الإعلام المسموم فتنة الشعوب
يقال أن جماعة لم يكونوا قد تعرفوا على الفيل من قبل، وكان أول لقاء لهم به في الغابة ليلاً فمسكه احدهم من قدمه ومسكه الآخر من أذنه وقال هو شبيه بالمروحة، وثالث من خرطومه وعندما سألوهم عن شكل الحيوان الذي التقوه، قال أحدهم هو كالا سطوانة والآخر قال هو كالمروحة والثالث قال شبيه بأنبوب الماء و لما أصبح الصباح كانت كل الأوصاف صحيحة، لكن حقيقة الفيل المجموع لهذه الأوصاف، وهي شيء مختلف عنها
 يطرح كل منا  رؤيته على أنها الأساس والأجدى حسب رؤيته المحدودة ولكن الحقيقة تحتاج الى وضوح وعمقاً من التأمل في ضاهر الاشياء والمواقف
انتشرت قبل فترة عبارة تقول: حيثما تتدخل ايران يحل الخراب! تنشر مع مجموعتين من الصور: الأولى للمدن المدمرة التي “تدخلت فيها ايران” مثل العراق واليمن وسوريا، والثاني مشاهد راقية لمدن من السعودية والإمارات ودولة اخرى.. “لم تتدخل فيها إيران”.
وطبعا تلك الدعاية السمجة سهلة الكشف لعقل له ما يكفي من الهدوء لمراجعة العبارة ويسأل نفسه: هل ان “تدخل ايران” هو السبب في ذلك الدمار، كما توحي به العبارة؟
سيكتشف بسهولة أن العبارة مقلوبة ومسمومة، فالدمار تسبب به أعداء تلك الدول والشعوب، ولم يكن “تدخل إيران” إلا سبباً لإنقاذها وتحديد الخسارة والدمار المخطط لإنزاله بها.
لكن العبارة اشتهرت وانتشرت الصور بشكل كبير واستعملت “حجة” في المناقشات حتى بين “المثقفين”! لأن “الهدوء” والأمانة اللازمة لطرح حتى مثل ذلك التساؤل البسيط، غير متوفرة إلا لدى القليل، في عالمنا الذي تم مسخ عقول شعوبه بسموم لم تتعرض لمثلها أي من أجيال البشر السابقة!
 
ماركس ليس فقط من أكثر البشر تضحية من أجل البشرية، بل أيضا من أرق الشخصيات واكثرها تعاطفا وأمانة. وربما يدهشكم ان تعلموا ان ماركس كان يكره الاقتصاد! وعاش حياته تواقا إلى التفرغ للأدب والنقد والموسيقى، لكن شعوره بالمسؤولية منعه من ترك الميدان الذي يشعر أنه يستطيع تقديم اكبر خدمة للبشر، وبخاصة المظلومين المتألمين منهم، وقال: “اشتاق ان اتفرغ لدراسة لأدب والفن، لكني سأكون حماراً لو أدرت ظهري لآلام البشرية وفعلت ذلك”.
ولم يُضحِ ماركس فقط بالمهنة التي كان يتوق اليها من اجل مبادئه، بل عرض نفسه للفقر الشديد، رغم أنه كان يحمل شهادة عالية تمكنه من ايجاد عمل بدخل ممتاز وكانت عائلة زوجته موسورة، لكن الاثنان ضحيا بذلك، ولم يجوعا فقط، بل تعرض اولادهما الى الامراض بسبب سوء التغذية حتى مات احدهم بسببها! وقال بسخرية: لا يوجد من كتب عن النقود بقدر ما فعلت، ولا من يملك منها أقل مما أملك!
كيف إذن “صبغ وجه التاريخ بالدماء” كما تقول “الجزيرة”؟
لأنه اخبر العمال الفقراء أن لهم حق مسروق في أموال الرأسماليين الأثرياء، تماما كما فعل الإمام علي حين قال: ما جاع فقير إلا بما متع به غني! وحين ثار المظلوم أغرقه الظالم بالدماء!
إنها نفس قصة صور “تدخل إيران في البلدان”. فـ “تدخل” ايران كان دعم ضحايا أمريكا واسرائيل وتمكينهم من الدفاع عن انفسهم، وما اصابهم وأصاب مدنهم كان نتيجة معركتهم مع من أراد احتلال أرضهم ونهب ثرواتها وأن يسيرهم كالخراف حيث يريد، أما من قبل أن يكون غنما لمحتل بلاده، فصار مثل السعودية والإمارات، يعيش سمينا حتى يقرر سيده ذبحه!
وكذلك الحال مع الذين يقول عنهم انهم “سالت دماءهم بسبب ماركس”.
وفي الحالتين يفترض الإعلام المسموم ان الحالة الطبيعية هي الاستسلام للقوي الظالم وإطاعته والسير وراءه الى المذبح الذي يريد ايصال المظلوم اليه. فإن حاول هذا الرفض، وشعر به أحد له ضمير، وقام بمساعدته، يقول الإعلام بتشويه الحقائق والقاء وزر الدماء والخراب، على من قدم المساعدة، رغم أنها كلفته كثيرا ولم يحصل منها على شيء سوى الكثير من الألم!
لماذا كل هذا؟
لأن الإعلام بيد نفس الجهة الظالمة في العالم، والتي تريد اضطهاد الشعوب ونهب ثرواتها وكرامتها، وتريد سرقة حق العمال من مردود عملهم، لذلك فالإعلام صار سلاحا خطرا بيد الظالم ضد المظلوم. والمحزن في الأمر أنه رغم ان الثائرين على الاحتلال في الدول التي تضربها أميركا واسرائيل، يعون كذب الإعلام بشأنهم ويتألمون منه، وكذلك يشعر الماركسيون بالنسبة لما يخصهم من اعلام مضلل، ويعونه، لكن كل من الطرفين يصدق ذلك الإعلام عندما يكون ضد غيره!!
الحقيقة التي يجب ان نعرفها ونبقيها في بالنا هي أن الثائرين الحقيقيين ضد الظلم، سواء الاحتلال او نهب مردود العمل، هم أجمل المظلومين وأن من يساعدهم يحاول تخفيف وطأة الظلم عنهم، وهو بالتأكيد ليس سبب معاناتهم، بل بالعكس. أما سبب معاناة كل الاطراف فهو من يدفع لهذا الإعلام المأجور لقلب الحقائق وترك الناس ترى اصدقاءها اعداءا وتهاجمهم بدلا من الامتنان لهم. الإعلام في زمننا سلاح تدمير شامل هدفه اصابة قليلي المناعة بالجنون، وعلى من يتجول بين كلماته وصوره أن يتسلح بأقصى حذر ممكن ويضع كل الأسئلة، ويعتبر الاعلام سلاحا ضده والإعلامي عدوا حتى يثبت العكس!

شارك هذا الموضوع: