أساليب المستشرقين في التشكيك في التراث العربي 
                                                     أ.د. عباس جبير سلطان التميمي 
من هذه الأساليب أسلوب التشكيك في المنظومة الفكرية العربية التي أنتجتها ، وحققت أغراضها بعد صراع مرير ، سواء كان ذلك في ولادتها أو في تحقيقها لأغراضها ، وخاصة أن هذه المنظومة وصلت إلى كنيسة تور الفرنسية عام 114هجرية وهددت المنظومة المسيحية في أوربا ولكن عد\م التخطيط والاستعداد الكامل لهذا الأمر أدى إلى فشل هذا المخطط وتمثل ذلك في خسارة العرب فغي معركة بلاط الشهداء ، فقد وقفت كل أوربا أمام هذا القادم من الشرق الذي يحاول أن يعيد المفاهيم ويضع أسس جديدة في التعامل الإنساني ، ولكن القدر لم يسعفه ، وهكذا خسارة المنظومة الفكرية العربية فرصة لم تتكرر بسب عدم التخطيط والانفراد بالرأي والهدف الضيق المتمثل بالحصول على الغنائم ، ولكن هذه الخسارة العربية  فتحت الباب لأروبا الطامعة  في التدخل في شؤون الشرق وخاصة العربية ، في الوقوف على ذرات التكوين لهذا الفكر الجريء ، ومنذ ذلك الوقت أخذت تهتم به بشكل تفصيلي  ، تبحث بين جزيئياته الكلية عن نوافذ تخترقه من خلاله للوصل إلى منبع تدفقه لتضع السم في ذلك المنع من أجل إيقافه عن الإنتاج وابتعاد مواطنيه عن التمسك به ، وكان أول هذه المنابع : 
  • القرآن الكريم ، من خلال آياته التي تحث على القتل والعقوبة أو التي تحث على تعدد الزوجات وغيرها من آيات غير أبهين بقدسية النص القرآني ، وهم يفسرونها على ظواهرها ومن فكر غربي له نظامه الخاص به وظروف ولادته وبيئته ، وقد هيأ لهم هذا الأمر المفسرون الذين جاْت تفاسيرهم غير موحدة من جانب ، ومن أخر تقع تحت طائلة الذهبية . 
  • التشكيك في صدق الرسالة النبوية: حيث تم الطعن بصدق هذه الرسالة ، من خلال أنكار المواطن الأوربي أن يكون النبي محمد من الأنبياء ، وأن ما يوحى إليه هو نوع منم الوهم ، فأرجعوا أن ما يقوم به الرسول محمد (ص) أثناء نزول الوحي عليه هو نوع من الصرع ، كان ينتابه ، وقد أتهمه البعض منه المستشرقين أنه مريض نفسياً ، ومنهم أن ما يقوم به الرسول محمد هو نوع من التخيلات كانت تملئ ذهنه، وطعنوا بالقرآن وقالوا أنه من تأليفه ، وهكذا بنى المستشرقون بحوثهم على السطحية بدون أدلة ، حول الوحي والقرآن والعبادات  ، متناسين أن هناك أنبياء قبله (ص) مروا بنفس ما كان يمر به الرسول الأعظم . 
وأساليب المستشرقين في هذا الأمر  ، كانت متشابه إلى حداً كبير بأساليب قريش عندما حسوا بالخطر على مصالحهم ، حيث وجد المستشرقون أن الإسلام لم يأتي للعرب فقط كما في الديانة واليهودية  و المسيحية ، وإنما جاء للبشر كافة وهذا يعني التخلي كن كل ما أرثوه من كم هائل من الماديات والسطوة والبناء الفكري ، لبناء جديد يعيدهم إلى بداية الطريق وجعل الإنسانية متساوية في الحقوق والواجبات ، من خلال ما تم تفصيله في كتاب الله العزيز القرآن الكريم ، وكان الوقوف الأول ضد هذه الدعوة في أوربا وغيرها من قبل رجال الدين من الرهبان والقساوسة من أمثال ” رايموند لل ” رئيس أسقفية طليطلة وحاكم مدينة كاستل سنة 1130 -1150م ، وكذلك المدعو ” بيتر ” الذي أسس منظمة تدعوا  إلى لوم المسيحين على التعاون مع المسلمين ومهادنتهم والعيش سواسية معهم ، وكانت بداية هذا الحاقد القيام بترجمة القرآن إلى اللاتينية ، للوقوف على نصوصه  ودراستها ومن ثم ضربها والطعن فيها .  
ومن أساليب المستشرقين في ضرب الإسلام ، كيف بنبي أمي أن يأتي بهذه المعلومات العميقة في التاريخ وعن أمم بائدة لم يعاصرها ولم يخرج عن مكانه ، وإنما أستمد معلوماته من أناس كان يخبرونه بذلك ، والقرآن أشار إلى ذلك بقوله تعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103.
ومن أساليبهم أنكار الدين الإسلامي ، أن الدين الإسلامي ليس دين من عند الله ، وإنما هو دين ملفق من الأديان الأخرى السابقة له ، وليس لهم سند علمي  في ذلك  ، وإنما هي ادعاءات أخذوها من متشابها بين الأديان السماوية والتي تلتقي في كثير من المحاور كاليهودية والمسيحية متناسين أن هذه الأديان تكمل بعضها البعض . 
  • التشكيك بالحديث النبوي الشريف : تم التشكيك بالحديث الشريف ، مستندين في ذلك أنه لا يمكن أن يصدر من نبي أمي هذا الكم الهائل من الاحاديث ، بل هو من عمل المسلمين خلال ثلاثة قرون الأولى ، فمن المستشرقين  من يقول أن : أن السنة لم تدون إلا في منتصف القرن الثالث الهجري كالبخاري المتوفى 256هجرية ، والصحيح أن أول من دون في السنة هو الزهري ( المتوفى 124هجرية ) ثم مالك  المتوفى 179هجرية ) ولم يكن البخاري أول من دون ، أما ما يخص فضائل الصحابة ، فقد وضعها أنصارها على لسان الرسول (ص) ، وشككوا في روايات الصحابة كأبيس هريرة ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومن أثال هؤلاء المستشرقين الذين أبحروا بهذه التفصيلان والجزئيات المستشرق جولد سيهر ودجالون .
  • التشكيك في الفقه الإسلامي ومكانته  : ويستمر التشكيك في أنتاج الفكر العربي ، وذلك بسبب الغيض الذي يحمله هؤلاء المستشرقون من خلال الكم الهائل الذي تم أتناجه في هذا الحقل التي لم تقدر أمة من الأمم أن تأتي بمثله أو كمه أو تفصيلاته وشروحه في كافة الأديان والحضارات مما أثار حقد هؤلاء على هذا الموروث ، مما حدى بهم الأمر إلى هذا الموروث هو من الفقه مستمد من التشريع الروماني ؛ أي أن امتداده غربية ؛ أي من الغرب ، وتم دحض هذا الادعاء من قبل علماء المسلمين من خلال مؤتمر لاهاي في بولندة عام 1899م . 
  • التشكيك في اللغة العربية : فقد تم التشكيك باللغة والأدب ، وما قام به الاستعمار الفرنسي الجزائر وتونس في ألغاء اللغة العربية له دليل على ذلك ، ومع الأسف اليوم في كثير من بلدانا العربية ومنها العراق الابتعاد عن اللغة العربية ، وخاصة من قبل المثقفون والدارسون ، عندما يطعمون لغتهم بمصطلحات أجنبية  ، وهذا ما يسعى إليه الاستشراق الخبيث . 
  • التشكيك في التراث الحضاري ،  شككوا في حضارة العرب وفي تراثهم ، من خلال ادعائهم ، بأن الحضارة العربية هي حضارة مستنسخة من الحضارة الهلينية التي كانت قائمة في الشرق وتأثرت بها ، وخاصة بعد فتح الإسكندر للشرق ، ولم يكن العرب سوى حمالون لفلسفة تلك الحضارة وإنتاجها وتراثها ، ولم يكن لهم أي أبداع فكري ولا ابتكار حضاري . 
  • زرع الفتنة بين القوميات والطوائف الإسلامية ، من خلال أثارت الخلافات التاريخية والسياسية الدينية سواء كانت قبل الإسلام أو بعده ،  والتأليف بها وتفصيلها وإيقاظها وكأنها تعيش اليوم  ، مما يؤدي إلى قتال المسلمون مع بعضهم البعض ، أو خلق أفكار بائدة يتبناها البعض على شكل فصائل أو منظمات  لتطبيقها في الوقت الحاضر ك (داعش ) وهو أنتاج استشراقي بامتياز. 
أما ما يخص تقسيم العرب والوطن العربي إلى خلايا متضادة ، هو الآخر من أفكار الاستشراق ، عندما وجد أن قوة العرب في أتحادهم ، سعى لوضع الحلول أمام حكوماتهم للقيام بهذا الأمر وتقسيم العالم العربي إلى مجموعة من المتناقضات العربية بل وولد أورام في خرائطها كورم فلسطين وورم الكويت ، وورم الأحواز وورم الاسكندرونة ، وورم السودان وكثير من الأورام في جسد الأم، وهذا الأمر تم بعد القضاء على الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ، وتمثلت ذلك بمعاهدة سايكس بيكو . 
وهكذا حقق الاستشراق أهدافه في سلب الفكر العربي ومحاولة القضاء عليه ، ومحاولة قتل الشخصية العربية واستعبادها ، من خلال خلق الحروب في تلك البلدان العربية ، وهجرة كفاءاتها ، اليهم وهجرة الحرفين وهجرة الآخر لخدمات وخدمتهم ، وبهذا حقق هؤلاء غرضهم من خلال دراستهم للمنظومة العربية بكل تفاصيلها .   

شارك هذا الموضوع: