تُعد الخرافة احد السلوكيات الاكثر غرابة لدى الانسان ، والتي تظهر في ضوء ايمان الفرد بان هناك بعض الظواهر والاحداث التي يكون لها تأثيرا فاعلا على حالته الداخلية (افكاره ، مشاعره ، تصرفاته) ،إذ ان الخرافة عبارة عن مجموعة من الاعتقادات بوجود علاقة سببية غير منطقية بين الافعال والنتائج من خلال الجزم بأن القيام بأفعال وطقوس معينة تؤدي الى حدوث بعض النتائج المرغوبة .
مثل ايمان الفرد بان ارتداء ملابس معينة او ساعة يد يمكن ان تجلب له الحظ او ان بعض الطيور يمكن ان تجلب النحس ، وبهذا تؤثر الخرافة بوصفها معتقدات وافكار غير منطقية على سلوكيات الافراد اليومية ، وربما تسبب لهم الكثير من الخسائر والفشل او الاحباط حول ما كانوا يتوقعونه من نتائج ، وهذا ما وجدته احدى الدراسات الحديثة بقيادة مجموعة من الباحثين في جامعة كانساس الامريكية حول ان الناس الذين يعتقدون بان القدر fate والحظ يسيطر على حياتهم يتسمون بالخرافة بدرجة كبيرة ، وتظهر هذه الخرافة من خلال توقعهم بالحصول على مكافأة معينة مثل ترقية او نجاح في امتحان دراسي او الحصول على وظيفة او كسب حب شخص اخر ، ورغم ذلك فان تأثير الخرافة لا يظهر على بعض المواقف الحياتية ، إذ عندما يواجه الافراد الذين يؤمنون بالخرافة والتطير مواقف تهدد حياتهم بالموت او الخطر المميت نجدهم يتركون خرافاتهم ويبدؤون بالتفكير بشكل منطقي وعقلاني ، كذلك تشير الدراسات ان الايمان بالخرافة بتأثر ببعض المتغيرات ، إذ ان الكثير من الدراسات تشير الى ان النساء اكثر اعتقادا بالخرافات من الرجال ، ولا سيما فيما يخص الاعتقاد بالحظ السعيد ، وان الامريكان الاسيويين يؤمنون بخرافات الحظ والقدر اكثر من غيرهم من الامريكان الاوربيين والإفارقة ، وان سكنة المناطقة الريفية اكثر ايمانا بالخرافة من سكنة المدن .
– لماذا نؤمن بالخرافة؟؟:
يحاول الباحثون في علم النفس التوصل الى السبب الذي يجعل الافراد يؤمنون بوجود قوى سحرية او غامضة في بعض الاشياء غير الحية او ببعض الحيوانات التي لا تملك القوة لحماية نفسها كالايمان بالحجر او بطائر معين ، واشارت الدراسات الى ان هناك أربعة اسباب لظهور السلوك الخرافي ، هي :
– استعمال الافراد للسلوك الخرافي من اجل التخلص من القلق والخوف عند مواجهة بعض المواقف الصعبة مثل حمل تعويذة عند اداء امتحان دراسي صعب.
– استعمال الخرافة للتقليل من مشاعر العجز ، على سبيل المثال ان حمل خرزة او حجر معين يعطي للفرد المتوتر الشعور بالقوة والطمأنينة والثقة (اعتقاد الفرد بان هذا الحجر سيحميه ويساعده في محنته).
– ان اعتماد الفرد على السلوك الخرافي في توقع النتائج المرغوبة يكون سهلا واقل جهدا ووقتا من التفكير بوضع استراتيجية او خطة للقيام بما هو مطلوب منه .
– ان الاعتماد على الخرافة قد يساعد الافراد على ازالة العقبات والمعرقلات امام طريق الفرد مثل حمل المظليون شيئا يجلب الحظ لإزالة أي عائق يمكن ان يسبب عدم فتح مظلتهم .
وهذا ما أيده عالم النفس ويبستر Webster بان احد الاسباب الرئيسة لظهور السلوك الخرافي تقليل مشاعر العجز ، الذي يظهر في ميل الناس الى التنبؤ بوقوع الاحداث القادمة ، وان يكونوا مسيطرين عليها ، وبما ان الخرافة توفر هذا الشعور بالسيطرة فاننا نجد ان اكثر الافراد الذين يومنون بالخرافة بدرجة كبيرة يخافون من مشاعر العجز ويشككون بقدرتهم في السيطرة على بيئتهم الخارجية ، وبهذا توفر الخرافة الشعور بالراحة وحسن الحال .
وبهذا الصدد توصل عالم النفس فلوك وزملاؤه في احدى الدراسات من خلال سؤال 200 طالبا جامعيا حول كيفية تشاؤمهم عند رؤية بعض الاشياء و اعتقادهم بقوة هذه الاشياء على تغيير حظهم او قدرهم ، الى ان الناس الذين يعتقدون بان الحظ او القدر يسيطر عليهم كانوا اكثر ايمانا بالخرافة وممارسة لها مثل استعمال الخرافة في حماية انفسهم ومواجهة المواقف الضاغطة وطرد نحس وحسد الاخرين لهم ، وفي دراسة ثانية اراد باحثون معرفة كيف يتفاعل المشاركون في الدراسة مع الموت ، وطلبوا منهم ان يكتبوا عن شعورهم تجاه موتهم ، وقد تفاجأ الباحثون الى ان مستوى الخرافة لدى المشاركين قد انخفض عندما فكروا بموتهم ، وعزا الباحثون ذلك الى ان وجود الموت في هذا الموقف يتسم بعدم اليقين ، ويقول فلوك لقد كنا نتوقع بصورة نظرية ان الناس عندما يفكرون بموتهم فانهم يتصرفون بطريقة خرافية اكثر من التفكير بالمواقف الاخرى ، وذلك من اجل استعادة الشعور بالسيطرة على حياتهم ، ورغم هذا الافتراض فاننا وجدنا ان التفكير بالموت من شأنه ان يجعل الناس يشعرون بالعجز وكأنه حدث سيقع لهم ولا يمكن السيطرة عليه على الاطلاق ، مما يؤدي الى التقليل من فائدة ومنفعة الخرافات لتجنب الموت .
– الخرافات الشائعة في العالم :
عند البحث عن الانواع الشائعة للخرافات عند شعوب العالم ، نجد ان الكثير من هذه الخرافات التي يؤمن بها الناس مشتركة ، وذلك نتيجة ارتباط الشعوب مع بعضها البعض بالدين والعادات الثقافية والروحية ، ومن هذه الخرافات الايمان بـ :
1) قوة الاحجار على الشفاء.
2) ان حدوة الحصان تجلب الحظ.
3) بركة يوم الجمعة .
4) بركة رنين الاجراس في طرد الارواح الشريرة في المعابد والكنائس.
5) ان براز الطيور يجلب الرزق والحظ.
6) ان القطط السوداء تجلب النحس.
7) ان انكسار المرآة يجلب الشر.
8) ان شد الإذن يطرد المرض عند السماع به.
9) ان طلب الامنيات عند رؤية شهاب في السماء سوف تتحقق.
10) ان النقر على الخشب يطرد الحسد.
11) ان انسكاب الملح يجلب الشر في حين ان انسكاب الماء يطرد الشر.
12) ان رمي الماء وراء المسافر يحفظه من الشر.
13) بعدم قلب ظهر الرغيف او الحذاء الى اعلى .
14) ان عواء الكلب في الليل يجلب المرض والشؤم.
15) ان حمل بعض الخرز والاحجار الكريمة تجلب الخير والرزق وتجاوز المحن.
وبهذا الصدد يقسم (Wiseman& Watt,2004) الخرافات على نوعين :
أ. خرافات سلبية negative superstitions : الاعتقاد بان رؤية وخبرة بعض الاشياء يجلب النحس والشر والمرض.
ب. خرافات ايجابية positive superstitions : الاعتقاد بان حمل او رؤية بعض الاشياء يجلب الخير والنفع والسعادة.
– الخرافة وعلاقتها ببعض المتغيرات
توجه الباحثون نحو تعرف العلاقة الارتباطية بين الايمان بالخرافات وبعض المتغيرات النفسية ، فوجدت اولى الدراسات حول الخرافة لعالم النفس Page,1935 ان الاعتقاد بالخرافة يرتبط بالاضطراب الثنائي القطب والعته المرضي بدرجة اكبر من الافراد الاصحاء نفسيا ، ووجدت دراسة كل من Peterson (1978) و Stanke& Taylor,2004 ودراسة Sagone & De Caroli,2014 ان اصحاب مركز الضبط الخارجي كانوا اكثر اعتقادا بالخرافة وسوء الحظ والطالع من اصحاب مركز الضبط الخارجي ، كذلك وجدت نتائج دراسة Vyse,1997 ان السلوك الخرافي يظهر لدى الافراد متى ما واجهوا ظروف غامضة ومحيرة وغير قابلة على التفسير ، فضلا عن ذلك وجدت دراسة Rudski ,2004 ان المتشائمين اكثر ايمانا بالخرافات والتطير من المتفائلين ، فضلا عن ذلك وجد Tobacyk, Nagot and Miller ,1988 ان الافراد الذين يتسمون فاعلية الذات والسيطرة الشخصية يكونون اقل اعتقادا بالخرافات من الافراد الذين يعانون من تدني مستوى الفاعلية الذاتية ، كما وجدت دراسة Darke & Freedman ,1997 ان الخرافة ارتبطت بكل من التفاؤل والتشاؤم الاكاديمي وتقدير الذات والرغبة بالسيطرة ودافعية الانجاز بدرجة سلبية (عكسية) .
ورغم نتائج هذه الدراسات فان بعض هناك بعض البحوث وجدت ان الخرافة يمكن ان تكون مصدرا لتوقع حدوث النتائج الايجابية في المستقبل ، فعلى سبيل المثال وجدت نتائج تجربة Damisch, Stoberock, and Mussweiler,2010 ان الاعتقاد بالحظ يساعد المشاركين على التسديد الناجح لضرب كرة الغولف ، إذ في هذه التجربة قام الباحثون باختبار مجموعة من الطلبة الجامعيين (بوقع 28طالبا) على مقياس الاعتقاد بالخرافة ، وبعد اجراء هذا الاختبار تبين ان 80% من العينة تؤمن بالحظ ، لذا قام الباحثون بتقسيم المشاركين بصورة عشوائية على مجموعتين تجريبية وضابطة ، وطلب الباحثون من المشاركين في المجموعة الاولى (التجريبية) القيام بعشرة محاولات لتسديد كرة الغولف واسقاطها في حفرة الهدف ، وتم ابلاغ المشاركين في المجموعة التجريبية بان الكرة التي سوف يضربونها تدعى بكرة الحظ في حين طلبوا من المشاركين في المجموعة الضابطة القيام بنفس المهمة ولكن من دون ابلاغهم بأي شيء عن الكرة ، وبعد تسديد المشاركين للكرة في كل مجموعة اظهرت النتائج ان اداء المشاركين في المجموعة التجريبية (الذين تم ابلاغهم بان الكرة تجلب الحظ) كان افضل بكثير في تسديد الكرة من اداء المشاركين في المجموعة الضابطة.
دراسة في سيكولوجية التطير والخرافة بروفيسور : سوزان كروس وذبورن مصدر المقالة
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :
دراسة في سيكولوجية التطير والخرافة بروفيسور : سوزان كروس وذبورن