عبارة السلوك الإجتماعي تجمع في مضمونها كل ما يصدر عن الإنسان من سلوكيات ، وعليه ان يتحمل عواقبها ، وفكرة السلوك الإجتماعي تنبع من ان الإنسان يُعدُّ كائناً إجتماعياً ، وان انسانيته بما فيها من جوانب شعورية او عقلية او أدراكية أو سلوكية أو أخلاقية أو تربوية لا تتحقق الا في ظل وسط إجتماعي (عثمان ، 1979 : 5) .
وقد عدَّ البورت (Allport, 1924) السلوك الإجتماعي سلوك يقوم على أفعال منعكسة تعدل بالتعلم الشرطي وهو يظهر اتجاه المدرسة الامريكية السلوكية (وحيد ، 2001: 43) .
وقد وصف بانه سلوك طوعي لمنفعة الآخرين وينظر إليه على أنه مجموعة من الفعاليات الجوهرية للتأثير في طبيعة الجماعات من أجل خير المجتمع ( Lennon & Eisenberg, 1987: P: 992- 1000) ).
حيث أشار (Zahn,Waxler, 1974) الى ان السلوك الإجتماعي يشتمل مجموعة الفعاليات والمساعدة والعطاء والعوز والدعم والمشاركـة (Zahn.Waxier, et. al , 1979,P : 319-330) .
ووصفه براينت(Bryant,1986) بانه عنقود من السلوكيات وتشتمل على الازاحة والمشاركة والحماية والانقاذ والتعاون ، وان أي من هذه السلوكيات يمكن ان يخدم فرداً معيناً أو مجموعة من الاشخاص
(Crockeberg , 1986: P: 529- 544) .
ويرى ميرفي (Marphy, 2002) ان السلوك الإجتماعي الذي يقوم على التعاون في مرحلة الطفولة يرجع الى استعداد طبيعي أصيل ، في حين يرجع البعض الآخـر الـى مجـرد التفكيـر ومـا يتضمنـه ذلك مـن فعاليـة البيئــة وأثـرها (عبد المعطي ، ومناوي ، 2000 : 359) .
والسمة الأساسية للسلوك الإجتماعي انـه سلوك تفاعلـي قوامهُ الاتصال بالآخريـن وتبـادل المعانـي معهـم والتأثـر بهــم والتأثيــر فيهـم (الوقفي، 1998: 692).
السلوك الإجتماعي :
إهتم علماء النفس بدراسة السلوكيات كافة التي تصدر عن الانسان في اثناء تفاعله مع البيئة وتوافقه معها ( نجاتي ، 1988: 17) .
ويعدُّ السلوك الإجتماعي من اعقد أنواع السلوك الإنساني ؛ بسبب تناوله علاقة الفرد بأفراد الجماعة التي ينتمي اليها ، وعلاقته بالبيئة الإجتماعيــة (زهران ، 1984: 9) .
فالسمات الأساسية للسلوك الإجتماعي للفرد يرجع الى المرحلة الأولى مـن حياتـه والـى علاقاتـه بأفـراد أسرتـه واتجاهات وانماط سلوكهـم (السيد وآخرون ، 1970: 204) .
فالانسان يكتسب سلوكه الإجتماعي من طفولته ، فيتأثر هذا السلوك بالجو الإجتماعي الذي يعيش فيه ، وباوجه النشاط الذي يمارسه من خلال علاقاته بمن يحيط به ، ويتأثـر الفـرد فـي سلوكـه الإجتماعـي بخبـرات طفولتـه والجـو المحيـط بـه وبمـدى خضوعـه للجماعـة التـي نشــأ فيهــا (فهمي ، وأحمد، 1983: 176ـ177) .
وهكذا يتحدد السلوك الإجتماعي للفرد نتيجة التفاعل بينه وبين البيئة الإجتماعية التي يعيش فيها ، ويتجلى أثر هذا التفاعل في اختلاف السلوك الإجتماعي للأفـراد الذين ينتمون الـى مجتمعـات او ثقافـات او حضـارات مختلفة (صبحي ، 1986: 7) .
فالسلوك الإجتماعي محصلـة للامكانيات والقـدرات التـي يمتلكهـا الفـرد بتفاعلهـا مـع القـوى الإجتماعيـة المختلفـة التـي يتفاعـل معهـا (فهمي ، وأحمد، 1983: 183) .
وفي ضوء ذلك تتحكم في طبيعة السلوك الإجتماعي عند الإنسان عدد من العوامل المتداخلة والمتفاعلة مع بعضها ، منها العوامل الثقافية العامة وهي العوامل التي يتمسك بها أفراد المجتمع الواحد التي يحافظ عليها المجتمع لأنها تميزه عن غيره من المجتمعات في الجوانب المتعلقة بالثقافة العامة ، كاللغة والقيم الخلقية والروحيـة والإجتماعية . كمـا تتحكـم فـي السلوك الإجتماعي للفرد الخبرات الخاصة التي يمر بها الفرد على مدى الحياة (القاضي، وزيدان، 1981: 17) .
مكونات السلوك الإجتماعي :
هناك عدة مكونات أساسية للسلوك الإجتماعي هي :
1- السيادة الإجتماعية.
2- المسؤولية الشخصية .
3- الكفاية الذاتية .
4- الجاذبية الشخصية .
5- الاحساس الشخصي بالأمن .
6- السيطرة .
7- الدفء الشخصي .
أبعاد السلوك الإجتماعي :
1- المشاركة الوجدانية .
2- المشاركة الإجتماعية .
3- الانضباط الإجتماعي .
4- التوجه للمساعدة .
5- التسامح الإجتماعي .
جوانب السلوك الإجتماعي :
يتضمن السلوك الإجتماعي ثلاثة جوانب هي :
1- التركيب أو البناء .
2- عملية التفاعل .
3- المحتوى أو المضمون ( زهران ، 1984: 12) .
عوامل السلوك الإجتماعي :
يشير ( ارجايل ، 1982) الى ان هناك ثلاثة عوامل أساسية للسلوك الإجتماعي هي :
(1) الشخصية:
تعدُّ الشخصية التنظيم الأساسي لاستعدادات الشخص للسلوك في المواقف الإجتماعية المختلفة ، وذلك من خلال الافكار والمعتقدات والاتجاهات والقيم والعادات التي ينظمها الفرد في أدوار إجتماعية داخل المنظومة الإجتماعية (ارجايل، 1982: 53) .
(2) دوافع السلوك الإجتماعي :
للانسان حاجات ودوافع مختلفة توجه سلوكه الإجتماعي تجاه الاهداف الخاصة التي تشبع هذه الحاجات والدوافع .
وتعدُّ الدوافع من أهم الموضوعات المهمة في السلوك الإجتماعي ، فهي التي تحدد مساراته ، ويعدُّ السلوك نتاجاً لعملية تتفاعل فيها العوامل الحيوية والمؤثرات الإجتماعية ، فيصور اولهما من داخل الفرد نفسه وثانيهما من المؤثرات الخارحية ، وتعتبر دوافع السلوك الإجتماعي ذات أهمية بالغة في زيادة فهم الإنسان لنفسه وللآخرين .
ولكي نفهم السلوك الإجتماعي وعلاقته وتفاعله مع اخيه الإنسان ، لا بد ان نفهم مطالبه واهدافه وكيف يدرك ويفكر ويتعلم .
(3) السلوك التفاعلي :
يتصف السلوك الإجتماعي للانسان بالتكامل فضلاً عن الهدفية أي السير باتجاه هدف معين ، فالسلوك التفاعلي بين الاشخاص يقوم على أساس ان عمل الانسان له دافع موجه نحو هدف ، وان دوافع الانسان وانفعالاته ومعارفه تعمل في تناسق متكامل لتؤثر في اعماله .
وهـذا التفاعـل السلوكـي بيـن الأفـراد يظهر التأثيـر المتكامـل لحاجات الفـرد وأهدافـه على انفعالاتـه وافكـاره وادراكه وذكرياتــــه (نجاتي، 1988: 74) .
التطور التأريخي لمفهوم السلوك الإجتماعي :
أهتم الفلاسفة وغيرهم من المفكرين منذ أقدم العصور بالسلوك الإجتماعي للفرد ومحاولة معرفة الأصل فيه . وسوف يستعرض الباحث التراث الفكري الذي تركه الفلاسفة على مرّ العصور لتفسير السلوك الإجتماعي للانسان .
(1) افلاطون ( 347ـ 427 ق.م) :
أكد هذا الفيلسوف على أثر العادات والتفكير في المجتمع في تأليف سلوك الفرد من خلال تداولها او تناقلها بين الناس . وفسر سلوك الانسان على أنه نتاج عام لمؤثرات المجتمع المختلفة ، وعلى هذا الأساس يمكن تغيير سلوك الفرد بواسطة الهيئات التعليمية والإجتماعية ( زهران ، 1984: 56).
(2) أرسطو (322ـ 382 ق.م) :
فسر أرسطو السلوك الإجتماعي للفرد على أساس الوراثة الحيوية ، وهو يؤمن بأن الإنسان مدني وإجتماعي بطبعه ، وهو يرى ان المجتمـع يتكـون من أسـر وعوائـل وقبائـل فقـرى فمدن ، وتكوينـاً يكون بطريقة عضويـة (السيد، عبدالرحمن ، 1999 : 23) .
العلماء والمفكرون العرب والمسلمون :
(1) الفارابي (260ـ 341هـ) :
يؤمن الفارابي بوجود أساس فطري للحياة الاجتماعية ، يحتاج الإنسان الى غيره من الأفراد لسد واشباع حاجاته الأساسية التي لا يمكن ان يحققها لوحده ، وهذا لا يتحقق الا من خلال السلوك الإجتماعي التفاعلي الذي ينبغي ان يحصل بين الأفراد (وحيد، 2001: 29).
(2) ابن سينا (370ـ 428هـ) :
أكد ابن سينا على أثر الثقة الإجتماعية للفرد في تكوين سلوكه الإجتماعي ، وأكد على دور الأسرة والأب لاسيما في عملية التنشئة الإجتماعية مستخدماً الترغيب والترهيب ( الثواب والعقاب ) في تربية ابناءه وتعليمهم السلوك الإجتماعي الصحيح ( وحيد، 2001: 3) .
(3) الغزالي (452ـ 505هـ) :
أشار الفيلسوف والعالم الغزالي الى موضوعات في علم النفس الإجتماعي مثل المحبة والألفة والصحبة كنوع من العلاقات الإجتماعية التي تعزز السلوك الإجتماعي للفرد ، وتحدث عن العزلة والميل الى الإجتماع بالآخرين ، وتحدث الغزالي عن العادات والتقاليد والاخلاق السائدة في المنازل والطرقات ونقدها بقصد تقويمها واصلاحها .
وأكد على أهمية التربية والتنشئة الإجتماعية والتوجيه في السنوات الأولى من عمر الطفل لانها مهمة ومصيرية في تكوين شخصيته وسلوكـه الإجتماعـي
( حافظ وسليمان ، 2000: 23).
المفكرون والعلماء الغربيون في العصر الحديث :
(1) توماس هوبز (1588ـ 1679م)
قدّم هوبز تلخيصاً عن دوافع السلوك الانساني ( البشري ) في بحثه عن المتعة والابتعاد عن الألم ، وهو متأثر في كل هذا بمذهب اللذة عند ( فرويد) الذي يتلخص في ان الفـرد ينزع بسلوكه الى كل ما يحقق لذة له ويبتعد عما يؤذيه (وحيد، 2001: 20) .
(2) بيركلي (1685ـ 1753م) :
أكد هذا العالم على غريزة التجمع ، وان الانانية في المجتمع تشبه القوة الطاردة المركزية في علم الطبيعة ، في حين يكون حب الإجتماع أشبه ما يكون بقوة الجذب ( وحيد، 2001: 20) .
(3) هيوم (1711ـ1776م) :
يعدُّ هيوم من العلماء الأُوَل الذين عملوا في ميدان علم النفس الإجتماعي ، فقد جعـل من العطف بين الناس القـوة الأولـى للعمليـات الإجتماعيــة (زهران ، 1984: 57) .
(4) داروين (1809ـ 1882م) :
فسر هذا العالم السلوك الإجتماعي تفسيراً عضوياً على أساس التوافق الإجتماعي وفقاً لمبدأ البقاء للأقوى او ( الأصلح) ، حيـث قـال ان المجتمـع جهاز حيـوي يشبه في تركيبـه وتطـوره الجهـاز الحيـوي للفـــــرد (حافظ وسليمان، 2000: 25) .
وقد عدَّ الحياة الإجتماعيـة تقـوم علـى أساس الغرائـز التي تحدد علاقة الفرد بغيره وهي نزعـات غير مكتسبة مثـل الأهتمام الأبوي والمساعـدة المتبادلـة والاهتمـام بصحبـة الآخريـن والاستمتـاع فـي الإجتمـاع بهم (إبراهيم وآخرون، 1961: 9) .
(5) جوستاف لوبون (1841ـ 1931م) :
أكد هذا العالم على ان أهم القوى التي تساعـد علـى تجانس الجماعـات في سلوكـها الإجتماعـي هـي الاستهواء والتقليـد والمشاركـة الوجدانية (زهران، 1984: 59) .
السلوك الإجتماعي في المنظور الإسلامي :
إن جوهر الدين الاسلامي مؤسس على ان الله سبحانه وتعالى مصدر كل شيء في الوجود ، فما في الكون من ظواهر مختلفة ومخلوقات متنوعة انما صدرت عنه، وقد خلق الانسان ووضع له نظاماً يتبعه ، وطريقاً يسير عليه وشرع له أمور منها الصدق، والعدل ، والأمانة ، والتسامح 000 الخ . وأمره باتباعها وجعل مخالفتها سلوك منهي عنه وارتكابه ضار بالمجتمع وجعل الشقاء في الدنيا والعذاب في الأخرة عقوبة العصاة الذين يبغون في الارض فساداً.
وأولت الشريعة الإسلامية السلوك الإجتماعي للفرد أهتماماً واسعاً ، ووضعت الأسس الرصينة التي تقوي الإجتماع بين أفراد المجتمع الاسلامي ، فاهتمت بآداب السلوك الإجتماعي للفرد ووضعت الضوابط والتشريعات المستمدة من القرآن والسنّة النبوية الشريفة ، فقد أقر الدين الإسلامي في فروعه وأصوله ما ينظم للناس تعاملهم في دنياهم على النحو الذي عملوا به لاصبح تعاشرهم من دون اختلاف سعداء في هذه الدنيا ليكونوا بعد ذلك سعداء في الحياة الآخرة ( امين ، ب/ت : 107) .
فجاءت تعاليم الدين الإسلامي مؤكدة على امكان الفرد اكتساب الصفات الخيّرة واضفائها على سلوكه الإجتماعي ، وتنمية النفس الخيّرة والقوية لديه والتخلص من نزعة الشر واظهار نزعة الخير على سلوكه من خلال الاساليب التربوية والإجتماعية التي اعتمدها الدين الإسلامي في تربية ابنائه عن طريق تعاليم القرآن والاحاديث النبوية الشريفة ( أبو عيطة ، 1997: 189) .
ويبين الإسلام مسؤولية الفرد حيال علاقاته الإجتماعية مع الآخرين ، إذ وضع له نظاماً إجتماعياً مؤسساً على مبدأ الوحدة والمساواة والاخاء والتعاون والتشاور ، وهذه المبادىء هي جوهـر الانسانيـة الحقـة ، إذ قـال تعـالى : [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُـوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقـُوا اللَّهَ لَعَلَّكُـمْ تُرْحَمُونَ ] [سورة الحجرات : آية 10] .
ويؤكد الإسلام الألفة والتوادد والتحابب في الله والإجتماع والتعاون والتعاضد، إذ جاء عن النبي ( المؤمن ألف مألوف ولا خيرَ من لا يألف ولا يؤلف ) ( مسلم ، 1349، ج5، 15، 16) .
وقــال أميــر المؤمنيـن علــي بـن أبــي طالــب (خالطوا النـاسَ مخالطـة إن متـم معهـا بكـوا عليكـم وإن عشتم حنوا إليكم) (نهج البلاغة ، 1966: 566) .
لذا فالسلوك الإجتماعي الذي ينشده ويؤكده الإسلام هو سلوك الألفة والمودة والتسامح والتعاون والايثار والصدق الذي أساسه النيّة الحسنة وقوامه حسن التصرف وهو أساس بناء المجتمع وتقدمه .
ما هو السلوك الاجتماعي و ما هي دلالته مصدر المقالة
لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :