واقع التعليم في العراق ومتطلبات التغيير بعد عام 2003
بقلم: أ.م.ازهار محمد علي كاظم
الملخص:
   يعتبر التعليم هو الأجمل من حيث ما نتذكر وهو الأعظم من حيث ما نتمنى حيث يرسم ملامح مصيرنا,امةً ووطناً ومجتمعاً وشعباً, في عالم يصعب علينا المنافسة فيه من دون تعليم متطور منتج, تعليم لا يضاهيه نظام من حيث الأهمية, لكن لايحظى بالاهتمام رغم وجود الرغبة الصادقة والحقيقية والنوايا الحسنة والجهود المثابرة والتي نأمل من خلالها ان نجد في هذه الورقة البحثية صدى لطموحاتها ورؤيتها للغد .
المقدمة:-  
   انطلق من ارض العراق اول حرف الى العالم ومن هناك انطلقت منارة العلم والمعرفة , حيث تتزين متاحف العالم بالألواح السومرية التي تروي انجازات وقصص ارض بلاد الرافدين, ومنها مسلة حمورابي والتي تعد من أقدم القوانين في تاريخ البشرية, وأصبح العراق متصدراً للعالم ثقافياً وعلمياً وأدبيا , حيث كان النظام التعليمي في العراق من افصل النظم في منطقة الشرق الأوسط وأشيد بذلك من خلال المنظمات العالمية , مر العراق بسنوات ذهبية والتي كانت بين عام 1970-1984, حقق من خلالها طفرة نوعية في ارتفاع معدلات الالتحاق بالمؤسسات التعليمية وانخفاض في مستوى الأمية, وأصبح البلد الأول عربياً يستقطب العديد من الطلبة العرب والأجانب للدراسة في جامعاته ونيل شهادتها التي كانت فخرا لحامليها.
   وبسبب الحروب التي مر بها العراق وسنوات الحصار والتي ادت الى عزوف ابنائه عن الدراسة والتوجه الى العمل بسبب الظروف المعيشية الصعبة وعدم الاهتمام بالتعليم كما في السابق, وهجرة قامات اكاديمية علمية بعد عام 2003 , ونتيجة السياسات المختلفة في الدولة الغير حكيمة والتي ادت الى انتشار المدارس والجامعات الأهلية والتي لم تكن ضمن المستوى المطلوب وهذا كان سبباً في أضعاف وتدني مستوى التعليم في العراق, فأصبح نظام التعليم الضحية الأولى للازمات المتعاقبة التي شهدها العراق منذ ان دخل نفق الحرب العراقية الإيرانية والاحتلال وما تبعه من حصار وحرب حتى عام 2003 حيث اصبح التعليم فريسة النهب والتدمير وكأنه في ساحة حرب نفسها,ان ما نشاهده اليوم ما هو الا حصيلة تراكمية استمرت سنوات وأفضت الى مشكلات معقدة تداخلت مع المشكلات الثقافية والبنيوية للنظام التعليمي , وتدهور التعليم برمته عرضاً وطلباً وجودة, تراجع تمويله وانحسرت مساحته الجغرافية محلياً وعربياً وعالمياً, وتداعت جدران مدارسه وتزاحم طلبته في الصفوف بعضهم لبعض وتحولت ساحاته الى مستنقعات صغيرة, وانعدام الشروط الصحية والنظافة فيها,لقد بنيت الكثير من المدارس خلال السنوات القليلة الماضية لكن وبشكل واضح لم تكن بالمستوى المطلوب من الكفاءة وذلك لأسباب تتعلق بالظروف الأمنية والفساد والمحسوبية, فمشكلة الأبنية المدرسية هي كارثة سرطانية من مخلفات الأنظمة السابقة في قطاع التعليم.
   أجرت الوزارة إحصائية عام 2003 اظهر المسح بوجود نقص في الابنية المدرسية يقدر بنحو(4300) مدرسة, واشارة منظمة اليونسيف ان هناك(4000) مبنى مدرسي بحاجة الى إعادة تأهيل وبناء, البيانات المتاحة ليست واضحة الملامح, فمثلا كم هو حجم الحاجة الى الأبنية في الريف او في الاقضية والنواحي, كما هناك نقص شديد في إعداد المرافق الصحية في المدارس الابتدائية وانعدام الشروط الصحية فيها وانعدام النظافة, ان أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول معايير التوزيع الريفي والحضري للمدارس وكذلك النمط المعماري للمدرسة والإعداد النموذجية لطلبتها, ان تطبيق معايير منظمة الصحة العالمية يجعل الكثير من المدارس من وجهة نظرهم خارج الصلاحية, التعليم في العراق اصبح ذات مضمون طبقي بين مدرسة اهلية ذات بنايات فخمة ومنهج متطور ومتداول بين ايدي الطلبة وطلبة مترفون, وبين مدرسة طينية وكرفانت لا تتوفر فيها حتى النظافة, او مدرسة موجودة في حي يستنزف فيها دخل الاسرة وبالأخص الموظف صاحب الدخل المحدود وذلك من خلال الدروس الخصوصية والدورات والتبرعات وشراء القرطاسية والكتب, في كثير من المناطق وبعد انتشار المدارس الأهلية بدت التمايزات الطبقية واضحة حتى في المواد التكميلية كالملابس وخدمات النقل والمواد الدراسية, غير ان انتشار المدارس الخاصة وان كان منسجماً مع التوجه نحو اقتصاد السوق الا انه خلق فجوة بين الخدمات الرسمية والخدمات الخاصة للنظام التعليمي, مع ان التعليم مجاني وإلزامي لكن كثير من الأسر تحجم عن ارسال أبنائها الى المدارس وتشجيعهم على العمل في سن مبكر, اصبح التعليم نظام تتنازع مناهجه بين مرجعيات سياسية وعقائدية وطائفية وقد كان وما يزال ضحية سياسية.
   من ابرز المشاكل الاخرى المتعلقة بالنظام التعليمي مناهجنا التربوية قديمة ومتخلفة كثيراً عن مناهج الدول المتقدمة, فالمناهج ليست مجرد معلومات بل هي وسيلة حكم على كفايات المدرسين ومدى تعلم الطلبة وتفاعلهم مع الخبرات التي تحتويها المناهج الدراسية, حيث تعتبر عصب العملية التعليمية وتغييرها وتقويمها ينبغي ان يستند إلى معايير علمية, اذ يمكن ان نحدث تغييراً في مناهج الفيزياء او الكيمياء او الرياضيات والاحياء لكن ذلك لن يكون سهلاً في مناهج التاريخ والإسلامية وكتب الاجتماعيات لان كل ما له صله بالإنسان ككائن تاريخي مفكر يصعب تغييره .فالسؤال الذي يطرح نفسه ويعتبر من الاسئلة المهمة هو:
 ما هي المعايير التي تتم على أساسها تغيير المناهج؟
  هل هو معايير دينية ام علمانية, وهل تم تغيرها على أساس ان العراق سيتوجه نحو اقتصاد السوق واللامركزية, وهل اخذ التغير بنظر الاعتبار على أساس النوع الاجتماعي والحضر والريف وهل تم اختبار نتائج التغيير من خلال دراسات تقويمية, من جانب اخر فان تجديد المناهج او تغييرها ينبغي ان لا يكون هدفاً معزولاً عن مجموعة من الأهداف التي تمثل لحمه ذات مكونات وظيفية كالمدرس ونقل المعلومة وتفسيرها اضافة الى البنى التحتية المتاحة, فالتعليم حين ننظر اليه نظام يسود في مجتمع له خصوصيته الثقافية الاجتماعية, فمن الخطأ ننظر الى النظام التعليمي على انه عملية نقل المعلومات, فظهر لنا اننا اعتمدنا على الرواية والسرد اكثر من اعتمادنا على التجريب, والاهتمام بالثابت الموروث اجتماعياً اكثر من الاهتمام بالمتغير والمتحول, والتمسك بالماضي اكثر من الحاضر والمستقبل, لذلك تبدو صورة الغد مشوشة لانه لاتوجد رؤية موضوعية لمشكلات الحاضر, فالمناهج عصب العملية التعليمية وتغييرها وتقويمها ينبغي ان يستند الى أسس ومعايير علمية, فالسؤال هو ماذا نريد من المناهج الدراسية في عصر يتميز بالتغير السريع.
  فاذا اردنا تشخيص واقع التعليم الابتدائي والمتوسط والإعدادي وبحسب ما ذكرته نتائج الدراسات والبحوث العلمية منها والشخصية يظهر في الاتي:
   وجود نقص كبير بعدد المباني المدرسية والتي تعد من ابرز مقومات العملية التعليمية, ضعف مستوى الكتاب المدرسي وازدحامه بالتفاصيل والموضوعات, أتباع طرائق تدريس تقليدية التي لاتعطي اهتمام للفروق الفردية, إضافة الى عدم مراعاة ميول الطلبة وحاجاتهم وضعف ارتباط الطالب ببيئته وخبراته السابقة, وعدم توفر الكتب المدرسية في وقت مبكر من السنة الدراسية وهذه حقيقة مشكلة تعاني منها اغلب الأسر العراقية خاصة أصحاب الدخل المحدود, ومن الأمور المهمة الذكر هي ازدواجية المدارس الذي لايوفر فرصة العناية الصحيحة بالطلبة وحشد عدد كبير من الطلبة في صفوف ضيقة محدودة المساحة وبالتالي يؤثر على الفعاليات والنشاطات الطلابية .
  افتقار المدارس الى المختبرات والأجهزة والتي يمكن من خلالها القول النظام التعليمي معزز بتكنولوجيا الحواسيب والانترنت, فالغرفة المخصصة للمختبر في اغلب المدارس فارغة مقفلة  إضافة الى افتقار المكتبات من الكتب العلمية بعد سنوات الحصار, إضافة الى ما سوف يذكر من نقص ما نسميه مكملات العملية التعليمية قد لاينتنه اليها احد بدءاً من لوحة الكتابة ورحلة الجلوس وقلم اللوحة وساحة اللعب ووسائل الإيضاح بمختلف انواعها والتي تعبر مكملة للجوانب النظرية وفي علوم معينة مثل الكيمياء والفيزياء والاحياء والجغرافية والحاسوب وغيرها من العلوم الاخرى, انعدام خدمات الكهرباء مروراً بحنفية الماء والبنى التحتية, و ما تعانيه القاعات الدراسية في العديد من المدارس بل اغلبها الى زيادة عدد الطلاب مقارنة بحجم القاعة الدراسية وهذا يؤثر بدوره سلباً على آلية القاء الدروس مع عدم امكانية تحقيق الفهم الشامل للجميع, إضافة الى مشكلة لم تجذب انتباه الباحثين حدوث ضغط على مدارس معينة باستيعاب الطلاب اكبر من العدد المحدد لها على حساب مدراس اخرى وذلك بسبب سمعتها العلمية, من المشاكل الأخرى هي تعطيل مجالس الإباء عن اداء اهدافه المتمثلة بإدامة الصلة بين المدرسة والطالب, تحلل عدد من المدرسين من مسؤوليات المهنة وغياب المصلحة العامة على حساب المصلحة الشخصية من حيث ممارستهم التدريس الخاص مع بعض الطلبة وتعاملهم سلبياً مع الطلاب الآخرين وهذا بدوره يؤثر سلباً على المسيرة التعليمية, غياب نظام الارشاد التربوي في مدارسنا وان ظهر فهو شكلي فالباحث النفسي والاجتماعي سرعان ما يتحول الى موظف اداري في المدرسة على حساب وظيفته الحقيقية, فالنظام التعليمي الراقي والمتطور يدل على وجود عيادة نفسية اجتماعية في المدرسة للبحث في مشكلات الغياب المتكرر والهروب من المدرسة والتمرد والسرقة والعنف والفشل الدراسي.
     ونشير الى نقطة جداً مهمة وهي غياب معيار الكفاءة في اختيار مدراء المدارس حيث لعبت المصالح الشخصية والعلاقات السياسية والحزبية والعشائرية دورا في اختيارهم, كيف ينبني نظام تعليمي متطور بإدارات تفتقر الى مشروعية الكفاءة وصفة القيادة وشرط العلم, وهذا يخلق صراعات بين من هو متمكن ويرى من حقه ادارة المدرسة وبين من تدعمه قوى لاعلاقة لها بالتعليم.
تأسيساً على ما تقدم نقترح مجموعة من التوصيات الهادفة للإسراع في معالجة ما يمكن علاجه والارتقاء بهذه المؤسسة التعليمية وعلى النحو الاتي:
  • حساب الحاجة الفعلية من المباني المدرسية وتخصيص مواقع مناسبة لإنشائها لسد النقص الحاصل فيها وفقاً لبرنامج زمني محدد.
  • العمل على اعادة توزيع الطلاب على القاعات الدراسية على نحو امثل وبحسب الإمكانيات المتاحة في كل مدرسة.
  • أجراء دراسات مسحية للمدارس بهدف تشخيص الواقع التعليمي فيها والكشف عن المشاكل التي تعاني منها وتقديم الحلول الكفيلة لتحقيق التوازن بالعطاء العلمي لجميع المدارس وإلغاء حالة التمايز بين المدارس.
  • تفعيل مجالس الإباء من خلال عقد اجتماعات لإدامة الصلة بين المدرسة وأسرة الطالب بما لايقل عن ثلاثة اجتماعات في السنة الدراسية.
  • الحد من التدريس الخصوصي الذي يمارسه بعض المدرسين خلال السنة الدراسية ومحاسبة الذين يسعون وراء المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة.
  • تطوير المناهج الدراسية وتحديثها لكي تواكب عجلة التطور السريع في مختلف مجالات العلوم, مع مراعاة المنهج لميول الطلبة وحاجاتهم والفروق الفردية بينهم, وبما يتلائم مع احتياجات المجتمع واستعدادات الطالب.
  • التأكيد على مرحلة التعليم الابتدائي لكونها المرحلة الأساسية ونقطة الانطلاق في المسيرة التعليمية مع تهيئة جميع المستلزمات التي تعتمدها بغية ترسيخ المعرفة في اذهان المتعلم.
  • إنشاء مختبرات علمية وفقاً لخطة طموحة نظراً لما لها من إسهام في ترسيخ الجوانب النظرية وبحسب طبيعة كل علم من العلوم.
  • اقامة دورات للتعليم المستمر لرفع كفاءة ومستوى الأداء العلمي والمهني للمدرس.
  • ادخال تكنولوجيا التعليم الى المدارس والتي يتم من خلاله تطوير النظام التعليمي.
الخاتمة:-
 امل الباحثة ان تكون هذه الورقة البحثية كافية لإثارة الاهتمام لقضايا اكبر بشأن التعليم معوقاته وآفاقه في العراق لتشخيص واقتراح الحلول, وتنظيم مؤتمرات لمناقشة التجارب العربية  والعالمية والاستفادة منها للوصول الى نتائج وتوجيهات عملية مثمرة.  


شارك هذا الموضوع: