العنوان هو العتبة الأُولى والأَهم بالنسبة لأيِّ نتاج كتابي ،لأنَّه سيحدث جذبا ايجابيا اقباليا عليه أو نفورا سلبيا ادباريا منه ..
ففي المنهج الاكاديمي نجد أن شريطة التوافق والتعالق بين عنوان الرسالة أو الاطروحة ومحتوياتها شيء مفروغ منه ؛ويحاسب الطالب في حال عدم التوافق والبعد غير المبرر بينهما ،فلابد أَن يكون كلُّ فصل متعلقا بالعنوان ناشئا منه متصلا به بسبب وعلقة .
وفي حال تحويل هذا النتاج من حيز المخطوط الأَكاديمي الى النشر يشار على صاحبه بتغيير العنوان جملة وتفصيلا أو تغييره بشكل جزئي ؛المهم أن كثيرا من العناوين الاكاديمية تغيَّر في حال طباعتها كتابا ،وتنظر دورُ النشر الى العنوان بمثابة مفتاح الى عقل القارئ وجيبه في آن معا ،ولربما نظر المؤلفُ نفسه الى هذه الزاوية وقام بالتغيير قبل يرسل مُؤلَّفه الى تلك الدار التي يروم طباعته فيها ،فالشهرة سبيلها الانتشار.
ومن ثمَّ وجدنا كتبا عنوانها في جهة ومادتها في جهة أُخرى ،وعلى سبيل المثال لا الحصر كتاب (دير الملاك) فالعنوان الأَول البارز على الكتاب لا علاقة له بالمادة مطلقا ،ولكن اسم الكتاب أصبح ايقونة معروفة لدى نقاد الشعر الحديث وأدبه بعدما ذُيِّل بعنوانه الحقيقي وهو (دراسةٌ نقدية للظواهر الفنية في الشعر العراقي المعاصر) .
ونجد أيضا بعض الكتب تجذبك بعنوانها البرَّاق الكبير ،ولكن حين تفتش ما في داخله لا تجد محتوى ذا بال ،وغالبا ما يوصف بالقول العامي (بطرك العنوان) دلالة على فراغه وخوائه المعرفي والعلمي ،ولربما لعدم جدَّة مادته وتقليديتها طرحا ومعالجه.
ولعل هذا الأَمر أصبح ظاهرة واضحة في الآونة الأَخيرة ،إِذ نجد ثمة صناعة للعناوين ناتجة عن قراءة نفسيَّة دقيقة لأمزجة ومخيلة شريحة كبيرة من القرَّاء ، فكلَّما كان العنوان متفرِّدا صادما ملبِّيا لتلك الأَذواق أصبح سوقه رائجة جاذبة ،وليس ببعيد عنا كتاب (نظرية الفستق) الخاص بطرق التفكير والسلوك والحكم على الأشياء..
ولعل أنصاف المثقفين وقللي الخبرة من يشتري كتابا لمجرد أَنَّ عنوانه يجذب أو يصدم ولا يكلِّف نفسه عناء النظر في محتوياته ،وقراءة بعض من صفحاته لمعرفة اسلوب صاحبه في الطرح والمعالجة.