مقالة بعنوان/ القوة الناعمة والسياحة الدينية
للأستاذ الدكتور/ علية حسين الساعدي
تدريسية في قسم الجغرافية التطبيقية
المقدمة/
ان حضارات العراق في بابل واور ونينوى قد سجلت في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم والتي اذا احسن ادارتها تكون بالتالي قوة ناعمة. اما السياحة فهي الأكثر تأثير خاصة وان المراقد الدينية في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكوفة وبغداد وسامراء من الأماكن الدينية التي يقصدها ملايين الزوار سنويا .ويمكن ان نقول ان قرار اليونسكو بضم الزيارة الاربعينية في كربلاء وهي فترة الذروة الى التراث العالمي غير المادي نوع من أنواع القوة الناعمة ،اذ يقدر عدد الزوار سنويا من (15-20) مليون زائر من داخل العراق وخارجه ، ولضعف البيانات الإحصائية من الجهات الحكومية الرسمية وغير الرسمية لايمكن تحديد التكاليف والمنافع من هذه الزيارة ، علالوة على ان بعض الأجانب من دول الجوار الإقليمي يتم اعفاؤهم من مبالغ تأشيرة الدخول ( الفيزا) .
إضافة الى ان زيارة الأربعين المباركة تعد ملتقا علميا وثقافيا واجتماعيا تتلاقح فيه الأفكار وربما العادات وخاصة العقيدة الدينية، اذ قام سبعمائة أكاديميا وفنانا واعلاميا في (22) دولة حول العالم بزيارة جماعية لطريق كربلاء للاطلاع على مسيرة الأربعين المليونية باتجاه كربلاء باعتبارها اكبر تجمع بشري يشهده العالم. وكان الهدف الاطلاع ميدانيا على هذه المسيرة ومعرفة جوانبها الإنسانية والروحانية.
ان حضور الزوار بمختلف اجناسهم وانتماءاتهم الفكرية والعقائدية هي ليست مقتصرة على المؤسسات الدينية فقط بل تشمل كل الجوانب الفكرية والاجتماعية وتتجاوز المذهب والجنس واللون ويتم التعامل مع كل الزوار في نمط ونسق واحد الا وهو الخدمة والمسير الى قبة الاحرار. وثمة توجه بإنتاج فيلم امريكي عن زيارة الأربعين المباركة من قبل المخرجة الامريكية (كاثرين بيجلوا) وهي اول امرأة في العالم تنال الاوسكار. وقد شارك في الإنتاج وضمن هيكلية الفيلم من منتجين ومصورين في هوليود وبريطانيا وكتاب ومفكرين مثل الكاتبة الإنكليزية (فريا ستارك) والمفكر المسيحي (أنطون بارا) وهذا يعطي البعد العالمي لهذه المناسبة المباركة. لقد شكلت الشعائر الحسينية وثورة الحسين التي تجسدها زيارة الأربعين مادة للبحث العلمي لدى كثير من الدارسين والباحثين لكونها ثورة عالمية لا تقتصر على طائفة دون أخرى او فئة او مذهب، بلا تجاوزت خطط الزمان والمكان واستمرت ولازالت مستمرة ويعزز هذه الجوانب المعنوية والفكرية الجوانب المادية من حيث عدد الزوار وعدد المواكب المشاركة من مختلف دول العالم الإسلامي.
هذا وقد وصف المستشرق الألماني(مارتن) المجالس الحسينية بانها من اهم أسباب التقدم لدى المسلمين ان هم أحسنوا تنظيمها والاستفادة منها.
ان الاهتمام بالحشود المليونية واستقبالها وتهيئة الأسباب والإمكانات في نشر معالم الثقافة الإسلامية عامه والحسينية خاصة وكأنها جمعت العالم الإسلامي وغير الإسلامي في رقعة جغرافية واحدة لها هدف واحد وهو التسامح والايثار والتضحية والاقتداء قد تكون هذه المسيرات الراجلة عبارة عن ركضة جماعية او السير على الاقدام وان دخلت بعضها تحت عنوان الرياضة وبناء الاجسام والصحة وأصبحت جزء من الألعاب الأولمبية. ان سباق الماراثون كان تثمينا وتخليدا لذلا الجندي اليوناني الذي يدعى( فيديبيدس) راكضا الى أثينا قاطعا مسافة طويلة ليخبر اهله انهم انتصروا على الفرس وذلك استذكارا لمعركة (ماراثون) التي وقعت بين اليونانيين والفرس عام (490) قبل الميلاد، ولازال سباق الماراثون يقام سنويا الى يومنا هذا في حين هناك بعض وسائل التواصل الاجتماعي توجه بمقاطعة الزيارة لأنها بدعة ، لكنها وحدت المسلمين تحت راية الحسين ( عليه السلام) وماقدمه من تضحيات وقيم ومبادئ تمثل ثورة المظلوم على الظالم في زمن غابت الإنسانية بكل مظاهرها المعنوية ورسخت معالم العالم المادي الرأسمالي والمنافع الشخصية والظلم والطغيان.
فقوة السياحة الدينية إذا في مبادئها القائمة على الجذب والقدوم لأداء الشعائر دون اكراه واجبار بل المراقد المقدسة واصحابها هم من يمثلون عامل الجذب والقوة الناعمة والخطاب الديني المتسامح والتمسك بقيمهم الروحية والفكرية ولازالت اعداد الزوار من الخارج في تزايد في جو مشحون بالود والاخاء والكرم من قبل المستقبلين لهم من أبناء المدينة.
يجب استغلال هذه المناسبة لإقامة المهرجانات الثقافية وبث قيم السلام وان يستفاد منها العراق في علاقاته الدولية والاقتصادية منها والسياسية وبما يعزز قوته الناعمة في هذا المجال.