معوقات تحقيق الأمن البيئي الناشئة عن سياسات التنمية غير المستدامة
م.م انفال خضير عباس خلف الحداد
anfaal.k@uokerbala.edu.iq
قسم الجغرافية التطبيقية -كلية التربية للعلوم الإنسانية -جامعة كربلاء
على الرغم من أن مفهوم الأمن البيئي قد لقي قبولا دوليا واسعا إلا أن العالم لم ينجح في تبني خطوات حقيقية جادة للتوفيق بين متناقضات الأمن والبيئة من جهة وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى، بسبب وجود معوقات والتي غالبا ما تحول دون نجاح جهود التصدي لحماية البيئة، وتحقيق الأمن البيئي، ومن هذه المعوقات نذكر:
أولا: ضعف الوعي والتربية البيئية : على الرغم من الاعتراف الدولي بأهمية التربية البيئية في مجال حماية البيئة، إلا أن سيناريوهات المشاكل البيئية تبين عكس ذلك، نتيجة ضعف الوعي بأهمية التعليم والتربية البيئية، وضعف البنية التنظيمية للمؤسسات والأنظمة التعليمي حيث تعرف التربية البيئية بأنها:”عملية تكوين القيم والاتجاهات فهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط، الإنسان وحضارته بالبيئة، ولاتخاذ القرارات المناسبة المتصلة بتوعية البيئة وحل المشكلات القائمة العمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة فدور وأهمية التربية البيئية لا يقتصر على تدريس المعلومات والمعارف عن بعض المشكلات البيئية، كالتلوث وتدهور المحيط الحيوي واستنزاف الموارد الطبيعية ،وتساهم في إيقاظ الوعي الناقد للعوامل الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية الكامنة في جذور المشكلات البيئية، لأن التربية البيئية تتميز بطابع الاستمرارية والتطلع إلى المستقبل.
ثانيا: ضعف الإمكانيات العلمية والتكنولوجية المتعلقة بالبيئة: إن السيطرة على الأزمات والأخطار البيئية بمختلف أنواعها يستلزم توفير وسائل علمية جدا متطورة، إضافة إلى إمكانيات بشرية مؤهلة ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: وسائل التنبؤ فيما يتعلق بالزلازل والفيضانات، جدران الحديد ذات المسافات العالية أمام الموانئ ولاسيما آليات الرصد البيئي، تكنولوجيات الطاقة المحسنة والطاقة المتجددة..إلخ.
ثالثا: المعوقات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه تحقيق الأمن البيئي: تتعدد المعوقات الاجتماعية والاقتصادية فالنمو الديمغرافي، أنماط الإنتاج والاستهلاك والفقر كلها عوامل تعيق تحقيق الأمن البيئي ، فالزيادة الكبيرة لعدد سكان العالم حتما سيؤدي إلى التدهور البيئي، خاصة في حالة تحسن المستوى المعيشي والصحي، الأمر الذي نتج عنه هلاك الأراض ي الزراعية ونقص في الغابات والمراعي بسبب التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية، وذلك بسبب ظاهرة النزوح الريفي وتضخم المدن، مما خلق مشاكل كثيرة منها نقص الغذاء ومشاكل حول السكن، الأمر الذي استدعى وسائل تكنولوجية حديثة أدت إلى خلق النفايات وتدهور الهواء والماء إضافة إلى ذلك انتشار ظاهرة الفقر الذي اعتبرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأنه:
وضع بشري يتميز بالحرمان المستديم والمزمن من الموارد والإمكانيات والخيارات والأمن والقدرة الضرورية للتمتع بمستوى معيشي مناسب، ومن الحقوق الأساسية المدنية والسياسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالفقر يحد من قدرة الأفراد على الاستجابة للتدهور البيئي والتكيف معه، فالكيفية التي يعيش بها الإنسان والفرص والرفاهية ترتب إلى حد بعيد بالبيئة، فضلا عن أنماط الاستهلاك غير المستدام، أو أنماط الإنتاج والاستهلاك الغير عقلاني للموارد الغير متجددة بهدف إشباع حاجيات المجتمع المتزايدة، فهي تشكل تهديدا على البيئة ومواردها.
رابعا: المعوقات الدولية التي تواجه تحقيق الأمن البيئي : نقصد بالمعوقات الدولية التي تواجه تحقيق الأمن البيئي تلك المعوقات ذات الصبغة الدولية، والتي تحول دون التصدي للمشاكل البيئية تكون في الغالب عابرة للحدود بشكل فعال نتيجة لما تتطلبه عملية المواجهة تكاثف جهود أكثر من دولة، أو لما قد يترتب على الحماية من تبعات قد تعرض مصالح الدول للضرر وانطلاقا مما تقدم سنحاول تقديم أهم هذه المعوقات بتفصيل أكثر فيما يلي:
- غياب التعاون الدولي لحماية البيئة إن أحد الأسباب الكامنة وراء التدهور البيئي: يتمثل في غياب العمل الإنساني المشترك في مواجهة الأخطار والمشاكل البيئية، لهذا يؤكد المسئولون المتخصصون في حماية البيئة أن العديد من القضايا التي تهدد البيئة، لا يمكن التعامل معها إلا على المستوى الدولي، كما يؤكدون أن الإجراءات التي يمكن للدولة أن تتخذها بمفردها ستكون غير كافية لمعالجة مشكلات البيئة، إذ أن المعالجة تحتاج إلى عمل جماعي من قبل دول العالم مجتمعة، وهذا ما تفتقر إليه السياسات الرامية إلى تحقيق الأمن البيئي العالمي، فعلى الرغم من إبرام العديد من الاتفاقيات والعديد من القمم للتعاون الدولي في مجال البيئة إلا أنها تظل حبرا على ورق.
- أن قواعد القانون الدولي للأمن البيئي لا تزال تفتقد إلى الجزء الرادع وإلى السلطة الدولية المهيمنة، وتأخذ معظم المؤتمرات الدولية توصيات غير ملزمة للدول بالتنفيذ ، ولا توجد قوة ملزمة حقيقية لهذه التوصيات وإن سميت قرارات، فلا تزال الدول النووية تلوث البيئة، وتجري تجاربها في البحر والبر ضاربة عرض الحائط، سلامة البيئة واتفاقياتها الدولية، وقامت بعضها بتصدير نفاياتها الذرية الخطرة لدفنها في أراضي الدول النامية مقابل مبالغ زهيدة، ورغم عجزها عن مواجهة آثارها، ورفضت دول أخرى وضع قواعد حامزة لحماية البيئة وإلزام مشروعاتها الصناعية بها، حتى لا ترتفع أسعار منتجاتها فتكون أقل قدرة على منافسة منتجات الدول الأخرى المنافسة، ودول كثيرة تتقاعس عن التصديق على المعاهدات الدولية في مجال حماية البيئة، ودول صادقت على تلك المعاهدات بدون تطبيقها فعليا.
- الاعتبارات السياسية المتعلقة بمصالح الدول بالبحث في المؤتمرات والمعاهدات والأبحاث الدولية التي نوقش فيها موضوع البيئة، نجد أن لعديد من المشكلات البيئية ليست ناجمة عن نقص في الموارد أو عجز لرأس المال الطبيعي لكوكب الأرض بقدر ما هي محصلة لغياب الضوابط، الأخلاقية والإنسانية في مجال سياسات وأساليب التنمية المطبقة، فهذه السياسات يغلب عليها بشكل عام طابع المصالح والاعتبارات السياسية للدول تحت ستار المبادئ والشعارات التي لا وجود لها على أرض الواقع، فهناك دول تدعي ممارسة الدبلوماسية الخضراء في سلوكها وتدافع عنها في إعلامها، لكن مقابل ذلك لا تتوانى في إعلان الحرب على البيئة عندما تتعارض مع مصالحها، ومن جهة أخرى نجد مواقف الدول النامية التي تتحجج بالسيادة وبضعف الإمكانيات العلمية والتقنية لمواجهة المشاكل البيئية، وتطبيق ما تنص عليه الأدوات الدولية لحماية وترقية البيئية وتحقيق الأمن، كل هذا يتم أمام محف المخاطر والتهديدات البيئية من تصحر وجفاف نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض، وتستنزف فيها الطبيعة من أجل ميادة النمو الاقتصادي وتحقيق رفاهية القليل ويجوع فيه الكثير من أجل الرفاهية.