مقال بعنوان
(حرية الاختيار_ عبء علينا ام سعادة لنا)
م.م. ازهر علي محمد
جامعة كربلاء_ كلية التربية للعلوم الانسانية
تعد وفرة الخيارات واحدة من المصادر الرئيسة للألم النفسي، حيث إنها تتضمن الضيق بسبب الفرص الضائعة والندم على الطرق التي لم نتبعها، ومع ذلك فإن هذا النوع الغريب من البؤس، الذي كان يمر به عدد قليل نسبيا من الناس، تحول الآن إلى وباء مع زيادة الثروة وازدياد الخيارات.
استنادًا إلى الاستنتاجات التي توصل إليها علماء النفس والخبراء في مجال صنع القرارات، قام عالم النفس “شوارتز” بسرد حقائق وأرقام عن عدد أنواع حبوب الإفطار التي يمكنه شراؤها من السوبر ماركت وعدد أنواع أجهزة التليفزيون التي يمكنه الاختيار من بينها، باعتبار انها تؤدي الى ارتفاع التكلفة الناتج عن اضطرارنا لاتخاذ قرارات كثيرة للغاية.
في عالم الأعمال، على الرغم من أن آباءنا كانوا في الغالب يقضون حياتهم المهنية كاملة في شركة او مؤسسة واحدة، فإن الجيل الحالي يغير وظائفه بشكل روتيني كل سنتين أو خمس سنوات، نحن دائما في حالة من البحث عن شيء أفضل حتى لو كنا سعداء نسبيا في منصبنا الحالي، وفي حياتنا العاطفية، هناك العديد من الخيارات التي نواجهها، حتى عندما نستقر على “الشخص المناسب” يكون علينا أن نقرر من العائلة التي ينبغي أن نعيش بالقرب منها؟ إذا كان كلانا يعمل فأي منا ستحدد وظيفته والمكان الذي سنعيش فيه؟ إذا كان لدينا أطفال، فمن منا سيظل مع الأطفال في المنزل؟
وفيما يتعلق بمعتقداتنا فنحن نتبع المعتقدات والمبادئ التي نختارها وليس تلك التي ورثناها عن آبائنا، ونحن بإمكاننا أيضًا اختبار هوياتنا، وهي الأمور التي تشكل شخصيتنا، على الرغم من أننا جميعًا ولدنا ننتمي لعرق وعائلة وطبقة معينة فهذه الأشياء ينظر إليها الآن بوصفها “أعباء” ورثناها، لقد كانت هذه الأمور قديما تخبر بالكثير عن ماهيتنا لكن الآن لا يمكننا أن نفترض أي شيء.
ومع وجود العديد من العوامل التي كانت سابقا خارج نطاق سيطرتنا وصارت الآن خيارات، وهناك شيء آخر صار له دور، ألا وهو قابلية العقل البشري للخطأ، الأمر الذي استفاض “شوارتز ” في توضيحه، وبالنظر إلى هذه القابلية، ففرص اتخاذ قرارات صحيحة” أغلب الوقت ضئيلة للغاية، وربما لا تكون عواقب بعض الأخطاء فادحة، لكن البعض الآخر يكون كذلك، مثل اختيار شريك الحياة أو الجامعة التي تلتحق بها فهي أمور ستشكل حياتنا، كلما زادت الخيارات التي نمتلكها، زاد احتمال أن نكون عرضة للضياع إذا اتخذنا القرار الخاطئ، قد نقول لأنفسنا: “إذا كان هناك الكثير من الاختيارات فكيف تسير الأمور على نحو خاطئ؟”.
هناك ثلاثة تأثيرات ناتجة عن زيادة خيارتنا وبدائلنا:
* كل قرار يتطلب المزيد من الجهد.
* هناك احتمال أكبر لارتكاب الأخطاء.
* التبعات النفسية لهذه الأخطاء تكون جسيمة.
تثبت الدراسات أن من يبحثون عن الأفضل أقل سعادة بشكل عام وأقل تفاؤلا وأكثر عرضة للاكتئاب من المضحين الذين يضعون مبررات واقعية لاختياراتهم، فإننا بذلك نعرض أنفسنا لدرجة كبيرة من انتقاد الذات، نحن نجلد أنفسنا بسبب الاختيارات التي اتخذناها واتضح أنها ليست صحيحة، ونتساءل لماذا لم نستكشف البدائل الأخرى، فالعبارات مثل “كان ينبغي، كان بوسمك، كان عليك أن تلخص حالة الحيرة التي يمر بها العديد ممن يبحثون عن الأفضل عند اتخاذ قراراتهم، فاذا كنت تبحث عن المزيد من راحة البال والرضا في الحياة فلتكن مضحياً.
إن مفتاح السر لفهم لماذا لا تجعلنا الكثير من الخيارات أكثر سعادة هو معرفة أنها تزيد من مستوى مسئوليتنا في هذا السياق، هناك بحث مهم يثبت أننا نكون أكثر سعادة عندما نعلم أن قراراتنا غير قابلة للعدول عنها، يرجع هذا إلى أننا عندما نتخذ قراراً ونحن نعلم أنه ليس هناك مجال لتغييره، نعمل على تبرير هذا القرار في عقولنا ونخلف وراءه كل همومنا النفسية، فعلى سبيل المثال إذا عملت وعشت في حي يعيش فيه أشخاص بسطاء مع كل أصدقائك، ربما تكون سعيدا للغاية بهذا، لكن مع ظهور التليفزيون والإنترنت وما إلى ذلك أصبح هناك عدد هائل من الأشخاص الذين من الممكن أن نقارن أنفسنا بهم حتى إذا كنا من ميسوري الحال فهناك دائما من هم أكثر ثراء، هذا ما يطلق عليه “شوارتز ” اسم “المقارنة التصاعدية” وهذا النوع من المقارنات يجعلنا نشعر بالغيرة والكراهية والتوتر والتقليل من صورتنا الذاتية، على النقيض “المقارنة التنازلية” التي نلاحظ فيها كم نحن منعمون مقارنة بهؤلاء الذين لا يمتلكون سوى القليل تحسن بتقدير الذات فعندما نقول لأنفسنا كل صباح ومساء “أنا أمتلك العديد من الأشياء التي أمتن لامتلاكها وعندما نفكر في هذه الأشياء، نقترب من الواقع وتزيد سعادتنا، فالأشخاص الممتنون أكثر صحة وسعادة وتفاؤلاً من الأشخاص غير الممتنين.
م.م. ازهر علي محمد
التخصص: علوم نفسية_ علم نفس النمو