القاسم ابن الإمام الكاظم (عليهما السلام)
بعدما أوصى الإمام الكاظم (عليه السلام) بأنّ الإمام من بعدهِ هو ابنهُ الرضا (عليه السلام)، قالَ مقولةً تدل على عظمة القاسم ابنهُ حيث قال في حقّهِ: “ولو كان الامر إلي لجعلتهُ في القاسم ابني، لحبي إياهُ ورأفتي عليهِ ولكن ذلك إلى الله عز وجل، يجعله حيث يشاء”().
فهذهِ المقولة من إمامٍ معصوم بحق ولدهِ تدل على عدّة أمران هي:
1ـ تدل على الإيمان القوي والراسخ والثابت الذي يتمتّع بهِ القاسم (عليه السلام)، وإلّا كيف يُمكن أن يكون إماماً للبشرية وهو لا يحمل الأيمان الراسخ؟ حيث مطلوب منهُ أن يُقرّب الناس إلى طاعة الله عز وجل، فيجب أن يكون ايمانهُ فوق الجميع حتى يُقرّبهُم.
وبكُل تأكيد أنّ القاسم (عليه السلام) بهذا الإيمان قد حقّقَ جميع الطاعات لله تعالى من صلاةٍ وصيام وطاعة والدَين، وقد ابتعدَ عن جميع المعاصي والرذائل من غيبةٍ ونميمة وأكل أموال النّاس وغير ذلك.
2ـ ومن خلال كلام الإمام فيهِ، فإنّ القاسم قد وصلَ إلى مرحلة تُقارب العصمة، إن لم يكن كذلك، وإلّا كيف يُمكن للإمام الكاظم (عليه السلام) أن يضعهُ موضعاً يكون قائداً للبشرية وهو يقبل الخطأ؟ فأكيد أنّ القاسم قد وصلَ مرحلة قد عصمة نفسهُ من الخطايا والمفاسد حتى قال الكاظم (عليه السلام) تلك المقولة العظيمة.
والرواية قالت أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) يحبّهُ، وبِلا شك أنّ الإمام لا يحب العبد العاصي والبعيد عن الله تعالى، حتى وإن كانَ ابنهُ، لِأنّ الإمام لا يؤيّد العُصاة ولا يرغب فيهِم حتى وإن كانوا قريبين.
كما أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) جعلَ ابنهُ القاسم (عليه السلام) متولّياً على الوقف والصدقات التي أوقفها على أولادهِ، وجعلهُ متولياً بعد ولدَيْهِ الرضا (عليه السلام) وابراهيم حيث جاء في الرواية: “بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به موسى بن جعفر بأرض بمكان كذا وكذا وحد الأرض كذا وكذا… وجعل صدقته هذه إلى علي وإبراهيم فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي منهما“().
وهذا إنّما يدل على أمانتهِ ونزاهتهِ ودورهِ في حفظ هذهِ الصدقات، فهي تحتاج إلى الرجُل الأمين، وكما قال القرآن على لسان نبي الله يوسف:ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ يوسف: ٥٥، فكما يوسف (عليه السلام) قادر على حفظ الخزائن، فالقاسم قادر على حفظ الصدقات.
كما يدل تولي الصدقات على تحمّل المسؤولية وهذا ما تصدّى لهُ القاسم (عليه السلام)، فالأمر ليس بالهيّن وهو أن يكون متولّياً للصدقات، إن لم تكُن لديهِ القدرة على تحمّل المسؤولية، وهذهِ من أهم الصفات التي يجب على كل شاب أن يتحلّى بها.
وجاءَ في استحباب قراءة سورة الصافات على المُحتضِر، عن سليمان الجعفري قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لابنه القاسم : قم يا بنى فاقرأ عند رأس أخيكﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭼ الصافات: ١ حتى تستتمها، فقرأ فلما بلغ ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ الصافات: ١١ قضى الفتى، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ يس: ١ – ٢ فصرت تأمرنا بالصافات، فقال: يا بنى لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته”().
فهذهِ الرواية تدلّنا على أمرين هما:
1ـ طاعة القاسم (عليه السلام) لِأبيهِ الكاظم (عليه السلام)، فلم يعترض على أبيهِ عندما أمرهُ بقراءة القرآن، وهذا يعني أنّهُ بار بأبيهِ، وهذهِ رسالة للشباب بأن يكونوا بارّين بآبائهِم وأُمهاتهِم.
2ـ أنّهُ قراءة القرآن وهذا يدل على تواصلهِ مع القرآن وعدم انقطاعهِ عنهُ، وهذهِ أيضاً عِبرة لنا بأن لا ندع قراءة القرآن فقط في شهر رمضان، بل البعض حتى في شهر رمضان لا يقرأ القرآن.
وذكرَ الشيخ المفيد قائلاً: “وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام، سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى منهم: علي بن موسى الرضا عليهما السلام ، وإبراهيم، والعباس، والقاسم ، لأمهات أولاد. وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسين.، لأم ولد . وأحمد ، ومحمد ، وحمزة ، لأم ولد . و عبد الله ، وإسحاق، وعبيد الله، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وسليمان ، لأمهات أولاد. وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى ، ورقية ، وحكيمة ، وأم أبيها ، ورقية الصغرى ، وكلثم ، وأم جعفر، ولبابة، وزينب ، وخديجة ، وعلية ، وآمنة، وحسنة ، وبريهة، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة ، وأم كلثوم ، لأمهات أولاد… ولكُل واحد من ولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فضل ومنقبة مشهورة”().
فهذا يعني أنّ للقاسم (عليه السلام) منقبة وفضل عظيم، ولكن التاريخ لم يُصرّح لنا بها، ويكفي في ذلك فضل ومنقبة قول أبيهِ الكاظم (عليه السلام) في حقّهِ، وهي الرواية التي ذكرناها في أوّل الكلام.