التلوث الضوئي …. مفهومه….. اشكاله ………. تأثيراته………..
أ.م.د. اسراء طالب جاسم
يعد التلوث الضوئي واحداً من اكثر المخاطر البيئية التي لا تتم ملاحظتها، وتم وصف هذه الظاهرة لأول مرة من قبل علماء الفلك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي والذي تم تعريفه في بادئ الامر على انه سطوع سماء الليل بسبب الإضاءة الاصطناعية وقاموا فقط بالبحث في تأثيره على المعلومات الفلكية ومتابعة النجوم، لكن بدأ فيما بعد ملاحظة تأثير التلوث الضوئي على النظم البيئية من خلال تأثير الضوء الاصطناعي بشكل مباشر او غير مباشر على البيئة، وفي الثمانينات تم تقديم مفهوم التلوث الضوئي باعتباره تدهور البيئة الطبيعية عن طريق الإضاءة الاصطناعية، لذلك فقد عنيت الكثير من الدراسات بتعريف التلوث الضوئي من هذه التعريفات عرف على انه التغيرات في المستوى الطبيعي للمشهد الليلي بسبب الضوء الاصطناعي المنبعث من مصادر بشرية والناجمة عن فائض الضوء القادم من مصادر الضوء المصممة بشكل غير صحيح او التي تتجاوز تلبية احتياجات الإضاءة الأساسية وتصبح ضارة ومزعجة، او انه وهج السماء الناتج عن تشتت الضوء الاصطناعي في الغلاف الجوي، اما الرابطة الدولية للسماء المظلمة فقد عرفت التلوث الضوئي بانه الاستخدام المفرط غير المناسب للإضاءة الاصطناعية.
اما اشكال التلوث الضوئي فهي:
– الوهج السماوي: يعرف وهج السماء بانه الهالة الساطعة التي تظهر فوق المناطق الحضرية ليلاً التي تستخدم عدد كبير من مصادر الإضاءة والتي تنعكس في السماء، وبسبب وجود قطرات الماء او الغبار والهباء الجوي في الغلاف الجوي يتبدد الضوء مما يضيء السماءس، يعد توهج السماء مشكلة خاصة لعلماء الفلك فمن المرجح ان يتم عدم قدرتهم على مراقبة السماء فهي ظاهرة لا يمكن فيها رؤية سماء الليل الطبيعية لذلك أصبحت معظم المراصد الفلكية محاطة بمناطق ذات قيود صارمة تمنع انبعاثات الضوء، اذ فقد اكثر من نصف سكان أوروبا وثلتي سكان الولايات المتحدة القدرة على رؤية درب التبانة بالعين المجردة، وفي عام 1994 عندما أدى زلزال إلى انقطاع التيار الكهربائي عن لوس أنجلوس أفاد العديد من السكان برؤية سحابة عملاقة غريبة في السماء المظلمة في الواقع، ما كانوا يشاهدونه هو مجرة درب التبانة، التي كان وهج الأضواء الحضرية يحجبها عن الأنظار.
– التوهج : يُعرف بانه التأثير الناتج عن الضوء الاصطناعي الساطع عند تسليطه على العينين بشكل مباشر او غير مباشر، ويحدث التوهج نتيجة للتباين المفرط بين المناطق المضيئة والمظلمة في مجال الرؤية ويمكن للتوهج ان يحجب الرؤية الليلية لمدة تصل الى ساعة بعد التعرض للتوهج بسبب التباين العالي بين المناطق المظلمة والمضيئة اذ من الصعب تكيف العين البشرية مع الاختلافات في السطوع وهذا ما يحدث في الطرق بسبب الإضاءة الساطعة او اضاءة السيارات فقد تؤدي الى حجب الرؤية للسائقين او المشاة وتسهم في وقوع الحوادث.
– الإضاءة الزائدة: هو الاستخدام المفرط للضوء الاصطناعي بشكل يتجاوز بكثير ما هو مطلوب لنشاط معين مثل إبقاء الأضواء مضاءة طوال الليل في مبنى فارغ، وتوضح بيانات الطاقة ان حوالي 30 الى 40% من الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة تستهلك في الإضاءة.
– التعدي الضوئي: وهو شكل من اشكال التلوث الضوئي ويحدث عندما لا يضيء مصدر الضوء المنطقة المخصصة فحسب بل المنطقة المحيطة ايضاً مما يؤدي الى اضاءة المنطقة التي ربما قد تكون مظلمة مثال ذلك ضور المصابيح الخارجية التي تضيء الأجزاء الداخلية للمنازل من خلال مرور الضوء عبر النوافذ.
– الاضاءة الفوضوية: وهو شكل من اشكال التلوث الضوئي الذي تشير الى التجمعات المفرطة للأضواء اي يكون فيها عدد مصادر الضوء في منطقة معينة تتجاوز الاحتياجات، وتؤدي هذه التجمعات الى حدوث ارباك وصرف الانتباه وتسبب الحوادث وممكن ان نلحظ  هذه التجمعات الضوئية في المناطق السياحية او الطرق او الملاعب الرياضية او عند وجود الإعلانات ذات الأضواء الساطعة على الطرق.
تاثيرات التلوث الضوئي
لقد اكدت الدراسات ان للتلوث الضوئي اثار سلبية على صحة الانسان إضافة الى تأثيراته على البيئة الليلية التي تؤثر على الوظائف الفسيولوجية للنباتات والحيوانات من خلال تأثيرها على التعايش والهجرة والتكاثر وعلى عمليات التمثيل الغذائي .
تأثير التلوث الضوئي على الانسان: هنالك ادلة قوية تبين ان للضوء الاصطناعي تأثير على صحة الانسان ومن اهم هذه التأثيرات هي: –
  1. بما ان الجسم ينتج الميلاتونين ليلاً، وتنخفض مستوياته بشكل حاد في وجود الضوء الاصطناعي او الطبيعي وان انخفاض مستويات انتاج الميلاتونين الليلي يؤدي الى تعطيل الدورة البيولوجية وهي السبب في العديد من الامراض مثل امراض السكري وأمراض السرطان.
  2. اضطراب الساعة البيولوجية تؤثر دورة الليل والنهار المكونة من 24 ساعة على العمليات الفسيولوجية في جميع الكائنات الحية وتشمل العمليات الفسيولوجية (أنماط موجات الدماغ، انتاج الهرمونات، تنظيم عمل الخلايا، وتنظيم عمل الغدد الصم العصبية، اضف الى ان الدورة البيولوجية تتحكم بين (10-15%) من جيناتنا) لذا فان أي خلل في هذه الدورة يسبب الكثير من المشاكل الصحية التي من أهمها الاكتئاب والارق وامراض القلب والاوعية الدموية والسرطان، واظهرت الدراسات ان التعرض للضوء اثناء الليل يمكن ان يعطل فسيولوجية عمل الساعة البيولوجية.
  3. اثبتت الأبحاث وجود علاقة بين الضوء الاصطناعي واضطرابات النوم التي تعمل على حدوث خلل في الساعة البيولوجية للإنسان وهذا له دور بانخفاض جودة النوم وزيادة مستويات القلق التي لها دور في ظهور امراض تؤثر على صحة الانسان منها امراض القلب والسكري والسرطان.
  4. بينت الدراسات ان فوتونات الضوء يمكن ان تضرب شبكية العين للأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة على الضوء، اذ ان الضوء المكثف يؤدي الى الاجهاد البصري والعمى المؤقت بسبب دخول الضوء الى مجال الرؤية.
بالإضافة الى ذلك فان التلوث الضوئي لا يقتصر تأثيره على المناطق الحضرية وانما يمتد تأثيره الى الحياة البرية فيؤثر على النباتات والحشرات والسلاحف والطيور والاسماك والزواحف، فانه يمكن ان يغير السلوكيات ومناطق البحث عن الطعام ودورات التكاثر، ان التلوث الضوئي يؤدي الى تغيير عملية التمثيل الغذائي للنباتات اذ لم تكن في مكان مظلم لفترة من الوقت مما يؤدي الى بطئ عملية التمثيل الغذائي بالنهار بسبب توقف اطلاق هرمون الفوتوكروم وبالتالي إبادة النباتات، تعطيل الشبكات الغذائية والنظم البيئية من خلال تغيير البيئة الليلية للعديد من الحيوانات الليلية مما يعطل قدرتها على الحركة فعلى سبيل المثال يمكن ان تقدم السلاحف البحرية مثالاً على كيف يمكن للضوء الاصطناعي على الشواطئ ان يعطل السلوك، تضع العديد من أنواع السلاحف البحرية بيضها على الشواطئ وتعود بعد فترة الى الشواطئ التي وضعت فيها بيضها ولا يتم تعشيشها اذ لم يصبح موطن تعشيشها مظلماً، اضف الى ذلك أيضا لا تتمكن صغار السلاحف البحرية من العثور على المحيط عندما تكون الشواطئ مضاءة فتصبح السلاحف مشوشة وتتجه نحو مصدر الضوء الاصطناعي.
ايضاً تتأثر الضفادع من خلال منع نداءات التزاوج عند تعرضها للضوء المفرط، ويتغير سلوك التغذية لدى الخفافيش أيضاً عند تعرضها للضوء المفرط، يقول (تشا مور) مدير برنامج (National Park Service) ان عدم حماية الليل سيدمر موطن العديد من الحيوانات، أيضا يمكن للأضواء الساطعة تعطيل سلوك الطيور فمن خلال هجرتها يتم الخلط اثناء المرور بالقرب من المباني ذات الإضاءة الخافتة وابراج الاتصالات وغيرها من الهياكل ويسبب اصطدامها بالمباني، وفي دراسة قدرت عدد الطيور التي تموت بسبب الاصطدامات بناطحات السحاب والمباني في جميع انحاء أمريكا الشمالية سنوياً من (98 مليون الى ما يقرب من مليار) ويزداد الامر خطورة ان بعض الطيور صنف من الأنواع المهددة بالانقراض.
اضف الى ذلك فان للتلوث الضوئي تأثيرات اقتصادية من خلال الإهدار الكبير للطاقة اذ ان الإضاءة مسؤولة عن ربع اجمالي استهلاك الطاقة في العالم.  

شارك هذا الموضوع: