الخطاب الإعلامي المعاصر واثره على الأمن الاسري والمجتمعي
الخطاب الإعلامي المعاصر واثره على الأمن الاسري والمجتمعي
الخطاب الإعلامي المعاصر واثره على الأمن الاسري والمجتمعي
قراءة في ثقافة الصورة المرئية واستراتيجيات التلقي
أ.د كريمة نوماس محمد المدني
جامعة كربلاء / كلية التربية للعلوم الانسانية
لقد حقق الخطاب الإعلامي في الآونة الأخيرة دورا فاعلا ومؤثرا في جميع الحقول المعرفية والاقتصادية والصحية والتجميلية ، فأصبح ذا مكانة مائزة في الخطابات المعرفية التي ينتجها الإنسان عبر المؤسسات الاجتماعية المختلفة ،وقد ارتبط بظهور ثقافة الميديا والصور المرئية التي تعد من الأنساق الثقافية المهمة في عالمنا المعاصر ، وقد حقق الخطاب الإعلامي مكانة مهمة بفعل الاستراتيجيات التي يحققها بالتواصل مع المتلقين مما اتاح انتشارا واسعا للأفكار والرؤى والاتجاهات والخطابات التي تمكنهم من تحقيق غاياتهم التي تضمر بدواخلها مقاصد مختلفة ، وقد عرفت الثقافة البصرية بتعريفات عدة ،منها انها محصلة كل التفاعلات ومدخلاتها التي يحيها الانسان والتي تنتقل اليه من خلال القنوات المختلفة المقصودة وغير المقصودة واهمها التعليم وانظمته المتنوعة وايديولوجية المجتمعات وفلسفاتها في الحياة .مما يسبب إشاعة ما يسمى ب (التنميط الثقافي ) والذي يعني انتاج نمط ثقافي معين وفق توظيف وسائل وتقنيات بصرية حديثة تتلقفها المجتمعات المختلفة من شيوع صور الميديا والاعلانات المختلفة لتشكل نمط ثقافة جديدة توجه المجتمع العالمي بمختلف الثقافات الالكترونية البصرية .
ويشكل الخطاب الإعلامي منعطا تاريخيا وثقافيا واجتماعيا لنشر المعارف والمعلومات والمهارات المختلفة ومايهم الحياة الإنسانية بمختلف متطلباتها الفكرية والثقافية والاجتماعية، وقد مر الخطاب بمراحل وصور وانعطافات تاريخية مختلفة كل حسب العصر الذي يكون فيه ويتعالق مع اجناسه ومجتمعاته ،والخطاب يمثل صحيفة المجتمع وقدراته وامكانياته ومعارفه ،فبدء من العصر الجاهلي والإسلامي كانت تمثل القصائد ثقافة إعلامية تعكس مهارات البيئة وصراعات القبائل والمجتمع آنذاك ،يستطيع عبرها الشاعر ان ينقل ثقافة البيئة التي يعيشها واحداث لك البيئة ، وقد اسهب الخطاب الإعلامي اسهاما فاعلا في نشر الدعوة الإسلامية وايصال الحضارة الإسلامية الى مختلف البلدان العربية والنائية ، فكانت القصائد والمخاطبات تمثل صناعة رأي عام ثقافي يتمكن عبرها من تحقيق الغايات وتوصيل الثقافة الإسلامية .
وبهذا يمكن القول ان الصورة الإعلامية للعصور الإسلامية تمثلت في ذلك الصرح العاجي الذي يقف فيه الشاعر ليعلو صوته الإعلامي بتحقيق الانتصارات وايصال صوت الخلفاء وتشكيل رأي عام يعكس ثقافة الامة وهويتها الإسلامية ،ولهذا تعد الصورة الإعلامية بعدا قيميا لثقافة الامة وهويتها وتمثل الحصن المنيع من الذوبان في ثقافة الآخر حتى لاتفقد خصوصيتها المميزة لها وانتماءها العربي الإسلامي .
وقد مثل الخطاب القرآني نقلة نوعية في طبيعة الأسلوب والمخاطبة رغم انه جاء بنفس لغتهم ومخاطباتهم والفاظهم ، فكانت تمثل الخطابات القرآنيةللكفار والمشركين متميزة ومغايرة تماما عن طبيعة الخطاب الإعلامي القرآني للمؤمنين ،فكانت سمة الاعلام المتجانسة مع لغة القرآن الكريم تهدف الى الرغبة والخضوع لعبادة الواحد الاحد ، ورغم تلك الخطابات فقد لعبت الصورة الإعلامية دورا مرئيا فاعلا في حسم الصراع بين العبادة الوحدوية وبين عبادة الأوثان ،اذ تمثلت بتلك المعاجز الإلهية والكرامات التي افاض الله تعالى على انبيائه بها ، فكانت تمثل صورة إعلامية مرئية لإثبات الدعوة التي يدعو اليها الأنبياء وتغيير العادات وتفنيد تلك المدركات العقلية والثوابت التي استحوذت على عقولهم واثرها على تلقي الجمهور المنكر للدعوة الذي ينتظر الأدلة على دعواهم .
ومن هنا شكلت الصورة والحدث الاعلامي حيزا مائزا في الخطاب القرآني يكاد يغلب ثقافة الكلمة واعلاميتها في اغلب مقامات الخطاب السياسي او الديني او حتى الاجتماعي ،لأثره الكبير ودوره الجسيم في مايتركه من اثر على المخيلة الفكرية بقدرات بصرية واضحة للعيان .
فالتلقي بوساطة العين التي تشاهد الحدث او تجسيد لحدث معين يكون أكثر تأثيرا في الوعي والادراك ، واكثر رسوخا في اللاوعي من تلقي النص المقروء او المسموع ، كما ان الصورة تستطيع ان تختزل قضية كبرى في موضع طوال يحتاج التعبير عنها او الوصف فيها .
لقد حدثت نُقلة نوعية وتطورا ملحوظاً في طبيعة نقل الخطاب بتطور وسائل التكنلوجيا الحديثة ، وأصبحت سمة التواصل سمعة جمعية يتلقاها الفرد في اضيق دائرة يعيشها البيت والعمل وغيره ،فتحول الى منظومة دائرية تضم بين ثناياه العالم أجمع لتقرب تلك المسافات والأفكار بمختلف رؤاها ونظرياتها سواء المقبولة او المندسة لتلوث المجتمع .وعلى الاسرة ان تتحصن بجميع المحصنات السليمة لتوعية افرادها من الانزلاق وراء متاهات الاعلام السلبي الذي له تأثيرات وتداعيات مختلفة وخطيرة على مستقبلهم ووعيهم اتجاه الحياة والمجتمع .فكانت للصور الإعلامية على وسائل التواصل دور فاعل ومؤثر على تلك الاسر والمجتمعات فتنعكس على سلوكياتهم وطريقة تفكيرهم ، لذا يجب ان تكون الاسرة على وعي تام وتواصل مستمر مع أبنائها لرشدهم وتوجيهم وعدم التأثر بكل مايطرح في ساحة الاعلام .