حيادية المؤرخ من العوامل المؤثرة في عملية تدوين التاريخ الاوربي الحديث والمعاصر
حيادية المؤرخ من العوامل المؤثرة في عملية تدوين
التاريخ الاوربي الحديث والمعاصر
أ. د. حيدر صبري شاكر الخيقاني
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الانسانية- قسم التاريخ
Haidr.s@uokerbala.edu.iq 07818109261
يعد علم التاريخ من العلوم المهمة التي ساهمت، وما زالت تساهم، في بناء الحضارة الانسانية على مر الاجيال، وانطلاقا من اهمية هذا العلم فقد اولى المؤرخين والفلاسفة الاوربيين اهتماما كبيرا به منذ العصر اليوناني حتى يومنا هذا، واكدوا في كتاباتهم على دوره الكبير في بناء الحاضر والمستقبل، وعند تدوين احداث التاريخ يجد المؤرخ نفسه امام مسؤولية كبرى في تحديد طبيعة كل حدث، وتحليله، ومعرفة جميع العوامل المؤثرة به، لكي يتسنى له تدوينه، وهناك عوامل عدة مؤثرة في عملية التدوين التاريخي ولعل من ابرزها المصادر التي يعتمدها المؤرخ في تدوين الحدث، وميول ومعتقدات المؤرخ الشخصية، والظروف المحيطة به والمؤثرة عليه ومنها على سبيل المثال موقف السلطة السياسية من كتاباته، لا سيما تحت ظل الانظمة الشمولية الدكتاتورية، عندما يذكر احداث مخالفة لما تتبناه تلك الانظمة من ايديولوجية سياسية.
من المهم جدا ان ندرك ان بعض المؤرخين الذين لم يعاصروا الاحداث عند وقوعها، والذين لم يعتمدوا على الوثائق الرصينة عند تدوينها، لم يتمكنوا من التوصل الى حكم صائب عن تلك الاحداث، لذلك ليس من الغريب ان يعد المؤرخ الالماني ليوبولد فون رانكه Leopold von Ranke (1795-1886) مؤسس علم التاريخ الحديث في اوربا كونه اكد على ضرورة الاعتماد على الوثائق الرئيسة في تدوين احداث التاريخ بدلا من الاعتماد على الكتابات غير الوثائقية.
ومن ناحية اثر الايديولوجية التي يتبناها المؤرخ او خضوعه للسلطة الشمولية القائمة نلاحظ على سبيل المثال ان معظم المؤرخين السوفييت، ولا سيما الشيوعيين منهم، في مدة حكم جوزيف ستالين Joseph Stalin (1924-1953)، والمؤرخين الايطاليين الفاشيين في عهد بنيتو موسوليني Mussolini Benito (1922-1943)، قد كتبوا التاريخ بما يتناسب مع السلطة الحاكمة وأيديولوجية النظام السياسي القائم آنذاك، على حساب الحقائق التاريخية، وكذلك عمل المؤرخين الالمان النازيين خلال مدة الحكم النازي لألمانيا (1933-1945)، اذ كتبوا احداث التاريخ بما يتناسب مع معتقداتهم الايديولوجية، او بما يرضي النظام النازي. لذلك ليس من الغريب ان نجد المؤرخ الدنماركي آجي فريس Aage Friis (1870-1949) ينتقد المؤرخين الالمان في المؤتمر التاريخي الدولي السابع الذي عقد في وارسو بتاريخ 21 ايلول 1933، كونهم خضعوا للايدلوجية النازية، ووصفهم بانهم اصبحوا مطيعين وضعفاء compliant and weak لإرضاء الحكومة النازية.
بينما من الضرورة ان يبتعد المؤرخ الحصيف عن الخضوع للسلطة ويدون احداث التاريخ بحيادية، دون الخضوع لتأثير السلطة السياسية، ومن الذين اكدوا على هذا الامر المؤرخ والسياسي البريطاني اللورد جون اكتون Acton John (1834-1902) اذ قال: ” ان التاريخ يتناول ما هو ابعد مدى من شؤون السياسة، وهو غير خاضع لتشريع الحكومات. ان من واجبنا ان نحيط بحركات الافكار التي هي علة الحوادث العامة لا نتيجتها، وان نجعلها نصب اعيننا دائما”.
واستنادا على ما سبق يتحتم على الباحثين المختصين بالتاريخ الاوربي الاعتماد على مؤلفات المؤرخين الحياديين الذين استندوا في كتاباتهم على الوثائق الرصينة والمعلومات الدقيقة، والابتعاد عن المصادر التي كتبت من قبل اشخاص غير حياديين، ممن دونوا الاحداث متأثرين بمعتقداتهم السياسية او محاباة للسلطة السياسية القائمة آنذاك.