هل قام الشيعة بصناعة الأحاديث المهدوية سدًّا لحاجة المذهب؟
يكرّر الدكتور عبد الجواد ياسين الباحث المصري، في أكثر من كتابٍ له، ومن ذلك كتابه” السلطة في الإسلام، العقل السلفي بين النص والتاريخ” وفي بعض ندواته المنشورة على “اليوتيوب”- يكرّر رأيه الذي مضمونه (أن الشيعة قاموا بصناعة الأحاديث ومنها أحاديث الإمام والإمامة والعصمة والمهدي والغَيبة بطريقة تركيبية موافقة للأحداث، سدّاً لحاجة المذهب، أي أن التمذهب سابق على النص وليس العكس، وبذا فهو يرى أن المبادئ النظرية للشيعة ليست أصلية في نسيج النص الخالص، وإلّا لعبّرت عن نفسها قبل “اشتعال التاريخ”).
فما مدى صحّة هذا الرأي؟
للجواب عن هذا السؤال، ونقض هذا الرأي، سنقفُ وقفةً قصيرة عند نقطتين، ثم نُدلي بعدهما بما أوصلنا إليه البحث.
الأولى: إن الشيعة تسمية شاملة تندرج تحتها مذاهب متباينة وفرقاً متعددة ذات آراء مختلفة، تمامًا كتسمية الإسلام التي عمّت المذاهب والفرق المختلفة، فهناك شيعة كيسانية، وشيعة جارودية، وشيعة باقرية، وشيعة ناووسية، وشيعة إمامية اثنا عشرية، وغير هؤلاء كُثُر، وهناك خطّ حسني يقابل الخط الحسيني، وبين هؤلاء اختلافات كثيرة في مسائل متعددة، ومنها مسألة الإمام المهدي المنتظر.
الثانية: إن “اشتعال التاريخ” بحسب تعبير الدكتور عبد الجواد، والذي حصل في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ويُريد به صناعة الأفكار والأحاديث من قبل الشيعة، وهو “التنصيص” ، وصناعة الأفكار والأحاديث من قبل السُّنة، وهو “التنصيص المضاد” كان مسألة طبيعية فرضها الواقع ولكن الدكتور طرحها بشكل مخالف للحقيقة.
بعد هاتين النقطتين نستطيع القول: إن الدكتور عبد الجواد لم يكن موفّقًا تمامًا في رأيه الذي يصرُّ على طرحه بين حين وآخر، فهو وإن كان مُحقّاً في اتهام الشيعة بصناعة أحاديث مهدوية لغايات سياسية وروحية، ولكنه غير محق في إطلاق هذا الاتهام على كلّ فرقهم، فهناك خط أصيل لم يصنع أحاديث المهدي وشخصيات مهدوية مزيفة، ولو كان هذا الخط، وهو خط الإمامية، افتعل أحاديث المهدي، لاستعجلَ في خلق الشخصية المهدوية، في وقت اشتعل فيه التاريخ، وزجّ بها في الساحة لينافس بها مهدي الكيسانية محمد بن الحنفية، ومهدي الحسنيين محمد بن عبد الله، ومهدي العباسيين محمد بن المنصور العباسي، وغيرهم، بل نرى العكس من ذلك، فنجد الإمام الصادق-عليه السلام- (وكل الأئمة هكذا وقبلهم رسول الله) يبشرون بالمهدي، وقد طال التبشير به أكثر من قرنين وأقل من ذلك، وقد صدقت تلك البشرى بميلاد حامل الرقم الاثني عشر في سلسلة الأئمة المعصومين، وهذا إعجاز بحد ذاته، إذ لم ينقطع النسل، ولم يخرج عن أولاد الحسين، ولم يُعطَ لشخص لا تتوفر فيه شروط الإمامة بحسب القرآن والأحاديث التي صدرت عن الرسول وآله، على عكس ما ادَّعته السلطة وبعض الجماعات والمذاهب الإسلامية، التي لم يصدق كلامها حتى في المجال النظري، فقد بانت كذبتها بموت مهديها دون تحقيق مشروعه.
من جَنَبَةٍ أخرى، أن الدكتور عبد الجواد أخفق في مسألة إعابة الشيعة بأنهم لم يعبّروا عن أنفسهم قبل “اشتعال التاريخ” وهذا صحيح بالنسبة لبعض فرق الشيعة، وأما الإمامية فقد عبّروا عن خطهم الأصيل مبكرًا، بما في ذلك القضية المهدوية، وإنما زاد حديثهم عن المهدي والغَيبة، لا سيما في زمن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، نتيجة سعي أطراف عدة في تقمص المهدوية، فكان على العالم أن يظهر علمه في هذه الفتنة والأزمة الفكرية، وإن لم يفعل فعليه لعنة الله (كما جاء في الحديث النبوي) فكان من الطبيعي أن يتصدى الأئمة لكل من يسعى في حرْف مفهوم المهدي الإسلامي الأصيل، وتلك الأحاديث التي ظهرت كانت محفوظة في صدورهم وقد استقوها من رسول الله-صلى الله عليه وآله- وليست هي وليدة اللحظة، وإنما خرج كثير منها في وقت الحاجة، وهذه هي سُنّة جارية في الحياة.
فالحقيقة التي يجب قولها: إن تلك الأطراف المتمثلة بالجماعات الإسلامية وبعض المذاهب الدينية والسياسية، هي التي اختلقت النصوص لخدمة غاياتها، أي هي التي قامت بالتنصيص المكذوب، وذلك سعيًا منها في منافسة النص المهدوي الأصلي، الذي يوجد عند الأئمة الأطهار، الذي يَصل لكل إمام عبر إمام قبله، في سلسلة ذهبية، قال أحمد بن حنبل فيها ذات مرة: (لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ).
م.د. أحمد مهلهل مكلف