تستند المناقشات حول معنى الحياة إلى أن القيم تلعب دورًا محوريًا في عملية إيجاد المعنى. حيث يرى فيكتور فرانكل، مؤسس العلاج بالمعنى، أن القيم الإبداعية (مثل القدرة على إبداع شيء جديد)، وقيم الخبرة (مثل تجربة الجمال أو الحب)، والقيم الموقفية (مثل كيفية الرد على المواقف الصعبة) تشكل عناصر أساسية في تحقيق الإحساس بمعنى الحياة. فرانكل يؤكد أن الإنسان يجد معنى في الحياة من خلال التزامه بهذه القيم، حتى في أصعب الظروف. من جهة أخرى، يرى أبراهام ماسلو أن تحقيق الذات يعتبر قيمة أساسية في حياة الإنسان، وهي قيمة نمائية تنمو مع تلبية الاحتياجات الأساسية التي تبدأ من الاحتياجات الفيزيولوجية إلى تحقيق الذات. وهذا النمو هو ما يحكمه مجموعة من القيم الوجودية التي تؤثر بشكل كبير في السلوك الإنساني مثل القيم المرتبطة بالحق، والعدالة، والجمال، واللاعنف. بينما يركز يالوم على القيم التي ترتبط بالإبداع والالتزام كعوامل أساسية في عملية إيجاد المعنى الشخصي، موضحًا أن الشخص يجب أن يكون مبدعًا وملتزمًا ليحقق الإحساس بالمعنى في حياته.
أما ريكر (2000)، فيرى أن القيم والمعتقدات تعد الأساس الذي ينبني عليه معنى الحياة، فهما يمثلان حجر الزاوية لمصادر المعنى التي يسعى الإنسان لتحقيقها. يوضح ريكر أن القيم تتجاوز المواقف الجزئية لتشكل نمطًا أكثر شمولية، وأنها ليست فقط تفضيلات شخصية، بل أيضًا اجتماعية. كما أشار إلى أن القيم يمكن أن تؤثر في نظرة الفرد إلى نفسه وإلى الآخرين، بما يسهم في تشكيل معنى الحياة . هذا الطرح مشابه لما قام به روكاش (1973) حين عرف القيم بأنها “اعتقاد دائم بأن أسلوب سلوكي معين أو حالة غائية محددة من حالات الوجود مفضلة شخصياً واجتماعياً على سواها”.
وبينما قسم روكاش القيم إلى نوعين رئيسيين، الأول هو القيم الغائية (النهائية)، التي تشير إلى الأهداف أو الحالات التي يسعى الإنسان لتحقيقها في الحياة، مثل القيم الشخصية والاجتماعية:
القيم الشخصية مثل احترام الذات، والسعادة، والرضا عن الحياة.
القيم الاجتماعية مثل المساواة، والسلام العالمي، وجمال العالم.
أما النوع الثاني من القيم فهو القيم الوسيلية (الوسائل)، التي تشير إلى الأساليب أو الأدوات التي يمكن أن تساعد الفرد في تحقيق أهدافه الغائية، مثل:
الكفاءة: مثل الطموح، والتمكن، والشجاعة، والإبداع.
الأخلاق: مثل التسامح، والأمانة، وتحمل المسؤولية
تعمل هذه القيم كدوافع سلوكية توجه الإنسان نحو تحقيق معنى حياته، أو كإطارات توجيهية تؤثر في سلوكه وتوجهاته في مختلف جوانب الحياة.
مصادر معنى الحياة
تناولت العديد من الأبحاث دراسة المصادر التي يستمد منها الأفراد معاني لحياتهم، وتعددت هذه المصادر تبعًا لأهداف البحث واختلاف عينات المشاركين والأدوات المستخدمة في الدراسة. ويعتقد ريكر (1991) أن مصادر المعنى تشير إلى مجالات متنوعة تتعلق بتجارب الإنسان الشخصية، وهي تشمل موضوعات متنوعة يتم اكتساب المعنى منها في سياقات مختلفة من الحياة.
حدد كل من كرومباخ وموليش (1969) أربعة مصادر أساسية للمعنى في حياة الإنسان، وهي:
الالتزام بأهداف محددة وإنجازها، حيث يشعر الفرد بأن حياته ذات غاية عندما يحقق الأهداف التي يحددها.
القناعة في الحياة، أي أن يكون الشخص راضيًا عن مسار حياته بشكل عام.
أن تكون الحياة تحت السيطرة، بحيث يستطيع الفرد التأثير في مسار حياته واتخاذ القرارات المهمة.
الاستثارة والحماس في الحياة، ويعني ذلك الشعور بالحيوية والطاقة في مواجهة تحديات الحياة.
من جانب آخر، توصل بنجستين (1975) من خلال دراسته للتحولات القيمية بين الأجيال إلى أنه يمكن تقسيم معنى الحياة إلى مستويين:
المعنى المادي/الإنساني، الذي يتضمن السعي وراء الجوانب المادية والاجتماعية.
المعنى الفردي/الجماعي، الذي يرتبط بالمشاركة في المجتمع والاهتمام بالآخرين.
طور روكاش (1973) بناءً على هذه المفاهيم نسقًا هرمياً للقيم، حيث قسم مصادر المعنى إلى مستويات متدرجة من الانشغال بالرغبات الذاتية إلى الانشغال بالقيم العليا التي تتجاوز الذات. فالمستوى الأول يتعلق بالراحة الشخصية والإشباع الفوري، بينما المستوى الثاني يرتبط بالإمكانات الشخصية والخصائص المتفردة، بينما يعكس المستوى الثالث الانخراط في الأنشطة التي تهتم بالآخرين والقضايا الاجتماعية. أما المستوى الرابع فيشمل البحث في القيم التعاونية والكونية التي تسعى لتحقيق غايات نهائية.
من خلال تحليل إجابات المبحوثين في دراسة ديباتس وزملائه (1995)، تبين أن المعنى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتواصل مع الذات، ومع الآخرين، ومع العالم. بينما يرتبط اللامعنى بحالة من الاغتراب عن هذه العناصر الثلاثة.
المصادر الأكثر تواتراً لمعنى الحياة
من خلال تحليل مختلف الدراسات حول معنى الحياة، نجد أن أكثر المصادر تواترًا تتضمن:
العلاقات الاجتماعية (العلاقات الشخصية، الأسرة، والأصدقاء).
الدين والإيمان الروحي.
النمو الشخصي والتحقيق الذاتي.
إشباع الحاجات الأساسية (كالطعام، والمأوى).
خدمة الآخرين والإيثار.
التسامي بالذات، الذي يعني السعي وراء تحقيق أهداف أكبر من الذات.
الإبداع والتعبير الفني.
القناعة والرضا عن الحياة.
النشاطات الاجتماعية والسياسية التي تشمل الانخراط في قضايا مجتمعية.
دراسات أخرى مثل دراسة لاين (2001) على عينة صينية في كندا أظهرت أن القيم المرتبطة بالذات، العلاقات، والتدين على الطريقة الغربية كانت من المصادر الأساسية للمعنى.
كما تشير هذه الدراسات إلى أن معاني الحياة تتكون من مجموعة من العوامل المتداخلة التي تشمل الروابط الاجتماعية، القيم الدينية، النمو الشخصي، وكذلك النشاطات التي تخدم المصلحة العامة أو تمنح الفرد إحساسًا بالإنجاز والتسامي.