مقالة-أزمة التكنولوجيا وتأثيرها على سلوك الشباب: أسبابها والحلول المقترحة
أزمة التكنولوجيا وتأثيرها على سلوك الشباب: أسبابها والحلول المقترحة
د. حيدر كباشي
تدريسي في قسم اللغة الانكليزية \ جامعة كربلاء
تشهد المجتمعات العربية اليوم أزمة متفاقمة تتمثل في هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على عقلية وطريقة تفكير الجيل الحالي . ورغم أهمية التكنولوجيا كوسيلة للتعلم السريع ومواكبة التطورات العالمية، إلا أنها خلفت آثارًا سلبية على السلوكيات الاجتماعية، خاصة بين الشباب. وفي العراق، تجلت هذه الآثار بشكل واضح في تدني مستوى الذوق العام وظهور سلوكيات تشير إلى ضعف في الوعي الاجتماعي، إذ انعكس هذا التدهور على القيم العامة بشكل سلبي مؤثر في التفاعل المجتمعي وتماسك المجتمع. وتعتبر هذه الأزمة مشكلة جديرة بالاهتمام لما لها من تأثير سلبي على الشباب، الذين يمثلون قادة المستقبل.
في هذا المقال، نستعرض بعض العوامل التي أسهمت في تفاقم هذه الظاهرة ونقترح حلولاً للتصدي لها، داعين إلى تكثيف الجهود البحثية من قِبَل المختصين في علم النفس والاجتماع لمعالجتها.
أولاً: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الشباب، ورغم ما توفره من فرص للتعلم والتواصل، إلا أنها تلعب دورًا مزدوجًا. فمن جهة، تسهم في نشر المعرفة والوصول السريع للمعلومات، ومن جهة أخرى، تُشكل منصة لنشر السلوكيات غير اللائقة والألفاظ الجارحة. ومن المؤسف أن نرى بعض الشباب ينغمسون في تقليد شخصيات مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، دون وعي كافٍ بمغزى هذه السلوكيات وما إذا كانت تتماشى مع قيم مجتمعاتهم.
ثانيًا: تلعب الأسرة دوراً رئيسيًا في غرس القيم والأخلاق، لكن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية بعد عام 2003 في العراق أثرت سلبًا على الدور الأسري. فقد انشغل الآباء بتوفير المتطلبات المادية على حساب قضاء الوقت الكافي مع أبنائهم وتوجيههم بشكل صحيح، مما أدى إلى نقص في التوجيه الأخلاقي والسلوكي، وأثر على تربية الشباب وتنمية شخصياتهم.
ثالثًا. تعد البطالة من أخطر التحديات التي تواجه الشباب، حيث تخلق ضغوطًا اقتصادية ونفسية تدفع البعض إلى تصرفات غير لائقة كرد فعل للإحباط. ويعد هذا نداءً لمؤسسات القطاع الخاص والدولة لإيجاد حلول مستدامة من خلال فرص توظيف عادلة، بعيداً عن المحسوبية، مما يعيد الثقة ويقلل من تصرفات غير مرغوبة.
رابعًا: كانت المجتمعات العربية، وخصوصًا العراقية، معروفة بميلها للقراءة والاطلاع، لكن للأسف، قل اهتمام الشباب اليوم بالقراءة، مما أدى إلى فراغ ثقافي وفكري. وقد ملأت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الفراغ، لكنها غالبًا ما تقدم محتوى غير هادف، مما أثر على مستوى الوعي وزاد من الفجوة الثقافية والاجتماعية بين الشباب ومجتمعهم.
الحلول المقترحة لمعالجة أزمة سلوك الشباب وتأثير التكنولوجيا
أولاً: تعزيز دور المؤسسات الدينية والاجتماعية من خلال:
تأسيس مراكز وهيئات تتماشى مع اهتمامات الشباب وتطلعاتهم.
توجيه هذه التطلعات نحو قيم إيجابية مستمدة من الدين والمجتمع.
ثانياً: دور الدولة في معالجة البطالة من خلال:
التحرك بفاعلية لدعم القطاع الخاص.
ربط مخرجات التعليم بمتطلبات السوق لتحقيق التوازن بين التعليم وسوق العمل، مما يسهم في تقليل مشكلات البطالة وآثارها الاجتماعية السلبية.
ثالثاً: مسؤولية الآباء في غرس القيم من خلال:
تخصيص وقت كافٍ للأبناء لتعزيز القيم الدينية والمجتمعية.
مراعاة اختلاف الأجيال وتوجيه الأبناء عبر التفاهم والإرشاد المناسب لتحسين سلوكياتهم وتوجيههم بشكل إيجابي.
رابعاً: استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي من خلال:
إنشاء منصات تدعم السلوكيات الإيجابية وتبرز القدوات الحسنة.
تعريف الشباب بشخصيات تاريخية ومعاصرة تكون نماذج يُحتذى بها في السلوكيات.
خامساً: تعزيز تأثير الرموز الاجتماعية التقليدية، مثل:
الأب، الأخ، المعلم وغيرهم، من خلال تسليط الضوء على القدوة الاجتماعية الإيجابية.
إبراز دور هذه الرموز في حياة الشباب لتعزيز القيم الإيجابية لديهم.
سادساً: دور الجامعات في التأثير الاجتماعي من خلال:
فتح المجال للمفكرين والباحثين في مجالات الاقتصاد والاجتماع.
طرح استراتيجيات تعالج مشكلات الشباب وتساهم في تطور المجتمع.
وفي الختام فان الحل الفعّال لهذه الأزمة يكمن في تكاتف كافة المؤسسات الاجتماعية، بدءًا من الأسرة والمؤسسات الدينية والاجتماعية، مرورًا بالدولة ووسائل الإعلام، ووصولاً إلى الجامعات والمثقفين. من الضروري أن نغير طريقة تعاملنا مع الشباب، ونتجنب النظرة الاستعلائية التي أدت إلى هذه الفجوة بينهم وبين مؤسسات المجتمع، والتي سمحت لوسائل التواصل الاجتماعي بالهيمنة على أفكارهم وسلوكياتهم. المطلوب هو تحويل هذه السلوكيات السلبية إلى أخرى إيجابية، بما يعيد للشباب المسار الصحيح وينعكس إيجابياً على المجتمع .