جودة الحياة 

(اطلالة نظرية وفق الابعاد التاريخية والجغرافية)

 
جودة الحياة 
(اطلالة نظرية وفق الابعاد التاريخية والجغرافية)
           ان تطور مفهوم جودة الحياة يستند الى التفسير الفلسفي حيث امتزج هذا المفهوم قديما بمفاهيم مشابهة كالسعادة، الرضا، اللذة، والرفاهية, حيث تعد هذه المفاهيم من المفاهيم الإيجابية التي نادى بها العديد من الفلاسفة منذ العصور القديمة إلى غاية العصر الحديث, وبهذا يعتبر مفهوم جودة الحياة التطور الأحدث في قضية شغلت البشرية منذ القدم تحت مسميات متعددة حيث لم يكن ظهوره بالشيء الحديث بل كان ممتدا عبر الزمن .
         وقد اخذ مفهوم جودة الحياة حيزا كبيرا في المناقشات الحديثة المفسرة له واذ استعرضناها فترجع في بعض الأدبيات الحديثة إلى القرن الثامن عشر حيث أصبح الاهتمام بالحياة ذاتها وتحقيق الذات والسعادة من القيم الأساسية, خاصه بعد انتقال مجتمع أوروبا الغربية من النمط الزراعي الإقطاعي محدود الأفق إلى النمط الجديد الصناعي الرأسمالي بآفاقه المفتوحة فالمجتمع وفق اراء فلاسفة النهضة الحديثة هو أداة لإمداد المواطنين بالاحتياجات المطلوبة للحياة الجيدة  , ومع التوسع في مفهوم دولة الرفاه في معظم دول الغرب خلال عقد الستينيات وبلورت الفكرة الجديدة القائمة على ظهور محددات النمو الاقتصادي في الأجندة السياسية، جاءت القيم لتنتقل إلى ما وراء إشباع الماديات ومن ثم ظهر مفهوم أوسع  لمصطلح جودة الحياة , ومع تطور استخدام هذا المفهوم كان هناك جدل حول حقيقة وجود ما هو أكثر من مجرد الرفاه المادي للبشر أثمر مثل هذا الفكر عن التفكير في مرحلة ما بعد الصناعة واستخدام الوفرة الاقتصادية في إشباع الطموحات الرفيعة للانسان  التي أوجدها التقدم السريع في التنمية الاقتصادية و الى استخدام ناتج النمو الاقتصادي في تحسين مستويات المعيشة، وتأثير كل ذلك على نوعية حياة البشر في المجتمعات الحضرية, كان هذا المفهوم في ذلك الوقت متناغم مع النظام السياسي الاقتصادي السائد في دول الغرب الصناعية والذي كان هدفه هو إنتاج السلع التي من شأنها تحقيق نوعية الحياة الفاضلة أو الأفضل.
      ومع حلول الالفية الثالثة اخذت الدراسات المعنية بجودة الحياة منحنيات ادخال معايير ومؤشرات الجودة وتطبيقها في المجالات الزراعية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية والتنمية الحضرية وكأحد النواتج العلمية لتلك الدراسات هي زيادة الاهتمام الاكاديمي والبحثي بدراسة مفهوم جودة الحياة ومؤشراتها الحضرية ضمن المجالات السابقة.
    
          وبالنظر الى الرؤى النظرية المقدمة لمفهوم جودة الحياة حيث يمكن الجمع بينها واسنادها الى مختلف الطروحات السابقة والعمل في إعادة صياغة تعريف اكثر شمولية لمصطلح جودة الحياة يكون متلائم مع التوجه الجغرافي التنموي في هذه الدارسة وكذلك يكون متميزا بنوع من المرونة بحيث يتلاءم مع تصور كل فرد لمفهوم جودة الحياة الجيدة لديه وهو:
       الاحوال التي تتحكم في الحيز المكاني من حيث صلاحيته للعيش والسكن أي هي الراحة المرتبطة بتوفر العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتكنلوجية والبيولوجية والايكولوجية ونستنتج ان التفاعلية بين هذه العوامل تخلق بيئة قادرة على تحقيق المتطلبات التنموية لاستدامة حياة الانسان واكمال فعالياتها ضمن البيئة الحضرية له.
        كذلك تعني الارتقاء بمستوى الخدمات المادية والاجتماعية والنفسية التي تقدم لافراد المجتمع في اطار حياتهم الحضرية ,  وتعبر عن نزوع الافراد نحو نمط حياة يتميز بالترف وهذا النمط يمكن ان يتحقق في المجتمعات التي استطاعت حل كافة مشاكلها المعيشية  
             ومن نافلة القول  نرى أن الاختلاف في المفاهيم لا يذهب بعيدا عن جوهر ما يهدف إليه معظم الباحثين بمختلف تخصصاتهم، المتمثل في إعداد دراسات تنموية مستدامة تفيد المجتمع الإنساني وتمكن المخططون في الجهات ذات الاختصاص من تحديد مواطن التميز و الضعف بالوحدة السكنية، ومعالجتها وفق المعايير المحددة لها وصولا إلي تحسين أوضاع الحياة فيها وهذا يتفق مع ما ترمي إليه هذه الدراسة.
            لذلك تشكل جودة الحياة احدى مجالات اهتمام الجغرافية البشرية التطبيقية خاصة ان باحثوا علم الجغرافيا شأنهم شأن بقية الأكاديميين أبناء زمنهم هم يتجاوبون مع المناخ الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي يسود المجتمع الذي يعيشون فيه, كما ان دخول الجغرافيا ميدان التطبيق اصبح الباحثين فيه اكثر حاجة إلي مقاييس ذات أهمية تساعدهم في مباشرة التقويم الجغرافي لأي ظاهرة جغرافية في المكان والزمان لغرض تحديد أولوياتها واقتراح الخطط اللازمة لتنميتها وتحسين ظروفها المعيشية، وبناءً على ذلك يستطيع الباحث الجغرافي إنجاز هذه المهمة بكل يسر، بالاعتماد على مقياس جودة الحياة التي يشخص فيها حالة المواقع من جميع جوانب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والخدمات التي تقدم فيها ,ذلك ان عمل الجغرافي يهتم بتحديد الخصائص التي تمكنه من تحقيق اضافات تتعلق بتحديد المناطق المتأزمة واقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها وكذلك تحديد المناطق الجيدة وكيفية الاستمرار في تحسين أوضاعها باستخدام الوسائل العلمية الحديثة
 

شارك هذا الموضوع: