إن العقبات والتحديات التي تواجه الحوار الثقافي تكمن في مدى اختراق الخطاب الموجه و الذي يشمل جميع استخدامات اللغة وانتشاره في الفضاء المعرفي الذي يملكه الغرب ويحيطه بثقافته ولغته وطريقة تفكيره. إن أي اختراق معرفي ناجح هو بمثابة احتالل مساحة معرفية في فكر ووعيها، لكن هذا التأثير الخطير مرتبط ارتباطا المفكر بالفكر ً وثيقاً الثقافة الغربية بمدى معرفة
الغربي ومراعاته لخصوصية القراء الفكرية والثقافية ومحاولة محاكاة تفكير الغرب قدر اإلمكان
مع استخدام األساليب البالغية والجدلية المقبولة والمنتشرة في خطابهم الفكري بشقيه التحليلي والنقدي و من أهم ما يميز التفكير الغربي أو الكتابة الفكرية الغربية هو االلتزام بـاألسلوب المبني غالبا المنطق االستنتاجي المبني على المقدمات العامة والشائعة أو المقبولة ً الجدلي على
في سياقات خطابها المتعددة، والتي ال تلتزم بشكل معين متكرر دائما هايات ،ً أو تؤدي إلى ن
ملزمة ، أي االستهالل بفكرة أو حجة عامة واضحة تحدد الموضوع المحدَّد المراد طرحه ثم دعم الفكرة أو الحجة الرئيسة بالبراهين واألدلة واألمثلة التفصيلية وهنا تظهر أهمية المقدمة الفكرية المنطقية العامة واهتمام القراء الغربيين بها حيث تعد قوة صياغتها ووضوح تسلسلها المنطقي من أهم عوامل قبولها والتأثر بها. أما الجزء التفصيلي والتحليلي، فباإلضافة إلى غلبة األسلوب فإنه عادة ما يحافظ أيضا والوضوح والعمق، ً على مستو ًى االستنتاجي عليه عال من القوة
والتسلسل والترابط المنطقيين لألفكار والحجج العامة المطروحة في المقدمة.
إن الفلسفة هي محور حركة الخطاب الفكري عند الغربيين وأساس بناء النظام المعرفي والنظري ً في العلوم اإلنسانية ،
خاصة وأن لها خصائص معرفية محددة ترتبط بغيرها من المفهومات في
الحقل المعرفي الواحد، وفي المؤسسة العلمية أو األكاديمية الواحدة، في سياقات ثقافية واجتماعية تاريخية وإيديولوجية تنفي عنها صفة المطلق الزماني والمكانيمحددة، ومن ثم فإن لها أبعادا ، ً
إذ إن الفلسفة قد نشأت في الغرب، ثم ُص دِّرت وشاعت في الخطاب الفكري العربي حيث أن
معانيها ودالالتها تختلف أو تتحول ولو بشكل جزئي باختالف سياقات استخدامها الثقافية والتاريخية. تعتمد الدراسات الفكرية عن الغرب على الطروحات المعرفية في العلوم اإلنسانية واالجتماعية، كالكتابة الفلسفية والتاريخية والنفسية واالجتماعية والسياسية، ونظريات اللغة واألدب والنقد، والدراسات الثقافية وغيرها. وأهم ما يميز الخطاب الفكري في الدراسات
غالباً اإلنسانية واالجتماعية الذي يخلو من األسلوب السردي أو القصصي الذي يعتمد عليه الخطاب األدبي، هو طغيان األسلوب الجدلي التحليلي والنقدي وهذا بدوره يختلف عن األسلوب الوصفي التوضيحي الذي يطغى على الخطاب العلمي )في العلوم الطبيعية( وأن حتى العلوم
البا ، فإنها ً منهجية البحث العلمي التجريبي المعتمدة غالباً اإلنسانية والتي تتبع غ على االستقراء
تعتمد في صياغتها وعرضها النظري على الجدل االستنتاجي والتحليلي، ونتائجها أقل قطعية وموضوعية من نتائج العلوم الطبيعية التي تستخدم المنهج التجريبي، عالوة على اعتناء خصصوا له حقوالً معرفية وأكاديمية مستقلة، مثل النقد األدبي الغربيين بالنقد حيث أنهم
والثقافي والبالغي، التي لها نظرياتها الخاصة بها، والتي تمتاز عن نظريات الحقول األخرى في العلوم اإلنسانية، فضالً عن الطبيعية، باعترافها بأهمية النظرة الذاتية للناقد،
والتجربة الشخصية للمؤلف واالعتماد عليهما و تحليل المفهومات و تفكيكها، وتبسيطها، وتحديد العالقات بينها وبين أجزائها.
أن التنظير في العلوم اإلنسانية الغربية اتسع بشكل كبير بحيث إن من غير السهل متابعة النظريات المستجدة في المجال الواحد، ومعرفة تاريخها وعالقاتها مع النظريات األخرى القريبة، وهذا بال شك يُثقل كاهل المفكر المهتم بالحوار الفكري إذ ال بد من اإللمام بالحد األدنى من هذه النظريات التي تشكل جزءاً مهماً وأساسياً من نظام اآلخر المعرفي، وغالباً ما يُعرف
الكتاب الفكري الناجح والمؤثر في صفوف المثقفين والمتعلمين الغربيين بقوة طرحه النظري وكثافته، ومعرفة صاحبه العميقة بالنظريات المهمة في الموضوع المتناول ، ومما يميز الكتابة الفكـرية لدى الغربيين االهتمـام وااللـتزام بـ وحدة الموضوع المبني عبى من المفهومات العامة
يكون على شكل مفهوم رئيس أو عدة مفهوماتحيث يتناول الكتاب الفكري عادة موضوعاً واحداً
بالمفهوم الرئيسرئيسة تنسج حولها مفهومات أخرى جانبية، وترتبط هذه المفهومات جميعاً
بحجج فكرية وبأساليب تحليلية متنوعة إذ يشكل المفهوم الرئيس الخط الفكري الذي ينتظم حجج الموضوع وبالتالي مفهوماته بحيث إن الحجـة الرئيسية للموضوع تكـون فكرة واضحة ومتكاملة،
أو مقابالًخرى مطروحة سلفا . ً
تأتي ردا لها ً على حجة أ
إن العالقة التبادلية بين الكاتب والقارئ والتي تنشأ عن طريق النص تكون أثناء كتابة النص ال بعدها إذ انها تشكل الخطاب وتحدد معالمه وأبعاده وجوانبه المتعددة المعرفية واألسلوبية على حد سواء أي إن إيديولوجية القارئ ومعرفته الخاصة عن الموضوع أو معرفته العامة عن المفكر والثقافة األخرى، وأفكاره وقيمه ينبغي أن تسهم بشكل كبير في صياغة النص أثناء الكتابة كما و ينبغي االهتمام بـاألسلوب الجدلي التحليلي والنقدي المبني على األسس العقلية، أو الحقائق الشائعة المقبولة في ثقافة القراء الغربيين ومجتمعاتهم، والتي بالتالي تخاطب وتؤثر في قطاع كبير من متعلميهم فضالً عن المثقفين منهم أو المفكرين