طُوفان العَوْلَمَة و اللغة العربيّة
العَولمة من أكبر التحديات التي تواجهها اللغة العربية التي تعطي السيطرة للغات صاحبة الانجازات الكبرى ، في المجالات التقنية والاقتصاد ، ويجعلها مسيطرة على ثقافات أخرى كاملة بلغاتها . وتعدّ العولمة نتاج فكر مدروس وإن اُختلف في نشأتها فذهب بعضهم إلى أن العولمة ظاهرة حديثة ، بدأت مع بدايات العصر الحديث ينظر: العولمة والخيارات العربية المستقبلية : 562 ، ودلالة مصطلح العَولمة في اللغة هو مصدر مشتقّ من الفعل الرباعي المجرّد (عَوْلمَ) يُعَولِمُ أي وزنه (فَعْلَلَ) ينظر: لسان العرب. والعولمة مصطلح حديث ترجمه العرب عن مصطلح (GLOBAL ISATION) المشتق من كلمة (GLOBAL) والذي يعني كروي أو عالمي ، وترتبط أحيانًا بالقرية (Villoge) أي : العالم عبارة عن قرية كونية واحد ينظر: جدلية العولمة بين الاختيار والرفض: 59 ، وقد اختلف في وضع حدّ دقيق لمفهوم العولمة اصطلاحًا ، واختلف في تحديد ظهورها ولكنها ظهرت بأشكال متعددة ، والعولمة :
( نظام عالمي جديد قائم على العقل الالكتروني والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والابداع التقني غير المحدود ، دون الأخذ بعين الاعتبار الحضارات والقيم والثقافات والأعراف والحدود الجغرافية والسياسية السائدة في العالم قاطبة ) العولمة وأثرها في العالم الثالث التحدي والاستجابة ، ناطورية علاء الدين : 9 .
وما يمكن القول : إن العولمة ظاهرة حديثة عالمية الأهداف ، تحاول إزالة الحواجز بين مختلف الأمم ، بهدف السيطرة عليه وتهديد الهوية السياسية والاقتصادية والثقافية للبلدان كافة والهيمنة الغربية ولا سيّما الامريكية للاستزادة ينظر: الإعلام والعولمة : 109
والمخاطر التي تحدق بلغتنا في العصر الحديث كثيرة فلكي تحقق العولمة هدفها المنشود فإنها تستعمل مجموعة من وسائل واضحة ومحددة أهمها ينظر: العولمة والمتجمع علاء زهير : 30
– وسائل الإعلام والدعايات فهي من الآليات المهمة في إشاعة (العولمة) عن طريق شبكات الاتصال الحديثة والقنوات الفضائية والحاسوب والانترنت وما يمكن قوله إن الوسائل الخاصة بشبكات الانترنت والقنوات الفضائية تؤدي أثرًا كبيرًا لدى السامعين والناطقين ولكن الوسائل الاعلامية ولا سيّما شبكات الانترنت والقنوات الفضائية للناطقين بغير العربية تقدّم لهم ما يتمتعون به من برامج لغوية وثقافية وأما العرب فتضاعفت في ضوء هذه الوسائل والندوات وسماع الفصحى عن طريق التواصل عبر الشبكة العالمية ، فشبكات الانترنت ووسائل الإعلام هي من الوسائل الخطيرة والمهمة في الوقت نفسه على طمس الهوية وعلى العكس؛ لما لها من ايجابيات منها الانفتاح على ثقافات المجتمعات على الصعيدين العربي والعالمي والتواصل مع تطورات العصر وهذا يضمن وجودية اللغة في التواصل الدولي ، وما يمكن التركيز عليه أن هناك تحديات كبيرة عن طريق وسائل الاعلام وشيوع الأخطاء والعيوب عند مقدمي البرامج أو استعمال لغات ركيكة فهذا عامل يهدم اللغة ويجعلها متصدّية .
– إحلال الثقافة الغربية أي (اللغة الانجليزية) عن طريق عدة وسائل أهمها المنتجات الغربية والازياء وإقامة شركات الانتاج الغذائية الامريكية بمسميات أجنبية منها : (كوكاكولا) وإقامة المطاعم بمسميات امريكية منها : (ماكدونالدز) و (فوت تايم) وغيرها . والتداول بالإنجليزية في الحياة اليومية والولوع باستعمال اللغة الأجنبية دون العربية مثل (المُبايل) ونجد انتشاره أكثر من كلمة (الجوال) أو (الهاتف) ، وكتابة لافتات المحلات التجارية والاعلانات باللغة الإنجليزية ينظر: واقع اللغة الاجنبية في التبادل بينها وبين الغرب : 16-18 ، وبحوث في العربية المعاصرة : 46 ، والعولمة اللغوية وآثارها على اللغة العربية : 216 ، بحث .
– قوة الولايات الامريكية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتكنولوجيا التي لا تعادلها قوة أخرى منذ سقوط الاتحاد السوفيتي مما جعلها مهيمنة على دول العالم .
– تقديم الدعم الاقتصادي والمعنوي للأنظمة والحكومات المعادية للإسلام وتقييد الحكومات في العالم العربي الإسلامي باتفاقيات مجحفة ظالمة منها منع انتشار الأسلحة النووية والكيمياوية في حين أن اليهود سُمح لهم بامتلاكها .
– الإكثار من المنظمات والجمعيات ذات الأهداف اللادينية ودعهما ماديا ومعنويا. وهذا ما يمكن إجماله من وسائل للعولمة وآلياتها التي اعتمدتها في اشاعتها.
وما نخلصُ إليه أن العولمة أسهمت في التزايد المعرفي في جميع النواحي ، والعصر الحديث يشهد تطورات سريعة عن طريق التكنولوجيا ووسائل الاتصال والإعلام وهذا حدا اللغة العربيّة أن تقف أمام تحديات كثيرة أهمها : شيوع العاميّة ولغتنا العربيّة هي لغة الضاد التي تحمل تميزًا من بين اللغات بصفتها المعبّر الوحيد عن التراث الديني وتشريعه القرآني للأمة العربية ، ممّا أكسبها نوعًا من الصلابة في مواجهة التغيرات وطوفان العولمة ؛ ولكنها لم تسلم من ظفر الغزو الصناعي وهذه التغيرات السريعة وإزدواجية اللغة العاميّة والفصحى ، وهذا ناتج بسبب تصاعد الدعوات إلى نبذ الفصحى وإحلال العامية بدلًا عنها من لدن المستشرقين الغربيين ومن طاوعهم من العرب تحت مسميات برّاقة منها : التيسير والإصلاح وغيرها .
وإهمال اللغة العربية والتقليل من قيمتها واتقان اللغات الاجنبية على حساب اللغة الأم من باب التطور الحضاري لكي يميت اللغة الام واللغة العربية تحتاج إلى وقفة في مواجهة الاجتياح العولمي وإلى اكتساب المهارات اللغوية الضرورية التي هي من حتميات رقي المجتمع العربي ، ومن أبرز الوقفات هي :
1- التعليم ، ويكون التركيز منصبًا على تعليم اللغة العربية وغرس الهوية العربية .
2- وضع مناهج للغة العربية جديدة ومواكبة التطورات التي تنسجم مع مراحل التعليم .
3- تفعيل القرارات المتعلقة باستعمال الفصحى في الدوائر الرسمية وغير الرسمية وإنشاء معامل للغة العربية على غرار معامل اللغات الاجنبية والتي تحقق التعايش مع اللغة العربية ولا سيّما من صغار السنّ ينظر: العولمة وآثارها على اللغة العربية بحث 7ـــ8
4- تفعيل المجامع اللغوية وبذل المزيد من الجهود في حفظ اللغة العربية وسلامتها وحريّ بنا ذكره أن جهود المجمع العلمي العراقي –منذ تأسيسه سنة 1947 إلى يومنا هذا- واضحة وجليّة في الحفاظ على سلامة اللغة وحمايتها ، واصدار القرارات والقوانين التي من شأنها الحفاظ على اللغة وعدم المساس بها ومحاولة تشويهها ومنها جهوده في تنفيذ مواد قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية ذي الرقم (64) لسنة 1977 ؛ إذ إن الدولة العراقية أرادت أن تولي مسألة الحفاظ على سلامة اللغة في داخل العراق عناية أكبر ، فشرعت قانونًا فسُمّي بــ (قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية) رقم 64 لسنة 1977م ؛ ليكون هذا القانون مكملًا لجهود المجمع العلمي العراقي في تحقيق أهدافه التي تضمّن سلامة اللغة العربية وهذا القانون قد شرع بناء على مقترح قدّمه المجمع العلمي في نطاق خطة للنهوض باللغة العربيّة ، وقد تضمّن هذا القانون ثلاث عشرة مادة ينظر: الهيئة العليا للعناية باللغة العربية ، د. احمد مطلوب : 18-23 .
وفي ضوء هذا القانون الزام دوائر الدولة كافة والجمعيات والنقابات ومؤسسات القطاع الاشتراكي والمنظمات الشعبية بالمحافظة على سلامة اللغة العربية في أعمالها ومعاملاتها وهذا يحتاج إلى جهات أعلى تتولى الاشراف والمتابعة والتنسيق عليه شرّع قانون ، سمّي بــ (قانون اللجنة العليا للعناية بشؤون اللغة العربية ) رقم (73) لسنة 1979 والذي تضمّن سبع مواد تحدد تأسيس اللجنة وأهدافها ومهامها وعلاقتها بالمجمع العلمي العراقي وقد نصّت المادة الأولى من القانون على أن تؤسس لجنة دائمة تدعى بـ (اللجنة العليا للعناية بشؤون اللغة العربية ) في حين حددت المادة الثانية أهداف اللجنة ، وقد أوصى الدكتور محمد حسين عضو لجنة اللغة والأدب المجمعية بعدة توصيات لتفعيل قانون الحفاظ على سلامة اللغة في ضوء تفعيل مهام المجمع العلمي بما يتناسب ومكانته المتميزة بين المجامع اللغوية العربية ، وتفعيل العمل بقانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية ذي الرقم (64) لسنة 1977 ، للاستزادة ينظر: قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية ذو الرقم 64 لسنة 1977م ، بحث د. محمد حسين علي زعيّن : 12-14 .