م. د. حسين أحمد السرحان
رئيس قسم الدراسات الدولية / مركز الدراسات الاستراتيجية.
تموز –يوليو 2016
عقد في واشنطن يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين (19-20 / تموز) في واشنطن مؤتمر المانحين لدعم العراق بدعوة من الولايات المتحدة الامريكية وهو اجتماع موسع لوزراء الخارجية والدفاع من جميع البلدان المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية داعش” في سوريا والعراق. وقال المتحدث الرسمي باسم البنتاغون بيتر كوك، قال « إن وزير الدفاع الأمريكي كارتر، سيقوم بالتحادث مع نظرائه في التحالف للعمل على تسريع سير المعارك ضد التنظيم وتكثيف الجهود لمساعدة القوات على الأرض في السيطرة على المدن الرئيسية التي يحتلها التنظيم في كل من سوريا والعراق ” .
كذلك استضاف وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ووزير الدفاع آشتون كارتر الخميس 21 / تموز الاجتماع الوزاري المشترك للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في اطار” مؤتمر المانحين لدعم العراق” (Pledging Conference in Support of Iraq) وحضرته اكثر من (40) دولة من اعضاء التحالف ضد داعش الارهابي.
الهدف من المؤتمر :
يهدف المؤتمر حسب ما اوردته الخارجية الامريكية والمبعوث الرئاسي في الخارجية الأمريكية للتحالف الدولي ضد “داعش” بريت ماكغورك الى:
– استعراض جهود الحملة العسكرية حتى الآن، ووضع استراتيجية لتسريع عملية القضاء على داعش.
– مناقشة لأولويات جهود التحالف بما في ذلك التنسيق السياسي والعسكري ومنع انضمام المقاتلين الأجانب ومكافحة تمويل داعش.
– مناقشة سبل تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من سيطرة داعش خاصة في أعقاب تحرير الفلوجةوأجزاء أخرى من الأنباروالتقدم في بعض المدن السورية.
– جمع المساهمات المالية لمواجهة التحديات التي يواجهها الشعب العراقي ولضمان هزيمة داعش في العراق.
– اكد المبعوث الرئاسي في الخارجية الأمريكية للتحالف الدولي ضد “داعش” بريت ماكغورك ان المؤتمر يهدف الى مناقشة التركيز على الخطط العسكرية وخطط عمليات الاستقرار في العراق.
– وقال ماكغورك ايضا ان هدف المجتمعين إلحاق المزيد من الهزيمة بشبكات “داعش” ودعاياتهم عبر الانترنت ومصادرهم المالية والمقاتلين الأجانب ومراجعة مسار الحملة منذ البداية وحتى الوقت الراهن ووضع استراتيجية تعني بزيادة تسريع زوال هذا التنظيم.
مبررات الدعوة لأجتماع التحالف الدولي ضد داعش:
– من الملاحظ ان هذه الجهود تأتي بعد التقدم الكبير الذي احرزته جميع صنوف القوات الامنية العراقية بمساندة طيران التحالف الدولي وكذلك مساندة قوات الحشد الشعبي وابناء العشائر وقوات الحشد في الانبار في استعادة مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار وقضاء الفلوجة المعقل الرئيس لداعش في العراق والنجاحات المتتالية التي تحرزها القوات العراقية في جبهة جنوب الموصل في قضاء الشرقاط وناحية القيارة وقضاء الحويجة. وهذه النجاحات شكلت محط اهتمام واعجاب للدول المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش وبالتالي ساهمت في دعم العراق في جهوده تلك.
واستكمالا لتحقيق اهداف الحملة العسكرية ضد التنظيم تم مناقشة تحرير مدينة الموصل العراقية واطلق عليها المأتمرون تسمية «الجائزة الكبرى» والتي يرى فيها الكثير منهم ان تحريرها من سيطرة التنظيم ستشكل ضربة قاصمة له. وهنا اكد مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص في التحالف، روبرت ماكغورك، الأسبوع الماضي « إن حملة التحالف تتقدم بشكل لافت مؤخراً»، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه « مازال هناك الكثير من العمل الذي يتوجب فعله ».
– كذلك يأتي هذا الاجتماع ادراكا من الاطراف المشاركة ان قتال التنظيم يتطلب سرعة حسم واستراتيجية واحدة لاستعادة المدن الكبيرة والمهمة في العراق (الموصل) وسوريا (الرقة ودير الزور وحلب). وهذا سيشكل هزيمة كبيرة لداعش.
– وفيما يخص الولايات المتحدة فأن قرب موعد انتخابات الرئاسة الامريكية وسعي الحزب الديمقراطي لفوز مرشحته وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلنتون فيها، دفع الادارة الامريكية الى الاعداد جيدا لكبرى المعارك في العراق وسوريا بالتنسيق مع الشركاء في التحالف الدولي الذي تشكل في آب 2014 . وهذا قد يشكل خط صد امام الانتقادات الموجهة الى ادارة الرئيس اوباما من قيادات الحزب الجمهوري. بمعنى اخر تريد الادارة الامريكية الحالية تحقيق نتائج ميدانية في العراق وسوريا ضد داعش عبر تحقيق التوازن بين ارادة الرأي العام الامريكي في هزيمة داعش بدون زج عدد كبير من الجنود في كلا البلدين. وبالتالي هذه النتائج تدعم الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون.
– كذلك تيقنت اطراف التحالف الدولي ان عملية تحرير المدن العراقية من سيطرة داعش عسكريا تشكل بداية التحدي لأعادة الاستقرار الى تلك المدن. واما المراحل الاخرى فتتطلب المزيد من الجهد وفق استراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى تشمل كافة قطاعات الحياة وفق انماط عمل مؤسساتية تزيل عوامل الفكر المتطرف الى الابد وتوفر بدائل العيش الكريم وفق قيم التسامح والتعاون والانتماء للمجتمع والدولة بعد ان تقوم الاخيرة بمصالحة وطنية حقيقية لا شكلية. وهذا يتطلب اعادة اعمار تلك المدن اولا ومن ثم توفير الاموال اللازمة لتعزيز الجوانب الامنية. ولابد كذلك من اعتماد وتعزيز الشفافية والمقبولية على نطاق واسع بين الجمهور في انفاذ سيادة القانون والمساءلة وتحديد الادراة المستقبلية لتك المدن لان انعدام ذلك سيقود الى استمرار حالات الانتقام وسيساعد ذلك داعش على التمرد وتوسيع التجنيد المتطرف لصالحه.
على الصعيد العالمي فان العمليات الارهابية التي يتباناها تنظيم داعش ترهق كاهل الاجهزة الامنية في كل من بلدان اوروبا مثل فرنسا وبلجيكا والمانيا ودفعت البعض لأعلان حالة الطوارئ – كما في فرنسا – وكذلك تبني تنظيم داعش لعمليات داخل الولايات المتحدة الامريكية وهذا ينبئ بأستيقاظ مايطلق عليها ” الذئاب المنفردة “ من سباتها وبالتالي دفع دول التحالف الدولي الى الاعتقاد بأن خطر الارهاب لم يعد يقتصر على بئية جغرافية معينة تشكل مايسمى بـ ” عش الدبابير” . وبالتالي لابد من العمل بجهد مشترك في اطار التحالف الدولي للقضاء عليه عسكريا ومساعدة البلدان المكتوية بناره وفي مقدمتها العراق وسوريا في بناء دعائم دحره وعدم ظهوره مستقبلا. وهذا ما اكدة وزير الدفاع اشتون كارتر في 21/ تموز ” ان تنظيم داعش ذو عقيدة همجية ويجب التخلص منه وان القضاء عليه في العراق وسوريا يعزز الامن في بلادنا” . وقبيل المؤتمر يوم 19 / تموز قال الوزير كيري “ نحن متحدون في القتال ضد الإرهاب كما أننا متحدون اليوم في أعقاب الهجوم المروع في نيسالأسبوع الماضي “.
وهذا الجانب شكل عامل مهم من حيث التوقيت بالنسبة للولايات المتحدة في الدعوة لهذا الاجتماع وتنسيق الجهود.
– العامل الاخر وهو ازمة اللاجئين وادارة شؤونهم وما يتطلبه ذلك من مستلزمات مادية و لوجستية. اذ افرزت عمليات تحرير المدن مثل الرمادي والفلوجة ومنبج الكثير من النازحين الفارين من سطوة داعش او الفارين من بطش المعارك، وهذا يرهق امكانيات الحكومة والوكالات الدولية المتخصصة. وبالتالي فان الموصل فيها مايقارب من مليونين نسمة وهي مدينة اكبر بكثير من الفلوجة. وستكون هناك حاجة لجهود دولية كبيرة اكبر بكثير من الجهود المبذولة في الوقت الحاضر لان موارد الحكومة العراقية قد اُستنفِدت فعلا وهي بالاصل تعاني من ازمة مالية خانقة بسبب انخفاض اسعار التفط. الامر الذي دعى الامم المتحدة الى التصريح بأن معركة تتطلب اكثر من الاموال . وقالت منسقة الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية في العراق ليزا غراند خلال مؤتمر في أربيل، ” إن أكبر أزمة إنسانية ستحدث في العالم خلال العام الحالي، ستشهدها مدينة الموصل بعد بدء العمليات العسكرية لاستعادتها من داعش” .
هل نجح المؤتمر في دعم العراق:
تؤشر المعطيات الاولية للمؤتمر نجاحه واعلن ذلك السفير الامريكي في بغداد ستيوارت جونز بقوله انه ” مؤتمر المانحين الذي عقد في واشنطن كان ناجحا “. على المستوى السياسي جاء المؤتمر وهو يحمل بين طياته دعم سياسي كبير للحكومة العراقية في جهدها في التصدي لداعش. اذ اعلنت وزارة الخارجية الامريكية ان ” الولايات المتحدة تعهدت خلال المؤتمر بدعم العراقأكثر وحثت باقي الدول على الانضمام لها” . وهذا تعده الولايات المتحدة التزاما منها بأتفاقية الاطار الاستراتيجي بين البلدين. وفي هذا الاطار اكد وزير الخارجية جون كيري ” شكر بلاده للدول التي اجتمعت لتلبية مطالب العراقالذي يقاتل من أجل مستقبل أفضل ليضع حداً للإرهاب”.
على المستوى العسكري ولتعزيز جهود التحالف العسكرية وتسريع الحملة للقضاء على داعش سوف ترسل فرنسا حاملة الطائرات شارل ديغول الى المنطقة. وقبل ايام اعلنت الولايات المتحدة ارسالها 560 عسكري امريكي والتي اكد فيها السفير الامريكي ستيوارت جونز في العراق يوم 21 / تموز ” انها قوات من المهندسين وليس مقاتلين وانهم جاءوا بطلب من الحكومة العراقية”.
على المستوى الاقتصادي نجح المؤتمر في جمع تبرعات بقيمة اكثر من (2 ) مليار دولار تبرعت فيها (31)دولة مشاركة في الاجتماع ، اذ تبرعت الولايات المتحدة كما اكدت الخارجية الامريكية يخصص منها مايقارب (450) مليون دولار للاغراض الانسانية. وبهذا تحقق هدف المؤتمر في جمع المساهمات المالية لمواجهة التحديات التي يواجهها الشعب العراقي ولضمان هزيمة داعش فيه. واكد السفير ستيورات جونز ” ان الولايات المتحدة تعهدت بدفع ملبغ (313) مليون دولار الى العراق ”
من كل ذلك يُلاحظ ان هناك ارادة دولية بقيادة امريكية في القضاء على داعش بعد فشل كثير من الاستراتيجيات العسكرية في الوصول الى الهدف الاستراتيجي وهو تحقيق الاستقرار في المنطقة. ومنها استراتيجية “مكافحة الارهاب Counterterrorism ” واستراتيجية “مكافحة التطرف Countering extremism ” ودعوة بعض الخبراء والباحثين الى اعتماد “استراتيجية الاحتواء Containment strategy “. وتبلور هذه الارادة مهم في حد ذاته ويشكل ارضية مهمة لأي جهد للقضاء على الارهاب في المنطقة.
مالمطلوب من مؤسسات الدولة العراقية لأستثمار الدعم الدولي؟
نجاح المؤتمر يشكل بداية مرحلة جديدة امام الحكومة العراقية في ضوء التنسيق الذي سيحصل بين اطراف التحالف الدولي وهو تنسيق لا يمكن باي حال من الاحوال ان يكون بعيدا عن الحكومة العراقية وجهودها العسكرية. كذلك يشكل عامل الدعم المالي عامل مهم يسهم كثيرا في تيسير الانفاق لتلبية متطلبات النازحين المتوقع ان يصل عددهم الى اكثر من مليون مواطن من الموصل عند اشتداد المعارك. وهذا يتطلب عدة اجراءات :
على المستوى السياسي يفترض في الحكومة العراقية ان تبدا بأجراءات مصالحة حقيقية تلغي عبرها كل مبررات التطرف والانتماء الى الجماعات المتطرفة. وتنمية الشعور بالمواطنة لدى الجميع واحقاق الحقوق بشكل متساوي. فهزيمة داعش لا تحققها الجهود العسكرية وقد اشار الوزير كيري يوم 21 / تموز الى ذلك بالقول ” داعش لن تهزم بالوسائل العسكرية فقط للقضاء عليها تماماً في العراق، على الحكومة تلبية مطالب الشعب كله بغض النظر عن دينه أو عرقه “. كذلك يتطلب استدامة هذا الدعم وضع خطط واضحة في مجال السياسات العامة وفي مقدمتها الخدمية والامنية. ولابد من تبلور رؤية سياسية متفق عليها وفق الاطر الدستورية والقانونية لادارة المناطق المحررة. وفق مبادئ الفيدرالية او اللامركزية الادارية.
وعلى الصعيد العسكري نعتقد ان اسلوب القتال خلال عمليات تحرير الفلوجة بعث رسالة ايجابية واضحة الى المجتمع الدولي الذي يركز كثيرا على دور القوات الامنية الحكومية. وهذا الاسلوب يعتمد توزيع الادوار بين قوات وحدات الحشد الشعبي وباقي القوات الامنية مع اعطاء دور لأبناء المناطق التي تشملها عمليات التحرير. وهذا الاسلوب سيُعتمد في عمليات تحرير الموصل على الاكثر.
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :
اجتماع واشنطن ضد داعش: تحصيل الجائزة الكبرى وارساء عمليات الاستقرار في العراق