تطلعات وأمال – الشفافية هدف مميز وواعد
رغم ان تحقيق أي هدف سياسي وطني أمر في غاية الصعوبة، تحت سلطة مسلوبة السيادة من تدخل خارجي يهدف بشكل مقصود الى انزال اقصى تدمير في البلد، واتيح له أن يمارس امتداده وسلطته على سيادة البلد وساسته وانتخاباته واعلامه لمدة تزيد على عشرين عاما، وتحت ظروف شديدة الفساد التي يمر بها العراق، يتميز هدف الشفافية عن غيره من الأهداف بخواص مثيرة للاهتمام تجعله في مقدمة الأهداف التي يمكن الأمل بتحقيق إنجاز فيها.
وأول تلك المزايا هي ان الشفافية هدف شعبي طبيعي واخلاقي لا يختلف عليه أثنان، وبالتالي فأن أعداء الشفافية لا يستطيعون التصريح بموقفهم. فرفض الشفافية الصريح يكشف صاحبه كفاسد يريد إخفاء أهدافه عن الناس، ولا يمكنه ان يبرر ذلك إلا في حالات خاصة تتعلق بالأمن والجيش.
وهذه الميزة تضع قيودا شديدة على خصوم الشفافية وتضطرهم الى الاكتفاء بالأساليب المخفية المراوغة، وتحرمهم من الدعاية لموقفهم وتضعهم في موقف مهدد بالفضح إن لم يحسنوا إخفاء نواياهم.
الميزة الثانية هي ان الهدف واضح تماما ومحدد ويمكن قياس التقدم فيه والتراجع. فمن الواضح اننا ان اردنا زيادة الشفافية في عمل مجلس النواب والحكومة مثلا، فسيكون ذلك من خلال نقل الجلسات غير السرية، نقلا مباشرا وتسجيل التصويت عليها الكترونيا امام الناخبين لكي يمكن لاي ناخب ان يعترض إن كان صوته قد حسب خطأً.
واضح أيضا ان قرار مجلس إدارة الدولة بمنع النواب من الحصول على الوثائق الحكومية، اجراء مدمر للشفافية، وبالتالي فإلغاء هذا القانون هدف واضح اخر لمن يريد ان يزيد الشفافية في عمل الحكومة.
وإن اردنا الشفافية في العقود، فعلينا ان نكشف المناقصات للناس على مواقع الوزارة المعنية، كما كان الحال في الوزارات الأولى بعد الاحتلال.
الميزة الثالثة المهمة هي إمكانية تجنيد الناس من جميع الفئات والمكونات السياسية والدينية والقومية والطائفية في هذا الهدف. فحتى من يجد سببا لبقاء التدخلات الخارجية، كأن يكون مقتنعا بأنه ضروري لحماية قوميته او طائفته لسبب ما، فإن هدف الشفافية يبقى مغريا بالنسبة له، ويمكنه ان يعمل نحو هذا الهدف مع من يعتبر إزالة التدخل الخارجي أهم وأول اهدافه. ومن هنا يمكن كسب تجمع واسع وكبير تحت شعارات هذا الهدف، ويمكن كذلك جمع التبرعات لتحقيق أهدافه، خاصة لدفع أتعاب الدعاوي القضائية عند الحاجة اليها.
الميزة الرابعة هي أهمية الهدف وتغلغله في جميع نشاطات الدولة، والقيمة العالية لتأثيره الإيجابي في كل مجال يتم فيه تحقيق تقدم في الشفافية. فالفارق بين مصداقية انتخابات شفافة وأخرى غير شفافة، كبير جدا، والفارق بين عقود أعمال تبرم بشكل شفاف وأخرى بشكل اعتباطي، كبير جدا، والفرق بين اتفاقيات يراها الشعب وأخرى تبرم في الغرف المظلمة، كبير جدا أيضا.
خذ مسألة تحرر البلد من الاحتلال الأمريكي اليوم وتأثير الشفافية على صراع الشعب معه. في الوقت الحالي حيث تنعدم الشفافية في كل شيء في البلد، فأن الوحيد الذي يرى ما يجري في كل وزارة وفي مجلس النواب ومن صوت منهم ولأي قرار، وما يصوت به الوزراء في مجلس الوزراء، فورا بالنقل الحي، هو السفارة الامريكية! أما الشعب فلا يدري شيئا على الاطلاق. فالشعب يحارب في معركة التحرير وعينيه معصوبتان، بينما يرى الاحتلال ساحة المعركة بخطوطها العامة كمن ينظر اليها من فوق تل، ويرى كل تفاصيلها بالتجسس على كل فرد وكل اجتماع وكل تصويت وكل اتصال تلفوني. فتخيلوا معركة هذا حال المتقاتلين فيها. الشفافية هي من سيتيح لنا رؤية ساحة المعركة. ان نعرف على الأقل من هم اصدقاءنا ومن هم اعداءنا، ولذلك فالاحتلال واتباعه هم اشد أعداء الشفافية، لكنهم لن يقولوا ذلك ابدا.
وأشهر اعداء الشفافية في العالم هو الفساد. فحياة الفساد في نظام يتمتع بشفافية عالية، صعبة جدا ومؤقتة، اشبه بوضع سمكة خارج الماء.
وهكذا فأن الشفافية، وبدون مبالغة، تبدو أشبه بحجر الفلاسفة، تحول كل ما تلمسه إلى ذهب.