عالمية اللغة العربيّة ومكانتها بينَ اللغات
اللغة بمثابة الوعاء الناقل للثقافة والتراث ، وهي تُسهم في تشكيل الهُوية وتحصينها 
وتجديدها فلغتنا العربيّة هي هُوية العرب كونها لغة القرآن الكريم فيقول عبد الصبور
شاهين : ( أن العربية وصلت إلينا معبرة عن تاريخ بعيد ، وتراث عريق ، ناطقة على
ألسنتنا كما كانت تنطق على السنتهم دون أن تستغرب ، أو تستعجم فأصولها وصيغها
وتراكيبها هي هي ، لم يصبها التغيير رغم تطاول العهود ، وتعاقب الأجيال وهذا أمر
نادر الحدوث في عالم اللغات لم يسجله التأريخ إلا للغة العربية ، التي يقرأ القارئ اليوم
نصوصها القديمة فلا يحسّ بقدمها ، بل يأنس بها ويتلذذ بتكرارها وتمثلها ، بل
ويستخدمها في أحيانٍ كثيرة) ( 1 العربية لغة العلوم والتقنية 44 ) .
واللغة العربيّة الفصحى هي لغة القرآن الكريم التي اختارها الله –عز وجل- لغة
للتنزيل فهي خالدة بخلوده وهي لغة ثابتة ، بنحوها وصرفها ونطقها وهي لغة عريقة ،
ولكنها لغة تساير التّطور فهي لغة تنمّى وتتطور فهي من اللغات الحيّة وتعدّ لغة العقيدة
والدولة والحياة ولغة العلم والمعرفة ، ومن المعروف أن العربية تتميز بميزة فريدة من
بين اللغات في مجال حفظها فهي محفوظة بحفظ كتاب الله الذي وعد الله بحفظه قال
تعالى : ( إنّا نَحنُ نزّلنا الذّكر وإنّا له لحَافظونَ) الحجر:9 ، وما يضاف إلى العناية
الإلهية لها ، فهناك عوامل أسهمت في الحفاظ عليها من التدوين والوصف الدقيق
لألفاظها وهذا ما نجده مبثوثًا في المتون القديمة والحديثة من مختلف العلوم ، وهذا
الإرث العريق الذي حوى مئات الآلاف من الكتب ومن ضمنها مؤلفات الخليل وسيبويه
في الجانب اللغوي والمعجمي ، وغيرهم من أمثال ابن سينا والفارابي من أعلام التراث
العربي فهي شواهد على قدرة اللغة العربية على التعبير عن ما وصلت إليه المعرفة
الانسانية .
ولقد عرف العرب أهمية اللغة ، ولمحوا الصلة الوثيقة بينها وبين الحضارة فاهتموا
بها لتكون وعاء للحضارة ولتكون خير وسيلة تعبر عن حضارتهم وملامح حياتهم
وازدهرت بعد نزول القرآن الكريم الذي أحدث ثورة فكرية وهزة لغوية .
والعربية تحتل مكانة مرموقة فهي تحتل المركز الأول بوصفها لغة للشعائر الدينية
إذ إن اللاتينية تستعمل في الكنائس الكاثوليكية يقتصر استعمالها لدى الملتزمين بها من
رجال الدّين والعبرية كذلك .
وأما مكانتها من جانب التعداد السكاني فهي تحتل المركز الخامس أو السادس بعد
الصينية والانجليزية والاسبانية والفرنسية (والهندية على حسب بعض الدراسات ) .
وفي العام 1973 أضحت اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة
وهي تكون اللغة الرسمية السادسة فيها بجوار الانجليزية والفرنسية والاسبانية
والصينية والروسية ، وتشمل هذه الهيئات اليونيسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة
الغذاء والزراعة وغيرها . وتعدّ لغة رسمية في منظمات دولية أخرى مثل الاتحاد
الدولي للاتصالات والاتحاد الافريقي والاوبك وغيرها من المنظمات الدولية
المعروفة ( ينظر :اللغة العربية ومنزلتها بين لغات العالم بحث د .محمود إسماعيل) .
واللغة أهم وسيلة للتواصل الاجتماعي وهدفها الأساس هو التعبير عن الأفكار
والرغبات والعواطف في المنظومة البشرية التي تتكلم بها ، وعن طريقها يتمّ التواصل
وتناقل المعلومات والقيم والمبادئ والرموز والتشريعات .
إن أكثر اللغات استعمالًا في العصر الحديث هي : ( الصينية ، والاسبانية ،
والانكليزية والفرنسية ، ولا تعدّ الصينية لغة عالمية وإن تكلم بها أكثر من مليار ؛ لأنها
لا تستعمل خارج بلاد الصين ، أما اللغات الثلاث الأخرى فهي مما أشاعه الاستعمار
في الامريكيتين واستراليا ، ونيوزلندا ، وفي بعض أنحاء افريقيا وآسيا ، ولولا
الاستعمار ما عرفتها هذه البلدان ولا انتشرت .
والسؤال هو لغتنا العربية هي من اللغات العالمية ؟
ويجيب عن هذا السؤال العلامة الدكتور أحمد مطلوب –رحمه الله- وهو من العلماء
العراقيين الذين لهم الأثر الكبير في الدفاع عن اللغة وعن هويتها واثبات عالميتها بقوله
:( كانت العربية حينما كان العرب أقوياء ، وكانت عالمية يوم كان العرب أحرارًا
لهم دولة تمتدّ من الأندلس إلى الصين ، وكانت في هذه الاصقاع المترامية لغة تخاطب
ودين وتعليم وتأليف في مختلف العلوم ) ( التشريع اللغوي وبحوث أخرى أحمد مطلوب
245 ) .
وقد أوضح الدكتور أحمد مطلوب ما يؤكد عالميتها بما يأتي : ( ينظر :المبحث نفسه
251ـــ 252 )
1- التأليف بالعربية والاعتزاز بالعربية لم يكن مقصوراً على العرب وحدهم ،
وإنما كان المسلمون من غير العرب يعتزون بها ويفضلونها على لغاتهم وامتدت هذه
العناية إلى أوربا ، إذ نشطت ترجمتها الى اللغات الاوربية منذ القرن الحادي عشر
للميلاد .
2- الاستعانة بالمصطلحات العلمية والألفاظ الحضارية إذ تأثر كثير من اللغات
الغربية والشرقية بالعربية ودخلت فيها ألفاظ عربية ، ومن تلك اللغات الاسبانية
والانكليزية والفارسية والتركية .
3- اتخاذ مناهج علوم اللغة العربية في تأليف الكتب اللغوية ، من ذلك تأثر النحو
العبري بالنحو العربي ، وإن كتب اليهود النحوية الأولى كتبت بالعربية واستخدمت
مصطلحات النّحو العربي ، وتأثرت علوم اللغة الفارسية بعلوم اللغة العربية ، ونحا
المؤلفون بالفارسية منحى العرب .
4- التأثر بايقاع الشعر العربي، وقد اثبت الباحثون أنّ الشعر الاوربي والسرياني
والعبري تأثر بأوزان الشعر العربي وقوافيه .
5- اتخاذ بعض اللغات منها التركية القديمة ، والاوربية والفارسية وبعض اللغات
الافريقية الحرف العربي – فضلاً عن ذلك- زينة جمالية في المباني واللوحات الفنية .
وقد أوضح أن العرب في العصر الحديث أولو اللغة عناية كبيرة ، ونشروا الكثير
من كتب التراث ليكون رؤى لهم يحمي ثقافتهم وقيمهم التي بدأت تتعرض للغزو
الثقافي . فكانت العربية تدرس في الطب في مدرسة القصر العيني بالقاهرة وتآزرت
عدة جهات لجعل العربية قادرة على استيعاب ما هو جديد في ضوء عدة معايير أهمها
: المجاميع العلمية واللغوية التي لها تأثير كبير في واقع اللغة العربية المعاصرة –
ووسائل الاعلام أيضاً لها الدور الكبير على الرغم من دعوة بعضها إلى تمزيق شمل
العرب ، وتشجيع أساتذة اللغة العربية والتأليف فيها والعناية بها ومسايرة وسائل
نحوها ( ينظر: عالمية اللغة العربية وجهود الدكتور أحمد مطلوب في الحفاظ على اللغة
العربية وتفعيل دورها بحث إياد الحمداني 4ــــ 5 ) .
 
 

شارك هذا الموضوع: