يعد التعلم أحد الأنشطة المرتبطة بالحياة بصفة عامة، وقد استطاع الإنسان عن طريق التعلم اكتساب الخبرات ذاتيا أو بمساعدة آخرين، كما أنه تمكن من تعليم الحيوانات بعض الأفعال عن طريق التدجين والتدريب لمساعدته في سد احتياجاته، ومفهوم التعلم الحديث مرتبط بمفهوم التربية، فالتعلم يختلف عن التعليم في كونه يمثل في الأساس المهارات والقيم التي تزيد من قدرة الإنسان على الاستعجاب والتحليل، بينما عملية التعليم هي تلقين تلك المعارف للآخرين، عليه فإن التعلم يمارسه الطالب والتعليم يقوم به .
تعريف التعلم
اختلف العلماء في تعريفهم للتعلم. نورد بعضا منها, فقد عرف التعلم بأنه:
تغير في السلوك عن طريق الخبرة والمران، له صفة الاستمرار وصفة بذل الجهد المتكرر حتى يصل الفرد إلى استجابة ترضى دوافعه وتحقق غاياته .
التغير المطرد في السلوك الذي يرتبط بالمواقف المتغيرة التي يوجد فيه الفرد .
يحدث عندما يتوفر في الموقف عناصر منبهة أو مثيرة تؤثر على المتعلم بطريقة تجعل سلوكه يتغير من وضع معين قبل هذا الموقف إلى وضع آخر بعده.
تغير ثابت نسبيا في إمكانية حدوث سلوك معين نتيجة الممارسة المعززة .
يتضمن تحسنا مستمرا في الأداء وأن طبيعة هذا التحسن يمكن ملاحظتها نتيجة التغيرات التي تحدث أثناء التعلم.
عبارة عن عملية الملاءمة التي يقوم بها الكائن الحي استجابة المثيرات نوعية في البيئة .
نمو الاستجابات التي يمكن أن تتغير بسبب مثيرات معينة سابقة .
العملية التي تؤدي الى تغير في طريقة الفرد في الاستجابة، ويأتي هذا التغير نتيجة الاحتكاك بمثيرات خارجية. أما التغيرات الناجمة عن تعاطي المخدرات أو جراحات المخ أو النضج فلا تدخل ضمن عمليات التعلم . .(ملحم,2006: 48)
اولا : التعلم كعملية تذكر:
يرتبط هذا المفهوم أساسا بسيكولوجية هربرت الذي كان ينظر إلى الإنسان على أنه مزود بالعقل منذ ولادته وهو كالصحيفة البيضاء وان الخبرة والتعلم هما اللذان يمدانه بكل مواد المعرفة.
وعليه، فان هذه النظرية تعتبر العقل مخزنا للمعلومات تختزن فيه بعد تعلمها عن طريق الحفظ لتستعمل وقت الحاجة . والتعلم هنا وفق هذا المفهوم مرادف للخزن. وعملية الخزن تحتاج إلى الحفظ أولا. فإذا ما تم الحفظ تماما فإنها تكون جاهزة عند الحاجة اليها. هذا المفهوم، كان له أثر قوي في تخطيط المناهج وطرق التدريس. فقسمت المعارف إلى عدد من المواد الدراسية وقسمت كل مادة إلى عدد من الموضوعات ليسهل تصنيفها وحفظها. ووفق هذه النظرية تم تحديدها بخطوات متتابعة هي:
تصنيف المعارف إلى مواد .
2.تحديد المواد التي تدرس واختيار أجزاء المادة التي تدرس لكل فرقة من الفرق الدراسية
إعطاء التلاميذ هذه الأجزاء من المادة.
استذكار التلاميذ لها وعمل التمرينات والتطبيقات اللازمة ومراجعة المدرس هذه التمرينات والتطبيقات.
اختبار التلاميذ فيما حفظوه من المادة الدراسية.
لاحظ أن الطالب لا يحتفظ بعد فترة من حفظه لأية مادة دراسية إلا بقدر معين من المادة التي حفظها. وهذا القدر (المخزون) يتضاءل أيضا مع مرور الوقت. ودلت جميع الأبحاث التي أجريت في هذا المجال على أهمية الفهم في عملية التعلم. فإذا كانت المادة المتعلمة مفهومة، فانه يتم تذكرها بصورة أسهل.
ثانيا : التعلم كعملية تدريب للعقل
يرتبط هذا المفهوم بنظرية التدريب الشكلي Formal Discipline التي تنسب إلى الفيلسوف الإنجليزي لوك Lock وهي إحدى النظريات السيكولوجية التي بنيت على فكرة أن العقل مقسم إلى عدد من الملكات مثل: التفكير والتذكر والتخيل والتصور .. الخ. وأن التعلم ينتج من تدريب هذه الملكات العقلية.
وعليه، فان هذه النظرية تؤكد أن لبعض المواد أهمية خاصة في تدريب تلك الملكات فكان ينظر إلى اللغات والرياضيات باعتبارها أفضل من غيرها في تدريب ملكات العقل هذه. فطالبنا يحفظ هذه المواد مهما كانت جافة بل ويدفع الكثير في سبيل تحقيق ذلك. والدراسات الحديثة تشير إلى خطأ هذه النظرية. فلا أثر لانتقال التدريب إلا وفق شروط خاصة معينة. وفي بعض الحالات فقط والتي سيرد ذكرها عند الحديث عن انتقال أثر التعلم. ومع . ذلك فلا زال الكثير من المدرسين يصرون على قيمة هذه المواد دون الأخرى في تدريب العقل فيهمل مواد أخرى كالرسم والموسيقى والمواد الاجتماعية والإنسانية والعلوم بالرغم من ثبوت أهميتها في عملية تعلم الطالب وإعداده.
ثالثا: التعلم كتعديل للسلوك
وبالنظر لتقدم الأبحاث والتجارب السيكولوجية وظهور نظريات جديدة تفسر عملية التعلم وتوضح حقائقها بشكل يسمح لنا بالتعرف على طبيعتها وشروطها والعوامل التي تؤثر فيها. فلقد أصبح ينظر إلى التعلم على أنه عملية تغير وتعديل في سلوك الفرد. وهذا التغير يستمر مدى الحياة. فالطفل منذ لحظة ولادته وهو على اتصال بالبيئة يؤثر فيها ويتأثر بها ويحاول التكيف معها فيغير من سلوكه بحيث يتفق مع المواقف المختلفة التي يتعرض لها. وأثناء عملية التكيف هذه يكتسب الفرد أساليب جديدة للسلوك تتفق مع ميوله وتؤدي إلى إشباع حاجاته وتعمل على تحقيق أهدافه. (حسانين,2012 : 33)
خصائص عملية التعلم :
يمكنك أن تستخلص من التعريفات السابقة للتعلم عددا من خصائص التعلم والتي تبرز واضحة على النحو التالي:
التعلم تكوين فرضي :
فالتعلم عملية عقلية بالغة التعقيد تنطوي على عدد من العمليات العقلية التي تمر بها. وحتى نتعلم، فإننا نمر بعدد من آليات الاستقبال Receptors وتتمثل في المستقبلات الحسية بأعضاء الحس، والتوصيل أو الربط Connecting mechanisms وتتمثل في الجهاز العصبي، والاستجابة Reacting mechanisms وتتمثل في العضلات الهيكلية والرخوة، والغدد القنوية، والغدد اللاقنوية، والغدد الصماء . فتحدث لدينا عمليات الإحساس، والانتباه، والإدراك والتفكير، والتذكر، وفهم الأفكار والعلاقات. وهذه العمليات كلها تتم داخل الفرد. وبذلك، فان التعلم يمثل تكوينا فرضيا نستدل على حدوثه من خلال الآثار والنتائج المترتبة عليه. والمتمثلة في تغير وتعديل السلوك
التعلم تغير في السلوك :
فالتعلم يظهر في شكل تغير في السلوك أو نشأة سلوك جديد لم يكن موجودا من قبل. والأمثلة على ذلك كثيرة في مواقف التعلم المختلفة
. تعلم ركوب دراجة
. اكتساب مفردات اللغة
. حفظ قصيدة من الشعر .. إلى غير ذلك من الأمثلة.
ولكي نقيس التعلم، فإننا نقارن سلوك الفرد في فترة زمنية بفترة زمنية أخرى وتحت ظروف متشابهة. فإذا كان السلوك متقدما في المرة الثانية فان تعلما قد حدث.
التعلم تغير تقدمي :
أن التعلم يحدث من خلال الاستجابة لموقف معين أي استجابة التعلم الموقف يمر به. وهذا الموقف يتضمن شيئا أو شخصا أو حدثا معينا. مما يمثل نوعا من التنبيه الذي يستجيب له المتعلم تحت شروط معينة. فيحدث التعلم. وبذلك فان مفهوم التعلم يتضمن صفة التقدم أو التحسن أو الزيادة في المعرفة والخبرة. فالاستجابات التي يؤديها الفرد في المراحل الأولى من تعلمه تكون عادة استطلاعية عشوائية وغير متميزة. ولكن بالممارسة المستمرة تقل الأخطاء ويزداد الربط والتنظيم والتنسيق في عملية التعلم.
يحدث التعلم تغيرا يتصف بالاستمرار النسبي :
يشترك العديد من المنظرين في تعريفهم للتعلم على أنه تغير يتصف بالتغير والاستمرار الثابت نسبيا في السلوك. ذلك أن كثيراً من مواقف التعلم الذي ينشأ بصورة اضطرارية يستمر لفترة قصيرة من الزمن ثم لا يلبث أن يزول الأسباب عديدة منها :
. عوامل التغير التي تحدث بعد عملية التعلم
. أو الاختزال
. أو نقص في الأداء نتيجة التعب.
. وربما يكون التغير ناتجا من تناول بعض العقاقير الطبية أو المخدرات
. وقد يتغير السلوك أيضا نتيجة التغير في الدوافع وفي مستوياتها.
. وكذلك، نتيجة التكيف الحسي فيزول عند اختفاء عوامل التنبيه
5 . يحدث التعلم تغيرا في الأداء أو إمكانية الأداء:
ونعني بذلك، أن التعلم يشير إلى القيام بأي استجابة سواء أكانت حركية أو انفعالية أو عقلية ظاهرة أو كامنة. ولذلك، فان تعريف التعلم على أنه تغير في الأداء يبدو غير مكتمل. فنحن نتعلم من الكتب والمحاضرات ومن الإذاعة والتلفاز ومن آراء الزملاء والجماعة، وهذا التعلم ليس من الضروري ترجمته إلى أداء وهو ما يتفق ووجهة نظر تولمان في التعلم الكامن وكثير من الاتجاهات التي تكونها دون أن نفصح عنها. ولما كنا بحاجة إلى مقياس يقيس عملية التعلم، فإننا نهتم بما يخضع من عملية التعلم للملاحظة المباشرة والقياس وهي مظاهر السلوك الخارجية التي تتمثل في أداء الفرد.
6 . يتم التعلم تحت شروط الممارسة المعززة :
ان تعريفنا للتعلم بأنه تغير في السلوك بصفة عامة أو الأداء بصفة خاصة يثير لدينا السؤال التالي: هل كل تغير في السلوك أو الأداء يعتبر تعلما ؟
عزيزي القارئ عليك أن تميز هنا بين تغير في السلوك ناتج عن الممارسة، وتغير في السلوك ناتج عن النضج والتعب والدوافع والمتغيرات الأخرى.
فالتغير في الأداء الذي يحدث نتيجة النضج يعتمد في أساسه على العوامل العضوية الداخلية منذ لحظة الخلق الإنساني , هو تغير في السلوك يرجع إلى عوامل داخلية عضوية. أما اكتسابنا للمعرفة وتحصيلنا للمعلومات فانه تغيير ايضا في السلوك يعتمد على عوامل خارجية وداخلية : وهو ما نطلق عليه عملية التعلم .
والتغيير في الاداء نتيجة التعب ونعني بذلك : النقص في الاداء الناتج عن تغيرات عضلية ناتجة عن تخاذل المجهود العصبي في ممارسة عمل متكرر روتيني .
ووصفنا للممارسة بأنها معززة، فلكي نميز بين التعلم والانطفاء الذي يعني بالضرورة تغيرا في السلوك يتجه نحو النقص في قوة أو سعة الاستجابة عندما تكون الممارسة غير معززه.
7 . يشتمل التعلم على جوانب الشخصية :
نحن جميعا نتعلم في كل مواقف الحياة اليومية، سواء أكان ذلك في البيت أو المدرسة أو بين الجماعة والأقران. وفي تعلمنا هذا نتعلم أيضا سمات الشخصية والاتجاهات والميول والقيم والدوافع وكل أنواع السلوك المختلفة، وهذا يشير بالضرورة إلى أن التعلم يتضمن تغيرات في جوانب شخصيتنا التي اكتسبت تلك المواقف من السلوك في تغيرا في ثلاث جوانب رئيسة من الشخصية هي:
التغير في النواحي الحركية مثل اكتساب عادات الأكل والشرب والملبس والكلام والكتابة والقراءة والمشي وقيادة السيارة وممارسة الألعاب الرياضية أو الرسم أو غيرذلك من أنماط السلوك الحركي.
التغير في النواحي العقلية المعرفية وتشتمل على ما نتعلمه من معارف وحقائق في اللغات والرياضيات والعلوم. وما نكتسبه من مفاهيم ومبادئ وقواعد، وطرق التفكير المختلفة.
التغير في النواحي الوجدانية أو الانفعالية وتشتمل على كل ما نتعلمه من عواطف وميول ومن حب وكراهية لمهن وأعمال أو أشخاص أو أشياء معينة وما نكتسبه من اتجاهات وقيم اجتماعية ونواحي التذوق الفني والأدبي والجمالي وغير ذلك.(ملحم , 2006 : 49)
المصادر
1. ملحم , سامي محمد , (2006) , سيكولوجية التعلم والتعليم الاسس النظرية والتطبيقية , ط2, دار المسيرة للطباعة والنشر, عمان .
حسانين, عواطف محمد محمد , (2012), سيكولوجية التعلم نظريات عمليات معرفية قدرات عقلية , ط1 , المكتبة الأكاديمية , مصر.