المبررات التأريخية لإنتشار الخوارج في بلاد المغرب

(القرن الثاني للهجرة/الثامن للميلاد)

المبررات التأريخية لإنتشار الخوارج في بلاد المغرب
(القرن الثاني للهجرة/الثامن للميلاد)
        كان بداية ظهور الخوارج عقب واقعة صفين سنة (37هـ) وقبول الإمام علي (عليه السلام)  التحكيم، فخرجوا عليه رافعين شعار لاحكم إلا لله،  وعند تتبع الأحداث التأريخية للحركة في المشرق الإسلامي، نجد أنهم منوا بهزائمَ متلاحقة منذ أن انفصلوا عن الامام علي (عليه السلام) فكما هو معروف فقد هزموا في حروراء والنهروان، على انهم لم ينتهوا واخذوا في تصعيد هجماتهم متخذين من الاهواز قاعدة لهم، وأخذت عملياتهم بالانتشار مرورًا بخروج جماعة سهم بن غالب الهجيمي في البصرة سنة (46هـ).
      فضلا عن ثورة زعيمهم مرداس بن أدية التميمي بعد مقتل اخيه  في سنة 58هـ، وفي هذه السنة بطش بهم الوالي عبيد الله بن زياد (55-67هـ)، فقتل منهم عددٌ كثير وممن قتل  اخو زعيمهم مرداس بن أدية، ومن المعروف قوة وبطش ابن زياد في مثل هذه التمرادت على الدولة الأموية كانت توكل إليه، لأنه لا يتونى عن فعل أي شيء في سبيل تثبيت سلطانه، وكانت سياسته تقوم على المعاقبة على الظنّة والشُبهة. 
      وساد الهدوء حركات الخوارج مدة من الزمن، فأعادوا تنظيم أنفسهم وانضموا مرحليًا الى حركة ابن الزبير في الحجاز، وفيهم زعيم من زعمائهم وهو نافع بن الأزرق، وفيما بعد اختلف مع ابن الزبير وانفصلوا ورجع ابن الأزرق إلى البصرة وفريق آخر إلى اليمامة بقيادة نجدة بن عامر الحنفي، وكانت الحرب سجالاً بين الأزارقة والقادة الأمويين في مناطق فارس والاهواز الى أن وقع الخلاف بين الأزارقة أنفسهم، وتمكن الحجاج بن يوسف الثقفي (76-96هـ) من تحجيم دور الخوارج و القضاء على الازارقة سنة  ( 77هـ)(3).
    وكان هنالك فرقة أخرى من الخوراج أرّقت الأمويين وهم الخوارج الصفرية، وانطلقوا من الموصل والجزيرة، واستطاعوا السيطرة على الكوفة في وقت كان فيه الحجاج خارجها، وفي هذه المرحلة احتاج مدد من الشام وأتته النجدات واستطاع القضاء عليهم في معركة نهل الدجيل. 
     بعد هذا التنكليل الذي ناله الخوارج على يد الولاة الأمويين اضمحلت قواهم في المشرق، وظلت حركات صغيرة تكاد لا تذكر وتوجهوا للعمل السري، ووجهوا دعاتهم إلى بلاد المغرب ويذكر أنه ” أول من جاء يطلب مذهب الإباضية ونحن بقيروان أفريقية، سلامة بن سعد قال قدم علينا من أرض البصرة ومعه عكرمة مولى ابن عباس متعقبين على بعير، فسلامة يدعو الى مذهب الاباضية، وعكرمة يدعو الى مذهب الصفرية”، من هذا النص يتضح أن الخوارج بحثوا عن ارض تكون مهيئة لهم، ووجدوا ضالتهم في بلاد المغرب كونها تعاني من تعسف الولاة الأمويين، ممّا ساد نوع من السخط العام على الدولة وجعلهم يتلقون هذه الأفكار برحابة، فصار المغرب ساحة لأعمال الخوارج، فضلاً عن ذلك فإن بلاد المغرب كانت ساحة لصراعات العرب القبلية بين اليمنية والقيسية، التي نشطت في عهد بني أمية.
      فعندما فتح موسى بن نصير المغرب كان غالبية جيشه من اليمنية، وعندما خلفه محمد بن يزيد على المغرب كان قيسيًا وتتبع الموالين لموسى ونكل بهم، واستمر الصراع بين اليمنية والقيسية في المغرب بين ولاة الدولة الاموية، فضلا عن تعسفهم مع البربر ففي ولاية عبيد الله بن الحبحاب (116-123هـ) ارسل حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري غازياً إلى السوس الأقصى ولم يقابله أحد إلا ظهر عليه ولم يدع بالمغرب قبيلة إلا داخلها وأصاب من السبي أمراً عظيماً ، ثم غزا صقلية وظفر بغنائم لم يروا مثلها من قبل، وكذا عمر بن عبد الله المرادي عامل طنجة وما والاها أساء معاملة البربر وتعدى في الصدقات والعشر وأراد تخميس البربر وزعم أنهم فيء المسلمين وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله فكان هذا الفعل سبباً لثورة البلاد ووقوع الفتن.
     ونتيجة لأعمال الولاة والقادة الأمويين في المغرب  نفر البربر سياستهم، وناصروا كل ثائر، وعليه نجد إن الخوارج وجدوا الأرضية المناسبة لدعوتهم، وأن البربر وجدوا في مبادىء الخوارج في الخروج على الحاكم الجائر ضالتهم، لذا أعتنقوا مذاهب الخوارج، و راقت لهم فكرة الخوارج في أنّ الإمامة غير منحصرة في قريش، وإنمّا يجوز أن تكون في غيرهم، وهذه الفكرة بحد ذاتها تهدم النظرة المتعالية التي عامل بها الأمويين سائر الموالي، لذا نجد إقبالهم على فكر الخوارج،  فضلا عن وضوح هدف الخوارج وبساطة طرحهم وابتعادهم عن فلسفة الدين هذه الأمور تنسجم مع طبيعة البربر البدوية الميالة إلى الشدة والوضوح في آن واحد. 
 
المصادر:
  1. ابن الاثير، علي بن محمد الشيباني الجزري ، ت:630هـ، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1965م.
  2. البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور، ت: 429هـ، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، دار الآفاق الجديدة ، بيروت، 1977م.
  3. الدينوري،  أبو حنيفة أحمد بن داود ، ت: 282هـ ، الأخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، دار إحياء الكتب العربي، القاهرة، 1960م.
  4. الطبري، محمد بن جرير، ت:310هـ، تاريخ الرسل والملوك،دار التراث، بيروت، 1387هـ.
  5. ابن عذاري المراكشي، أبو عبد الله محمد بن محمد، ت: نحو 695هـ،  البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب ، تحقيق ومراجعة: ج. س. كولان، إِ. ليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت،  لبنان، 1983م.
  6. المسعودي ، علي بن الحسين بن علي، ت:346هـ، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: اسعد داغر، دار الهجرة، قم، 1409هـ.


شارك هذا الموضوع: