الجهاد الثقافي والثقافة القرانية 
م.م.زينب محمد ياسين / قسم الجغرافية التطبيقية 
   الجهاد الثقافي هو مصطلح حديث يعبّر عن عملية نشر القيم والمبادئ الثقافية والفكرية وتعزيزها التي تخدم الأمة الإسلامية، في مواجهة التحديات المعاصرة التي تهدد هويتها الثقافية والدينية. على الرغم من أن مصطلح الجهاد في السياق التقليدي يرتبط بالحروب والقتال في سبيل الله، فإن الجهاد الثقافي يشير إلى النضال الفكري والعلمي والخلقي الذي يقوم به الفرد والجماعة من أجل الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية في مواجهة الهجمات الثقافية والفكرية التي قد تؤدي إلى التهديد بالذوبان أو التشويه.
    ان أمر الثقافة أمر خطير في حياة الفرد والمجتمع ولا بأس للمجتمع ان يستورد العلم والمنتجات الصناعية من أي مصدر ، ولكن ما لا  يصح  أن تًؤخذ الثقافة من غير مصادر الوحي والقنوات التي توصلنا بالوحي؛ لأنها الوحيدة التي تضبط السلوك الفردي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي للإنسان،  ويبني شخصية الانسان وعقله ونفسه وروحه، وليس للعلم خطاب في هذا الاتجاه ، قد يحمل العلم أًناس مؤمنون وصالحون كما يحمله أخرون غير صالحين او مؤمنين ، فليس للجغرافية واللغة والكيمياء وسائر العلوم التطبيقية خطاب أصلا في أمر تقويم اخلاق الانسان وسلوكه .
  ولكي يضبط الانسان وصوله بطرق آمنة لمصادر الوحي ليستقي من منبع ثقافة الوعي ويصنع من خلالها نفسه ومجتمعه ويقوم حياته ويهذب مجتمعه ويعدل سلوكياته واهواءه واعلامه وفضاءه بسياج منيع ويحفظه من الفتن الثقافية في ساحة حياة الدنيا ويرتقي الى معارج الكمال الثقافي، عليه ان يأخذ الجهاد الثقافي كوسيلة للحفاظ على هويته الثقافية المنبثقة من الوحي ويقدم كل مايستطيع في ساحة الجهاد الثقافي ضد الثقافات التي تسعى الى تجريد الانسان من قيمه واخلاقه وفطرته.
اليوم أصبحت ساحات الحرب الثقافية أماكن مقدسة يتعبد فيها كثير من المثقفين الذين يسيرون وفق ثقافة الله سير اللبيب العارف ويربطون المعاذ والمعاش بثقافة الله وصراطه المستقيم ويجاهدون ضد خط المغضوب عليهم الذين حصلوا العلم واهملوا ثقافة الاخلاق والتوحيد، اذ ليس في التقدم العلمي أي قيمة اتجاه التكامل الثقافي والأخلاقي والإنساني، مالم تسِرْ في طريق الإحساس بالمسؤولية في ميدان الثقافة التي حملتها رسالات السماء لإنقاذ العالم من نتاج الانحرافات الثقافية والاغواءات الشيطانية والتورمات في الذات.
ان الثقافة التي تصنعها سلاطين الجورالبعيدين عن الثقافة المرتبطة بالوحي يجب ان تواجه من خلال احياء روحية الجهاد الثقافي والابتعاد التخاذل الثقافي التي يمكن ان تجعل بطن المجتمعات حبلى بالتشوهات الثقافية وهذه التشوهات فيها ضرر ديني وصحي وعلمي.
اتساقا مع ما تقدم ،  تشن ضد الأمم التي تحافظ على هويتها الثقافية ؛ حرب  ثقافية بامتياز وبادوات وأساليب خطيرة ويمكن القول اننا اليوم نمر في اهم مواجهة تحدي وهي ساحة الجهاد الثقافي بين سنة الله وسنن الشيطان ، وعندما نسير في طريق مصادر الوحي كائمة الهدى نجد ان الحسين عليه السلام وهو من اعظم اساتيذ الثقافة والوعي والفكر الايماني في جامعة الحياة وقف في وجه الأنظمة التي انتجت شعوبا فاسدة لان وظيفة هذه الأنظمة تكوين ثقافات منحرفة وفقا لمصالحها اللاخلاقية وثقافتها اللامنطقية ، اما الجهاد الثقافي الحسيني أعطى للامة ثقافة الجهاد المبني على الاعتقاد بتعاليم الوحي وانها ساحة تستحق التضحية من اجلها وهي جهاد مسدد من الله سبحانه وتعالى ، فكم من مقاومة فئة قليلة غلبت فئة مستكبرة كثيرة لأن في هذا الجهاد الشهادة من اجل التبليغ الديني والمسؤولية الأخلاقية يجعل التضحية مكسبا للأمة على عكس الثقافات الأخرى التي ترى ان القتل خسارة فيخفي خسائره البشرية طبقا لثقافته في الحرب النفسية المبنية على ثقافة الاعتقاد بالحياة فقط ، وان بعد الموت ليس مايستحق لأجله .
ولنا في فلسطين ولبنان خير مثال لتطبيق واقع  الجهاد بكافة أبعاده العسكرية والثقافية ونرى من خلالهما صراع ثقافة الحق مع ثقافة الباطل، بل إنه من الصراعات الحضارية الكبرى ، وفي هذه الصراعات يتصدر واجهة الإنجاز الحفاظ على الهوية الثقافية في الإسلام المحمدي الأصيل ومع هذه الثقافة سنجد مايشبه الاعجاز وليس الإنجاز فقط ، انها جهاد في ساحة صراع بين ثقافة الطهارة والقذارة وليس صراع على قطعة ارض او حقل او منصب ولا مصالح فردية انما صراع ثقافي وحضاري بكل ما تحمله الكلمة من دلالة ، صراع شامل الانتصار النهائي على مشروع ثقافة القذارة هي ليس فقط  الانتصار في الجهاد العسكري فقط انما المعركة الكبرى هي معركة ثقافة يتطلب قيادة موحدة وثبات وتوكل ووعي وبصيرة ، فان الانتصار في ساحة الجهاد الثقافي يتطلب اضعاف ذلك . 
من هنا نستطيع القول ، ان الثقافة القرانية وثقافات الوحي هي التي تثبت اقدام الانسان في كل مواقع الزلازل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي وهي الخطوط الفكرية التي من خلالها يمكن ان يكون الانسان اعظم مثقف يمتلك ثقافة الأرض والسماء وان مقومات هذه الثقافة هي الاخلاق الذي ينظر من خلالها المثقف المرتبط بالوحي ويدرك دور هذه الثقافة في صناعة قيمه الأخلاقية التي تؤثر في نفسه وبالتالي في المجتمع والإنسانية ، ولم يكن دور الأنبياء والاولياء فقط مرجعيات روحية او مرشدين علميين ، انما كانو عبارة عن مثقفين بثقافة السماء يجاهدون في سبيل بناء أمة تمتلك الثقافة الأخلاقية والفكرية والايمانية ، اذ لاسياسية ولا اقتصاد ولا فائدة من علم من دون ثقافة صحيحة تستمد مقوماتها من مصادر وكتب الوحي وليس ثقافات مستوردة لا دور لها في توجيه الانسان للتعامل باتزان ومسؤولية اتجاه نفسه واتجاه الأخرين .


شارك هذا الموضوع: