تكامل الأدوار في إصلاح وحماية المجتمع

رابطة الثأر بين الإمام الحسين (ع) والامام المهدي(عج) مثالاً

تكامل الأدوار في إصلاح وحماية المجتمع
رابطة الثأر بين الإمام الحسين (ع) والامام المهدي(عج) مثالاً
  
 أفردنا هذا العنوان لدلالته المهمة، إذ أن هناك ترابط فكري وتاريخي في مواجهة الانحراف، بعد أن وكلت إلى الصالحين مهمة بناء مجتمع متكامل وفق الحاكمية الالهية، فولدت تلك المهمة طرف آخر واجه ذلك التوجه، فقد عانوا ما عانوا من أقوامهم الذين رفضوا الإيمان بالأديان المنزلة، حتى وصل الأمر إلى النبي الخاتم محمد(ص) الذي عمل على تحقيق الهدف الذي نزلت من أجله الشرائع السماوية، لكن عند تتبع الأحداث التاريخية نجد أنه (ص) استشهد، وخط الباطل يزداد ويتطور، رغم جهوده الكبيرة في صناعة مجتمع مثالي قائم على السلم، يقوده قادة أمناء على الأمة، لذلك ويجب أن يكمل مهمته أوصى ( ص ) بالأئمة والقرآن الكريم قائلاً:” اني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي…” (1) إذ أن النبي ص أوكل مهمة تتميم الأمر الذي كلف به (ص) والأنبياء بعده، إلى الأئمة من ذريته وبالتحديد إلى الإمام المهدي(عج): ” … لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا”(2). 
إن القيام بالحركة الإصلاحية، أمام متغيرات المجتمع مهمة ليست باليسيرة، فبقدر ما تنحرف الأمة، تزداد صعوبة الإصلاح، لذلك نجد أن عصر الإمام الحسين (كان من أكثر مراحل الانحراف ويتضح ذلك من كتابه الوصية ( إلى أخيه محمد بن الحنفية الذي كتبه له قبل مغادرته المدينة، ثم ودعه وخرج يريد مكة مع جميع أهل بيته، وخاصته وشيعته في ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة60هـ/ 679م(3)، جاء فيه: ” بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ هذا ما أَوْصى بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عليِّ بْنِ أَبي طالِب إِلى أَخيهِ مُحَمَّد الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفيَّةِ…وَأَنّي لَمْ أَخْرُجْ أشِراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظالِماً، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاْصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي(صلى الله عليه وآله وسلم) أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأبي عليِّ بْنِ أَبي طالِب(عليهما السلام )، فَمَنْ قَبِلَني بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللهُ أَوْلى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ علَيَّ هذا أَصْبِرُ حَتّى يَقْضِيَ اللهُ بَيْني وَبَيْنَ الْقَومِ بِالْحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمينَ، وَهذِهِ وَصِيَّتي يا أَخي إِلَيْكَ، وَما تَوْفيقي إِلاّ بِاللهِ علَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنيبُ”.(4).
وهذا النص يأخذنا إلى النص الآخر للإمام (عليه السلام) في خطبة عند مسيره إلى كربلاء في موضع ذي حسم،(5)، ذكرها أبو مخنف، واصفًا فيها واقع الناس قال فيها:” إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت جداً، فلم يبق منها إلّا صبابة (6) كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل.(7) ألا ترون أنَّ الحق لا يعمل به، وأنَّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاءِ الله محقاً إني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً (8)”(9).
نجد في هذين النصين أسباب ثورة الإمام الحسين التي تتمثل في إصلاح أمة جده التي انحرفت عن المسار الإنساني وأصبح كل معروف لا يعمل به، وانقلبت معايير الحق والباطل، وهذا الوصف لم يأت اعتباطا بل جاء نتيجة رؤياه وتشخيصه لكثرة المفاسد، والمظالم التي قام بها الأمويون بتغييبهم للعدالة المجتمعية بانتهاك الأعراض وفقدان الأمن واحتقار الأمة والعمل على محو ذكر أهل البيت وأتباعهم، والاستئثار بالأموال وإماتة السنة وإحياء البدعة وغيرها من الأفعال المخالفة للشريعة لذلك تحتمت ثورته لرفض الظلم ومعالجة السلوكيات الأموية القائمة وتحقيق العدل والإحسان والقسط داخل المجتمع (10).
وعلى الرغم من أن ثورة الإمام الحسين ع قد حققت أهداف هائلة على مختلف الصعد، وعلى مر الأزمان كان أولها اسقاط الحكم الأموي، والحكومات الباطلة الظالمة التي تبعته، وأصبحت مناراً لكل الثورات والأحرار في العالم، كما انها مصدراً للمثل الأخلاقية والاجتماعية العليا. إلا أنها لم تكتمل بعد إلا بعد ظهور الإمام المهدي(عج) الذي يتوج ظهوره بالانتقام من الخط الفاسد الذي كان سبباً في انحراف الأمة، واستشهاد الإمام الحسين(ع)، ويرفع شعار(يا لثارات الحسين)، كما ورد عن قول الإمام الرضا (ع) للريان بن شبيب(11):” يا بن شبيب ، إن كنت باكيا لشئ، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام )، فإنه ذبح كما يذبح الكبش … ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين”(12).
في هذا النص نجد الترابط الديني والفكري والقيمي والإصلاحي بين قضية الإمام الحسين(ع) والإمام القائم المهدي(عج)، إذ أن مسألة نصرته والأخذ بثأره حتمية لا بد منها تتحقق مع مشروع الإمام المهدي، قال الامام الحسين (ع):” … يَمْلاَها عَدْلاً، كَما مُلِئَتْ جَوْراً، علَى فَتْرَة مِنَ الأَئِمَّةِ تَأْتي، كَما أَنَّ رسُولَ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) بُعِثَ عَلى فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ”(13).
أن النسق أو القالب الذي تسير عليه السنن التاريخية، يحتم الترابط والتشابه بين الشخصيات المصلحة، وهذا ما نجده في النصوص آنف الذكر، إذ يقارن الإمام الحسين ع بين النبي ص والامام المهدي من ناحية الواجب المناط به ومن ناحية التنظيم السنني للتأريخ، فالواجب اظهار الحق والعدل وتطبيقه، من قبل الأنبياء والرسل، إذ استمرت الرسالات السماوية باتجاه الإصلاح وبصراع مستمر مع الباطل حتى ظهر الدين الإسلامي بعد انقطاع مدة من الرسل، فجاء النبي محمد(ص) ليختتم تلك الرسالات بالدين الإسلامي، فبدأت المرحلة الثانية ليتسلمها الأئمة (عليهم السلام) بعده في خدمة وإظهار صوت الحق كما الأنبياء قبلهم، فينقطعوا مدة من الزمن يظهر فيها الباطل ويشاع الظلم “على فترة من الأئمة” في إشارة إلى غيبة الإمام المهدي ثم ظهوره مرة أخرى ليملئها عدلاً، وكل ما ذُكر كان متناقل قبل ولادة الإمام المهدي (عج) بكثير، فعن الإمام الحسين(عليه السلام)، أنّه سئل:” هل ولد المهدىّ (عليه السلام )؟ قال: لا . وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَيَّامَ حَياتي” (14). 
يريد الإمام الحسين بخدمته للإمام المهدي، أنما خدمة المشروع الإصلاحي الذي بدأه الأنبياء وخاتمهم النبي محمد(ص)، فهو الخاتم والمتمم له ويحقق الهدف الحقيقي الذي نزل به الدين الإسلامي وما سبقه من ديانات حوربت ولم تحقق كامل أهدافها، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في حديث : أنّ الحسين (عليه السلام ) قال:” يُظْهِرُ اللهُ قَائِمَنا فَيَنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمينَ”(15)، فأنه قائم يقوم بالحق، وينتقم من الظالمين. 
وهذا الأمر لا يقتصر على الأمة الإسلامية فقط بل يتميز بالطابع العمومي الشمولي، فأن كان المصلحون قبله مقتصرين على أبناء جلدتهم أو تحدهم مساحة جغرافية معينة، بحكم طبيعة الظروف القائمة في زمن كل منهم، إلا أن الإمام المهدي (عج) لا يخضع لهذه الظروف، في إشارة منّا كما نعتقد بل ونجزم بأن الحق حق في أي مكان من وجه المعمورة والباطل باطل في أي مكان، سيتبعهما الإمام (عج) باتباع الأول والقضاء على الثاني، حتى يملئها، قسطا وعدلاً، قال الامام الحسين(ع):”وَيَمْلاَ الأْرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً”(16)، أي جميع الأرض وكل من عليها يخضع لمشروعه الإصلاحي، كما قول الإمام علي (عليه السلام) بقوله للإمام الحسين(ع) عندما سأله عن الإمام المهدي فأجابه:”التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق المظهر للدين الباسط للعدل…”(17).
 الهدف الموحّد بين الديانات المنزّلة هو الإصلاح ودولة العدالة التي يطاع فيها الله تعالى، وبما أنه لم يتحقق بشكل نهائي إلا في آخر الزمان، فلا بد أن يكون هذا الإصلاح مشترك بظهور بعض الصالحين من ديانات أخرى إلى جانب الإمام المهدي كالسيد المسيح (عليه السلام)، وتحقيق الهدف المشترك بقيام الدولة العادلة التي يطاع بها الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى تمهيد وتضحيات تقدم سلفا، وهذا ما عمل عليه الامام الحسين ع بأن مهد وعبد الطريق للنهضة المهدوية المباركة بما قدمه من تضحيات بقيت خالدة وتتجدد على مر العصور، أصبحت باعث حقيقي لكل النهضات العادلة، وأهمها نهضة الإمام المهدي عج التي هي بالأساس مستقاة من النهضة الحسينية (18).
ومن المنطلقات المهمة لتلك النهضة هي مسؤولية الإمام المهدي عج في الانتقام من قتلة الامام الحسين (ع)، وهذا الانتقام هو البداية النهاية المرتقبة واساس العدالة المنتظرة (19)، ونقلت لنا المصادر قول للإمام المهدي عج عند ظهوره: ” ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم، … أنا الصمصام المنتقم، … أن جدي الحسين قتلوه عطشانا، … إن جدي الحسين طرحوه عريانا،… أن جدي الحسين سحقوه عدوانا”(20) .
والمقصود من وحدة الهدف هو الهدف المشترك بينهما (عليهما السلام) بإقامة دولة العدالة ودولة الدين الإسلامي الذي يطاع فيها الله تعالى، ويتم السعي نحو ذلك بحسب استعداد تقبل المجتمع لتحقيق ذلك الهدف، فمجتمع الإمام الحسين (عليه السلام) لا يسمح استعداده أن يتحقق الإصلاح العالمي لجميع ربوع المعمورة بخلاف مجتمع الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) فيكون أكبر استعداداً لذلك الإصلاح الشامل، ولاختلاف قابلية كل مجتمع اختلفت دائرة الهدف سعة وضيقاً وهذا لا يعني أن هناك اختلافاً جوهرياً في الهدف بين الحركتين، وإلا ليس من المعقول إطلاق شعار يعجز الناس عن استيعابه، ولو تحقق الهدف المشترك يتحقق الإصلاح العالمي لجميع ربوع الأرض تدريجيا كما سيحصل ذلك بإذن الله تعالى في حركة الإمام المهدي(عج).


المصادر
  1. سليم بن قيس، كتاب سليم بن قيس، ص 201؛ الصدوق، الأمالي، ص500؛ الطبري، بشارة المصطفى، ص217؛ العسكري، حديث الثقلين. 
  2. الصدوق، كمال الدين، ص318؛ الطوسي، الغيبة، ص425؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج2،ص67.
  3. أبو مخنف الازدي، مقتل الحسين، ص7؛ الطبري، تاريخ الطبري،ج4،ص252؛ الطبرسي، اعلام الورى بأعلام الهدى، ص 229.
  4. ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص 33-34؛ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج1، ص 273.
  5. ذو حسم: بضم أوله وثانيه وبالميم، واد بنجد. البكري، معجم ما استعجم، ج 1، ص446.
  6. الصبابة: ما فضل في أسفل الإناء من الشراب، وجمعها صبابات. القاضي النعمان، شرح الأخبار، ج3، ص150.
  7. الوبيل: الوخيم الذي لا يتمر به، يقال منه: استوبل القوم الأرض إذا أصابهم فيها وخم. القاضي النعمان، شرح الأخبار، ج3، ص150.
  8. برم: ضجر منه، التبرم من الشئ، وهو الضجر منه. القاضي النعمان. شرح الأخبار، ج3، ص150.
  9. أبو مخنف، مقتل الحسين، ص 86؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص 305؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص224؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج44، ص192.
  10. اليوسف، الامام الحسين ومبدأ العدالة الاجتماعية، ص46-47.
  11. الريان بن شبيب: من أصحاب الرضا، والهادي (عليهما السلام)، وخال المعتصم الخليفة العباسي، له كتاب جمع فيه كلام الرضا ” ع “، وجمع مسائل الصباح بن نصر الهندي عن الرضا عليه السلام، كان ثقة سكن قم وروى عنه أهلها، خراساني، بغدادي، توفي في بغداد ودفن بها، لكن لم نحصل على تاريخ وفاته. النجاشي، رجال النجاشي، ص165؛ الحلي، خلاصة الأقوال، ص145؛ الاردبيلي، جامع الرواة، ج1، ص323، التفرشي، نقد الرجال، ج2، ص250؛ الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث، ج3، ص411.
  12. الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج1، ص268؛ ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص29؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج44، ص286. 
  13. الكليني، الكافي، ج1، ص341؛ النعماني، الغيبة، ص193.
  14. النعماني، الغيبة، ص252؛ المجلسي، بحار الانوار، ج51، ص148؛ معهد باقر العلوم، موسوعة كلمات الامام الحسين، ص786.
  15. معهد باقر العلوم، موسوعة كلمات الامام الحسين، ص498.
  16. معهد باقر العلوم، موسوعة كلمات الامام الحسين، ص499.
  17. الصدوق، كمال الدين، ص304؛ الطبرسي، أعلام الورى، ج2، ص229؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 110؛ 
  18.  الموسوي، الحصين والمهدي، ص 43.
  19. الموسوي، الحسين والمهدي، ص44.
  20. الحائري، الزام الناصب، ج2، ص246.

شارك هذا الموضوع: