين قرب كارجيميش في معركة دامية قاسية وطاردهم الى الجنوب. عاد نبوخذنصر فورتسلمه نبأ وفاة ابيه الى بابل. لا يذكر نبوخذنصر في كتاباته على العديد من الابنية، الا القليل عن حروبه الكثيرة؛ وكلها تنتهي بالصلوات. ان التسلسل البابلي للاحداث يمتد فقط للسنوات 605 – 594 ، ولا يعرف الكثير من مصادر اخرى عن السنوات الاخيرة لهذا الملك الشهير. كان يذهب غالبا الى سوريا وفلسطين، لطرد المصريين منها. في عام 604 احتل المدينة الفلسطينية أشكيلون. حاول في 601 دفع المصريين الى مصر ولكنه اجبر على الانسحاب بعد معركة دامية غير محسومة من اجل اعادة تنظيم جيشه في بابل. اثر بعض الحملات التاديبية الصغيرة ضد العرب في سوريا، هاجم فلسطين في نهاية 598. ثار جيهوياكيم ملك جودا مؤملا على دعم من مصر. وحسب تسلسل الاحداث التاريخي فقد احتلت القدس في 16 آذار 597. ومات الملك جيهوياكيم خلال الحصار، وتم سبي ابنه جيهوياجين مع 3000 من اليهود اسرى الى بابل. تمت معاملتهم بصورة جيدة حسب الوثائق. وعين زيدكيا ملكا جديدا. في عام 596 حين جاء الخطر من الشرق سار نبوخذنصر الى نهر دجلة مجبرا العدو على الانسحاب. بعد سحق الثورة في بابل بطريقة دموية جهز حملة اخرى الى الغرب.
ثارت جودا ثانية في 589 حسب العهد القديم، وتمت محاصرتها. سقطت المدينة في 587/586 ودمرت تماما. واخذ عدة آلاف من اليهود اسرى الى بابل، والحقت بلادهم كمقاطعة بالامبراطورية البابلية. ويذكر ان الاحتلال المصري كان سبب الثورة حيث تم التغلغل الى سيدون. وقام نبوخذنصر بمحاصرة تاير لمدة 13 عاما دون ان يتمكن من دخولها لعدم امتلاكه اسطولا بحريا. في 568/567 عاود مهاجمة مصردونما نصر يذكر ولكن توقف المصريون منذ ذلك الوقت من مهاجمة فلسطين. عاش نبوخذنصر بسلام مع دولة ميديا طول فترة حكمه وتوسط بينها وبين ليديا في حربهم 590 – 585 .
امتدت الامبراطورية البابلية في عهد نبوخذنصر الى الحدود المصرية. كان لديها نظاما اداريا جيدا. بالرغم من انه كان نبوخذنصر يفرض ضرائب وجزية عالية من اجل ادامة جيوشه والاستمرار في مشاريع البناء، جعل نبوخذنصر دولة بابل من اغنى الاراضي في غرب اسيا، في الوقت الذي كانت فيه فقيرة تحت الحكم الاشوري. كانت بابل اكبر مدن العالم المتحضر. استمر نبوخذنصر بادامة شبكة قنوات المياه و انشأ العديد من القنوات الثانوية جاعلا من الارض اكثر خصوبة مما هي عليه. وازدهرت التجارة في عهده.
احاقت بجنوب دولة بابل مشاكل مهلكة ، فقد هاجمتها عيلام في 664. وجاء هجوم آخر في 653 ، حيث ارسل آشور بانيبال جيشا كبيرا ألحق بالعيلاميين هزيمة نكراء. وقتل ملكهم مما شجع بعض الولايات العيلامية على الانفصال. لم تعد لعيلام القوة الكافية لاستعادة دورها الفعال في المجالات الدولية. كان لهذا الانتصار نتائج مهمة لبابل. اصبح شاماش شوم اوكن متعبا بسبب اهماله من قبل اخيه الذي فرض سيطرته. لقد شكل شاماش شوم اوكن تحالفا سريا في عام 656 مع الايرانيين، والعيلاميين والاراميين والعرب والمصريين، موجها ضد آشوربانيبال. ربما كان انسحاب العيلامين المندحرين من التحالف هو السبب في الهجوم غير المكتمل الاعداد من قبل شاماش شوم اوكن في نهاية عام 652 دون الانتظار للمساعدة الموعودة من مصر. بعد ان اخذ آشور بانيبال على حين غرة، استطاع من لملمة جيشه. هزم الجيش البابلي واسر شاماش شوم اوكن في مدينته الحصينة بابل. ولم يتمكن حلفاؤه من الصمود امام الآشوريين. وهزمت امدادات العرب المحملة على الجمال. وبقيت مدينة بابل محاصرة لمدة ثلاث سنوات. وسقطت في عام 648 وسط مشاهد مذابح مروعة، ومات شاماش شوم اوكن في قصره المحترق.
بعد عام 648 شن الاشوريون عدة هجمات تاديبية على العرب،محفزين بهذا روح الاندفاع والقتال لدى القبائل العربية لسنوات قادمة. كان الهدف الرئيس للاشوريين هو تامين استقرار نهائي لعلاقاتهم مع عيلام. ان رفض دولة عيلام عام 647 تسليم امير آرامي كان سببا في هجمات جديدة تغلغلت معها جيوش الاشوريين عميقا في الاراضي العيلامية. وقد اعقب ذلك الصولة على العاصمة سوسة المحصنة بقوة ربما في عام 646 . دمر الاشوريون خلالها المدينة بضمنها المعابد والقصور. واحتلوا اراض شاسعة. وكالمعتاد فقد تم نفي اصحاب الاراضي والطبقة العليا الى بلاد آشور ومناطق اخرى من الامبراطورية واصبحت عيلام مقاطعة آشورية. وامتدت سلطة الدولة الاشورية الى جنوب شرق ايران. ودفع سيروس الاول الجزية واعطى رهائن الى نينوى. متعشما في تامين الحماية لحدوده مع ميديا. لا يعرف الا القليل عن أواخر سنوات حكم اشوربانيبال.
لقد ترك اشوربانيبال الهاما اكثر ممن اعقبه من الملوك. لم تسجل معاركه دائما بتسلسل زمني ولكنها جمعت كمجموعات حسب الغايات منها. ان عدد معاركه تسجله الذاكرة. احدى اهم مآثره هي تاسيس مكتبة القصر العظيمة في نينوى ( كويونجق الحديثة)، والتي تعتبر اليوم احدى اهم المصادر لدراسة التاريخ القديم لبلاد مابين النهرين . ولقد اشرف الملك نفسه على انشائها. ولقد حفظ اكثر من نسخة من الاعمال المهمة، بعضها كان مخصصا للاستخدام الشخصي للملك. ان اعمال الترتيب قد سحبت تجربة قرون من ادارة تجميع كميات كبيرة من اراشيف المعبد مثل تلك الموجودة في آشور. يتحدث آشوربانيبال في احدى مخطوطاته عن انه صياد متلهف لصيد الحيوانات الكبيرة، وكيف انه حصل على متعتها خلال صراعه مع الاسود المهاجمة. هناك في قصره في نينوى صفوف طويلة من مشاهد الصيد تظهر حذاقة الفنانين في النحت البارز؛ وصل الفن الاشوري بهذه المنحوتات الى قمته. بمسلسلات تحكي عن حروبه وخاصة الحروب التي خاضها في عيلام، تعج المشاهد بالشخوص البشرية. وتلك التي تظهر المعارك ضد القوات العربية على جمالها هي ابدع ما تم تنفيذه.
احدى اسباب بقاء الامبراطورية الاشورية لمدة طويلة هو ممارسة التهجير لاعداد كبيرة من سكان المناطق المحتلة وتوطينهم في اماكن اخرى. لقد منع هذا الاجراء الوطنين من المناطق المحتلة من استعادة قوتهم. وبنفس الاهمية كان تعيين العديد من الموظفين المدنين الاكفاء في الاراضي المحتلة تحت امرة ضباط مدربين. كانت اعلى درجة وظيفية هي “تارتان”، وهي كلمة حرانية. ولقد مثل التارتان الملك ايضا خلال غيابه. المرتبة الاقل كان ملاحظ القصر، وهو حامل الصواع، واداري القصر وحاكم آشور. غالبا ما كان القادة يحتلون مراكز رسمية عالية، وخاصة في المقاطعات. كان عدد موظفي الدولة يقارب ال 100.000 أغلبهم من مواطني المقاطعات المحتلة. ولقد اصبح الاسرى عبيدا ثم اطلق سراحهم.
لم تكن هناك قوانين معروفة للامبراطوريةن بالرغم من ان المستندات تشير الى وجود قواعد وضوابط للعدالة. كان الذين يفسخون العقود عرضة لعقوبات شديدة، وحتى في حالات الاهمية القليلة فان التضحية بابن او اكل رطل من الصوف وشرب كميات كبيرة من الماء بعد ذلك مما يؤدي الى موت مؤلم. كان للمراة مكانة سفلى، ماعدا الملكة وبعض الاميرات.
ولاتتيسر دراسات مفصلة عن الوضع الاقتصادي لتلك المرحلة. اما النبلاء اصحاب الاقطاعيات فقد استمروا على لعب دور مهم، اضافة الى التجار في المدن. ان الزيادة في كميات المعادن الثمينة – والتي كانت تستلم كجزية او تؤخذ كغنائم – لم تشوش الاستقرار الاقتصادي في العديد من المناطق. لقد ادت الرعاية الملكية ورعاية المعابد الى ازدهار الفنون والحرف خلال هذه الفترة. ان سياسة توطين الاراميين وغيرهم من سكان الاراضي المحتلة في الدولة الاشورية قد جلب العديد من الفنانين والحرفيين الموهوبين الى المدن الاشورية، حيث قدموا اساليب وتقنيات جديدة. كان اصحاب الدرجات العليا من الموظفين، والذين غالبا هم من المتنفذين، عملوا على ان تستفيد مراكز المقاطعات كذلك من هذا النمو الاقتصادي والحضاري.
اصبحت حران اهم مدينة في القسم الغربي من الامبراطورية؛ اما مستوطنة حوزيرينا الجاورة ( حاليا سلطان تبه في شمال سوريا)، تم اكتشاف بقايا اثار مكتبة مهمة. عثر على القليل من النصوص الارامية من هذه الفترة؛ ان مناخ بلاد مابين النهرين لا يصلح لتخزين البردي والجلود التي كانت النصوص تكتب عليها. لا تتيسر ادلة على وجود موروث تعليمي بلغات اخرى منطوقة ضمن حدود الامبراطورية الاشورية في ذلك الوقت، ماعدا بعض المناطق الساحلية من سوريا وفلسطين.
تخلفت بابل من الناحيتين الاقتصادية والثقافية عن آشور في هذه الفترة. ان الحروب مع الدولة الاشورية ( وبالاخص الاندحار المأساوي في 689 و 648) اضافة الى العديد من الحروب القبلية الصغيرة قد اثؤت على التجارة والانتاج الزراعي. اما المعابد البابلية العظيمة فقد كانت باحسن حال خلال هذه الفترة، مادامت تحظى بالرعاية الملكية الاشورية. حفظت بعض الوثائق من المعابد فقط. هناك دلائل تشير الى ان مدارس النسخ والتاليف استمرت بالعمل وان كتابات بالسومرية كانت قد حررت للملك شاماش شوم اوكن. مقارنة بالتطور الاشوري فان فن التصوير كان مهملا ولربما وجد الفنانون البابليون عملا لهم في آشور.
بدا الناس خلال هذه الفترة باستخدام اسماء الاسلاف مثل الالقاب؛ لربما كان ازدياد هذه الظاهرة مؤشرا الى تقلص حجم بعض العوائل القديمة. خلال هذه الفترة فان اسلوب الحياة الارامي كان قد بلغ المدن القديمة لدولتي بابل وآشور.
يظهر ان هذه الحقبة لم تكن مثمرة من الناحية الادبية في كل من بابل وآشور. ففي آشور هناك العديد من الكتابات الملكية، بعضها بطول 1.300 سطرا كانت من ضمن اهم النصوص، حتى ان بعضها كان متنوعا في المحتوى ومنشأ باسلوب جيد. معظم التراتيل والصلوات كانت مكتوبة بالاسلوب التقليدي. والعديد من الايحاءات ، وغالبا كان محتواها غريبا، كانت مكتوبة باللهجة الآشورية، غالبا معظمها من قبل كاهنات عشتار آلهة اربيلا. لوحظ في آشور كما في بابل بدايات الادب التاريخي الحقيقي، وبقي معظم المؤلفين غير معروفين لحد الوقت الحاظر.
بقي الالهة التقليديون الكثر يعبدون في بابل واشور في المعابد الكبيرة والصغيرة كما في الايام الاولى. كانت الطقوس التفصيلية تنظم القرابين وتفسيرات الشعائر التي كانت تختلف احيانا واحيانا اخرى كانت غريبة جدا.
انشات مراصد فلكية في بعض ابراج المعابد ( الزقورات). اقدمها قد يكون مرصد معبد نينورتا في كلخ في الدولة الاشورية والذي يرجع تاريخه الى القرن التاسع ق م ؛ ولقد دمر مع المدينة في 612.
اهم مرصد في بابل من حوالي عام580 كان في زقورة اتيمنانكي في معبد مردوخ في بابل. اما في الدولة الاشورية فان رصد الشمس والقمر والنجوم كانت قد وصلت الى مستوى عال جدا؛ ولقد عرف حساب الخسوف القمر ومواعيد حدوثه. بعد عام 600 فان الرصد الفلكي وحساباتها كانت قد تطورت بشكل منتظم ووصلت الى اعلى نقطة بعد عام 500 ق م حين بدا البابليون والاغريق تعاونهم المثمرة. بدا التقويم الفلكي غير الكامل في بداية 652 وغطى حوالي 600 سنة.
سقوط الامبراطورية الاشورية
بقي القليل من المصادر التاريخية لاخر 30 سنة من الاميراطورية الاشورية. لايوجد كتابات لاشوربانيبال بعد عام 640 ق م، وان القليل من الكتابات لخلفه تحوي على تلميح غامض عن الامور السياسية. هناك صمت قد يكون مطبق فيما يخص الدولة البابلية لغاية 625 ق م حيث يعود التسلسل الزمني. ان الانهيار السريع للامبراطورية الاشورية كان يعزى سابقا الى الهزائم العسكرية، على الرغم من انه ليس من الواضح كيف كان من الممكن لدولتي ميديا وبابل من تحقيق ذلك لوحدهما. الاعمال الاحدث تشير الى انه بعد عام 635 حدثت حرب اهلية، اضعفت الامبراطورية بحيث لم تكن قادرة على الوقوف ازاء اي جيش اجنبي. كان لاشوربانيبال ابنين توأمين. عين “آشور-اتيل –الاني” وليا للعهد، ولكن اخاه التوأم “سن-شار-إشكون”، لم يعترف به. اجبر القتال بينهما وبين انصارهما الملك الكبير على الانسحاب الى حران، على الاكثر في 632 ، ربما كان يدير الحكم من هناك على القسم الغربي من الامبراطورية حتى وفاته في 627 . حكم آشور-اتيل-الاني آشور من حوالي 633، ولكن القائد “سن-شوم-ميشر” سرعان ما ثار ضده واعلن نفسه ملكا بالمقابل. وبعد عدة سنوات (629؟) استطاع “سن-شار-اشكون” اخيرا من تولي العرش. يمكن العثور على تواريخ الملوك الثلاثة في الوثائق البابلية. لزيادة التشويش، فانه لغاية 626 هناك تواريخ ايضا لاشوربانيبال وملك يدعى كاندالانو. في عام 626 ثار نبوخذنصر الكلداني (نبو أبال اوشور) من الوركاء “اوروك” واحتل بابل. كان هناك العديد من التغييرات في الحكومة. واجبر الملك آشور اتيل ايلاني على الانسحاب غربا حيث مات في وقت ما بعد 625.
حوالي عام 626 اضاف السيثيانيون اراض جديدة الى سوريا وفلسطين. في 625 توحد الميديون تحت حكم سياخارس وبدأوا باحتلال المقاطعات الايرانية من الدولة الاشورية. احدى الحوادث المتسلسلة تشير الى حروب بين سن شار اشكون ونبوبلصر في بابل في 625-623 . لم يمض طويلا حتى طرد الاشوريون من بابل. في 616 هاجم الميديون نينوى، ولكنهم صدوا من قبل السيثيون حسب المؤرخ الاغريقي هيرودوتس. وعلى اية حال ففي 615 احتل السيثيون “ارابخا” (كركوك)، وفي 614 استولوا على العاصمة القديمة آشور، وقاموا بنهبها وتدميرها.
قام سيخارس ونبوبلصر بالتحالف من اجل تقسيم الدولة الاشورية. في عام 612 خضعت كلخ ونينوى لقوة الحلفاء العظيمة. ان الانتقام الذي اخذ من الاشوريين كان فظيعا: فبعد 200 سنة وجد خينوفون الدولة قليلة السكان.
مات ملك آشور سن شار اشكون في قصره المحترق. وتوج قائد الجيش الاشوري في الغرب نفسه ملكا في مدينة حران، منتحلا اسم مؤسس الدولة الاشورية، آشور اوباليت الثاني (611-609 ق م). كان على آشور اوباليت مواجهة كل من البابليين والميدين. قاموا باحتلال حران في 610 دون ان يدمروا المدينة تماما. في 609 كان على بقية القطعات الاشورية ان تستسلم. بهذا الحدث انتهى تاريخ الدولة الاشورية . وان الامبراطوريات العظيمة التي اعقبتها تعلمت الكثير من الاشوريين، في مجال الفن وكيفية تنظيم دولهم.
قائمة الملوك الاشوريين
الامبراطورية البابلية الجديدة
لم تتم تهدئة الكلدانيين الذين كانوا يقطنون المنطقة الساحلية للخليج الفارسي، من قبل الاشوريين. ففي حوالي 630 اصبح نبوبلاصر ملكا على الكلدانيين. في 626 اخرج الاشوريين بالقوة من اوروك (الوركاء) وتوج نفسه ملكا على بابل. لقد ساهم في الحروب التي كانت تهدف الى تدمير الدولة الاشورية. وبنفس الوقت بدا باعادة تشغيل شبكة القنوات المائية المخربة في المدن البابلية وخاصة في مدينة بابل نفسها. ولقد حارب الملك الاشوري آشور اوباليت الثاني وثم حارب المصريين، قوبلت نجاحاته بسوء الحظ. مات نبوبلاصر في بابل عام 605.
نبوخذنصر الثاني
سمى نبو بلاصر ابنه الكبير بنبوخذنصر تيمنا بالملك الشهير للسلالة الثانية لاسن، ودربه بعناية لتولي العرش وشاركه في تحمل المسؤوليات. فعندما مات الاب في 605 كان نبوخذنصر مع جيشه في سوريا؛ حيث كان قد سحق المصريين قرب كارجيميش في معركة دامية قاسية وطاردهم الى الجنوب. عاد نبوخذنصر فورتسلمه نبأ وفاة ابيه الى بابل. لا يذكر نبوخذنصر في كتاباته على العديد من الابنية، الا القليل عن حروبه الكثيرة؛ وكلها تنتهي بالصلوات. ان التسلسل البابلي للاحداث يمتد فقط للسنوات 605 – 594 ، ولا يعرف الكثير من مصادر اخرى عن السنوات الاخيرة لهذا الملك الشهير. كان يذهب غالبا الى سوريا وفلسطين، لطرد المصريين منها. في عام 604 احتل المدينة الفلسطينية أشكيلون. حاول في 601 دفع المصريين الى مصر ولكنه اجبر على الانسحاب بعد معركة دامية غير محسومة من اجل اعادة تنظيم جيشه في بابل. اثر بعض الحملات التاديبية الصغيرة ضد العرب في سوريا، هاجم فلسطين في نهاية 598. ثار جيهوياكيم ملك جودا مؤملا على دعم من مصر. وحسب تسلسل الاحداث التاريخي فقد احتلت القدس في 16 آذار 597. ومات الملك جيهوياكيم خلال الحصار، وتم سبي ابنه جيهوياجين مع 3000 من اليهود اسرى الى بابل. تمت معاملتهم بصورة جيدة حسب الوثائق. وعين زيدكيا ملكا جديدا. في عام 596 حين جاء الخطر من الشرق سار نبوخذنصر الى نهر دجلة مجبرا العدو على الانسحاب. بعد سحق الثورة في بابل بطريقة دموية جهز حملة اخرى الى الغرب.
ثارت جودا ثانية في 589 حسب العهد القديم، وتمت محاصرتها. سقطت المدينة في 587/586 ودمرت تماما. واخذ عدة آلاف من اليهود اسرى الى بابل، والحقت بلادهم كمقاطعة بالامبراطورية البابلية. ويذكر ان الاحتلال المصري كان سبب الثورة حيث تم التغلغل الى سيدون. وقام نبوخذنصر بمحاصرة تاير لمدة 13 عاما دون ان يتمكن من دخولها لعدم امتلاكه اسطولا بحريا. في 568/567 عاود مهاجمة مصردونما نصر يذكر ولكن توقف المصريون منذ ذلك الوقت من مهاجمة فلسطين. عاش نبوخذنصر بسلام مع دولة ميديا طول فترة حكمه وتوسط بينها وبين ليديا في حربهم 590 – 585 .
امتدت الامبراطورية البابلية في عهد نبوخذنصر الى الحدود المصرية. كان لديها نظاما اداريا جيدا. بالرغم من انه كان نبوخذنصر يفرض ضرائب وجزية عالية من اجل ادامة جيوشه والاستمرار في مشاريع البناء، جعل نبوخذنصر دولة بابل من اغنى الاراضي في غرب اسيا، في الوقت الذي كانت فيه فقيرة تحت الحكم الاشوري. كانت بابل اكبر مدن العالم المتحضر. استمر نبوخذنصر بادامة شبكة قنوات المياه و انشأ العديد من القنوات الثانوية جاعلا من الارض اكثر خصوبة مما هي عليه. وازدهرت التجارة في عهده.
لقد فاقت فعاليات نبوخذنصر الانشائية كل فعاليات الملوك الاشوريين. لقد حصن جدران بابل المزدوجة مضيفا جدارا ثالثا خارج الجدار القديم. اضافة الى ذلك فقد اقام جدارا آخر، هو الجدار المدياني الى الشمال من المدينة بين نهري دجلة والفرات. حسب تقديرات الاغريق يمكن ان يكون هذا الجدار بارتفاع 100 قدم. ولقد وسع القصر القديم مضيفا العديد من الاجنحة، بحيث اصبح للدوائر المركزية للامبراطورية مئات الغرف وقاعات داخلية كبيرة. ولقد زينت الجدران بالبلاطات الملونة المزججة والمنحوتات نصف البارزة. واضيفت حدائق عرفت فيما بعد بجنائن بابل المعلقة. لا بد وان هذه المشاريع تطلبت مئات الالاف من العمال. وكانت المعابد غايات ذات اهتمام خاص، فلقد سخر نفسه اولا واخيرا لاكمال معبد اتيمينانكي “برج بابل”. بدأ العمل بانشاء هذا المعبد في عهد نبوخذنصر الاول، حوالي 1110 . وكان كبناية اثرية لغاية حكم الملك الاشوري اسرحدون، والذي عاود البناء حوالي عام 680 لكنه لم يكمل. استطاع نبوخذنصر الثاني من اكمال البناء باكمله. يمكن العثور على الابعاد الحقيقية لمعبد اتيمينانكي في الواح اساكيلا والتي عرفت منذ القرن التاسع عشر. ابعاد القاعدة حوالي 300 قدما لكل جانب وبارتفاع 300 قدما ايضا. هناك خمس مدرجات على شكل ممرات تحيط بالمعبد، وان ارتفاع المعبد ككل كان ضعف بقية المعابد. ان الشارع العريض الذي كان يستخدم للمواكب كان يمر من الجهة الشرقية بالجدار الداخلي للمدينة متقاطعا مع باب عشتار الكبير والذي يعرف عالميا ببلاطاته الملونة ومنحوتاته نصف المجسمة. وبنى نبوخذنصر العديد من المعابد الصغيرة في شتى ارجاء البلاد.
آخر ملوك بابل
آول مردوخ ( والمسمى مردوخ الشرير في العهد القديم 561 – 560)، هو ابن نبوخذنصر، لم يتمكن من نيل اسناد كهنة الاله مردوخ. لم يستمر حكمه طويلا، وسرعان ما ازيل. اما نسيبه وخلفه، نيركال شار اوشور ( والمسمى نركيلصر في المصادر القديمة؛ 559-556)، فقد كان قائدا عسكريا قاد حملة في 557 في اراضي السلجوقيين الوعرة والتي كانت تحت سيطرة الميدين. كانت قطعاته الارضيه يسندها الاسطول . اما ابنه الاصغر لاباشي مردوخ فقد اغتيل بعيد ذلك بقليل، على ادعاء انه لم يكن يصلح لمنصبه.
آراميان نابونيدوس كان الملك التالي (نبو نايهه 556-539) من حران، احد اكثر الشخصيات ابهاما في العصر القديم. كانت امه “أداجوبه” ، كاهنة للاله سن في حران، جاءت الى بابل وتمكنت من تامين منصب مهم لابنها في القصر. ولقد كافأها اله القمر لطاعتها وتقواها بعمر مديد — فلقد عاشت 103 سنوات – ودفنت في حران في 547 بكل حفاوة الملكة. ليس من المعروف اي الجهات المتنفذة تلك التي دعمت عرش نابونيدوس؛ قد تكون جهة مناوئة لكهنة مردوخ، والذي اصبح ذا سلطة عظيمة. غزا نابونيدوس سيليسيا في 555 وامن حصار حران، والتي كانت تحكم من قبل ميديا. ولقد وقع معاهدة دفاع مع الملك الميدي استياجيس ضد الفرس الذين اصبحوا خطرا متزايدا منذ 559 تحت حكم ملكهم سيروس الثاني. ولقد كرس جهده ايضا لتجديد العديد من المعابد، موليا اهتماما كبيرا بالكتابات القديمة. ولقد فضل الهه سين وكان له من بين كهنة الاله مردوخ اعداء اقوياء. لقد عثر من خلال الحفريات الحديثة على شضايا الواح فيها قصائد للدعاية كتبت ضد نابونيدوس واخرى معه.
ان المشاكل الداخلية والاقرار بان الشريط الضيق من الارض الممتد من الخليج الفارسي الى سوريا لا يمكن الدفاع عنه ضد هجوم رئيس من الشرق، دفع نابونيدوس الى ترك بابل في حدود 552 والعيش في تايما في شمال الجزيرة العربية. هناك قام بتنظيم مقاطعة عربية. اما ولي عهده في بابل فقد كان ابنه ” بلشار اوسور”، “بلشصر” حسب كتاب دانيال في الانجيل. لقد حول سيروس هذا لصالحه بان ضم اليه ميديا في 550 . وبالمقابل تحالف نابونيدوس مع الملك الليدي كرويسوس من اجل محاربة سيروس. الا ان سيروس عند مهاجمته ليديا وضمها اليه في 546 لم يتمكن نابونيدوس من مساعدة كرويسوس. كان سيروس مستبشرا بالوقت. في عام 542 عاد نابونيدوس الى بابل حيث كان ابنه متمكنا من ادامة النظام في الامور الخارجية ولكنه لم يستطع من التغلب على المعارضة الداخلية المتزايدة ضد والده. ونتيجة لذلك، كانت حياة نابونيدوس العملية قصيرة بعد عودته، بالرغم من محاولته الحثيثة على كسب ود البابلين. وعين ابنته لتكون كاهنة للاله سن في اور، وبهذا عاد الى التقاليد الدينية السومرية-البابلية القديمة. كان كهنة مردوخ يتطلعون الى سيروس آملين اقامة علاقات معه افضل من تلك التي مع نابونيدوس؛ واعدين سيروس على تسليم بابل دون قتال ان هو منحهم حقوقهم بالمقابل. في عام 539 هاجم سيروس شمال الدولة البابلية بجيش كبير ملحقا بنابونيدوس الهزيمة، ودخل مدينة بابل دونما قتال. ولم تبد بقية المدن مقاومة ايضا. ولقد استسلم نابونيدوس واستلم مقاطعة صغيرة في شرق ايران. لقد خلطت المصادر بينه وبين سلفه العظيم نبوخذنصر الثاني. ويشير كتاب دانيال اليه في الانجيل نيبوخذريزار.
ان تقديم بالبل بسلام الى سيروس حماها من ان يكون مصيرها مصير الدولة الاشورية. فقد اصبحت مقاطعة تحت حكم التاج الفارسي ولكنها احتفظت باستقلالها الثقافي. حتى الجزء الغربي من بابل المؤلف من خليط عرقي فقد استسلم دون مقاومة.
لقد انهك البابليون في 620 من الحكم الاشوري. ولقد تعبوا ايضا من الصراعات الداخلية. لذا فلقد كان من السهل اقناعهم لتقديم الطاعة للملوك الكلدانيين. فكانت النتيجة اندماج اجتماعي واقتصادي سريعين بشكل مدهش، ومما ساعد على ذلك انه بعد سقوط الدولة الاشورية، لم يعد هناك خطر خارجي يهدد الدولة البابلية لما يزيد عن 60 عاما. كانت المعابد في المدن جزءا مهما من الاقتصاد، فكانت لها فوائد شاسعة تحت امرتها. واستعادت طبقة رجال الاعمال قوتها، ليس في مجال التجارة فحسب بل في ادارة الزراعة في المناطق الحضرية. لقد ازدهرت تربية الحيوانات ( الاغنام والماعز والابقار والخيول) اضافة الى مزارع الدواجن. ان زراعة الذرة والتمور والخضراوات قد ازدادت اهميتها. ولقد بذل الكثير لتحسين المواصلات، بشقيها البري والمائي مع المقاطعات الغربية للامبراطورية. لقد كان لسقوط الامبراطورية الاشورية نتائج منها ان العديد من الروافد التجارية كانت قد عادت لتصب في بابل. ومن نتائجه الاخرى ان بابل اصبحت مركزا عالميا.
ان الكميه الهائلة من مواد التوثيق والمراسلات التي امكن انقاذها لم يجر تحليلها بعد. لم يجر تطوير نظام قانوني او اداري جديدين خلال هذه الفترة. ولقد تحولت اللهجة البابلية تدريجيا الى الارامية؛ كانت لا تزال تكتب مبدئيا على الالواح الطينية مضافا اليها حروفا ارامية. لم تصمد الوثائق المكتوبة على البردي او الجلود . على عكس التطور في الميادين الاخرى فليس هناك دلائل تشير الى ابداع فني. ماعدا بعض الكتابات الملكية، وخاصة نابونيدوس، والتي لا يمكن مقارنتها من وجهة النظر الادبية بتلك ا
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :