لم يمضي وقت طويل على انطلاق برامج التكنلوجيا الحديثة وادواتها المعاصرة التي اتسمت بالسرعة الفائقة والتنوع اللامتناهي والترابط الشديد والذي بات يغطي جميع مفاصل الحياة وجزئياتها الصغيرة بدءا من الفرد وانتهاءا بالدولة حتى برزت مفاهيم تحمل طابع الإنسانية والعقلانية ذات طابع تكنلوجي بحث في مجال تخطيط المدينة وتدعوا الى إعادة النظر في التعامل معها بأساليب وتقنيات اكثر إنسانية وعقلانية وتحذر من اهمال المدن وجعلها خارج نطاق ادارة التكنلوجيا الحديثة والخروج على النظريات الكلاسيكية التي ترى من المدينة كيان (مادي) بحت يتجسد في هيكلها الفيزياوي – المورفولوجي دون النظر الى بعدها (الافتراضي) اللامادي الذي طورته تكنلوجيا المعلومات بشكل سريع واصبح هذا البعد هو الممثل الشرعي للمدينة في عالم تقوده التكنلوجيا والمعلومات وشبكات الانترنت ، فلا معنى لوجود كيان مادي هامد دون نسخة افتراضية تجسد كل فعالياته الحضرية وخصائصه المكانية والوظيفية عبر الفضاء الافتراضي الواسع الذي كان ينظر اليه الى فترة قريبة جزءا من عالم الخيال العلمي والمستقبل المجهول ، الا ان التكنلوجيا الحديثة حولته من خيال علمي الى واقع علمي معاش ومتفاعل ومؤثر وقادر على تمثيل الظواهر بأفضل صورة ممكنة ، ومن هنا بدءات الأفكار التي تتعلق بتخطيط المدن تتبلور وفقاً للسياق الافتراضي ومتطلباته العلمية وهنا في هذا المقال نحاول ان نبحث اهم الاتجاهات العلمية التي تعنى بتخطيط المدن والتي ظهرت ابان بروز عصر التكنلوجيا والمعلوماتية واهم انعكاساتها على تخطيط المدينة المعاصرة .
لقد حازت عملية دمج التكنلوجيا بالخطط المعاصرة للمدن بأهمية بالغة في عملية الارتباط المنطقي بين المدينة وتطلعات البشرية نحو المستقبل اهتماماً كبيراً من قبل مخططي المدن وأخذت المدينة في حساباتها مراعاة هذه العلاقة عبر تاريخها الطويل بأسلوب نابع من ايمانها بحقيقة وازلية العلاقة الوطيدة بين الاثنين ، فهيكلية التحضر العالمي مرتبطة كلياً بواقع نظريات الفكر الانساني وتغيراتها الأيكولوجية ، لذا يعد البعض الاتجاه الانساني عامل تغير ذو معنى في المدينة اذ تضفي الفلسفة الانسانية اهمية كبيرة لأدراك الانسان وقدراته وابداعه المستمر في الاطار الحضري المتمثل بالمدينة فكل ما يطور الانسان لأنماط حياته يحاول ان يحاكيه في نماذج حضرية متطورة لذا طورت هياكل المدن المعاصرة لتكون اكثر ملائمة لمستقبل حضارتنا ، وتقبل أفكارنا التي تمتاز بالنمو السريع متأثرة بأنماط التنمية والتحضر السريعين وكذلك فبدأت المدن تغيير انماطها استجابة لمتغيرات المناخ العالمي بأساليب واشكال من العمارة والتخطيط الجديد بما يتناسب وظروفها المناخية والطبيعية ، وهي بذلك تؤكد ديناميكيتها وقدرتها على البقاء والتكيف من ناحية ، وامكانيتها على احتضان النظريات والنماذج الحديثة للتحضر من ناحية أخرى ، لقد اخذت المدينة المعاصرة شكلاً قد يختلف عن بقية الادوار التاريخية التي مرت بها ، فاقتصاديات المستقبل واثاره الاجتماعية السريعة والاتصالات وتكنولوجيا الطاقة والنقل وانماط الاستيطان والخدمات الجديدة وبقية التطلعات البشرية جميعها اسهمت في نقل صورة المدينة وحياتها من شكل الى اخر اكثر تعقيداً وتحدياً من ذي قبل ، فقد زادت عملية تفاعل السكان بالمدينة عبر وسائل وادوات مختلفة اضفت سمة ذاتية – اجتماعية معاصرة للسكان ، فتطور الخدمات ( انواعها ، اشكالها ، انماطها ، طرق تقديمها) زاد من حدة هذا التفاعل الحضاري الكبير، كما اسهم في النمو السريع والهائل في تلك الادوات التي انتجتها المدينة لتواكب حركة التفاعل الانساني بأبعادها وصورها كافه وما نشهده اليوم من ثورة توصف بانها معلوماتية شاملة بدأت تغير وجه العالم تماماً عما كان عليه في السابق ، بدرجة يمكن معها القول بان ما احدثته هذه الثورة الرقمية من تراكم عظيم في للبيانات والمعلومات وطرق ادارتها ، يفوق ما قطعته البشرية جمعاء طوال تاريخها الموغل في القدم ، ومن هنا يمكن القول ان التكنلوجيا المعاصرة فرضت واقعا تخطيطيا جديدا امام متخذي القرار التخطيطي للمدينة لا يمكن من السهولة تخطية او التغاضي عن دوره الفعال، فاصبح القرار التخطيطي مرهون بما تنتجه التكنلوجيا المعاصرة من برامج وتطبيقات وتقانات وأساليب رقمية تدخل في تنظيم وتطوير منظومة الخدمات العامة في المدينة وتحسن من أدائها من ناحية وتسهل الوصول للخدمات من قبل المستلك الحضري عبر تطبيقات رقمية متاحة تنشر عن طريق شبكة الانترنت العالمية ، لقد تاثر تخطيط المدن المعاصرة بالعديد من الطفرات التكنلوجية والبرامجيات وباتت اغلب دول العالم لا تخطي خطوة واحدة اتجاه فهم المستقبل ما لم تستعن بالواقع التكنلوجي المعاصر ونشات تيارات فكرية جديدة في مجال تخطيط المدن تدعوا الى تحول سريع في واقع ومتطلبات المدن المعاصرة نحو العالم التكنلوجي (الافتراضي) الذي يمكن المدينة ومخططيها تحقيق المزيد من التطور والفهم في عمليات تنظيم فعاليات المدن وتحسين قابلياتها ، فتخطيط المدينة في عصر التكنلوجيا يختلف تماما في عصور ما قبل الانترنت ، فقد اصبح هيكل المدينة العمراني والخدمي والوظيفي شفافا اكثر من أي وقت مضى وباتت شاشات الحواسيب والهواتف المحمولة هي المستوعب الحقيقي لفعاليات المدن وخرائطها بدلا من خرائط المدن الورقية وأصبحت عمليات تشخيص الأخطاء والمعوقات اسهل من ذي قبل ، وخلاصة القول فان التكنلوجيا المعاصرة فتحت أبواب ومجالات تخطيطية لا حصر لها ولا عد امام اندماج المدينة بالعصر المعلوماتي والرقمي الذي يساعد المدينة الى الولوج الى عصر الرقمنة والتحول الرقمي الذي يتناسب بشده مع الواقع التكنلوجي المعاصر .
المراجع :
Nicos Komninos1 URENIO (2006) ”Technology and Intelligent City Strategies in Saudi Arabia, Published as: Komninos N. ‘Intelligent by Design: Technology and intelligent cities in Saudi Arabia’, Think: Global Issues in Perspective, Νο9.p:67 . Pdf.
Springer International Publishing AG,(2017) ”The Rise of the Smart City ” L.G. Anthopoulos, Understanding Smart Cities: A Tool for Smart Government or an Industrial Trick? Public Administration and Information Technology 22, http://www.springer.com/978-3-319-57014-3. Pdf.