سلطة البلاغة والنص ّ الروائي في ظل الاستعارات التصورية
ا.د كريمة نوماس محمد المدني
تمثل النصوص الروائية فضاء واسعا ونصا مفتوحا لدراسة ما تنتجه الحداثة من رؤى ونظريات يمتزج فيها الواقع والفرد والمجمتع معا في بوصلة واحدة ، ويبقى الواقع العراقي هو بؤرة الحدث الروائي بمختلف انساقه الثقافية ولا تبرز هذه العلاقات بين الواقع والمجتمع الا بوجود سلطة للأستعارات التي تعكس نمط ذلك الواقع المجتمعي الحقيقي المعاش ،لذلك اصبحت الاستعارات في ظل التطور اللساني للعلوم العرفانية وتوسع دائرة البلاغة الجديدة ،تمثل ظاهرة مركزية تعكس صيرورة حراك مشهد صراع متنوع ونسق تصوري يحاكي الواقع بمراراته وصراعاته المختلفة ،عبر مغامرة الكشف عن شفرات هذه الانساق التفاعلية في نطاق الترابط التعالقي بين السرد الروائي والأنساق الاستعارية المتنوعة متخذة من الأسلوبية الاجتماعية منهجا لاستنطاق النصوص الروائية واستشراف أنساقها النصية المضمرة بحراكها الجدلي
ان فاعلية السرد في النصوص الروائية ينبني على مؤثرات الواقع وحياة الشعوب بمختلف انماط معيشتها، فهي تدرس الواقع المجتمعي المرتبط بذات الفرد وعلاقاته مع الاخرين ، وتأتي فاعلية ذلك الوصف السردي عبر انساق ثقافية متعددةمن تجارب الاخرين ونسق معيشتهم فغدت الاستعارة تمثل في ظل التطور للعلوم العرفانية اللسانية ظاهرة مركزية وأداة ذهنية ونمذجة تصورية تعكس انساقا اجتماعية وثقافية كبرى في المجتمع عبر استجرار رؤى تفاعلية مستمدة من واقع سردي متنوع الانساق ، إذ تقوم هذه الاستعارات بدور أساسي في بناء الواقعة الاجتماعية والثقافية المختلفة
وانطلقت الفكرة السائدة أن الاستعارة ليست مسألة لغة بل هي مسألة تفكير من لدن الباحثان جورج لايكوف ومارك جونسون في كتابهما ( الاستعارات التي نحيا بها ) بأن الاستعارة هي جزء من نسقنا الاعتيادي للفكر معتمدان في ذلك على مقال لمايكل ريدي الموسوم ب( استعارة الأنبوب ) .اذ فتحت الدراسات العرفانية أبوابا جديدة للبحث والتأويل واتخذت من الاستعارة بابا لمكاشفة عمق التأويل فيها ، فهي أصبحت أداة إدراكية كامنة في الذهن تؤسس أنظمتنا التصورية وتحكم تجربتنا الحياتية .
فاللغة استعارية بطبعها والفكر في جوهره استعاري ، وهذا المفهوم مرتبط بمجالين هما المجال المصدر والمجال الهدف ، فإذا تم فهم مجال تصوري عن طريق مجال تصوري آخر نكون إزاء استعارة تصورية .
وقد عُرّفت الاستعارة الكبرى عند احد النقاد بأنهاالاستعارة التي تعد مشهدا عاما واداة معرفية اضافية وليست استبدالية)إيجازها كالتالي : الميدان التصوري( أ) هو الميدان التصوري (ب)وذلك مثل فهم الحياة عن طرق الرحلة والجدل عن طريق الحرب والحب عن طريق النار ، حيث يسمى الميدان الأول ميدانا هدفا والميدان الثاني مصدرا .
ومن أهم الطروحات التي أشار إليها الباحثان حول نظريتهما الاستعارية التصورية هي مايأتي :
أولا : أن الاستعارة خاصية للتصورات ، وليس للكلمات .
ثانيا : وظيفة الاستعارة هي فهم أفضل لبعض التصورات وليس فقط لأغراض فنية وجمالية معينة .
ثالثا : لا تتأسس الاستعارة في الغالب على المشابهة .
رابعا : يستخدم الناس العاديون الاستعارة دون جهد في حياتهم اليومية ، فالأمر لا يتعلق بالموهوبين فقط.
خامسا : الاستعارة بعيدا عن كونها شيئا زائدا رغم الزخرفة اللغوية التي تمنحها ، هي عملية حتمية للتفكير والتعقل البشرين .
ومن ذلك عدت الاستعارة الكبرى نظرية ذات آلية عرفانية ندرك بها ذواتنا ونتمثل العالم من حولنا ونفهم أكثر مفاهيمنا تجريدا وهذاماتبحث عنه الاثنوغرافيا والجدير بالذكر ان هذه الاستعارات ليست مقتصرة على المبدعيين فقط من الشعراء والفنانيين والأدباء ، بل هي تحكم كل مستويات الحياة العامة حتى الناس العاديين تظهر في سلوكايتهم انها مرتبطة بهويتنا نحن البشر ، اذ تكون مندسة في كل تفاصيل حياتنا العامة وفي كلامنا العفوي ، انها ما نفكر به وما به نحيا .ولهذا تعد الاستعارات الكبرى (تمثيلا للواقع المرئي ذهنيا او بصريا او ادراكا مباشراللعالم الخارجي الموضوعي ، تجسيدا وحسا ورؤية )
_تأسيس الانساق الاستعارية التصورية وأنماطها :
ان مكتسبات النظرية الاستعارية التصورية ترتكز على أسس وانساق معينة تنطلق منها والتي سميت ب (سيناريو الاستعارة )تلك النظرية أهمها (النسق التصوري ) الذي هو جزء من النسق الاعتيادي للفكر واللغة وهو في ذاته طبيعة استعارية يتمثل في تفكيرنا وسلوكياتنا عبر تجربتنا الحياتية مثلا (الحب عمل فني مشترك )ولذا سمي أيضا بالتمثيل التصوري الذي ينسجم مع التجربة الانسانية .
اما المرتكز الثاني هو (الاقتضاءات الاستعارية )وتعرف بأنها ذلك النوع الأدنى الذي يمثل المستوى الأولي للأستعارة التصورية ويشمل العناصر الاستعارية والاستلزامات الناشئة عن المعارف الثرية التي يملكها الناس بخصوص مجالات المصدر والهدف .
والمرتكز الثالث : هو الاستعارة القاعدية وهو النوع المركزي من الاستعارات التصورية وتمثل الأداة في تصور العالم والأشياء وتمثيلها في جميع مظاهرها فهي جزء من النظام العرفاني ، ولذلك تعد أداة إفهام وتمثيل للمفاهيم والتصورات يعم كل مظاهر الفكر وما اتصل منها بالمفاهيم المجردة والمجالات الأساسية .
ينطلق هذا المفهوم من فكرة الاستعارات التصورية التي مؤداها قراءة النصوص قراءة عميقة دون تسطيح النص ، وهي التي تصنع انسجامات الاستعارات وتنضوي تحتها جميع أنواع الاستعارات التصورية أي قراءة المعنى الاستعاري التصوري العميق داخل النصوص وهذه فكرة كوفيتش .وسماها بول ويرث بالا ستعارات الممتدة .
ويمكن القول ان الاستعارات الأدبية رغم انها تشكل مجموعة خاصة بين الاستعارات الأخرى ، الا أن الشعراء والكتاب يستخدمون في الأغلب الاستعارات التصورية الصغرى والكبرى نفسها التي يستخدمونها الناس العاديون ولكنهم يتصرفون فيها بطرق عديدة ليست في متناول الجميع مثل ، التوسيع ، والتدقيق ، والارتياب ، والتوليف ، التشخيص أيضا الذي هو أداة شائعة بين النصوص الإبداعية والعادية المتأسسة على الصور او الصورة الواحدة.
المعارك الكلامية بنفس صيغة المعارك الفيزيائية ، ففي الجدال نهاجم ، ندافع ، نهرب واستعمال كل الوسائل الكلامية من مثل القتل ، التهديد ، التسلط ، المساومة ، الإطراء ، تقديم حجج عقلية .