بين شجر الخابور وشجر الأَراك حكاية معنى
وأنا أقلِّبُ صفحات إحدى الرسائل طالعتني أبيات الفارعة الشيبانية في رثاء أخيها طريف الذي قُتل أيام هارون الرشيد، عام 179هـ اذ قالت :
أيا شجر الخابور مالك مورقا + كأنك لم تجزع على ابن طريفِ
فتىً لا يحبُّ الزادَ إلا من التُّقى + ولا المالَ إلا من قنا وسيوفِ
فقدناه فقدان الربيع وليتنا + فديناه من ساداتنا بألوفِ
عليك سلام الله وقفا فإنَّني + أرى الموتَ وقَّاعا بكلِّ شريفِ
فالشاعرة تتعجب مستنكرة من هذا الشجر كيف يكون مورقا ولم يجزع لموت ابن طريف ،وكأنها تريد من الطبيعة أن تشاركها الحزن والأسى لما حلَّ بأخيها من فاجعة القتل.
وحين سمعت قصة مسير السبايا بصوت الشيخ عبد الزهراء الكعبي رحمه الله تذكرت هذه الابيات وقد بدأ القصة بأبيات أولها :
شجر الأراكِ أراكَ تزهو مورقاً
عوداً فمالكَ مورقا لا تجزعُ؟
أيروقُ عيناً منزلٌ بكَ رائقٌ
ومنازلُ التنزيلِ قفرٌ بلقعُ؟
والدينُ قوّضَ أهلُهُ فمحلُهُ
دثِرٌ, وشُتتَ شملُهُ المتجمِّعُ
فنلحظ الشاعر قد عمد الى مشاركة الطبيعة مستنكرا ومتعجبا ايضا مثلما فعلت الشاعرة ،وألقى انفعالاته الحزينة الباكية ،وجزعه على من فقدهم ،وهم أعظم قدرا وأرفع محلا من أي مرثي ،وكأن الشاعر نظر الى أبيات الفارعة الشيبانية حين نظم هذا المعنى .
وهذه الابيات للشاعر الفقيه صالح القزويني (ولد بالحلة أوائل سنة 1257هـ/1841م وتوفي سنة 1304هـ/1887م في مدينة النجف) من قصيدة طفية ذكر فيها فاجعة كربلاء وما جرى على الحسين عليه السلام وعياله من قتل وسبي ،مطلعا:
كم أودعُوا قلبي عشيّةَ ودّعوا
حُرُقًا تجـفـِّـفــها عُيونٌ تدمــعُ
اختار منها الشيخ عبد الزهرة الكعبي أجمل الابيات وأشدَّها حزنا وألما ،وعمد الى تقديم بعض مقاطعها على بعض لربما لتلائم مقصده الخطابي وموضوعه الذي يطرحه .فجاء بعد الابيات المتقدمة :
لله أقمارٌ أفــلــنَ بكــــربــــلا
ولها بيثربَ والمحصبِ مطلعُ
أنِسَتْ بهم أرضُ الطفوفِ وأوحَشَتْ
هضبـــاتُ يــثربَ والمقــامُ الأرفـــعُ
طُفْ بي على مغنى الطفوفِ وقل له
مستعبرا أأعلمتَ من بكَ مودَعُ ؟؟
فيك الإمام أبو الأئمةِ , والذي
هو للنبوةِ والإمامةِ مجمعُ
مولىً بتربتهِ الشفاءُ وتحتَ
قبتهِ الدعا من كل داعٍ يسمعُ
فيك الذي أشجى البتولَ ونجلُها
ولهُ النبيُّ وصنوُه مُتفجِّعُ
فحياةُ أصحابِ الكساءِ حياتُه
وبيومِ مصرعِهِ جميعاً صُرِّعوا
ما أحدثَ الحدثانِ خطباً فاظعاً
إلا وخطبُ السبطِ منه أفظع
دمُهُ يُباحُ ورأسُهُ فوقَ الرماحِ
وشلوُهُ بشبا الصفاحِ موزَّعُ
لهفي لآلك كلَّما دمعتْ لها
عينٌ, بأطرافِ الأسنَّةِ تقرعُ
تُدمى جوانبُها وتُضرَمُ فوقها
أبياتُها ويُماطُ عنها المِلفعُ
فرحمك الله ايها الشاعر المجيد ورحمك الله ايها الخطيب الالمعي ورزقنا واياهم شفاعة الحسين عليه السلام يوم الورود.