منذ ستينات من القرن الماضي ( القرن العشرين ) تقريبًا، أخذت أصوات المهتمين بالتعليم في عدد من البلدان المتقدمة ترتفع منادية بضرورة إعادة النظر في التعليم المدرسي وتوجيهه نحو تنمية مهارات التفكير والقدرة على التفكير عند طلبة المدارس، وقد اشتدت هذه الدعوة طيلة العشرين عامًا الماضية وصارت تعرف بحركة تعليم التفكير أو التعليم من أجل التفكير، ووضعت العديد من النماذج التي يسعى بعضها إلى تعليم التفكير بمعزل عن المحتوى، والبعض الآخر يعلم التفكير عن طريق دمجه في المحتوى بحيث لا ينفصل التفكير عن تعليم محتوى المنهج (السرور، 2005 ، 18).
حيث يمثل التفكير أعقد أشكال السلوك الإنساني، لأنه عملية غير ملموسة وغير مرئية، أن التفكير عملية أساسية من عمليات السلوك الذي يتسم بالذكاء فهو يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، وبه يتمكن الإنسان من تعديل سلوكه بما يتفق وظروف الحياة الاجتماعية التي يوجد بها (الشريف،2000 ،89 ) .
وتعتقد هارندك ( Harnadek, 1979 ) أن كل طالب يستطيع أن يتعلم كيف يفكر تفكيراً ناقداً إذا أتيحت له فرص التدرب والممارسة الفعلية في الصفوف الدراسية، وأن مجرد الانتقال من حالة الموافقة أو الرفض المباشر والسريع لفكرة ما يعد خطوة إيجابية في اتجاه تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلبة وعليه، فإن واجب المعلم أن يوفر لطلبته مناخا تعليمياً مشجعاً لا يشعرون فيه بالإحراج أو التهديد وهنا لابد من إبراز الدور الذي تلعبه العوامل الشخصية في التفكير الناقد، لأن لا مصطلح قد يعرف بصيغة الموضوعية الصارمة. ومن الأمثلة على ذلك القول بأن التفكير الناقد بشكله الصحيح هو تفكير موضوعي متحرر من أثر القيم الشخصية. بينما يشير بعض الباحثين في تفريقهم بين التفكير الناقد والحل الموضوعي العلمي للمشكلة إلى أن التفكير الناقد يتضمن عناصر من القيم والعواطف والأحكام الشخصية. وحقيقة الأمر أنه يصعب الفصل بين العوامل الموضوعية والشخصية في أي عمل يستهدف المعرفة، وأن القوة الدافعة التي تثير التفكير الناقد وتبقى عليه غالباً متجذرة في القيم والاستعدادات والمكونات الشخصية للفرد من ميول واتجاهات ودافعية.
فتعليم مهارات التفكير وتنمية أساليبها في المنهج المدرسي هو بمثابة تزويد الفرد بالأدوات التي يحتاجها ليتمكن من التعامل بفاعلية مع أي نوع من أنواع المعلومات أو المتغيرات التي تأتي في المستقبل ،وتشير كثير من الدراسات إلى أن هناك عدة أساليب في تعليم مهارات التفكير، حيث يرى بعض الباحثين أن يكون تعليم مهارات التفكير وعملياته بصورة مباشرة بغض النظر عن محتوى المواد الدراسية، بينما يرى آخرون أنه يمكن إدماج هذه المهارات والعمليات ضمن محتوى المواد الدراسية، وكجزء من خطط الدروس التي يحضرها المعلمون كل حسب موضوع تخصصه ( جروان، 1999، 27-28) .
ويمكن تعليم مهارات التفكير بشكل مباشر ومستقل ضمن برنامج مستقل خارج نطاق المنهج المدرسي حيث تعلم مهارات التفكير في مقرر دراسي قائم بذاته، وفي حصص مخصصة لها، ثم تمد الجسور ويربط بين هذا المقرر والمقررات الدراسية ( بخيت، 2000، 139)، وذلك بإتباع الخطوات التالية :
عرض المهارة بإيجاز.
شرح المهارة.
توضيح المهارة بمثال يختاره المعلم، وربط المهارة بقضية أو موضوع ما.
مراجعة خطوات التطبيق التي استخدمها المعلم في المثال التوضيحي.
تطبيق المهارة من قبل الطلبة بمساعدة المعلم.
المراجعة والتأمل في الخطوات السابقة.
وخلال التدريس يحاول المعلم أن يحصل على الاستجابات التي تسهم في إثراء تفكير الطلاب ،واستثارة عملياته وتلك الاستجابات تتمثل فيما يلي :
استجابات تأملية :
تعتبر الاستجابات التأملية هي محور لتعليم التفكير ، حيث تتطلب من الطلاب أن يفحصوا أفكارهم و أن يعيدوا صياغتها وذلك لتحليل الفكرة ، وإدراك العلاقة بينهم وبين غيرهم من الأفكار أو بين مكوناتها – أو بين الفكرة وأحداث في الحياة ، وقد يكون ذلك باستخدام الأسئلة التي تركز انتباه الطلاب على مكونات معينة من تفكيرهم ، فحين يفكر الطلاب في تفكيرهم يصبحون على وعي بكيفية ما يعملوا ويستطيعون تعديله تعديلاً قصدياً .
استجابات تتطلب تحليلاً :
ينبغي تضمين تلك الاستجابات مع الاستجابات التأملية ، يطلب من التلاميذ أن يحللوا أفكارهم حين يطلب المعلمون منهم ذكر أمثلة أو ملخصاً لما قيل أو السؤال عن البدائل أو تقديم عدة مقترحات لتصنيف بيانات معينة أو المقارنة بينها أو السؤال عن مسلمات معينة .
استجابات تتطلب تحدياً :
تلعب تلك الاستجابات دورا في إثارة التفكير لدى الطلاب ، ويمكن الحصول على تلك الاستجابات عندما يطلب المعلم من طلابه . أن يضعوا فروضاً وان يفسروا بيانات ويصدروا أحكاما وان يطبقوا المبادئ على مواقف جديدة ويصنعون فروضاً تنبؤية ويتوصلون لطريقة لاختبار تلك الفروض .
دور المعلم الجامعي في تدريب طلابه على عمليات التفكير وتقويمها تى يمارس الطالب مهارات التفكير على نحو صحيح في حياته اليومية ، يمكن للمعلم أن :-
يقدم الطالب مفهوم مهارات التفكير خلال المواقف التعليمية المختلفة ،و التي قد تتضمن أداء الطالب لبعض الأنشطة كإجراء تجربة عملية أو حل مسألة رياضية أو قراءة نص معين .
يهتم بالمهارات العقلية والوجدانية معاً في الموقف التعليمي الواحد ،فقد يتعلم الطالب مهارة التصنيف جنباً إلي جنب مع مهارة التروي ،فالتروي يساعد الطالب على مقاومة الاندفاع وتقدير نتائج سلوكه وإعطاء فرصة للآخرين لإبداء أرائهم والتأني والتريث في تجميع الأشياء المتشابهة معاً.
يتخير المهارة التي تلائم طبيعية الطلاب و طبيعة المهمة التعليمية ، و قد تتطلب مهمة في أحد الموضوعات ذات الطابع العملي ( كلية الهندسة ، كلية الطب ، كلية العلوم … الخ ) علوم بعض المهارات التي لا تتطلبها مهمة موضوع له طابع نظري كما في كليات الآداب والشريعة … الخ .
يدرب الطلاب على تحديد المواقف التي تفيد فيها كل مهارة من مهارات التفكير ، حتى يجعلهم المعلم أكثر وعياً بهذه المهارات ، فاخذ الطلاب قد يستخدم مهارة التقويم خلال قراءته لقصيدة معينة ،في حين يستخدم طالب أخر مهارة التفسير أثناء القراءة ، لذا ينبغي على المعلم تحديد الموقف الملائم لاستخدام المهارة.
يقوم مهارات التفكير لدى طلابه حتى يتأكد من فهمهم واستيعابهم لها ويمكن أن يتم من خلال ملاحظة المعلم للطلاب خلال المواقف التعليمية المختلفة ، ويحدد أي المهارات يتقنها الطلاب وذلك من خلال تطبيقها على مواقف غير صفية.
يراعي المعلم أن يميز بين الطالب كشخص وتقييم الأداء ، فالهدف هو تقييم الأداء دون المساس بشخصية الطالب ويتم ذلك بأسلوب موضوعي ، بتوضيح الجوانب الايجابية والسلبية في الإجابة .
يعد المعلم خطته في تغطية العمليات العقلية والوجدانية ويستخدم ما يراه مناسباً في الدرس .
اهم برامج تعليم مهارات التفكير
تتنوع برامج تعليم التفكير ومهاراته بحسب الاتجاهات النظرية والتجريبية التي تناولت موضوع التفكير. ومهاراته نورد ما يلي:
برامج العمليات المعرفية Cognitive Operations
تركز هذه البرامج على العمليات أو المهارات المعرفية للتفكير مثل المقارنة والتصنيف والاستنتاج، نظراً لكونها أساسية في اكتساب المعرفة ومعالجة المعلومات. وتهدف هذه البرامج إلى تطوير العمليات المعرفية وتدعيمها كطريقة يمكن من خلالها تطوير القدرة على التفكير. ومن بين البرامج المعروفة التي تمثل اتجاه العمليات المعرفية برنامج ” البناء العقلي لجيلفورد ” الذي طورته الباحثة ميكر ( Meeker, 1969 ) وبرنامج ” فيورستين التعليمي الاغنائي ” ( Feuerstein, 1980 ).
برامج العمليات فوق المعرفية Metacognitive Operations
تركز هذه البرامج على التفكير كموضوع قائم بذاته، وعلى تعليم مهارات التفكير فوق المعرفية التي تسيطر على العمليات المعرفية وتديرها، ومن أهمها التخطيط والمراقبة والتقييم. وتهدف إلى تشجيع الطلبة على التفكير حول تفكيرهم – Thinking about Thinking ، والتعلم من الآخرين، وزيادة الوعي بعمليات التفكير الذاتية، ومن أبرز البرامج الممثلة لهذا الاتجاه برنامج ” الفلسفة للأطفال ” ( Lipman, 1991 ) وبرنامج ” المهارات فوق المعرفية .
برامج المعالجة اللغوية والرمزية Languaga and Symbolic Manipulation
تركز هذه البرامج على الأنظمة اللغوية والرمزية كوسائل للتفكير والتعبير عن نتاجات التفكير معا. وتهدف إلى تنمية مهارات التفكير في الكتابة، والتحليل والحجج المنطقية، وبرامج الحاسوب وتعني بصورة خاصة بنتاجات التفكير المعقدة كالكتابة الأدبية وبرامج التعليمية التي تقع ضمن هذا الاتجاه برامج ” الحاسوب اللغوية والرياضية ” ( Caillot, 1991 ).
برامج التعلم بالاكتشاف Heuristic – Oriented Learning
تؤكد هذه البرامج على أهمية تعليم أساليب واستراتيجيات محددة للتعامل مع المشكلات، وتهدف إلى تزويد الطلبة بعدة استراتيجيات لحل المشكلات في المجالات المعرفية المختلفة، والتي يمكن تطبيقها بعد توعية الطلبة بالشروط الخاصة الملائمة لكل مجال.
وتضم هذه الاستراتيجيات: التخطيط، إعادة بناء المشكلة، تمثيل المشكلة بالرموز أو الصور أو الرسم البياني. والبرهان على صحة الحل. ومن البرامج الممثلة لهذا الاتجاه برنامج ” كورت لديبونو ” وبرنامج Covington et al, 1974 ) لطلبة المرحلة الابتدائية في مستوى الصفين الخامس والسادس.
برامج تعليم التفكير المنهجي Formal Thinking
تتبنى هذه البرامج منحى بياجيه في التطور المعرفي. وتهدف إلى تزويد الطلبة بالخبرات والتدريبات التي تنقلهم من مرحلة العمليات المادية إلى مرحلة العمليات المجردة التي يبدأ فيها تطور التفكير المنطقي والعلمي وتركز على الاستكشاف ومهارات التفكير والاستدلال والتعرف على العلاقات ضمن محتوى المواد الدراسية التقليدية. وقد طورت برامج تمثل هذا الاتجاه لطلبة السنة الأولى في جامعة نبراسكا وبعض كليات المجتمع في ولاية الينيو بالولايات المتحدة.