السمات الحجاجية في سورة التوحيد
ا.د هادي شندوخ حميد/ كلية التربية للعلوم الانسانية/ جامعة كربلاء
تبدا سورة التوحيد ب (قل هو الله احد) أي اثبات الالوهية لله ، بمعنى نفي الضد والند وبمعنى أن حقيقته غير مركبة من الأجزاء ،وهي النتيجة المتوخاة من الخطاب الإلهي في هذه السورة الرامية الى اقناع المخاطب وتقرير حقيقة الذاتية الخالصة لله سبحانه وتعالى في ذهنه . هذه النتيجة جاءت مرفقة بالأدلة والنتائج التي تعزز الحقيقة المرادة من تلك السورة من خلال توالي الحجج المؤكدة لمسلك الاحدية بالشكل التالي :
__________________________ الله الصمد
___________________________لم يلد
______________________ولم يولد
_______ولم يكن له كفوا احد
وهي متتابعات تندرج في إقرار النتيجة الأولى من السورة المتمثلة بالمطلب الرئيس وهو التوحيد (قل هو الله احد). يلحظ فيها ،ومن خلال المقطع الأول من السورة العلاقات الحجاجية القائمة بين النتيجة والحجج المتوالية أي انها كلها تسير في اتجاه حجاجي واحد هو اثبات الوحدانية لله. فالسياق هو سياق الوجهة الحجاجية الواحدة وليس سياق التعارض الحجاجي . يمكن ان نمثل له بالشكل التالي :
_ قل هو الله احد _______________ بلا شريك لانه هو الاحد المغاير بلا عددية او تجزء.
_الله الصمد ___________________________أي الغني والمقصود في الحوائج دون غيره.
_ لم يلد ولم يولد ________________ من لم يكن شانه ان يلد ليس من شانه ان يولد.
_لم يكن له كفوا احد ________________ لايحتمل ان نتصور له كفوا فكل شي دونه.
فبذلك التنوع تظهر العلاقات الحجاجية التي تربط بين الآية الأولى باعتبارها نتيجة والآيات التالية لها باعتبارها حججا وادلة لصالح هذه النتيجة. بلحاظ ان التنوع في تلك الصياغات قد حمل اكثر من علاقة .
فما يتضح منها هو العلاقة السببية وهي تقوم على رؤية ((ان الحدث ضمني يقع على انه نتيجة او اثر لمجموعة من الأشياء الأخرى ))(3) أي بما انه أحد والأحد: ((وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجا و لا ذهنا و لذلك لا يقبل العد و لا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثان و ثالث إما خارجا و إما ذهنا بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيرا، و أما الأحد فكل ما فرض له ثانيا كان هو هو لم يزد عليه شيء.)) (4) ، بذلك الوصف فان من كان أحدا فحتما يكون صمدا أي مقصودا في الحوائج على الإطلاق.و إذا كان الله تعالى هو الموجد لكل ذي وجود مما سواه يُحتاج إليه فيقصده كلُّ ما صدق عليه أنه شيء غيره، في ذاته و صفاته و آثاره (5) وهو ليس من شانه اين يولد أو ان يكون مولودا . بذلك التمظهر من الارتباط السببي تتكشف العلاقات النصية بشكل يتفرع من الايات الواحدة تلو الأخرى ، فلانه احد وجب أن لا يكون جسماً وإذا لم يكن جسماً لابد ان يكون صمدا أي مقصودا ومن كان صمدا لابد ان يتعالى عن ادراك البشر مشابهة او مماثلة فلايكون والدا او مولودا فينطبع بسنخ صفات البشر ومن كان كذلك فحتما لا يضاهيه احد.
وتتولد علاقة الاستدلال من تتابع الحجج في السورة تلو النتيجة التي انطلقت منها فمن كان أحدا كان صمدا وكان بلا مغاير او شبيه في الوجود ((هذه الصفات الثلاث المنفية و إن أمكن تفريع نفيها على صفة أحديته تعالى بوجه ، لكن الأسبق إلى الذهن تفرعها على صفة صمديته ،أما كونه لم يلد فإن الولادة التي هي نوع من التجزي و التبعض بأي معنى فسرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد، و حاجة المركب إلى أجزائه ضرورية و الله سبحانه صمد ينتهي إليه كل محتاج في حاجته و لا حاجة له، و أما كونه لم يولد فإن تولد شيء من شيء لا يتم إلا مع حاجة من المتولد إلى ما ولد منه في وجوده و هو سبحانه صمد لا حاجة له، و أما أنه لا كفؤ له فلأن الكفؤ سواء فرض كفوا له في ذاته أو في فعله لا تتحقق كفاءته إلا مع استقلاله و استغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة و الله سبحانه صمد على الإطلاق يحتاج إليه كل من سواه من كل جهة مفروضة. )) (6) فالعلاقة الحجاجية ربطت بين النتيجة والحجج من رؤية كلية وبين حجة وحجج أخرى في السورة من رؤية أخرى ، وهو ماتوارد في الدرس الحجاجي ان العلاقات الرابطة قد تكون بين النتيجة والحجج او بين نتيجة واحدة وحجج أخرى . ويمكن ان مثل لذلك :
حجة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نتيجة
نتيجة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مجموعة من الحجج
عناصر صريحة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عناصر مضمرة
بعد هذا المقطع الأول المشتمل على النتيجة العامة للسورة أي الهدف الحجاجي المقصود والأدلة له وعليه ننتقل الى القضايا المرتبطة بالنتيجة الواردة في الاية وهي (قل هو الله احد) ، فاذا كان الانسان مطلوبا منه ان يوحد ربه ويعبده وينزهه عما سواه فقد يطرح السؤال التالي : كيف نوحده وننزهه ؟ ، يقول بعض المفسرين (7) ان الخطاب الامري بالتوحيد هو على مقامات غايتها التوحيد والتنزيه:
الأول : مقام السابقين المقربين الناظرين إلى حقائق الأشياء من حيث هِيَ هِيَ ، فلا جرم ما رأوا موجوداً سوى الله لأنه هو الذي لأجله يجب وجوده فما سوى الله عندهم معدوم ، فقوله : { هو } إشارة مطلقة . ولما كان المشار إليه معيناً انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين فكان قوله : { هو } إشارة من هؤلاء المقربين إلى الله فلم يفتقروا في تلك الإِشارة إلى مميز فكانت لفظة { هو } كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء .
المقام الثاني : مقام أصحاب اليمين المقتصدين فهم شاهَدُوا الحق موجوداً وشاهدوا الممكنات موجودة فحصلت كثرة في الموجودات فلم تكن لفظة { هو } تامة الإِفادة في حقهم فافتقروا معها إلى مميز فقيل لأجلهم { هو اللَّه } .
والمقام الثالث : مقام أصحاب الشمال وهم الذين يجوزون تعدد الإله فقُرن لفظ { أحد } بقوله : { هو اللَّه } إبطالاً لمقالتهم.