جامعة كربلاء -كلية التربية للعلوم الانسانية – قم التاريخ
قال بعض من الاقتصاديين ان الاقتصاد الاسلامي ما هو إلا اقتصاد توزيع ، مستدلين في مذهبهم هذا على نتاج فكري لجمهور من علماء الامة إذ اختصت بعض ابواب مدوناتهم – كتب الحديث والفقه مثلا – على طرق استيفاء الضرائب الشرعية وحدودها ، ومنثم اعادة توزيعها في مستحقيها بحسب ما اورده القران الكريم بوصفه المرجع الرئيس ، فهو – اي الاقتصاد الاسلامي – لا يشتمل على فلسفة العلاقات الاقتصادية ، ولم يتطرق الى انماط الاقتصاد ، مثل بقية النظريات الاقتصادية الوضعية – الرأسمالية والماركسية … الخ – بمعنى اقتصاد يرتكز على عادة توزيع ، وهذا كلام يناقض نفسه لان اعادة التوزيع ما تنتج إلا بعد ظهور فائض انتاج ، والمهم فواقع الفلسفة الاسلامية غير ذلك ، ومع ان شرح هذا المفهوم يحتاج الى مدونة لا مقال ، لكن سنوجز محاولين الاجابة باختصار شديد ، منطلقين من علة صيرورة الاقتصاد في الفكر الاسلامي وفلسفته التوحيدية ، فهي نابعة من الغاية التي من جرائها قامت الموجودات ، وغايتها تلك الانسان ( الخليفة ) لذلك قسمت هذه الموجودات الى موجودات ضرورية واخرى لازمة ، لان من جرئها تتحقق استمرارية الانسان ( الخليفة ) كما ان سبيل الانتفاع بتلك الموجودات لا يمكن ان يكون إلا بعنصر العمل ، وبه وحده – اي العلم – تتحقق المنافع ، وأولى آليات الانتفاع هي التملك ، لذا نجد تراث الاسلام مليء بالإشارة الى الملك والتمليك والتمكين للإنسان من ادوات الانتاج واولها الارض ، ومن اهم تلك المآثر التي اشارت الى قول رسول الله صلى الله عليه واله كتب الحديث المختلفة ، وربما نجد ابلغ صورة واقعية توضح مفهوم ملكية وسائل الانتاج في الاسلام وصية امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لعامله على مصر مالك الاشتر رضوان الله عليه ، إذ تحدث فيها عن جميع اشكال الملك ، بحسب نوع النشاط وآلياته ، اي الملكية لأدوات العمل ووسائل الانتاج ، من آلة وارض وقوة عمل ، فنخلص من ذلك ان من جراء العمل وامتلاك وسائل الانتاج اصبحت تقام العلاقات الانتاجية ونماطها الاقتصادية ، ومن ذلك ظهرت الحاجة في الايديولوجية الاسلامية الى حركة الاقتصاد ، لكن هذه الحركة حكمتها قاعدة ايديولوجية ، وهي ما نطلق عليه اصطلاح قاعدة الفكر الاسلامي .
اختصارا نقول : كانت حركة الاقتصاد الاسلامي هي ابعد غورا وشمولية في فهم العلاقات الانتاجية وشرح انماطها لأنها نتاج العقل الكلي المطلق ، فلا مجال فيها للخطأ او القصور ، شرحها القرآن الكريم بوضوح بائن ، وعموما فالفكر الاقتصادي الاسلامي وغاياته يتحدد بالقوانين والصلة أو العلاقة التي تحيط الظواهر الاقتصادية ، واتباع سياسة معينة للوصول الى الهدف الاقتصادي في ضوء فلسفة معينة تمثل ذلك الفكر الاقتصادي .
وهذه لاتتم معرتها ووصفها إلا بمعرفة ثلاث نواحٍ هي :
الناحية الاولى – التحليل الاقتصادي ، ويراد به الكشف عن القوانين التي تحكم العلاقات الاقتصادية .
الناحية الثانية – هي السياسة الاقتصادية ومهامها دراسة السبل والوسائل لتطبيق تلك القواعد والقوانين .
الناحية الثالثة – هي معرفة عين الفكر الوضع للقواعد الاقتصادية ، وفي الاقتصاد الاسلامي العقيدة الاسلامية .
ومن هذه النواحي نستخرج العوامل التالية :
النظرية – وتشمل مجموعة القوانين .
ب – السياسة – وتشمل مجموعة الاجراءات الخاصة
ج – الايديولوجية – الفكر الذي على اساسه توضع القوانين .
مفاد القول : ان من ينظر لمقومات الاقتصاد الاسلامي على وفق ما قدمناه اختصارا سيجد الشمولية التي عنيناها ، وربما شاهدنا التاريخي الذي نسيقه استدلالا جيدا نافعا لفهم شمولية الاقتصاد الاسلامية هو وصية امير المؤمنين عليه السلام لعامله مالك على مصر ، ففيها تقييد واضح لشواهد ملكيات وسائل الانتاج سواء أكان من اصل النماء – الارض – او غيره ، وهذا يشمل وسائل الانتاج وادواته في مختلف فنون الصنائع من زراعة وصناعة وتجارة والمحققة للمنافع وقيم الانتاج المختلفة من تبادلية أم استهلاكية .
المصادر
البخاري ، صحيح البخاري ، البشرى ( كراتشي:2016م ) .
الشريف الرضي ، نهج البلاغة ، تحقيق الشيخ قيس العطار ، مؤسسة الرافد للطباعة ( قم :2010م ) .
الطوسي ، محمد بن الحسن ، الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد ، مطبعة الاداب ( النجف الاشرف : 1979م ).
وناس ، زمان عبيد ، دراسات في الفكر الاقتصاد الاسلامي ( عمان :2022م )